بقلم السفير محمد الصوفي
فاجأ وزير الشؤون الخارجية في دولة مالي جلسة مجلس الأمن يوم 16 يونيو الجاري بطلب بلاده مغادرة بعثة الأمم المتحدة في مالي بصفة عاجلة مبررا هذا الطلب بفشل البعثة في الاستجابة للتحدي الأمني بعد عشر سنوات من العمل غير المجدي حسب تعبيره.
القرار الذي فاجأ المشاركين في الدورة الحالية لمجلس الأمن طرح لدى المراقبين العديد من الأسئلة حول خلفياته وما يمكن أن يترتب عليه من نتائج إلا أن توقيت القرار يطرح عدة أسئلة من حيث السياق الزمني والظرف الراهن فيبدو أن وزير الخارجية المالي قد سعى إلى إحداث ضجة إعلامية للاستهلاك الداخلي في مالي.
فالقرار جاء قبل يومين من موعد الاقتراع على مشروع الدستور الجديد في البلاد المقرر يوم 18 يونيو الجاري وفي ظل انقسام بين رافضين ومؤيدين ويهدف إصدار القرار بهذه الطريقة حسب بعض المحللين إلى إرضاء الجناح السيادي في الرأي العام المالي استدرارا للتأييد من أجل تبرير التصويت على مشروع الدستور بنسبة مقبولة.
لكن إلى جانب الجناح السيادي في الرأي العام المالي ،هناك طوائف أخرى من السكان تعارض قرار طرد بعثة الأمم المتحدة ذلك ما عبرت عنه عدة جمعيات أهلية في شمال مالي كما انتقد عدد من السكان في إقليم غاوه و تومبكتو طرد البعثة و طالبوا بالتراجع عن القرار.
ويلاحظ البعض أن القرار تزامن مع مكالمة هاتفية مطولة بين رئيس المجلس العسكري الانتقالي الحاكم في مالي غاسيمي كويتا والرئيس الروسي افلاديمير بوتين وفي ذلك نوع من تذكير الدول الغربية بالتوجه الجديد لمالي.
ليس قرار الطرد غريبا في سياق العلاقات المتوترة بين بعثة الأمم المتحدة والسلطة الانتقالية الحاكمة في مالي نظرا لما عرفته علاقات الطرفين من توتر منذ عدة أشهر من ذلك قرار سلطات باماكو تقييد تحركات البعثة ومن ذلك الاحتقان ونوبات التوتر بعد التقارير التي تصدرها الأمم المتحدة عن ما تسميه انتهاكات وتجاوزات يرتكبها الجيش المالي و أعوانه من مجموعة فاغنر الروسية في حق المدنيين في بعض المناطق.
لكن ما يسترعي اهتمام المراقبين في قرار طرد بعثة الأمم المتحدة في مالي لا يتعلق بالدرجة الأولى بخلفيات هذا القرار وإنما بتبعاته وما يترتب على تنفيذه فرغم الطابع ألاستعجالي للقرار فإن مغادرة البعثة لا يمكن من الناحية العملية أن تتحقق دون فترة تحضير ومفاوضات وجوانب لوجستية معقدة جدا قد تتطلب عملا يستمر عدة شهور وقد يتجاوز السنة. فلابد مثلا في الدخول في مفاوضات بين الأمم المتحدة وحكومة باماكو من أجل اتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل انسحاب البعثة وعتادها وما يترتب على ذلك من إجراءات.
ذلك عن الجانب الأول من تبعات القرار، الجانب الثاني يتعلق بما يشكله انسحاب البعثة من تهديد لمستقبل اتفاق السلام الموقع سنة 2015 في الجزائر بين حكومة مالي والحركات المتمردة في إقليم أزواد. فالبعثة كانت تشرف وتؤمن المفاوضات بين الطرفين خاصة في محاولة تفعيل الاتفاق. الجانب الثالث من التبعات يتعلق بما كانت توفره البعثة من حماية وتأمين لبعض المدن والسكان القاطنين في بعض مناطق البلاد قرب ثكنات وقواعد البعثة المنتشرة في مناطق متعددة من أراضي مالي فتفكيك هذه القواعد والثكنات ومغادرة البعثة ستترك السكان المحليين معرضين لخطر هجمات الجماعات المسلحة وعمليات الانتقام التي كثيرا ما تودي بحياة الكثير من المدنيين.
كما ستشكل مغادرة بعثة الأمم المتحدة أيضا توقفا لجانب آخر من نشاطها وهو المراقبة والتوثيق للانتهاكات والتجاوزات التي تقع في حق بعض الفئات السكانية وهذا الجانب بالذات كان مصدرا للتوتر بين البعثة والسلطة المركزية في مالي وما تقريرها الأخير الذي تحدث عن مقتل المئات من المدنيين في إحدى البلدات إلا أحدى العوامل التي عجلت بالوصول إلى القطيعة بين البعثة والسلطات في مالي.
وفي الخلاصة يرى المراقبون أن الطابع ألاستعجالي واللهجة الصارمة التي طبعت قرار السلطات المالية بطرد بعثة الأمم المتحدة لا يخلو من طابع دعائي للاستهلاك الداخلي والتهويل في الظرفية الانتخابية الحالية أما من الناحية العملية فيرى المراقبون أن تنفيذ القرار لا يمكن أن يتم بصفة مستعجلة وحتى الآن ما زال المراقبون ينتظرون المزيد من التصريحات من الطرفين لتوضيح بعض جواب القرار وخلفياته.