إعداد/ دينا لملوم
فى الوقت الذى يعانى فيه العالم وبشكل خاص القارة الإفريقية من تبعات الحرب الروسية؛ كان لزامًا على الأطراف المختلفة بذل الجهود للعب دور الوساطة فى هذا الصراع ومن ثم إيجاد مخرج سلمى له، إلا أن تلك المحاولات لم تؤتِ ثمارها، وفى هذا الصدد طرح قادة ست دول إفريقية بطرح مبادرة لإحلال السلام فى أوكرانيا بعد اقتراب كسر حاجز العام ونصف العام على حربٍ ضروسٍ استنزفت مقدرات دول عديدة، والتى لم يعد بمقدور إفريقيا تحمُّل تكلفتها، حيث تفاقم أزمة الغذاء والجوع، وغيرها من التداعيات التى تمخضت عنها، وتعكس هذه التحركات مدى التنسيق المشترك بين القادة الأفارقة للعب دور الوسيط بين طرفى صراع دوليين؛ لمحاولة الخروج من هذه الحلقة المفرغة، إضافة إلى محاولة تخفيف الضغوط التى خلفتها ظروف الحرب.
مبادرة سلام إفريقية:
فى السادس عشر من مايو المنصرم أعلن رئيس جنوب إفريقيا “رامافوزا” عن مبادرة السلام الإفريقية بمشاركة ست دول إفريقية (جنوب إفريقيا- مصر- السنغال- أوغندا- زامبيا- الكونغو)، وزار بالفعل القادة الأفارقة موسكو وكييف فى السادس عشر والسابع عشر من يونيو ٢٠٢٣، وعلى الرغم من موافقة الرئيس الأوكرانى على التباحث بشأن مبادرة السلام الإفريقية، إلا أنه اشترط لذلك سحب القوات الروسية من الأراضى الأوكرانية، وكخطوة أولى لإحلال السلام؛ لابد من وقف الأعمال العدائية بين الطرفين، ومن ثم الدخول فى إطار عمل من أجل دعم السلام والاستقرار، وقد قدم وفد الدول الإفريقية مقترحًا اشتمل على عشر نقاط أساسية أهمها:
- خفض التصعيد بين الجانبين.
- ضمان سيادة الدول وفقًا لميثاق الأمم المتحدة.
- وضع ضمانات أمنية لجميع الأطراف.
- إزالة كافة الحواجز أمام تصدير الحبوب عبر البحر الأسود.
- تحرير أسرى الحرب.
- إعادة الإعمار فى البلاد بعد الحرب.
دلالات مهمة:
على الرغم من إعلان “رامافوزا” تبنيه للمبادرة للوهلة الأولى، إلا أن بعض الدول والتى سبق ذكرها أعلنت تضامنها وتأييدها لهذه الخطوة الهادفة إلى البحث عن حل سلمى للحرب الدائرة فى أوكرانيا؛ تجنبًا لوقوع حصيلة جديدة من الخسائر فى الأرواح، وتعكس هذه الخطوة مدى قدرة القادة الأفارقة على الانخراط فى الأزمات الدولية ومحاولة إيجاد مخرج لواحدة من أهم الأزمات المعاصرة منذ انتهاء حقبة الحرب الباردة، وقد تشكلت محاولات إفريقية سابقة لكنها كانت تحت مظلة الاتحاد الإفريقى، وقد حظيت المبادرة بالشرعية الكاملة عبر دعم منظمة دولية كالأمم المتحدة التى رحبت بشكل كامل بالمقترحات المقدمة من قبل قادة الدول الست، ما دامت تسعى للحل الدبلوماسى والسياسى بما يتماشى مع ميثاق الأمم المتحدة، أيضًا دعم الاتحاد الإفريقى لمبادرة كهذه يشكل نهجًا إفريقيًا متعدد الأطراف يمثل فى المجمل القارة الإفريقية ويؤسس لها صوتًا دائمًا فى الأزمات الكبرى على كافة الأصعدة الدولية منها والإقليمية، وهو ما يفسح المجال أمام إفريقيا لأن تصبح فاعلًا رئيسيًا يندرج ضمن قائمة الفواعل الدولية المهمة.
مبادرات سابقة:
تندرج مبادرة السلام الإفريقية ضمن سلسلة من المساعى الخارجية المتعددة التى سعت لحلحلة الأزمة بين روسيا وأوكرانيا ومحاولة لعب دور الوسيط بينهما عبر محادثات سلام عدة، ويمكن تناول أبرز هذه المبادرات فى التالى:
- مبادرة الصين: حيث قدمت “بكين” مبادرة فى فبراير الماضى تقضى بتسوية النزاع الروسى الأوكرانى، وقد حملت هذه المبادرة شعار “موقف الصين تجاه الحل السياسى للأزمة”، واشتملت على ١٢ بندًا، منها الدعوة لوقف الأعمال العدائية واستئناف محادثات السلام بين الطرفين وإيجاد حل للأزمة الإنسانية التى تعانى منها البلاد، إضافة إلى تسهيل تصدير الحبوب ودعم مرحلة إعادة الإعمار.
- البرازيل ومجموعة السلام: فى فبراير الماضى أعلن الرئيس البرازيلى إطلاق مفاوضات للسلام بين روسيا وأوكرانيا، وأشار إلى ضرورة تحمُّل مجموعة من الدول غير الضالعة فى الحرب مسؤولية إعادة السلام مرة أخرى.
- مجموعة الاتصال العربية: عمد مجلس جامعة الدول العربية إلى إنشاء مجموعة الاتصال العربية فى فبراير ٢٠٢٢؛ للعمل على بلورة حل سياسى للحرب الروسية الأوكرانية يتماشى مع ميثاق الأمم المتحدة، وإجراء المشاورات اللازمة لتخفيف حدة التوترات القائمة، والدعوة إلى ضرورة التهدئة وضبط النفس والمضى قدمًا نحو الحل السلمى لهذا النزاع.
- اتفاقية الحبوب: تعد أكبر إنجاز حقيقى ملموس على خط سير الأزمة بأكملها، وتم إبرام هذا الاتفاق بين روسيا وأوكرانيا يوليو الماضى بوساطة الأمم المتحدة وتركيا؛ من أجل تخفيف حدة الصدع الذى أثر على العالم بأسره فيما يتعلق بأزمة الغذاء، فقد نص الاتفاق على تمكين طرفى الأزمة من تصدير حاصلاتهم الزراعية؛ لامتصاص الصدمات التى سببتها أزمة الغذاء العالمية، وقد كان من المقرر انتهاء هذه الاتفاقية ١٩ نوفمبر ٢٠٢٢، ولكن تم تمديدها مرارًا وتكرارًا على أن تنتهى ١٨ يوليو المقبل، وفى مايو الماضى خرجت أكثر من ٩٥٠ شاحنة أوكرانية تحمل أكثر من ٣٠ مليون طن من الحبوب ومنتجات غذائية أخرى إلى ما يزيد على ٤٠ دولة عبر العالم.
وقد تقدم بوتين وزيلينسكى برؤى مختلفة لتسوية الوضع فى أوكرانيا، فضلًا عن دول أخرى كتركيا والمكسيك والفاتيكان، وعرض السعودية والإمارات لجهود الوساطة فى هذه الحرب، إلا أنه وعلى الرغم من تعدد الجهود الرامية لحلحلة هذه الأزمة؛ لكنها لم تؤتِ ثمارها، وواجهت تحديات عديدة حدت من تأثيرها على أرض الواقع منها:
- ضعف التكامل:
لم تحظَ أى من المبادرات – باستثناء المبادرة الصينية التى قوبلت بالرفض من قبل الاتحاد الأوروبى- التى قُدمت بدعم من القوى الكبرى المؤثرة أو حتى من الأمم المتحدة؛ لوقف مسلسل الدماء المستمر فى أوكرانيا وإنهاء حلقة الصراع المعقدة.
- تأزم مشهدى:
سعى كل من الطرفين الروسى والأوكرانى لفرض شروطه على الطرف الآخر، وهو ما شكل حجر عثرة أمام الوصول إلى تسوية سلمية للأزمة، فموسكو ترى فرض سياسة الأمر الواقع عبر ضم ٤ مناطق أوكرانية أى ما يقرب من ٢٠٪ من مساحة أوكرانيا، أما كييف فترى ضرورة انسحاب روسيا من الأراضى الأوكرانية التى سيطرت عليها، لتسير الأوضاع داخل حلقة مفرغة تتفاقم معها حدة الصراع، مع غياب ملامح التهدئة بشكل كبير فى ظل هذا المشهد المأزوم.
- صراع يدار على أراضٍ أوروبية:
على الرغم من تعدد المبادرات من قبل قوى غير غربية عديدة، إلا أن كافة الدول الأوروبية والاتحاد الأوروبى ناهيك عن الولايات المتحدة الأمريكية التى كانت سلبية فى التعاطى مع الأزمة من جهة تقديم حلول ومشاعر حميدة، فقد اكتفت بدعم أوكرانيا عسكريًا؛ نكاية فى العدو الأكبر لها “روسيا” بحجة واهية تكمن فى الدفاع عن أمن الغرب، ومن هنا فإن أوروبا والولايات المتحدة لم تسعَ سوى لتحقيق مصالحها، فقد عملت على تأجيج الصراع الأوكرانى عبر دعم أوكرانيا، وتلك المحاولات لم تكن سوى الشرارة التى ألهبت فتيل الحرب وأطالت أمدها، فلم تحظَ مساعى الغرب بالقبول لدى روسيا، وكذلك مبادرات الشرق الأوسط لم تلقَ قبولًا لدى أوكرانيا.
ومن ثم فالمبادرة الإفريقية ربما تمثل بارقة أمل وحل وسط فى ظل هذه التخبطات، فالطرف الروسى ونظيره الأوكرانى يسعى لتحسين العلاقات مع الدول الإفريقية لحشد تأييد دولى بقوة لا يستهان بها، كما أن روسيا باتت مؤخرًا تلعب دورًا محوريًا فى إفريقيا، وبالتالى فهى فى غنى عن خسارة أى طرف من الدول الست أصحاب المبادرة، وبالنظر إلى علاقات هذه الدول بالمعسكرين، نجد أنهم فضلوا الاحتفاظ بمسافة واحدة من هذه الحرب واتباع الحياد بتجنب دعم طرف على حساب الآخر، كما أن المصلحة المشتركة تقضى بتسوية الصراع على الأقل لوقف الآثار السلبية المترتبة على الحرب، والتى طالت الدول الإفريقية بشكل كبير؛ لذا فقد أعطى هذا الحياد الثقة للأطراف المتصارعة، الأمر الذى تلاشى فى المبادرات التى سبق تقديمها من قبل أطراف غربية وشرق أوسطية، أيضًا ما يعطى دفعة لقبول هذه المبادرة هو حرص روسيا على إنجاح قمتها الإفريقية الثانية المزمع عقدها بعد مناقشة المبادرة وربما بالتزامن معها.
سيناريوهات محتملة:
السيناريو الأول:
ديمومة الحرب: قد تدفع الأوضاع إلى مواصلة مسلسل الحرب وإصرار روسيا وأوكرانيا على مواقفهما خاصة فى ظل رفض الرئيس الأوكرانى أى محاولات للتسوية دون سحب روسيا قواتها فى أوكرانيا، كل هذا مع محاولة التنصل بدبلوماسية من المبادرة المقدمة من قبل القادة الأفارقة؛ حفاظًا على العلاقات بينهما.
السيناريو الثانى:
وقف إطلاق النار: قد تسير دفة الأمور نحو عملية بناء السلام عبر وقف إطلاق النار كخطوة تمهيدية للجلوس على طاولة المفاوضات تحت مظلة الأمم المتحدة، وإجراء صفقة تبادلية تشمل سحب القوات الروسية من الأراضى الأوكرانية مقابل رفع العقوبات المفروضة على روسيا، وسحب مذكرة الاعتقال التى صدرت ضد بوتين، مع الأخذ فى الاعتبار مطالب الجانب الروسى ونظيره الأوكرانى والتأكيد على ضرورة البعد عن الإملاءات الغربية، حيث البعد عن كافة الأطراف سواء الداعمة لروسيا أو لأوكرانيا؛ والبحث عن دبلوماسية حيادية ومتوازنة تعمل على تخفيف وطأة الضغوط التى سببتها الحرب، ليس على الصعيد الروسى الأوكرانى فحسب، بل على العالم بأكمله.
السيناريو الثالث:
استجابة محدودة: ربما يستجيب الطرفان للمبادرة المطروحة استجابة محدودة، وقبول مقترحات الطرف الآخر بشكل يؤشر باحتمالية الدفع نحو تسوية سلمية، أو على الأقل إتاحة الفرصة لفتح أوراق هذه القضية وقبول التفاوض للوصول إلى حل وسط يُرضى الطرفين.
ختامًا:
بالنظر إلى كافة المعطيات السالف ذكرها، نجد أن نجاح المبادرة الإفريقية لن يكون بالأمر اليسير؛ نظرًا لتشابك وتعقد الأطراف المنغمسة فى الصراع، مع تكالب كل طرف على تحقيق مصالحه الخاصة، ولكن هذه المساعى ربما تعمل على كسر حالة الجمود التى شكلت حجر عثرة أمام حلحلة الأزمة، أيضًا قد تدفع إلى فتح آفاق أوسع لإجراء محادثات ومفاوضات جادة بين الطرفين المتصارعين، قد تؤدى فى نهاية المطاف إلى التوصل لتسوية عادلة ومُرضية للطرفين.