تقدير موقف بعنوان: بعد انضمام فنلندا للناتو.. هل ستحظى السويد بالمباركة التركية؟ كنظيرتها؟

إعداد/ دينا لملوم

بعدما حظيت فنلندا بالمباركة التركية وتمكنت بالفعل من الانضمام للناتو فى أبريل الماضى، تعمل السويد على قدم وساق للحاق بنظيرتها الفنلندية وسط رفض تركى لهذه المحاولات، ولكن “ستوكهولم” عملت على تسريع كافة الإجراءات التى نص عليها الاتفاق الذى أبرمته مع “أنقرة” فيما يتعلق بمعالجة المخاوف الأمنية التركية، وتسليم عضو فى حزب العمال الكردستانى إلى تركيا، كما أن واشنطن تسعى جاهدة لضم هذه الدولة الاسكندنافية للحلف، وبالتالى فمن المرجح أن تلحق السويد بفنلندا قريبًا وتحظى بالمباركة التركية وتصبح عضوًا فى الناتو.

إجراءات سويدية:

بعدما أعطى الرئيس التركى رجب طيب أردوغان الضوء الأخضر لفنلندا وانضمت بشكل فعلى للناتو، زادت طموحات السويد للحاق بنظيرتها، وثمة عدة تطورات باتت “ستوكهولم” تتبعها فى سبيل معالجة اعتراضات “أنقرة” على طلب انضمامها، وهو ما يعد دفعة قوية وبارقة أمل تؤشر باحتمالية الانضمام إلى الناتو فى القريب العاجل:

  1. مجابهة التطرف والإرهاب:

تبنت السويد حزمة من الإجراءات والتشريعات التى تهدف لمكافحة الإرهاب والأنشطة المحظورة، فقد أقر البرلمان السويدى فى ٤ مايو الماضى، حزمة من القوانين المتعلقة بحظر أنشطة التنظيمات المتطرفة، ودخلت هذه القوانين حيز النفاذ مطلع يونيو الحالى، كما أنها سعت لمطاردة الجماعات الإرهابية، وتصعيد عملياتها ضد حزب العمال الكردستانى وحظر أنشطته أو أى منظمات تابعة له أو تعمل كواجهة له، وفى هذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن السويد عدلت أيضًا فى نوفمبر الماضى دستورها لتسمح بمحاصرة الكيانات الإرهابية، وذلك يعد تطورًا ملحوظًا على الصعيد السياسى والقانونى أشادت به تركيا.

  1. إلغاء حظر الأسلحة المفروض على أنقرة:

فى أكتوبر عام ٢٠١٩ فرضت الحكومة السويدية حظرًا على تركيا؛ بسبب شن الجيش التركى عملية عسكرية على وحدات حماية الشعب الكردية شمال سوريا، ولكن “ستوكهولم” عدلت عن مسارها وعملت على رفع هذا الحظر ضمن سلسلة الإجراءات التى تسلكها للوصول إلى الناتو، وقد أبدى الجانب التركى حرصه على استعادة العلاقات العسكرية مع السويد؛ نظرًا لما تمتلكه من تكنولوجيا عسكرية متطورة من شأنها تعزيز القدرة العسكرية لتركيا. 

  1. تسليم أحد داعمى حزب العمال الكردستانى:

كان من بين مطالب تركيا تسليم أحد داعمى حزب العمال الكردستانى، الذى تُدرجه أنقرة كمنظمة إرهابية، وقد استجابت المحكمة العليا السويدية لهذا المطلب فى ١٢ يونيو الحالى، باعتبار ذلك أحد الشروط التى وضعتها أنقرة للتصديق على عضوية السويد بحلف الناتو.

  1. حظر حرق المصاحف:

لقد أدت حادثة حرق نسخة من القرآن الكريم قرب السفارة التركية باستكهولم إلى تأجيج مشاعر الغضب لدى أردوغان، وأن السويد لابد ألا تتوقع دعم تركيا لملف انضمامها إلى الناتو؛ لذا فقد اتجهت الحكومة السويدية إلى محاصرة ومنع أى تجمعات أو تظاهرات سلبية ضد تركيا ومنع محاولات حرق المصاحف، وبالتالى التوقف عن استفزاز الجانب التركى.

اجتماع ثلاثى:

استقبلت العاصمة التركية فى ١٤ يونيو الجارى اجتماعًا ثلاثيًا تضمن تركيا والسويد وفنلندا بحضور ممثلين عن حلف شمال الأطلسى، وتمت مناقشة رغبة السويد فى الانضمام للحلف، مع التطرق إلى موقف تركيا من هذه الرغبة ومطالبها فى إطار هذه الرغبة، ناهيك عن تناول الإجراءات التى اتخذتها “ستوكهولم”، مع سعى الإدارة الأمريكية للضغط على الجانب التركى ومطالبته بسرعة البت فى أمر السويد حتى تتمكن من المشاركة فى قمة قادة الناتو فى “فيلنيوس الليتوانية” المزمع عقدها منتصف يوليو المقبل.

ما بعد الانتخابات التركية:

تمكن أردوغان من الفوز بمقعد الرئاسة مايو الماضى، إلا أنه يواجه تحديات جسام تهدد اقتصاد البلاد، حيث استمرار الأزمة الاقتصادية وتراجع سعر الليرة، وبالتالى تشكيل ضغوط خارجية عليه قد تدفعه إلى قبول عضوية السويد فى حلف الناتو؛ نظرًا للاعتبارات التالية:

  1. تحول تركيا إلى واجهة مهمة باتت العديد من الشركات الأوروبية والأمريكية تلجأ إليها بعدما أغلقت مقراتها فى روسيا بسبب الحرب فى أوكرانيا.
  2. سعى أنقرة للحصول على صفقة تمكنها من تأمين مصالحها مع الدول الغربية الأعضاء فى الناتو، كفتح الباب أمام انضمام تركيا للاتحاد الأوروبى.
  3. رغبة تركيا فى الحصول على طائرات “إف ١٦” من الولايات المتحدة الأمريكية، وتعزيز العلاقات معها فيما يتعلق بمشاريع تطوير الجيش التركى.

ومن هنا يمكن القول إن أنقرة فى غنى عن أى ضغوطات غربية، فهى فى حاجة إلى دعم دول الحلف للاقتصاد التركى عبر ضخ الاستثمارات الأجنبية التى ستمكن البلاد من مجابهة التحديات وتخطى العقبات التى يعانى منها الاقتصاد الوطنى، ومن ثم خدمة أهداف أردوغان بعد فوزه فى الانتخابات.

سيناريوهات محتملة:

تقف قضية انضمام السويد لحلف شمال الأطلسى على المحك، فالأمر متوقف على تركيا، والقرارات التى ستتخذها خلال الفترة المقبلة، وهو ما يضعنا أمام عدة سيناريوهات:

السيناريو الأول:

انضمام غير محدد المدة: قد تنضم السويد إلى عضوية حلف الناتو فى أقرب وقت ممكن إذا ما أوفت بكافة المتطلبات التركية، فالحكومة التركية تسعى للحصول على أكبر قدر من التنازلات من قبل السويد مثلما فعلت مع فنلندا، فأنقرة لن تقف طويلًا أمام هذا الطلب، خاصة وأن كافة دول الناتو تعمل على قدم وساق لضم “ستوكهولم”.

السيناريو الثانى:

انضمام مع القمة: ربما يتم قبول “ستوكهولم” فى الناتو مع اقتراب انعقاد قمة “فيلنيوس” فى ظل الضغط المستمر من قبل واشنطن على الرئيس التركى واستخدام قضية طائرات “إف ١٦” كأداة تقدمها الولايات المتحدة على الطاولة لإقناع أردوغان.

السيناريو الثالث:

مماطلة تركية: ربما يلجأ أردوغان للمماطلة بشأن قبول السويد بشكل رسمى وإرجاء هذا الطلب لأجل غير مسمى؛ تجنبًا للصدام مع روسيا وفى نفس الوقت ضمان عدم ضياع فرصة الاستفادة من الغرب والإمساك بالعصا من المنتصف، خاصة فى ظل الأوضاع الضبابية التى يشهدها الاقتصاد التركى والتحديات التى يجب على أردوغان التعامل معها بعد فوزه فى الانتخابات الرئاسية، وهو سيناريو مستبعد إلى حد ما، ولكن ربما تلجأ إليه أنقرة إذا تطلب الأمر.

ختامًا:

بالنظر إلى المواقف المشتركة بين محاولات انضمام فنلندا والسويد للناتو، نجد أن أردوغان فى كلا الحالتين سعى للعب على كافة الأوتار لتعظيم مكاسبه وتجنب الخسائر، فالاختبار الحقيقى قبل الانتخابات الرئاسية التركية تمثل فى ضم فنلندا للناتو، وهو ما ساعد على جذب الفواعل الأوروبية لدعمه والمساهمة فى جهود إعادة الإعمار، مع ضمان الحشد الدولى فى صفوفه، أما فى حالة السويد، نجد تحديات ما بعد الانتخابات تحصر أردوغان فى دائرة مغلقة يبحث فيها عن محاولة لكسب الغرب فى صفه، وفى ذات الوقت الحذر من استفزاز روسيا وخسارة حليف إستراتيجى لها، ولكن من المرجح بشكل كبير قبول “ستوكهولم” عضوًا فى الناتو عما قريب، فربما تتسارع وتيرة الأحداث ويتحقق هذا المطلب مع قمة “فيلنيوس”، وربما فى وقت لاحق، وذلك فى ظل اتباع تركيا سياسة تسعى لتجنب الصدام مع أى قوى تربطها بأنقرة مصالح وأهداف مشتركة.

كلمات مفتاحية