إعداد: رضوى الشريف
يبْرُزُ ملف النفط في ليبيا إلى الواجهة من جديدٍ، ويُنْذِرُ بمشهدٍ قاتمٍ، في بلد يعاني انقسامًا سياسيًّا حادًّا منذ اثني عشر عامًا، وذلك عقب خطابٍ ألقاه قائد الجيش الليبي، خليفة حفتر، ليلة الاثنين الماضي، أمام قيادات عسكرية وأمنية؛ حيث دعا خلال كلمته إلى تشكيل لجنة متخصصة بالإشراف على توزيع إيرادات النفط بين المناطق الليبية بشكلٍ عادلٍ، ووجّه “حفتر” انتقادات واسعة للسلطات المسؤولة في العاصمة طرابلس، وتحدّث عن كارثة مالية واقتصادية ونهب للمال العام وعجز للأجهزة الرقابية، مؤكدًا أن هذا الوضع يجعل الحاجة ملّحة لاتخاذ خطوات عملية لتوزيع عائدات النفط بشكلٍ عادلٍ.
وقال “حفتر”: إن بيانات المصرف المركزي تفيد بأن الاعتمادات المستندية لعام 2022، جرى توزيعها على 1646 شركة، كان نصيب المنطقة الشرقية 7%، ولم تتحصل المنطقة الجنوبية إلا على 2% من مجموع هذه الاعتمادات، ولفت إلى أن تقارير ديوان المحاسبة والرقابة الإدارية في طرابلس، تشير إلى العبث بمقدرات الشعب الليبي بأكثر من 200 مليار دينار، دون أي استفادة للشعب الليبي، متابعًا أن تفاقم الوضع الاقتصادي في البلاد جعل «الحاجة ملحة أكثر من أي وقت مضى لاتخاذ خطوات عملية لتوزيع إيرادات النفط بشكلٍ عادلٍ»، مُنوِّهًا بأن مصرف ليبيا المركزي في طرابلس، أعلن أرقامًا صادمةً؛ إذ إن إنفاق الحكومة بلغ 122 مليار دينار، في حين بلغت الإيرادات النفطية 135 مليار دينار.
كما اتهم “حفتر” أيضًا سفراء الدول الأجنبية، بالمساهمة في تعميق الخلافات بين الليبيين، من دون أن يسمي أيَّ واحد منهم، باستثناء السفير الأمريكي الخاص إلى ليبيا، ريتشارد نورلاند؛ حيث طالبهم بالابتعاد “عن ليبيا والليبيين وعدم تجاوز حدودكم؛ لأنكم من صنعتم الأزمة وزرعتم الفتن بين الليبيين”.
وأعطى “حفتر” مهلةً أقصاها نهاية أغسطس المقبل؛ لتشكل لجنة عليا لتوزيع الإيرادات النفطية بشكلٍ عادلٍ، مهددًا بأنه في حال تعذّر تشكيل اللجنة “سيكون أبناء الشعب الليبي في الموعد للمطالبة بتحقيق طلباتهم المشروعة في الثروة”، وقال: إن قواته “ستكون على أهبة الاستعداد للقيام بالمهام المنوطة بها في الوقت المحدد”، في إشارة لتدخل محتمل لإغلاق مواقع إنتاج النفط.
وفي 24 يونيو الماضي، هدَّد رئيس الحكومة الليبية المكلفة من البرلمان، أسامة حماد، بوقف صادرات النفط والغاز من المناطق الخاضعة لسيطرتها، معتبرًا أن حكومة طرابلس، تهدر عائدات الطاقة، وأشار إلى أن حكومته التي تتنازع على الشرعية مع حكومة الوحدة الوطنية، مستعدة لمزيد من الخطوات بما في ذلك منع تدفق الغاز والنفط ووقف تصديرهما، عبر السعي للحصول على أمر قضائي لهذا الغرض.
وطالب “حماد” أيضًا السفير الأمريكي الخاص إلى ليبيا، بأن يحترم سيادة القضاء الليبي، وألّا يتدخّل بتحيّز لأي طرف، واصفًا تصريحات الأخير في وسائل الإعلام، بأنّها “تدخّل سافر في شؤون الدولة الليبية”، وأتى ذلك بعد دعوة “نورلاند” الفاعلين السياسيين الليبيين إلى عدم التهديد بإغلاق النفط، مشيرًا إلى أنّ هذا التهديد قد يؤدي إلى “تداعيات مدمّرة على الاقتصاد الليبي ويضرّ بالليبيين كافة”.
يجدر بالذكر، بأن إغلاق حقول وموانئ النفط تكرر منذ إسقاط نظام العقيد الراحل، معمر القذافي، عام 2011، ودائمًا ما يرتبط الإقدام على هذه الخطوة، بالمساومات السياسية والمصالح الاقتصادية، لكن سرعان ما تمارس في قضية إغلاق النفط الضغوط الدولية، خاصَّةً وأن ليبيا الغنية عضو في منظمة “أوبك”، وهي تؤثر وتتأثر بالسوق العالمية للخام؛ حيث يبلغ إنتاج ليبيا من النفط 1.2 مليون برميل يوميًّا.
وفي هذا الإطار يُلقي المقال قراءةً تحليليةً حول مدلولات خطاب اللواء، خليفة حفتر، في هذا التوقيت، فهل سينفذ تهديداته؟
انهيار الاتصالات
من المرجح، بأن أهم رسالة ضمنها “حفتر” في خطابه، كانت موجهة لحكومة الوحدة في طرابلس؛ للضغط عليها لتسمح له بالحصول على أموال لإنقاذ أوضاعه المالية، ومن أجل دفع رواتب قواته، وقد يكون ذلك مؤشرًا أيضًا على انهيار الاتصالات غير المباشرة، التي كانت تجري بينه وبين “الدبيبة”؛ لعقد صفقةٍ لتقاسُم السلطة، ولم يعُد أمامه سوى تهديد الحكومة بإغلاق الموارد النفطية.
رسالة للخارج
ومن الرسائل الأخرى التي حملتها كلمات “حفتر” في خطابه، هو الضغط على الخارج، فمن المرجح، أن يقدم فعليًّا على وقف تدفق النفط؛ حيث يستدل على ذلك في الجزء الذي ركز عليه خلال كلمته، في إطار نقده وتهجمه على السفراء الأجانب، والرسالة مفادها؛ أنه لا يزال يمتلك أوراقًا مؤثرةً، خصوصًا أن كلمة “حفتر” جاءت بعد ساعات من ترحيب السفير الأمريكي بتقدم في المداولات بين مؤسسات ليبية حول مسألة توزيع موارد النفط؛ حيث نشرت السفارة الأمريكية، على حسابها بتويتر، تصريحات لـ”نورلاند”، قال فيها: “مسألة كيفية توزيع إيرادات نفط ليبيا المهمة هي إحدى المسائل المتسببة في الصراع في ليبيا، وبالتالي، يسعدني أن تعليقاتي الأخيرة قد أثارت نقاشًا بمثل هذه الفائدة بين القادة الليبيين”.
لذا فدعوة “حفتر” لتشكيل لجنة لتوزيع موارد النفط، بعد حديث “نورلاند” عن تقدم المداولات بين المؤسسات المعنية بالنفط وموارده في شأن توزيع الثروة؛ تهدف ربما لمحاولة قطْع الطريق أمام مساعي “نورلاند”، التي يبدو أنها تتجه للضغط على الأطراف والمؤسسات الليبية؛ للحد من استخدام موارد النفط لتقوية مواقعهم.
خلاصة القول:
السيطرة على موارد النفط والبُنَى التحتية لإنتاجه وتصديره وإيراداته هي محرّك رئيسي للصراع الذي تساهم فيه العديد من القوى الأجنبية، وعدد كبير من المجموعات المسلحة مختلفة الولاءات، والتي بطبيعة الحال ستؤثر على أي خطوة لإجراء الانتخابات القادمة، وسبق وأن حاصرت قوات “حفتر” حقول نفط ليبية وموانئ تصدير في خليج سرت (وسط).
أما بخصوص المهلة التي وضعها “حفتر” قبل تنفيذ تهديده، فإنه يدرك جيِّدًا أنه لن يتمكن من قفْل النفط في الوقت الحالي؛ لتنفيذ تهديداته، بل يهدف في المقام الأول بلفت أنظار المجتمع الدولي لأوراق قوته، لكنه يستطيع ذلك بعد أغسطس؛ وذلك لأن “السعودية، وروسيا” أعلنتا منذ وقتٍ قريبٍ، بأنهما سيستمران في إنتاج النفط بالمستوى المنخفض الحالي الذي لا يتجاوز مليونًا و500 ألف برميل حتى أغسطس المقبل؛ لذا يدرك “حفتر” أن قفْل النفط حاليًّا سيزيد من انخفاض الإنتاج العالمي للنفط، ويُحدث أزمةً لا يقدر هو على مواجهتها مع الدول الكبرى؛ لذا ربما قد ينفذ تهديده بعد أغسطس؛ حيث لن يؤثر توقُّف تدفق النفط الليبي بعد رفع السعودية إنتاجها، وكذلك روسيا.