آفاق العلاقات “المصرية – التركية” بعد قرار رفع مستوى العلاقات الدبلوماسية

إعداد: أحمد محمد فهمي

بعد جولات المحادثات الاستكشافية بين نائبيْ وزيريْ خارجية “مصر، وتركيا”، في القاهرة، في مايو 2021، وأنقرة، في سبتمبر من العام نفسه، والتي ركَّزت على الخطوات الضرورية، التي يمكن أن تؤدي إلى تطبيع العلاقات بين البلديْن على المستوييْن “الثنائي، والإقليمي”، وما تلا ذلك من تطورات في سياق تطور العلاقات “المصرية – التركية”، والتي يُعدُّ من أبرزها؛ التضامن المصري البارز مع تركيا في تداعيات كارثة الزلزال المدمر؛  فقد أعلنت وزارتا خارجية البلديْن عن رفع مستوى العلاقات الدبلوماسية بينهما إلى درجة السفير، والتي تُعدُّ – حسب بيان وزارة الخارجية المصرية – خطوة تهدف إلى تأسيس علاقات طبيعية بين البلديْن من جديد، كما تعكس عزمهما المشترك على العمل نحو تعزيز علاقاتهما الثنائية لمصلحة الشعبيْن “المصري، والتركي”، وفي هذا السياق، قامت مصر بترشيح السفير، عمرو الحمامي؛ لتولِّي منصب سفيرها في أنقرة، بينما قامت تركيا بترشيح السفير، صالح موتلو شن؛ لتولي منصب سفيرها في القاهرة.

وجاء هذا القرار في إطار المسار التدريجي بين البلديْن لتطوير العلاقات، بعد خفْض مستواها وسحب السفراء، في نوفمبر عام 2013؛ نتيجة الموقف السلبي لتركيا تجاه ثورة 30 يونيو، وقد أدى هذا التوتُّر واستمراره إلى تأثير سلبي على عدة قضايا إقليمية حتى بداية عام 2021، حين ظهرت بوادر تحسُّن الأوضاع.

يستند هذا التحليل إلى البحث عن المراحل المقبلة لقرار رفع مستوى العلاقات الدبلوماسية، وكذلك يتناول الاتجاهات المحتملة، أو الفرص المستقبلية للتعاون والتفاعل بين “مصر، وتركيا” في مجالات متنوعة، في ضوء التحولات والتحديات الناجمة عن التطورات اليومية لتداعيات الأزمات الدولية، وتغيُّر موازين القوى العالمية والإقليمية.

أبرز محطات التقارب “المصري – التركي”:

بعد ثورة 30 يونيو 2013، التي نجحت في تحقيق مطالبها بإسقاط نظام الرئيس السابق، محمد مرسي، رفض النظام التركي آنذاك مخرجات الثورة؛ ما أدى إلى اشتعال التوتُّر بين البلدين، ونتيجة للتصريحات الصادرة من أنقرة، التي لم تعترف بشرعية الثورة ومطالبها الوطنية، قررت كلتا الدولتيْن في نوفمبر من نفس العام، خفض مستوى علاقاتهما الدبلوماسية وسحب السفراء، وقد استمر هذا التوتُّر لعدة سنوات، وتضمن احتواء تركيا لجماعة الإخوان المسلمين وعناصرها وقادتها، والسماح ببثِّ قنوات إعلامية لهم؛ للتحريض ضد الدولة المصرية، كما تدخلت تركيا في الشؤون الداخلية للعديد من الدول العربية بمختلف الوسائل؛ ما زاد من عُمْق الخلافات والمشاكل بين البلديْن.

تسبَّب إعلان “أردوغان” في 14 أغسطس 2020، أن “تُجْرَى محادثات على مستوى جهاز المخابرات مع مصر” في مفاجأة كبيرة.

وفي أغسطس 2020، أعلن الرئيس التركي “أردوغان”، أن تركيا تُجْرِي محادثات مع مصر على مستوى أجهزة المخابرات لعودة العلاقات بين البلديْن، وذلك في إطار بدْء القيادة التركية لسياسة الاستدارة وتغيير خطابه تجاه الدول المقاطعة له؛ بهدف إعادة العلاقات معهم، بعدما أدركت مدى سلبية سياستها تجاه الدول العربية، وخاصةً “مصر، ودول الخليج”، وفي مارس عام 2021، أعلن وزير الخارجية التركي السابق، مولود تشاوش أوغلو، عن بوادر أوَّلية لانفراج العلاقات مع مصر، وأشار إلى أنه تم استئناف الاتصالات على مستوى الأجهزة الأمنية ووزارة الخارجية، وأوضح أن إصلاح العلاقات مع مصر يحدث ببطء ولا يمكن تحقيقه في وقت قصير؛ بسبب انقطاع العلاقات لعدة سنوات.

وفي أبريل من العام نفسه، بادر وزير الخارجية التركي بالاتصال بنظيره المصري، سامح شكري؛ لتهنئته بحلول شهر رمضان، في بادرةٍ تشير إلى ملامح مرحلة جديدة في العلاقة بين الدولتيْن، في المقابل، أعرب “شكري” – في تصريحات عقب الاتصال – بأن مصر تُقدِّر التصريحات التركية الأخيرة الإيجابية نحو تطوير علاقاتها مع القاهرة، وفي السياق، وخلال الشهر نفسه، أعلن البرلمان التركي، تأسيس “مجموعة الصداقة البرلمانية بين مصر وتركيا”.

وبعد إعلان أنقرة عن نيتها إرسال وفد رسمي رفيع المستوى إلى القاهرة؛ لإطلاق مفاوضات تهدف إلى تطبيع العلاقات بين البلدين، بدأت في مايو من العام نفسه، المحادثات الاستكشافية بين نائبيْ وزيريْ الخارجية المصري، حمدي لوزا، والتركي، سادات أونال، والتي عقدت في القاهرة؛ للتشاور حول كيفية تطوير العلاقات، بالإضافة إلى مناقشة قضايا إقليمية أخرى، ووفقًا لبيان صادر عن وزارتيْ الخارجية، وصفت المناقشات، بأنها صريحة وعميقة، وتناولت قضايا ثنائية وإقليمية، وخاصة فيما يتعلق بـ”ليبيا، وسوريا، والعراق، ومنطقة شرق المتوسط”، وفي سبتمبر من العام نفسه، تم عقد جولة ثانية من المحادثات الاستكشافية في أنقرة، برئاسة نائبيْ وزيريْ الخارجية أيضًا.

وفي يونيو من العام الماضي، وفي ظلِّ توقُّف المحادثات الاستكشافية بين البلديْن، أعلنت تركيا تعيين السفير، صالح موتلو شن، كقائم بالأعمال في السفارة التركية بالقاهرة، وفي نوفمبر من العام نفسه، شهدت العلاقات بين البلديْن تطوُّرًا كبيرًا بعد مصافحة بيْن الرئيسيْن “المصري، والتركي”، وذلك على هامش حضورهما حفل افتتاح كأس العالم في قطر.

وفي فبراير من العام الحالي، عقب الزلزال المدمر الذي ضرب مدن الجنوب التركي، قام الرئيس “السيسي” بإجراء أول اتصال هاتفي مع نظيره التركي “أردوغان”؛ لتقديم التعازي، والتأكيد عن تضامن مصر مع تركيا في هذا الوضع الصعب، وتلا ذلك وصول مساعدات مصرية عاجلة عبْر طائرات وسفن بحرية، وفي الشهر نفسه، زار وزير الخارجية المصري، سامح شكري مناطق الزلزال في تركيا، برفقة نظيره التركي السابق، تشاوش أوغلو، كما استقبلا سفينتيْن تحملان مساعدات مصرية إلى تركيا، وفي الشهر التالي، زار “أوغلو” القاهرة لأول مرة، وعقد جلسة مباحثات مع “شكري”؛ حيث بحثا التوصل إلى اتفاق يهدف إلى تطبيع العلاقات بين البلديْن، والتحضير للقاء الرئيسيْن “المصري، والتركي”، وفي أبريل، ردَّ وزير الخارجية المصري زيارة نظيره التركي، والتقى به في أنقرة، وعقدا جلسة مباحثات ثانية في فترة قصيرة.

وفي مايو، وبعد نجاح الرئيس “أردوغان” في الانتخابات الرئاسية، قام الرئيس “السيسي” بالاتصال به؛ لتهنئته على فوْزه، كما أكدا على عُمْق الروابط التاريخية التي تربط البلديْن والشعبيْن، واتفقا على تدعيم أواصر العلاقات والتعاون بين الجانبيْن، وقررا البدْء الفوري في رفْع العلاقات الدبلوماسية بين الدولتيْن وتبادل السفراء، وفي يونيو الماضي، وأثناء اتصال وزير الخارجية، سامح شكري، بنظيره الوزير الجديد، هاكان فيدان؛ لتهنئته على تولِّيه المنصب، اتفقا على أهمية المُضيّ قُدُمًا بمسيرة استعادة كامل العلاقات بين البلديْن، والتطلُّع للعمل المشترك بين الطرفيْن في مواصلة العمل على تطوير العلاقات الثنائية بين “مصر، وتركيا” وعودتها إلى طبيعتها، كما تطرق الجانبان إلى ملفات التعاون الثنائي وتبادل الزيارات على مختلف المستويات، فضلًا عن بعض القضايا الأخرى ذات الاهتمام المشترك.

ماذا بعد رفع مستوى العلاقات الدبلوماسية؟

من المتوقع أن أهم المسائل التي ستعمل وزارتا الخارجية في البلديْن على التركيز عليها خلال عملية تطوير العلاقات، فتشمل إجراءات التواصل الرسمي على مستوى رؤساء الدول، وذلك بالنظر إلى بيانات وزراتيْ الخارجية فيما يتعلق بقرار رفع العلاقات الدبلوماسية بينهما، فإنهما قد أشارا إلى أن هذا القرار تمَّ تنفيذه “وفقًا لقرارات رؤساء البلديْن”؛ ما يعكس أن ملف تطوير العلاقات هي عملية يديرها رؤساء الدول على مستوى رفيع.

بالتالي، يتضمن المسار التالي بعد رفع العلاقات الدبلوماسية، عقْد لقاء قمة بين زعيميْ البلديْن؛ لمناقشة عددٍ من الملفات، بما في ذلك العلاقات الثنائية والملفات الإقليمية وحل المشاكل الخلافية، ويتوقع أن يشهد هذا اللقاء إعلان رسائل واضحة، بالإضافة إلى الإعلان عن اتفاقات وأهداف تعاونية ملموسة، وفي هذا السياق، أشارت وسائل إعلام تركية إلى أن الرئيس “السيسي” سيجتمع مع نظيره التركي، في أنقرة، في 27 يوليو الجاري.

أسباب تطوير العلاقات:

مواكبة التطورات في المنطقة: تمر منطقة الشرق الأوسط بتغيرات وتحولات أثَّرت كثيرًا على سياسات الدول وتحالفاتها، ومن أبرز هذه التغيُّرات؛ سياسات خفْض التصعيد بين القوى الإقليمية المناوئة، وكذلك عمليات المصالحة والتطبيع بين دول المنطقة، تلك المسارات هدفت إلى دعم التعاون والتفاهم بين الدول وحل النزاعات وتعزيز الاستقرار في المنطقة، ومن أبرز تلك المسارات؛ التقارُب بين عدد من الدول العربية مع “إسرائيل، وإيران”، بالتالي، عملت تركيا على مواكبة هذه التطورات من خلال إعادة هيكلة سياستها الخارجية نحو إصلاح العلاقات مع دول المنطقة، بما في ذلك مصر؛ ما عكس رغبة تركيا في التأقْلُم مع التحولات السياسية والاقتصادية في المنطقة، والمساهمة في تعزيز التعاون والاستقرار، وهو ما تجاوبت معه مصر لدعم استقرار المنطقة وتحقيق التنمية المستدامة والسلام والأمان لشعوبها والشعوب الأخرى في المنطقة.

مواجهة تداعيات الأزمات الدولية: جاءت تداعيات الحرب “الروسية – الأوكرانية” وتأثيراتها على منطقة الشرق الأوسط؛ سببًا في دعم التقارُب بين دول المنطقة، بما في ذلك “تركيا، ومصر”؛ بهدف مواجهة تأثيرات هذه الأزمة، ولتحقيق ذلك بين دول المنطقة، تم اتّباع موقف مَرِنٍ ومفتوح تجاه القضايا المثارة بين الدولتيْن؛ بهدف التوصل إلى حلول سلمية وتفادي التصعيد، كما تم تبادل وجهات النظر والمصالح والمخاوف لتعزيز الفهم المشترك، والعمل على تحقيق المصالح المشتركة؛ ما ساهم في تخفيف التوترات وتهدئة الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط.

التغلب على الأزمات الاقتصادية: على الرغم من أن العلاقات الاقتصادية لم تتأثر بتدهور العلاقات السياسية بين البلديْن، إلَّا أن الدولتيْن تعانيان من أزمات اقتصادية؛ نتيجةً للعديد من العوامل والتحديات، وبالتالي، يوجد مسعى مشترك نحو تعزيز التعاون الاقتصادي والاستفادة من الإمكانيات المشتركة، في هذا السياق، يهدف البلدان إلى زيادة حجم التجارة الثنائية وتعزيز اهتمام المستثمرين المصريين في تركيا والمستثمرين الأتراك في مصر.

المسؤولية الإقليمية: نتيجةً لتراجع اهتمام الولايات المتحدة بالشرق الأوسط، وتحويل اهتمامها نحو شرق آسيا، بالإضافة إلى تجاهل أمريكا والقوى الغربية للأولويات الأمنية في المنطقة، وانشغالهم بتطورات الحرب الروسية، ومحاولاتهم لاحتواء سيناريو اندلاع حرب عالمية ثالثة؛ أدى ذلك إلى فتح الباب أمام الفاعلين الإقليميين لتحمل المبادرة، بالتالي، قد يؤسس تطوير العلاقات بين الدولتيْن للقيام بدور واسع في المنطقة، خصوصًا في الملفات الأمنية؛ نظرًا لريادتهما ومكانتهما كواحدة من أبرز القوى الإقليمية.

خفض التصعيد لأزمات المنطقة: وذلك من أجل التركيز على تحقيق التنمية المشتركة للدولتيْن، ودعم الاستقرار في المنطقة في العديد من الملفات والأزمات، ومن أبرز تلك الملفات؛ أزمة شرق المتوسط؛ بهدف التركيز على كيفية تحقيق الاستفادة من أزمة الطاقة الحالية، وكذلك الأزمة الليبية؛ من أجل حل الأزمة بين الفرقاء، وعدم تطويرها لمعارك عسكرية جديدة.

المكانة الإقليمية والدولية: تطور العلاقات “المصرية – التركية” يأخذ في الاعتبار عدة عوامل، بما في ذلك أن مصر تُعَدّ دولةً رائدةً وهامة في منطقة الشرق الأوسط؛ نظرًا لوزنها السياسي وإمكاناتها الاقتصادية، وعدد سكانها البالغ 110 مليون نسمة، وبالنسبة لتركيا، تعتبر مصر ذات أهمية كبيرة وحاسمة بالنسبة لالتزامات سياسة تركيا الخارجية تجاه الشرق الأوسط، بالإضافة إلى ذلك، تنظر مصر إلى تركيا بوصفها قوةً سياسية واقتصادية وعسكرية، إضافةً إلى عضويتها في حلف شمال الأطلسي “ناتو” ودورها البارز كوسيطٍ في عددٍ من الأزمات الدولية، يمكن أن يزيد هذا من وزن وتأثير القاهرة في السياسة الإقليمية والعالمية.

أبرز مجالات الفرص المستقبلية للتعاون والتفاعل:

التعاون في القضايا الإستراتيجية: يمكن لكلا البلديْن التعاون في عددٍ من الملفات الإستراتيجية، ومنها؛ المساهمة المصرية من خلال ريادتها ومكانتها في المنطقة في تعميق وتعزيز العلاقات “العربية – التركية”، بما يخدم كافة الأطراف، ويساهم في استقرار المنطقة، كما يمكن لتركيا التوسُّط بين “مصر، وأثيوبيا” فيما يتعلق بأزمة “سد النهضة”؛ نظرًا للعلاقات الثنائية الممتازة بين “تركيا، وأثيوبيا”، بالإضافة إلى ذلك، يمكن في ظل تقارُب وجهات النظر بين الطرفيْن في القضايا الإقليمية، أن يكون هناك تعاون لبحث إيجاد فرص لتسوية الأزمة السورية، وحل مشكلة اللاجئين، من خلال دعم تركيا لمشاركة مصر في مفاوضات آستانة، ودعم مصر لمشاركة تركيا في مناقشات الأزمة السورية، تحت مظلة جامعة الدول العربية، ومن جانب آخر، في سياق العلاقات مع اللاعبين العالميين والتفاعل مع المنظمات الدولية، هناك احتمالات لتحقيق توافق في الرؤى المشتركة بين “تركيا، ومصر”.

تنمية وتطوير العلاقات الاقتصادية: إن البلديْن في حاجة ماسة إلى تطوير وتعزيز العلاقات الاقتصادية؛ للتغلُّب على التحديات التي تعيق عملية التنمية في كلا البلديْن؛ فتركيا هي أكبر سوق تصدير لمصر، كما تعتبر تركيا أيضًا أكبر مُشْتَرٍ للغاز المصري، وفي هذا الإطار، سيتم التوصُّل إلى مزيدٍ من التعاون التجاري بين رجال الأعمال، تحت مظلة جمعية رجال الأعمال “المصريين – الأتراك”، “تومياد”، ويُشار إلى أنه في عام 2022، وصلت قيمة التجارة بين “مصر، وتركيا” إلى 9،7 مليار دولار، ومن المتوقع أن تصل إلى 20 مليار دولار خلال العشر سنوات القادمة، وفي قطاع الاستثمارات يُوجد حاليًا استثمارات تجارية تقدر بحوالي 2.5 مليار دولار للشركات التركية في مصر، بما في ذلك صادرات بقيمة 2.5 مليار دولار واستثمارات في مختلف المجالات المحلية، كما أن أكبر شركات النسيج المُصدّرة في مصر هي شركات تركية، من ناحية أخرى، فإنه من الممكن في إطار تعزيز التعاون الاقتصادي، القيام بإحياء اتفاق خط ائتمان تركي قيمته مليار دولار بفائدة ضئيلة لم تستفد مصر منه لتمويل صادرات ومشروعات تركية؛ نظرًا لأن التوقيع عليه تمَّ قُبَيْل الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين، وفي هذا الإطار، ستكون إنشاء منصات تتيح لشركات ومؤسسات تركية وموظفيها استغلال الفرص المتاحة في مصر، بالإضافة إلى إمكانية استغلال المؤسسات الاقتصادية المصرية لفرص الاستثمار في تركيا؛ ما يُعدُّ ذا أهمية كبيرة للتنمية الاقتصادية في كلا البلديْن، وبالنهاية؛ ستكون تعزيز العلاقات الاقتصادية تجسيدًا للمكاسب العملية التي يحققها كُلٌّ من البلديْن من تطوير للعلاقات بينهما.

تنمية قطاع السياحة: على الرغم من عُمْق الخلافات بين البلديْن خلال السنوات الماضية، إلا أن قطاع السياحة بين “مصر، وتركيا” شهد تطورات هامة، فقد استمرت الرحلات السياحية بين البلديْن، وتم تسيير المزيد من الرحلات الجوية من قبل الخطوط الجوية التركية إلى مصر، بما في ذلك مدينة الأقصر، في الوقت الحالي، من المتوقع أن يتضاعف عدد السياح الأتراك القادمين إلى المدن السياحية في مصر؛ مثل “الغردقة، وشرم الشيخ، وأسوان”، ثلاث مرات في المتوسط، يُعزى هذا الارتفاع إلى التسهيلات التي قدمتها الحكومة المصرية، فيما يتعلق بتأشيرات الدخول للمواطنين الأتراك، بجانب الرغبة التركية في إعادة تنشيط رحلات النقل البحري بين “تركيا، ومصر” بعد توقُّف رحلات النقل البحري بين “مرسين، والإسكندرية”، والتي توقفت لأسباب لوجستية.

التعاون العسكري: على الرغم من أنه مبكرٌ الحديث عن آفاق التعاون العسكري بين القوتين العسكريتين البارزتين في منطقة الشرق الأوسط، إلا أنه من الممكن، وفي ظل إمكانية تعميق العلاقات بينهما، أن يتم النظر في استئناف الاتفاق الذي تم بين الرئيس “أردوغان” والرئيس “السيسي” خلال زيارته لتركيا، عندما كان وزيرًا للدفاع، في مايو 2013، يتعلق الاتفاق بفتح خط ائتمان تركي بقيمة 200 مليون دولار؛ لتمويل مبيعات الأسلحة التركية لمصر، ومشاريع الإنتاج العسكري المشترك بين البلديْن، والتي تجمَّدت أيضًا منذ ذلك الوقت.

آفاق الوصول إلى التوافق حول القضايا الخلافية:

بالرغم من التحسُّن والتطور الحالي في العلاقات بين البلديْن، إلا أن هناك تحديات وعقبات تتعلق بالاختلاف في السياسات تجاه قضايا سياسية وإقليمية تحتاج إلى تقريب وجهات النظر؛ للتغلب عليها؛ لتحقيق تطور حقيقي في العلاقات، تتضمن هذه التحديات الاختلافات في النَّهْج تجاه القضايا الإقليمية؛ مثل “الأزمة الليبية، وأزمة شرق المتوسط، والأزمة السورية”، وغيرها؛ لذا من الضروري، بناء جسور التواصل والتفاهم المشترك للتغلب على هذه العقبات، وتحقيق المصالح المشتركة بين البلديْن والمنطقة بأكملها؛ لتحقيق الاستقرار والسلم في المنطقة، وتعزيز النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة، بالتعاون مع الأطراف المعنية.

ومن أبرز تلك الملفات الخلافية، تأتي الأزمة الليبية التي تحتاج إلى إيجاد موقف مشترك تجاهها وحل لجميع القضايا العالقة بين سياسات “القاهرة، وأنقرة”، فيما يتعلق بالأزمة وتطوراتها الحالية، يتم ذلك من خلال دعْم الحلول السياسية وتعزيز التواصل والحوار المباشر بين جميع الأطراف الليبية، إلى جانب دعم وجود حكومة ليبية موحدة، يحظى بدعم كُلٍّ من “القاهرة، وأنقرة”؛ بهدف التوصُّل إلى حلٍّ سياسيٍّ متفقٍ عليه، يساهم في إنهاء الأزمة بشكلٍ نهائيٍّ.

كما أن “مصر، وتركيا” يمكنها إيجاد أرضية مشتركة للتفاهم حول المحاور الخلافية، ومنها؛ الاتفاقيات التي وقَّعتها تركيا مع حكومات الغرب الليبي (حكومة الوفاق الوطني، برئاسة فايز السراج، وحكومة عبد الحميد الدبيبة، المنتهي ولايتها)، بحيث يتم مراعاة مصالح الطرفين، بما لا يؤثر بالسلب بطبيعة الحال على المصلحة الليبية،

وفيما يتعلق بأزمة شرق المتوسط، فإن مصر تستطيع الاستفادة من علاقاتها مع دول “اليونان، وقبرص”؛ للتوسُّط مع تركيا لحل أزمة شرق المتوسط، في إطار المواءمات السياسية؛ حتى يمكن التوصل إلى صيغةٍ تفاهميةٍ بين الأطراف؛ لترسيم الحدود البحرية، دون الإخلال بقواعد القانون الدولي، بالإضافة إلى التوزيع العادل للموارد الطبيعية، وبخاصة الغاز، في إطار التعاون المشترك؛ لتكون المنطقة منصةً واعدةً لتصدير الغاز إلى أوروبا، خاصةً في ظل أزمة الطاقة؛ جرَّاء تداعيات الحرب “الروسية – الأوكرانية”، بالإضافة إلى ذلك، يمكن استكشاف إمكانية تحقيق الرغبة التركية في الانضمام إلى منتدى غاز شرق المتوسط.

وختامًا:

كان استمرار حالة الخلاف بين “مصر، وتركيا” كقوتيْن إقليميتيْن كبيرتيْن في المنطقة، قد عمَّق مساحات الخلاف بينهما في العديد من القضايا، وزاد من حالة الاستقطاب بشكلٍ كبيرٍ، بالتالي؛ خلق ذلك أزمات أخرى، ساهمت في تعقيد الموقف تجاه اتخاذ خطوات لتطوير العلاقات بين الدولتيْن.

والآن؛ وبالرغم من قرار رفع العلاقات الدبلوماسية بين البلديْن، إلَّا أن ذلك لا يعني تحقيق الأهداف المرجوّة في التقارُب وتطوير العلاقات بشكلٍ تامٍ؛ فالمسارات المستقبلية تتطلب المزيد من الجهود المتبادلة؛ لتعزيز الثقة وتعزيز التعاون؛ بهدف تطوير العلاقات، وحل المسائل الخلافية بين البلديْن.

المصادر:

  • “القائم بالأعمال التركي في القاهرة لـ”الشرق”: نتوقع عقد لقاء بين السيسي وأردوغان قريبا”، الشرق للأخبار، 31/5/2023، متاح على: https://2u.pw/vmGGnrZ.
  • “سفير تركيا بمصر: حان وقت لم شمل شعبي البلدين”، وكالة الأناضول التركية، 6/7/2023، متاح على: https://2u.pw/yFtioSH.
  • السفير عبد الرحمن صلاح، “يجب أن نُحضّر لتحسن العلاقات مع تركيا”، صحيفة الشروق، 12/4/2023، متاح على: https://2u.pw/zbN2k9X.
  • أحمد محمد فهمي، “شواهد مستقبل العلاقات التركية الخليجية بعد فوز أردوغان”، موقع مركز شاف للدراسات المستقبلية، 5/7/2023، متاح على: https://2u.pw/MmQ3CKj.
  • Türkiye’nin Kahire Maslahatgüzarı Büyükelçi Şen: Türkiye-Mısır ilişkileri normal haline döndü, Anadolu Ajansı, 31/5/2023: https://2u.pw/6TKScOG.
  • Sisi, 27 Temmuz’da Ankara’da olacak, Independent Türkçe, 5/7/2023: https://2u.pw/lowSPdZ.
  • İSMAİL NUMAN TELCİ, “Yeni Dönemde Türkiye-Mısır İlişkileri”, Sabah gazetesi, 8/7/2023: https://2u.pw/qvkf4pn.

كلمات مفتاحية