إعداد: وسام العربي
عشرات الضحايا بين قتلي وجرحي، آلاف النازحين إلي دول الجوار، معدلات العنف ضد النساء والأطفال في تزايد، تحذيرات ومخاوف أممية، ودعوات للحوار جميعها لم تثمر عن نتيجة فعلية، هكذا يمكن وصف تطورات المشهد السوداني عقب هدنة عيد الأضحي التي انتهت بتجدد الهجمات المتبادلة بين الجيش الوطني وقوات الدعم السريع في أم درمان والخرطوم؛ حيث قام الجيش الوطني في الثاني من يوليو الجاري بقصف مواقع تمركز قوات الدعم السريع في أم درمان مما أسفر عن مقتل 22 فرد، فضلاً عن عشرات الجرحي، وامتد العدوان إلي الخرطوم، وفي المقابل أعلنت قوات الدعم السريع عن إسقاط طائرة حربية وأخري مسيرة في مدينة بحري تابعتين للجيش الوطني، وفي ظل تطور النزاع واستمرار الضغط الدولي والتحذير من خطورة الإنزلاق إلي مواجهة حرب أهلية شاملة، ومخاوف إقليمية من تأثير الدومينو وتأثير النزاع علي دول القارة التي تحمل تاريخًا حافلاً من الحكم العسكري والانقلابات تطرح الكثير من القضايا، والجدير بالذكر أن الاشتباكات بين قوات الدعم السريع من جهة ، والجيش الوطني السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان من جهة أخري قد اندلعت إزاء الخلاف حول الجدول الزمني للتحول المدني وخاصة فيما يتعلق بدمج ميليشيات قوات الدعم السريع لتصبح جزءًا من الجيش الوطني السوداني، مما أدي إلي قيام البرهان بالحل الفوري للقوات ودمجها في الجيش الوطني السوداني، وجاء الاشتباك الأول في الخامس عشر من إبريل من العام الجاري بعد تعزيز الطرفين لمواقعهما العسكرية، كما لم تثمر أيًا من المبادرات الإقليمية أو الدولية عن نتائج فعلية في سبيل التسوية السلمية نظرًا لعدم وجود إرادة وطنية فعلية للحل السلمي.
أولًا: أبرز تطورات الصراع
أعاد القصف الجوي علي مدينة أم درمان في الثاني من يوليو الجاري الصراع إلي المشهد عقب هدنة بين الطرفين استمرت خلال أيام عيد الأضحي، وعلي إثره قامت الأمم المتحدة بالتحذير من اندلاع حرب أهلية شاملة حال استمرار الصراع، كما تم تمديد غلق المجال الجوي السوداني حتي 31 يوليو الجاري، وقد صرحت وزارة الخارجية الأمريكية بتوجه مساعدة وزير الخارجية للشؤون الإفريقية إلي أديس أبابا لبحث الوضع السوداني، كما طالبت الأطراف المعنية بضرورة إنهاء الحرب وتسهيل عملية نقل المساعدات إلي الداخل السوداني، كما قامت الحكومة السودانية بمقاطعة مباحثات السلام الإفريقية التي دعت إليها الهيئة الحكومية للتنمية في شرق إفريقيا “ايغاد”، لاعتراضها علي الرئاسة الكينية للمبادرة ومطالبتها بالتغيير، وفي هذا السياق من المتوقع أن تستضيف مصر اليوم الخميس الثالث عشر من يوليو قمة لدور الجوار السوداني لبحث سبل التسوية السلمية للصراع السوداني.
ثانيًا: أبرز مبادرات التسوية
1- مبادرتي الإيغاد:
جاءت مبادرة الهيئة الحكومية للتنمية إيغاد في إبريل الماضي متضمنة مقرحات مؤقتة لحل الأزمة، إذ نصت علي تمديد الهدنة القائمة آنذاك لمدة 72 إضافية وهو ما قبله الجيش، وفي أوائل يونيو أعلن الرئيس الكيني وليام روتو تحدث عن مبادرة جديدة تستهدف حوارًا وطنيًا بين القوي المدنية السودانية كما تستهدف عقد لقاء بين رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، مع ممثلي دول جنوب السودان، كينيا، اثيوبيا، وجيبوتي، بهدف خلق جسورًا إنسانية لحل النزاع في السودان، وذلك خلال ثلاث أسابيع من الإعلان، إلا أن المبادرة فشلت، حيث قاطع الجيش السوداني الاجتماع المنعقد في اثيوبيا وذلك لعدم تلبية شرطه في تغيير الرئاسة الكينية للجنة الرباعية، معللة ذلك بأن استضافة كينيا تعني سيطرة مجموعات من خارج إفريقيا علي جهود تسوية النزاع في السودان، وقد رفضت الحكومة مخرجات اجتماع وزراء خارجية دول الآلية الرباعية التي كلفتها قمة زعماء إيغاد بحل الأزمة السودانية، واعتبرت في ذلك تحديًا واضحًا للسودان وانتهاكًا لسيادته.
2- مبادرة الاتحاد الإفريقي
أصدر الاتحاد الإفريقي خارطة طريق لحل النزاع، ونصت الخارطة علي 6 بنود تضمنت الاعتراف بالدور المحوري للقوي الدولية والإقليمية في حل النزاع، وضرورة استمرار العملية الانتقالية وتشكيل حكومة مدنية ديموقراطيو بمشاركة كافة الأطراف السودانية، إلا أن هذه المبادرة لم تثمر عن نتيجة فعلية، نظرًا للتوتر الناجم عن تجميد الاتحاد عضوية السودان في وقتٍ سابق، فضلاً عن عدم إشراك الحكومة في خطوات إقرار الخارطة.
3– المبادرة السعودية – الأمريكية “منبر جدة”
أجريت المحادثات الثنائية بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية في جدة في مايو من العام الجاري حول رسم خارطة طريق لوقف العمليات العسكرية وتسوية الصراع سليمًا لتجنيب الشعب السوداني ويلات الحرب، وذلك برعاية المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، ودعم جامعة الدول العربية، دول الرباعية، والآلية الثلاثية وتتمحور المبادر حول إقامة الهدنة ومراقبة آليات تنفيذها، فضلاً عن الحرص علي توافر وصول الإغاثات والمساعدات الإنسانية، وتشكيل لجنة مكونة من أطراف النزاع لحل الأزمة، ورغم تقدم هذه المبادرة خطوة عن سابقيها فيما يتعلق بوقوف دول الإستضافة علي مسافة واحدة من طرفي النزاع بخلاف دول المحيط التي لكل منها انحيازاته ومصالحه الخاصة مع أحد الأطراف دون الآخر، إلا أنها تواجه تحديًا كبيرًا في اقناع النظم العسكرية بالحل السياسي دون الحرب.
4- المبادرة المصرية “قمة دول جوار السودان“
استضافت مصر اليوم الخميس 13 يوليو 2023 قمة دول الجوار السوداني في إطار المساعي الإقليمية الرامية إلي إيجاد توافقات سياسية سلمية بشأن الأزمة السودانية، وانهاء الصراع، من خلال وضع آليات فعالة لدول الجوار للمشاركة في حل الأزمة، ومن المتوقع أن تكون القمة خطوة في المسار الإيجابي لحل النزاع، من حيث إيجاد توافقات بين وجهات النظر ومسارات التسوية المختلفة، وهو ما أكده الرئيس السيسي في الجلسة الافتتاحية للقمة، حيث تضمنت خطته لحل الأزمة ضرورة إيقاف التصعيد، وخلق ممرات آمنة لوصول المساعدات الإنسانية، فضلاً عن ضرورة إطلاق حوار وطني شامل الأطراف المدنية والعسكرية السودانية، إلا أن القمة قد تواجه تحديًا فيما يتعلق بالتزام الأطراف المشاركة ، فضلاً عن غياب الأدوات الفعالة لإنفاذ أيًا من المخرجات المتفق عليها خاصة مع وجود تحفظات علي أي تدخل خارجي أو انتشار قوات دولية في الداخل السوداني، بالإضافة إلي تباين الرأي الداخلي السوداني حول الوساطة المصرية، فثمة تكهنات تري بانحياز النظام المصري للجيش السوداني مما قد يعرقل مساعي الوساطة.
ثالثًا: قضايا علي هامش الصراع
يطرح الصراع عدد من القضايا الهامة والتي من أبرزها:
النزاع علي الأرض:
يعد النزاع علي الأرض جزءًا أساسيا من الصراع وخاصة المواقع العسكرية، وقد اندلع نزاعًا عسكريًا ضاريًا بين الطرفين حول السيطرة علي محيط مقر سلاح المدرعات جنوب الخرطوم الذي يسيطر عليه الجيش وسط محاولات عديدة فاشلة لقوات الدعم السريع للسيطرة عليه فضلاً عن أماكن حيوية أخري.
قضية النازحين/ ات السودانيين:
تُقدر أعداد نازحي السودان بنحو 2.9 مليون شخصًا، كما تجاوزت أعداد المهاجرين إلي الدول المجاورة بسبب النزاع حاجز ال 600 ألف، فضلاً عن تضاعف أعداد النازحين داخليًا بالسودان شخص وفقًا للأمم المتحدة، وتطرح قضية النازحين/ ات إشكاليات جادة فيما يتعلق بأوضاعهم/ ن، إذ أظفرت تقارير حول وضع النازحين داخل مراكز الإيواء عن موتهم/ ن بأعداد كبيرة نتيجة لانتشار الأمراض ونقص الخدمات وتعثر وصول المساعدات، وتزداد المخاوف من استمرار معاناتهم في ظل استمرار تعثر وصول المساعدات خاصة في موسم هطول الأمطار، وقد اتخذت بعض الإجراءات لتوفير الأمان والحماية لهم/ ن في الكثير من الدول؛ إذ أعلنت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في 23 يونيو الماضي بالتشاد قيامها بنقل آلاف السودانيين من المناطق الحدودية جنوبي شرق التشاد إلي مناطق أكثر أمنا.
العلاقات المصرية السودانية
يعد الصراع في السودان قضية أمن قومي بالنسبة للجانب المصري، فهي ليست مسألة نزاع في مجالها الحيوي فحسب، بل يمتد الأمر لأبعد من ذلك؛ إذ تعد السودان طرفًا رئيسيًا في معادلة اقتسام مياه النيل ولاعبًا رئيسيًا في المفاوضات مع أثيوبيا، لذا فمن المتوقع أن تكن قضية سد النهضة علي قمة أولويات الجانب المصري في مفاوضاته وانحيازاته للفاعلين الرئيسيين في السودان، كما تعد مسألة النازحين والمهاجرين الغير النظاميين إلي مصر واحدة من أبرز الملفات التي يتوقع إثارتها، فبحسب تقرير المنظمة الدولية للهجرة بلغت نسبة النازحين إلي مصر 40% من إجمالي التحركات السودانية عبر الحدود، ويري بعض المحللون أن وجود المهاجرين السودانيين في مصر من شأنه أن يفاقم الأزمة الاقتصادية التي تواجهها، وتطرح قضية النازحيين التساؤلات حول قدرة مصر علي استيعاب هذه الأعداد التي تقدر بمئات الآلاف وهي في خضم ظروف اقتصادية متوترة بالفعل، وأخيرًا فإنه لا يمكن انكار أثر البعد الأيدولوجي للنظام السوداني – الذي يعد نظامًا إسلاميًا – علي الانحيازات المصرية إزاء القضية، ولم يكن الانحياز الأيدولوجي وحده ليحسم الأمر لولا وجود قضية استقبال السودان للمعارضين الهاربين من مصر والمنتسبين إلي التيارات الإسلامية، إلا أن التدخل المصري في الشأن السوداني قد يثير استهجان الكثير من المدنيين الذين يرون أن لمصر تاريخًا حافلاً من دعم الميليشيات والانقلابات العسكرية في السودان.
العنف ضد النساء السودانيات:
خلف هذا الصراع آثارًا جثيمة فيما يتعلق بالعنف ضد المرأة في مناطق النزاع حيث أعلنت وحدة مكافحة العنف ضد المرأة بالسودان قيامها بتسجيل 88 حالة عنف جنسي إبان الاعتداء الأخير وأن هذه النسبة أقل بكثير من الإجمالي الحقيقي المحتمل، كما صرح بيان مسؤولون أمميون أنه تم تسجيل نحو 21 حالة اعتداء جنسي ضد نساء وفتيات منذ بدء العدوان، وأشاروا أن نسب الاعتداء تزداد في مناطق النزوح، ونقاط التفتيش مع وجود عقبات في الإبلاغ وفي رصد الانتهاكات، فضلاً عن عقبات متعلقة بوصول الإغاثات الإنسانية، ولا تقتصر حالات الاعتداء علي طرف من أطراف النزاع دون الآخر وإنما تطالهما الاتهامات بلا استثناء.
التراث السوداني:
يعد مصير التراث السوداني مجهول في ظل الحرب الدائرة، فتتواجد كثير من المناطق الأثرية الهامة في قلب مناطق النزاع في الخرطوم، وقد أثارت سيطرة قوات الدعم السريع علي المتحف القومي بالخرطوم المخاوف حول تعرض التراث السوداني للخطر، وجرت مطالبات وطنية وأممية بضرورة التدخل الأممي لحماية التراث والمناطق الأثرية القريبة من مناطق النزاع.
هذا كما ويثير الصراع الصحافة الغربية حول وضع حقوق الإنسان خاصةً الصحفيين ومعاناتهم في القيام بوظيفتهم في ظل العقبات الأمنية المفروضة، كما تثير تخوفات من أن يتخذ الصراع طابعًا عرقيًا، وقد اتهمت كثير من وسائل الإعلام قادة النزاع بلافتقار إلي احترام الحقوق الإنسانية، أما التخوفات الإفريقية فتكم في إمكانية تأثر الدول المجاورة بالنزاع كما حدث في احتجاجات 2011.
رابعًا: سيناريوهات محتملة
من المتوقع استمرار الحرب إلي أن يحقق أحد الطرفين تقدمًا نوعيًا في ساحة القتال، فوفقًا لموقف طرفي النزاع من المساعي السابقة لإيجاد تسوية سلمية للنزاع ، لا تثمر مواقفهم – خاصة مواقف الجيش- عن إرادة سياسية حقيقية للتسوية السلمية في الوقت الحالي لا سيما بمقاطعة قمة الإيغاد، وخريطة الاتحاد الافريقي.
يمكن أن يقبل الجيش بالتسوية في حال كانت له اليد العليا كأن يكون قد نجح في تصفية الخرطوم والمواقع الاستراتيجية من عناصر وميليشيات الدعم، وفي الوقت ذاته يجد المنهزم في التسوية ملاذًا للخروج الآمن بأقل خسائر.
تتم التسوية كجزء من امتداد المبادرة السعودة – الأمريكية “منبر جدة” ، إذ توجد إرهاصات لقبول مبدأي للمبادرة، وفي وقت سابق كانت قوات الدعم السريع قد أعلنت رغبتها في دمج جميع المبادرات تحت لواء المبادرة السعودة الأمريكية، وتعتبر الولايات المتحدة أن الأزمة السودانية هي قضية أمن قومي أمريكي ومن الصعب تصور تسوية لهذا الصراع دون تدخل أمريكي واضح لحله، كما أن التسوية التي تقدمها المبادرة هي الأقرب إلي التوازن من بين المساعي المطروحة.
وختامًا
فإن تعقيدات الأزمة السودانية لم تعد قاصرة علي صراع علي السلطة والموارد فحسب، بل أودي هذا النزاع منذ بدايته بحياة الآلاف، وخلف ملايين النازحين، كما زادت معدلات العنف ضد النساء والأطفال، والتراث السوداني تحت مرمي النيران، لا يجب أن يغفل القادة وضع المدنيين وعدم المساومة علي وصول الإغاثات الإنسانية، أو علي حيوات ومستقبل الشعب السوداني.