جنين: نقطة التوتر الأمني في الصراع “الفلسطيني – الإسرائيلي”

إعداد: وسام العربي

استهدفت قوات الاحتلال الإسرائيلي مخيم جنين شمال الضفة الغربية، في الثالث من يوليو الجاري، بعمليات عسكرية؛ للقبض على عناصر محسوبة على المقاومة، وفي هذا السياق، تصدَّت المقاومة المسلحة باستخدام العبوات الناسفة للعدوان؛ ما أدى إلى تعطيل الآليات العسكرية الإسرائيلية، ويُعزى الاجتياح لتواجد الكتائب العسكرية الفلسطينية في جنين، كما يعتبر جزءًا من استراتيجية إسرائيل لاختبار قوة المقاومة وضم الضفة الغربية للدولة الإسرائيلية، وفي ظل تباين المواقف الإقليمية والدولية تجاه هذا العدوان، يبقى التساؤل حول مستقبل العمليات في جنين وما إذا كانت ستتصاعد أم ستبقى في شكلها المحدود؟

تطورات العدوان

نفذت قوات الاحتلال الإسرائيلي، في التاسع عشر من يونيو، عملية عسكرية في مخيم جنين شمال الضفة الغربية؛ بهدف القبض على عناصر مطلوبة من المقاومة تابعة لفصائل غزة، إلا أن المقاومة المسلحة باستخدام العبوات الناسفة محلية الصنع أدت إلى تعطيل الآليات العسكرية، وإحباط محاولات انسحاب القوات الإسرائيلية؛ ما أدى إلى استخدامهم القصف الجوي حول مناطق تمركز المقاومة لتأمين عملية الانسحاب، وقد أسفرت العملية عن استشهاد 5 فلسطينيين وإصابة 91 آخرين، بينهم 23 إصابات خطرة، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية.

اجتياح جنين أو كما تسميها قوات الاحتلال عملية بيت وحديقة؛ هي عملية استهدف خلالها السلاح الجوي الإسرائيلي، صباح الثالث من يوليو، مخيم اللاجئين في جنين، وذلك بالتنسيق مع قوات “الشاباك”، وسلاح الحدود في عملية، وصفها بتصفية البنية التحتية من عناصر إرهابية، وامتد القصف ليشمل استخدام آليات عسكرية بغطاء جوي، وقد اشتدت المقاومة الفلسطينية من جانب عناصر المقاومة والجنود من وحدة “إيجوز” بالعبوات الناسفة محلية الصنع، وتبادل إطلاق النار، واستمر العدوان حتى الخامس من يوليو الجاري، مخلفًا وراءه 10 قتلى و100 جريح، بينهم 20 حالة خطر، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية.

أسباب العدوان:

تُعزى أسباب استهداف جنين من قِبَلِ الجانب الإسرائيلي إلى كونها مقر مجمع الكتائب العسكرية الفلسطينية في الضفة الغربية، كوكر الصقور وعرين الأسود، وكتيبة جنين التابعة لحركة الجهاد الإسلامي، فضلًا عن كتائب تابعة لحركتيْ “فتح، وحماس”، وكونها موضعًا لتمركز المسلحين قبل وبعد نشاط المقاومة، ونقطة تخزين الأسلحة والمتفجرات، ومركز اتصال للإرهابيين، إلا أن تكهنات ترى أن هذه المعركة ما هي إلا جزء من تطلعات إسرائيلية لاختبار قوة المقاومة بالضفة؛ لتعويض فشل موقعة كاسر الأمواج، التي شنتها منذ عام على الضفة الغربية، وتمهيدًا لتنفيذ ما عُرف باسم خطة الحسم الرامية إلى ضم الضفة الغربية إلى الدولة الإسرائيلية، وذلك في أعقاب قرار إلغاء فك الارتباط أُحادي الجانب في شمال الضفة، فضلًا عن الخطة المعلنة لتوطين نصف مليون مستوطن في الضفة الغربية، وتدريب الوحدات العسكرية المشاركة على المواجهة المباشرة وأسلوب المعارك المستحدث، ويدعم هذا الرأي التنوع في المشاركة في العملية التي ضمت نحو ما يقرب من ألف جندي من الوحدات الخاصة والنظامية، فضلًا عن السلاح الجوي، في مشهد أعاد إلى الذاكرة عملية السور الواقي عام 2002.

ترجع بعض الآراء هذا الاجتياح إلى كونه استجابة لـ”نتنياهو”؛ لضغوط اليمين المتطرف والأطراف المحافظة بالحكومة الإسرائيلية، التي سعت في الفترة الأخيرة للضغط من أجل شنِّ هجمات مسلحة واسعة النطاق ضد الفلسطينيين، بينما ترى بعض التكهنات الضعيفة، أن الهجمة بالأساس كانت هادفة إلى استعادة السلطة الفلسطينية هيمنتها على قطاع غزة.
طبيعة العملية:

تباينت وجهات النظر الداخلية في أعقاب عرقلة انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنين، في يونيو، حول طبيعة العملية التالية، ففي حين رأى جهاز الأمن الداخلي “الشاباك”، ضرورة القيام بعملية عسكرية موسعة في الضفة، تستهدف التحييد وتفكيك بنية المقاومة، رأى الجيش بضرورة أن تكون العملية محدودة، وأن تستهدف الردع؛ خشية أن تسود الفوضى لتشمل وسط وجنوب الضفة، وهو الرأي الذي انتهت إليه القيادة الإسرائيلية.

المواقف الداخلية من العملية:

زار الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، مدينة جنين، عقب طرد ثلاثة مسؤولين من “حركة فتح”، التي يرأسها من جنازة ضحايا العدوان؛ إعلانًا عن رفض شعبي لتدخل السلطة الفلسطينية، وإصرارًا على المطالب الوطنية لـ”عباس” بالتنحي، وفي خطابه الذي ألقاه وسط حراسته بالمخيم، أشاد بتضحيات الشعب الفلسطيني، ووعد بإعادة بناء المناطق المتضررة، كما صرح بتعليق اتفاقية التعاون الأمني الجارية مع إسرائيل، إلا أن ذلك لم يرجع ثقة سكان الضفة بالسلطة التي تملك قواتها تأثيرًا محدودًا فيها.

المواقف الإقليمية والدولية:

  • جامعة الدول العربية:

أدانت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية العدوان على جنين، وحمَّلت الاحتلال مسؤولية ما وصفته بجرائم الحرب، واعتبرتها انتهاكًا للمواثيق الدولية، كما حذَّرت من تبعات العدوان وخطورته البالغة على الأمن والاستقرار الفلسطيني، كما أدانت بعض الدول العربية هذه العملية، وعلى رأسها مصر، وربما لم يعد هذا الموقف جديدًا على الجامعة التي تخلَّت منذ عقود عن سمات الحسْم، بل عن اعتبار القضية الفلسطينية هي قضية أمن عربي، خاصةً في أعقاب ما عُرف باسم “الاتفاقات الإبراهيمية”، وتطبيع دول “الجامعة” الكامل باستثناءات محدودة مع إسرائيل.

  • الأمم المتحدة:

أدان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريوش، الغارات الإسرائيلية على جنين، كما رفض مطالب المبعوث الإسرائيلي بالأمم المتحدة بالتراجع عن إدانته للعدوان، كما صرح المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، أن التقييم الأوَّلي الذي أجرته منظمات إنسانية، يشير إلى أن مخيم جنين لا يزال بلا مياه تقريبًا؛ ما يستلزم حلولًا مؤقتة؛ مثل النقل بالشاحنات، في حين أدان “رياض منصور” مندوب فلسطين بالأمم المتحدة العدوان، والتمس دعم المجتمع الدولي، إلا أن المواقف لم تزدْ عن حدِّ الإدانة والمطالب بإعادة البناء.

  • الولايات المتحدة:

شنَّت إسرائيل الهجمات على مخيم جنين بتنسيق مسبق مع الولايات المتحدة؛ حيث صرح الاحتلال أن تنسيقًا جرى بين وزير الدفاع الإسرائيلي، والسفير الأمريكي في إسرائيل، حول إجراء عملية موضعية محددة في شمال الضفة الغربية.

سيناريوهات محتملة:

يظل التساؤل مطروحًا حول ما إذا كانت عملية الاجتياح هي الأخيرة في جنين أم سوف تمتد إلى أخرى؟

  • السيناريو الأول: يتوقع أن يلتزم الطرف الإسرائيلي بالنطاق المحدود للعملية، وفق ما اتفق عليه مع الجانب الأمريكي، وفي إطار عدم رغبته في انسياق الجيش والموارد البشرية والعسكرية في معارك قد تمتد لتشمل الضفة الغربية بأكملها، خاصةً أن عملية الاجتياح في يوليو قد أثمرت عن نتائجها استراتيجيًّا في ردع المقاومة، وسياسيًّا من حيث تهدئة الضغط الداخلي، الذي من الممكن أن يصبح عقبة مستقبلية في وجه تحقيق هذا السيناريو، حال استمرار الضغط الداخلي؛ من أجل متابعة العمليات العسكرية في سائر القطاع.
  • السيناريو الثاني: أن تستجمع المقاومة قواها وتعيد استدراج الجانب الإسرائيلي؛ ليصبح في موضع الدفاع، وهذا السيناريو قد يُكبِّدُ إسرائيل خسائر فادحة، وهو الأقرب إلى أسلوب “حماس”.

ختامًا:

يظل مخيم جنين نقطة التوتُّر الأمني الحالية في الصراع “الفلسطيني – الإسرائيلي”؛ حيث تظهر التطورات العدوانية والتصعيد المستمر في المنطقة أهمية جنين كموقع استراتيجي، يحتوي على مقرات وتجمعات المقاومة الفلسطينية، يجب الأخذ في الاعتبار، أن هذه المعركة ليست مجرد صراع عسكري، بل تتعدى ذلك لتشمل العوامل السياسية والإقليمية والدولية، وبينما تتباين المواقف والتحالفات والتحركات الدولية، فإن الحقيقة الواضحة هي أن العنف والتوتر المستمر في جنين والمناطق المحيطة بها يؤثر على حياة المدنيين ويزيد من معاناتهم، ويجب على المجتمع الدولي والأطراف المعنية أن يسعوا جاهدين للوصول إلى حلٍّ سلميٍّ يُنهي هذا الصراع، ويضمن السلام والاستقرار لجميع الأطراف المعنية، وعلى المدى القريب، يتعين على الأطراف المعنية، تجنُّب التصعيد واستخدام الحوار والدبلوماسية؛ للتوصل إلى تسوية سلمية، ويجب أن تتم محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات القانونية، وتوفير المساعدة الإنسانية للمدنيين الذين يعانون من تداعيات العنف.

في النهاية:

يجب أن تكون الأولوية العليا هي حماية الحياة البشرية.

 إيجاد حلٍّ سلميٍّ للصراع “الفلسطيني – الإسرائيلي”، وتحقيق حقوق الشعبيْن “الفلسطيني، والإسرائيلي” يمثل تحديًا كبيرًا، ولكنه ضرورة إنسانية وأمنية وإقليمية، ويجب أن تتحرك الأطراف المعنية بحكمة وإرادة حقيقية نحو السلام والتعاون المشترك؛ لبناء مستقبلٍ مستدامٍ للمنطقة بأكملها.

كلمات مفتاحية