إعداد: منة صلاح
يبدو أن الحرب الروسية الأوكرانية مُقبلة على فصل جديد، إذ أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية رسميًا يوم 7 يوليو 2023م تزويد أوكرانيا بالقنابل العنقودية وذلك ضمن المساعدات العسكرية لدعم أوكرانيا في هجومها ضد روسيا، وتوقع الخبراء دخول الحرب مرحلة أعنف بعد إعلان أوكرانيا استلام دفعة أمريكية من القنابل العنقودية المُحرمة دوليًا، وقد تثير هذه الخطوة انتقادات شديدة من قبل جماعات حقوق الإنسان لأن هذا النوع من الأسلحة محظور من جانب الكثير من الدول وفق اتفاقية الذخائر العنقودية لعام 2008م.
أولًا: ماهية القنابل العنقودية ومخاطرها.
تُستخدم القنابل العنقودية في الحروب والنزاعات المسلحة، وتتكون من حاوية تفتح في الهواء وتنثر عدد كبير من القنابل الصغيرة وذلك على مساحات واسعة مما يشكل خطر بالغ على المدنيين، وتُستخدم تلك القنابل عادًة لاستهداف وتدمير التجمعات الكبيرة من قوات العدو كالمدرعات والمعدات العسكرية، وتُشكل تهديد للمدنيين لأنها قد لا تنفجر فورًا وتترك العناصر الفرعية قابلة للانفجار في المنطقة المستهدفة، وعند اقتراب الأشخاص من هذه العناصر قد تنفجر وتتسبب في الإصابة أو الموت.
ونظرًا لخطورة تأثير تلك القنابل على المدنيين، تم تجريم استخدامها على الصعيد العالمي وذلك عام 2008م إذ حظر اتفاق أوسلو استخدام أو إنتاج أو تخزين القنابل العنقودية، وألزم الدول بهذا الاتفاق للعمل على تدمير مخزونها من القنابل العنقودية، إضافة إلى تعزيز الوعي بالخطر الذي تشكله هذه القنابل، ورغم أن الولايات المتحدة الأمريكية ليست طرف في هذا الاتفاق إلا أنه في عام 2023م أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن عن توقف استخدام القنابل العنقودية.
أما بخصوص مخاطر النقابل العنقودية، فقد تتسبب في خسائر مدنية عشوائية وقد تترك ذخائر غير منفجرة بما يشكل خطر على المدنيين لعدة أعوام، وقد تلحق ضرر بالبنية التحتية والبيئة، ونجد أنه من الصعب والمكلف إزالتها، ورغم أن هناك حجج قوية ضد استخدامها نظرًا لتأثيرها المُدمر على المدنيين إلا أن هناك بعض البلدان التي تستخدمها، لذا ستظل القنابل العنقودية سلاح مثير للجدل.
ثانيًا: أسباب ودوافع الدعم الأمريكي (القنابل العنقودية) لأوكرانيا.
أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن يوم الجمعة الموافق 7 يوليو 2023م عن إمداد أوكرانيا بالقنابل العنقودية في قرار وصفه بأنه كان صعب للغاية، وجاء هذا القرار نتيجة الخسائر الفادحة التي ألحقت بأوكرانيا مؤخرًا أثناء هجومها المضاد إذ عانت قوات كييف في هذا الهجوم التي أطلقته قبل شهر لاستعادة أراض تسيطر عليها روسيا في شرق وجنوب أوكرانيا، وأكدت الولايات المتحدة على ضمانات من كييف بأن هذه الأسلحة المحظورة لن تستخدم ضد المدنيين.
أما بالنسبة لأسباب هذا القرار ووفقًا للجيش الأمريكي، فقد تكون القنابل العنقودية مفيدة لأوكرانيا في صد هجمات القوات الروسية البرية بهدف تغطية العجز الذي يعانيه نظام كييف في نقص الذخيرة، إذ تحتاج كييف إلى إطلاق آلاف من الطلقات يوميًا في قتال مضاد مكثف، وتوفير هذا العدد يضع ضغوط على الولايات المتحدة وحلفائها.
وفي السياق ذاته، تمتلك الولايات المتحدة كميات كبيرة من القنابل العنقودية ولم تستخدمها منذ غزو العراق، لذا تعتبر هذا القنابل حل مناسب إذ ستمكن كييف من تدمير أهداف أكبر بعدد أقل من الذخائر، ويتم إطلاق هذه القنابل بأسلحة المدفعية التي قدمتها الولايات المتحدة وحلفائها بالفعل لأوكرانيا في إطار الحرب مثل مدافع الهاوتزر.
ثالثًا: موقف طرفي الصراع بشأن الدعم الأمريكي لأوكرانيا.
رحبت أوكرانيا بقرار الولايات المتحدة الخاص بإرسال قنابل عنقودية إلى كييف نظرًا لأن ذلك سوف يساهم في تحرير الأراضي الأوكرانية، وعلى الصعيد الآخر وصفت روسيا هذا القرار بالعمل اليائس باعتباره دليل على فشل الهجوم الأوكراني المضاد، وسوف نتطرق إلى موقف طرفي الصراع على النحو الآتي:
الموقف الأوكراني، طلبت أوكرانيا من الولايات المتحدة تزويدها بالقنابل العنقودية بعدما أوشكت قذائف المدفعية للقوات الأوكرانية على النفاذ نظرًا لاستخدامها في هجومها المضاد الأخير وما تكبدته من خسائر، لذا رحب وزير الدفاع الأوكراني بقرار الولايات المتحدة الخاص بإرسال قنابل عنقودية إلى كييف لكنه تعهد بعدم استخدامها في روسيا، إذ قطعت أوكرانيا وعود للولايات المتحدة بأنها ستستخدم القنابل العنقودية بطريقة مسؤولة وأنها ستحافظ على السجلات الخاصة بمناطق استخدامها وتبادلها مع الحلفاء، ولكن هذه التعهدات غير مجدية بالنسبة لروسيا.
الموقف الروسي، وصفت الخارجية الروسية القرار الأمريكي في بيان صادر يوم 8 يوليو بأنه عمل يائس واعتبرته دليل على فشل الهجوم المضاد الأوكراني، وأكد البيان على مواصلة روسيا تحقيق أهداف عمليتها العسكرية في أوكرانيا بالإشارة إلى أن إمداد أوكرانيا بالقنابل العنقودية لن يؤثر في مسار العملية العسكرية، فقد تتجه روسيا لتوظيف أسلحة جديدة أو مماثلة للرد على إمداد أوكرانيا بتلك القنابل.
رابعًا: ردود الفعل الدولية والإقليمية تجاه الدعم الأمريكي لأوكرانيا.
تعددت المواقف الدولية والإقليمية إزاء الإمداد الأمريكي لأوكرانيا بالقنابل العنقودية، ولكنها اتفقت بالإجماع حول أن استخدام هذه الأسلحة يمثل انتهاك للقانون الدولي الإنساني، إذ تعتبر اتفاقية الذخائر العنقودية جزءًا هامًا من القانون الدولي لحظر استخدامها توافقًا مع مبادئ القانون الدولي الإنساني الذي يركز على احتياجات المدنيين، كما عارضت الدول الأوروبية هذا القرار بالإشارة إلى تلك الاتفاقية، وسوف نتطرق إلى أبرز المواقف الدولية والإقليمية تجاه الدعم الأمريكي لأوكرانيا، وذلك على النحو الآتي:
الموقف الأوروبي، أكد رئيس الوزراء البريطاني في 8 يوليو عن توقيع بلاده اتفاقية تحظر استخدام القنابل العنقودية بالإشارة إلى اتفاقية أوسلو عام 2008م، كما صرحت وزيرة الدفاع الإسبانية في ذات اليوم أنه يجب عدم إرسال قنابل عنقودية إلى أوكرانية بالتأكيد على أن بلادها لديها التزام بعدم إرسال أسلحة وقنابل معينة تحت أي ظرف، وذلك على الرغم من التزامها بدعم أوكرانيا، بالإضافة إلى ذلك أشارت ألمانيا والتي وقعت على نفس اتفاقية الحظر، إلى أنها لن تُرسل مثل هذه القنابل لأوكرانيا وإن أبدت تفهمها للموقف الأمريكي.
موقف منظمة الأمم المتحدة، ترى الأمم المتحدة أن القنابل العنقودية غير مقبولة نظرًا لتأثيراتها واسعة النطاق والغير قادرة على التفرقة بين المدنيين والمقاتلين، ويؤدي استخدامها إلى ترك أعداد كبيرة من القنابل العنقودية غير المنفجرة، وصرح الممثل الدائم لروسيا لدي الأمم المتحدة بأن الإمداد الأمريكي لأوكرانيا بالقنابل العنقودية سيكون خطوة أخري لتصعيد الصراع.
موقف منظمة العفو الدولية، رأت منظمة العفو الدولية أن القنابل العنقودية تمثل تهديد خطير لأرواح المدنيين حتى بعد فترة طويلة من إنتهاء النزاع.
موقف منظمة هيومن رايتس ووتش الأمريكية، أكدت هذه المنظمة أن هذا النوع من الأسلحة (القنابل العنقودية) سوف يتسبب في معاناة أكبر اليوم ولعدة عقود قادمة، وهو ذات التقييم الذي ذهب إليه تحالف الذخائر العنقودية الأمريكية والذي يعد جزئ من حملة المجتمع المدني الدولية التي تعمل على القضاء على هذا النوع من الأسلحة.
خامسًا: التداعيات المحتملة للدعم الأمريكي لأوكرانيا.
تعتبر القنابل العنقودية سلاحًا عشوائيًا ويحظر استخدامه من قبل الكثير من الدول في جميع أنحاء العالم وذلك وفقًا لأسباب منطقية، ويتمثل الآثر المباشر لهذا القرار في تآكل الأرضية الأخلاقية التي تقف عليها الولايات المتحدة لاتخاذ موقف داعم لأوكرانيا منذ بداية الصراع، ومن المتوقع أن تؤدي هذه الخطوة إلى وضع الولايات المتحدة في خلاف مع حلفائها الغربيين وهو ما قد ينتج عنه الانقسام الذي يريده الرئيس بوتين.
ويصعب القول بأن القنابل العنقودية سوف تغير معادلة الحرب الأوكرانية، ومع ذلك هناك بعض العوامل التي تشير إلى أنه يمكن أن يكون لها تأثير كبير، وتتمثل تلك العوامل فيما يلي:
- القنابل العنقودية أسلحة عشوائية مما يعني أنها قد تتسبب في وقوع إصابات في صفوف المدنيين، وهو ما قد يثير رد فعل عنيف ضد أوكرانيا سواء على الصعيد المحلي أو الدولي.
- قد يؤدي استخدام القنابل العنقودية إلى الإضرار بسمعة أوكرانيا على الصعيد الدولي، وهو ما قد يصعب على أوكرانيا تأمين المساعدات العسكرية المستقبلية من الدول الأخري.
- القنابل العنقودية فعالة للغاية في قمع نيران العدو، إذ يمكن استخدامها لاستهداف المشاة الروسية التي تشغل الخنادق الدفاعية، مما يعطي القوات الأوكرانية فرصة للتقدم.
- يمكن استخدام القنابل العنقودية لتطهير حقول الألغام، وقد تكون هذه ميزة للقوات الأوكرانية إذ كانت تكافح لتطهير حقول الألغام الروسية.
- قد يؤدي استخدام القنابل العنقودية من جانب أوكرانيا إلى استخدامها من قبل روسيا، وهذا من شأنه تزويد أخطار وقوع إصابات بين المدنيين من الجانبين.
إجمالًا
يمكن القول أن الولايات المتحدة الأمريكية تواصل جهودها بهدف إنجاح الهجوم الأوكراني المضاد من خلال إمداد أوكرانيا بالقنابل العنقودية، لاسيما بعدما تكبدت كييف خسائر فادحة في هجومها المضاد، دون أن تحقق انتصارات ميدانية، وسوف يعتمد تأثير القنابل العنقودية في الحرب الأوكرانية على كيفية استخدامها، فإذا تم استخدامها بشكل مقتصد وضد الأهداف العسكرية، فقد تكون مفيدة لأوكرانيا، أما إذا تم استخدامها بشكل عشوائي، فقد يكون لها تأثير مُدمر في المدنيين، وعلى الصعيد الآخر ستتجه روسيا إلى دراسة الخيارات المتاحة للرد على هذا التصعيد، سواء من خلال استهداف شحنات الأسلحة الأمريكية إلى أوكرانيا أو من خلال استخدام قنابل عنقودية مماثلة.