إعداد: عنان عبد الناصر
أعلنت بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال (أتميس)، في 21 يونيو 2023، بدْء سحب قواتها المتمركزة في الصومال، ومن ثم سيصبح الجيش الصومالي، في نهاية عام 2024، هو المسؤول الوحيد عن فرض الأمن والاستقرار في مقديشو، ومكافحة حركة الشباب الإرهابية؛ ما أثار حوله مجموعة من التساؤلات، فيما يخص بتداعيات ذلك الانسحاب على الجيش الصومالي.
قوات (أتميس) بين المهام الاستراتيجية والانسحاب التدريجي
قام الاتحاد الأفريقي بنشر قواته في الصومال، منذ عام 2007، تحت مسمى ما يعرف ببعثة (أميصوم)؛ لدعم قوات الحكومة الصومالية في فرض السيطرة والاستقرار في البلاد، وتم استبدال هذه البعثة، في مارس 2022م، ببعثة (أتميس)، والتي تضم ما يقرب من 20 ألف جندي من القوات النظامية، بمشاركة قوات من “أوغندا، وبوروندي، وكينيا، وإثيوبيا، وجيبوتي”، وقد ارتكزت مهامها على مواجهة حركة الشباب الإرهابية، وتوفير الحماية لقادة الصومال ومصادره الاقتصادية؛ مثل “الموانئ، والمطارات”؛ حتى يصبح الجيش الوطني الصومالي قويًّا بما يكفي لمواجهة الجماعة الجهادية، بالإضافة إلى فتح طرق الإمدادات الرئيسية وتوفير الأمن للمراكز الرئيسية للدولة، فضلًا عن دعم جهود السلام والمصالحة وتعزيز الاستقرار السياسي في الصومال.
وقد أعلنت البعثة الأفريقية، في منتصف يونيو 2023، أنها ستبدأ في عملية الخروج التدريجي من مقديشو، ومن ثم فقد بدأت قوات (أتميس) في عملية الانسحاب التدريجي من مقديشو؛ استنادًا إلى قراريْ مجلس الأمن الدولي (2628، و2670)، وقد نصا على أن يتم الانتهاء من عملية الانسحاب، بنهاية عام 2024م، وقد انطوت المرحلة الأولى من الانسحاب التدريجي على انسحاب ما يقرب من ألفي جندي من بعثة (أتميس) من الصومال، قبل نهاية يونيو 2023، وتسليم سبع قواعد عسكرية للجيش الصومالي خلال ذلك الشهر، فضلاً عن خروج 3 آلاف جندي آخرين، قبل نهاية سبتمبر 2023م، وقامت البعثة بتسليم قاعدة (حاج علي) بولاية هيرشابيل بشرق مقديشو إلى الجيش الصومالي، في إطار هذه الخطة.
استهداف حركة الشباب لقواعد (أتميس)
كثفت حركة الشباب هجماتها بالتزامن مع بدء انسحاب قوات (أتميس)، مستهدفة بشكل رئيسي القواعد العسكرية التي تتمركز بها هذه القوات؛ في محاولة للضغط على الدول المشاركة بقواتها في هذه البعثة، ودفعها للإسراع بسحب هذه القوات، وكان آخر هذه الهجمات الإرهابية؛ التفجيرات الانتحارية التي استهدفت قاعدة (ADC)، الموجودة في مدينة بارديرا بولاية جوبالاند، والتي تضم قوات إثيوبية مسؤولة عن تدريب الجنود الصوماليين.
وقد أتى ذلك في أعقاب هجوم حركة الشباب، في مايو 2023م، ضد قاعدة (أتميس) في جنوب غرب مقديشو، والذي أسفر عن مقتل أكثر من 54 من قوات حفظ السلام الأوغندية، وفي هذا الصدد، دعت بعثة (أتميس) قواتها إلى توخِّي الحذر قبل الانتهاء من عملية الانسحاب، في ظل الهجمات المتزايدة من قِبَلِ حركة الشباب ضد قوات البعثة.
المتغيرات المؤثرة على المشهد في الصومال
جاء الإعلان عن بدء انسحاب قوات (أتميس) الأفريقية من الصومال، متزامنًا مع مجموعة من المتغيرات التي شهدها الملف الصومالي، والتي أضفت عليه مزيدًا من التعقيد، وهو ما يمكن عرضه على النحو الآتي:
- زيادة عدد القوات لدى مقديشو:
اتجه الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، إلى زيادة عدد قوات الجيش الصومالي، بنحو ما يقرب من 23 ألف جندي؛ لتعويض الانسحاب المرتقب للقوات الأفريقية من مقديشو، وقد أعلنت مقديشو، أنها تعمل على دمج ما يقرب من 20 وحدة عسكرية، بعدما تلقت تدريباتها في الخارج في كل من “مصر، وأوغندا، وكينيا، ومصر، إريتريا”؛ ما سيساعد في إحلال هذه القوات محل القوات الأفريقية المنسحبة من الصومال.
شكَّك البعض في دقة أرقام الحكومة الصومالية، وذلك على أساس أن القوات الموجودة في الواقع أقل بكثير من الأرقام المعلنة، وقد أشارت مجموعة من الآراء إلى أن انسحاب بعثة (أتميس) سيخلق حالةً من الفراغ الأمني، خاصةً في ضوء ضعف قدرات القوات الصومالية، وعدم قدرتها على مواجهة هجمات حركة الشباب بمفردها.
- مستقبل القوات الأمريكية في الصومال:
قدمت الولايات المتحدة الأمريكية مساعدات عسكرية، تبلغ قيمتها 9 ملايين دولار للجيش الصومالي؛ لدعمه في الحرب التي يخوضها ضد حركة الشباب الإرهابية، والتي تمكنت من تحقيق نجاحات متعددة، خلال عام 2022م، وقد طالب بعض أعضاء الكونجرس، الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بسحب القوات الأمريكية الموجودة في الصومال، وبالرغم من تعثُّر تمرير هذا القرار داخل الكونجرس، على الجانب الآخر، هناك تيار متنامٍ في التدخل الأمريكي، يرى أنه من الضروري، أن تعيد واشنطن انخراطها هناك، خاصة في ظل النفقات الباهظة التي تتحملها الولايات المتحدة الأمريكية، وفي هذا السياق، ربما يسعى الرئيس الصومالي إلى تعزيز انفتاحه على روسيا؛ في محاولةٍ للحصول على دعم عسكري أوسع، يعزز من قدرات القوات الصومالية في حربها ضد حركة الشباب؛ في حال تراجع الدعم الأمريكي.
وقد طالب الرئيس الصومالي أيضًا، بتعزيز الوجود الأمريكي والدعم المالي والعسكري، بالإضافة إلى الطائرات المسيرة، ولكن يتضح أن الولايات المتحدة الأمريكية غير مستعدة حاليًّا لزيادة دعمها للحكومة الصومالية، وقد تتجه إلى الاعتماد بشكل أكثر على شركائها الإقليميين في منطقة الخليج كبديل للدور الأمريكي في الصومال.
- استمرارية معضلة التمويل:
كان الاتحاد الأوروبي مصدرًا رئيسيًّا لتمويل بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال، ولكنه لم يعُد مستعدًا لتقديم تمويل إضافي لمواصلة مهام القوات الأفريقية في مقديشو، ومن المحتمل، أن يضطر الاتحاد الأوروبي لتمديد الفترة الزمنية التي سيقدم خلالها الدعم المالي لعملية الاستقرار في الصومال، ولكن بشرط وجود خطة واضحة تتضمن خروج بعثة (أتميس) من مقديشو، ومن ثم تولي القوات الصومالية المهام الأمنية هناك، والجدير بالذكر، أنه في حال تمديد التمويل سيكون محدودًا بإطار زمني لا تتجاوز مدته من 6 إلى 12 شهر كحد أقصى.
- تعطل الهجوم المضاد:
نجحت الحملة العسكرية التي شنتها الحكومة الصومالية ضد حركة الشباب، خلال عام 2022، بجانب أنها واجهت انتكاسًا، في مطلع العام الجاري 2023م؛ ما سمح للحركة بإعادة التعبئة وشن هجمات ضد الحكومة الصومالية والبعثة الأفريقية في مقديشو؛ لذلك يتضح أن القوات الصومالية تبدو غير مستعدة لتولي مهام أمنية في البلاد بشكل منفرد.
- تغيير قيادة الجيش الصومالي:
قام الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، خلال الأسابيع الأخيرة، بعملية هيكلة للجيش الوطني، وكان أبرزها؛ إقالة قائد الجيش الصومالي، عدوة يوسف راجح؛ حيث تم تعيين العميد إبراهيم شيخ محي الدين أدو، بدلًا منه، وقد عزا “الشيخ محمود” هذه الخطوة إلى تباطؤ النتائج الميدانية لهجوم القوات الصومالية ضد حركة الشباب، فضلًا عن ذلك، فقد تمت إقالة حاكم منطقة هيران عثمان جيت، والذي كان يشكل إحدى القوى الرئيسية في الحرب ضد حركة الشباب في هذه المنطقة؛ ما أثار تخوُّفًا من احتمالية أن تؤثر الإقالات المستمرة في فاعلية العملية العسكرية الراهنة ضد الحركة، فضلًا عن احتمالية تزايد التوترات الداخلية.
تداعيات انسحاب قوات (أتميس)
هناك مجموعة من التداعيات الناجمة عن انسحاب قوات (أتميس) من الصومال، نهاية عام 2024م، وهو ما يمكن عرضه على النحو الآتي:
- اتجاه حركة الشباب نحو تصعيد هجماتها:
تتجه حركة الشباب حاليًّا نحو إعادة تعبئة قواتها، والاستعداد لشن هجمات واسعة النطاق؛ استغلالاً لحالة الفراغ الأمني المحتملة؛ ما قد يعيد تكرار سيناريو أفغانستان في أعقاب الانسحاب الأمريكي، نهاية عام 2021م، وتسعى الحكومة الصومالية لتجنب ذلك السيناريو، من خلال إجراء مجموعة من المشاورات المكثفة مع شركائها الدوليين؛ لتأجيل انسحاب ثلاثة آلاف جندي، الذي يفترض خروجهم من الصومال، قبل نهاية سبتمبر 2023م.
- زيادة الحاجة لتأمين المؤسسات الصومالية:
من المحتمل أن يؤدي الانسحاب الكامل لقوات (أتميس)، بنهاية عام 2024 م، إلى تعرض المؤسسات الصومالية للخطر، خاصة حال استمرار حظر التسليح المفروض على مقديشو، من قِبَلِ مجلس الأمن الدولي؛ حيث يحتاج الصومال إلى تشكيل قوات أمنية قوية وذات تدريب عالٍ بشكلٍ عاجلٍ، والجدير بالذكر، أنه لا توجد مؤشرات حتى الآن توحي بأن مقديشو قادرة على تشكيل هذه القوات وضمان توافر التمويل الغربي اللازم لها.
- وضع خطة طوارئ استراتيجية:
استندت الحكومة الصومالية وشركاؤها الدوليين إلى وجود خطة طوارئ استراتيجية، قبل البدء في الخروج التدريجي لقوات (أتميس)، فتفرض أن تعيد الأمم المتحدة والقوى الغربية المانحة توجيه تمويلها، الذي كانت تقدمه لبعثة (أتميس) إلى الجيش الصومالي؛ ما يقوض قدرة حركة الشباب على توسيع نطاق سيطرتها الإقليمية، ويلاحظ أن الانشغال الغربي الراهن بأزماته المتفاقمة وتمسك الاتحاد الأوروبي بوقف التمويل لعملية الاستقرار في الصومال، قد يساهم في عرقلة الخطة السابقة.
ختامًا:
نجد أن انسحاب قوات (أتميس) أثار مخاوف متعددة، حول انخفاض فاعلية القوات المتحالفة التي حققت نجاحًا كبيرًا في الصومال، فقد ساندت (أتميس) القوات الصومالية في حربها ضد حركة الشباب الإرهابية، التي تعمل على تهديد أمن الصومال ودول الجوار، وقد تضمنت هذه المخاوف احتمالية تعرض مؤسسات الدولة الصومالية للخطر، فضلًا عن تضاعف حركة الشباب هجماتها للسيطرة على المواقع الهامة في الدولة، والجدير بالذكر، أن الحكومة الصومالية اتجهت إلى دول الجوار (كينيا، إثيوبيا، جيبوتي) في مساندتها ضد حركة الشباب، فلا تزال الصومال تبحث مع شركائها الدوليين عن البدائل المطروحة، التي تحُول دون الانزلاق نحو هذا المسار وخسارة المكتسبات التي تحققت خلال السنوات الماضية، ولكن معضلة التمويل لا تزال تشكل أحد أبرز التحديات أمام البدائل المطروحة أمام الحكومة الصومالية.