إعداد: منة صلاح عبد البديع
اختتمت أعمال القمة الروسية الأفريقية الثانية في 28 يوليو 2023م والتي استضافتها مدينة سان بطرسبورج على مدار يومين بحضور الرئيس عبد الفتاح السياسي، وذلك وسط تعهدات بتعميق الشراكة الروسية الأفريقية في مجالات التجارة والأمن والغذاء، وأشاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بنتائج القمة الروسية الأفريقية معربًا عن ثقته في أن النتائج التي تحققت في القمة ستصبح أساس جيد لتعزيز الشراكة بين الجانبين، إذ اتفقت روسيا مع الدول الأفريقية على العديد من المبادرات التي قد تساهم في تعزيز التعاون المشترك خلال الفترة المقبلة، وأعلن بوتين عن عقد القمة الروسية الأفريقية كل ثلاث سنوات.
أولًا: أهمية التوقيت الزمني لانعقاد القمة.
تعقد القمة في ظل استقطاب حاد بين روسيا والدول الغربية بسبب الحرب الروسية الأوكرانية التي شنتها موسكو في 24 فبراير 2022م وتسببت في أضرار للدول الأفريقية، وتأجل على إثرها انعقاد القمة الثانية من موعدها الأصلي في يوليو 2022م إلى يوليو 2023م، وذلك بعد إعلان روسيا انهيار اتفاقية الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود، وسط تخوفات من تفاقم أزمة الغذاء في الدول الأفريقية، نظرًا لاعتمادها على الحبوب المستوردة من روسيا وأوكرانيا.
ولذلك، سعى الرئيس بوتين إلى بث الاطمئنان في نفوس الدول الأفريقية فيما يتعلق بأزمة الغذاء المحتملة نظرًا لوقف اتفاقية الحبوب الأوكرانية، إذ نقل الكرملين عن بوتين خطاب يطمئن فيه الدول الأفريقية بتعويض الحبوب الأوكرانية الموردة إلى القارة الأفريقية سواء على أساس مجاني أو تجاري، لاسيما أن روسيا تتوقع محصول قياسي خلال هذا العام.
وتكتسب هذه القمة أهمية أخري نظرًا لرغبة روسيا في ضبط علاقاتها مع الدول الأفريقية بعد تمرد قوات فاجنر، إذ يتزايد وجود قوات فاجنر في العديد من الدول الأفريقية المضطربة سياسيًا وأمنيًا، بما يثير تساؤلات حول مستقبل هذه القوة في أفريقيا، وبالإضافة إلى ذلك تواجه روسيا عقوبات اقتصادية من الولايات المتحدة والغرب بسبب الحرب الأوكرانية وتحاول من خلال هذه القمة الخروج على هذه العقوبات.
كما جاءت القمة بسبب التنافس الدولي على القارة الأفريقية، إذ تشكل القمة شكل من أشكال التنافس الدولي والإقليمي في القارة الإفريقية التي أصبحت مسرح للصراع على النفوذ بين القوي العظمي من خلال سعيها للحفاظ على مناطق نفوذها كما يحدث بين الصين وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية، وأيضا من خلال التمدد للحصول على مكاسب جديدة في القارة التي تحظي بالعديد من الموارد الطبيعية، ولكن يعتبر هذا التنافس الدولي بمثابة فرصة لأفريقيا لتعزيز حضورها الدولي.
ثانيًا: مخرجات القمة الروسية الأفريقية الثانية.
تتعدد مخرجات ونتائج القمة الروسية الأفريقية الثانية في جميع المجالات، فأكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنها انعقدت بشكل جيد وانتهت بنتائج مثمرة، ويمكن عرض تلك النتائج على النحو الآتي:
الاتفاقيات الاقتصادية الروسية الأفريقية، يعتبر ملف الأمن الغذائي من أهم الملفات التي نوقشت بالقمة لاسيما بعد الأزمة الغذائية العالمية التي حدثت جراء الحرب الروسية الأوكرانية ثم انسحاب روسيا من اتفاقية تصدير الحبوب وتأثر الدول الأفريقية بنقص واردات الحبوب، فتعتبر القمة بمثابة انفراجة في أزمة الحبوب والأسمدة لدول القارة الأفريقية وبأسعار مناسبة لاسيما بعد ارتفاع سعرها على الصعيد العالمي.
وفي هذا السياق، أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن روسيا سوف تستمر في توريد محاصيل الحبوب إلى الدول الأفريقية طبقًا لعقود أو بالمجان، إذ أعلن عن قدرة روسيا على تعويض صادرات الحبوب الأوكرانية إلى أفريقيا، معبرًا عن استعداده لتوريد الحبوب بالمجان إلى 6 دول بالقارة خلال 3 أو 4 أشهر، وتتضمن هذه الدول بوركينا فاسو وزيمبابوي ومالي والصومال وجمهورية أفريقيا الوسطي وإريتريا.
وفي الشأن الاقتصادي أيضا أعلن الرئيس بوتين عن الاتفاق حول زيادة التجارة والتحول إلى العملات الوطنية بهدف زيادة التجارة المتبادلة نوعيًا وكميًا وتحسين هيكلها، كما أشار بوتين إلى سعيه لربط المؤسسات المصرفية بنظام الرسائل المالية الذي تم إنشاؤه في روسيا.
الاتفاقيات العسكرية الروسية الأفريقية، أبرمت روسيا اتفاقيات تعاون عسكري مع أكثر من 40 دولة أفريقية، وأكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن روسيا والدول الأفريقية تسعي لإنشاء آلية أمنية دائمة جديدة، إذ أوضح أنه من المقرر إنشاء آلية روسية أفريقية جديدة لتنسيق القضايا الأمنية مثل مواجهة الإرهاب والتطرف، إذ اتفق القادة في القمة على محاربة انتشار الأفكار المتطرفة وتجنيد الشباب عبر الإنترنت.
وأكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن بلاده تسعي لتعزيز التعاون العسكري مع أفريقيا، إذ تقدم بلاده ذخيرة لبعض الدول الأفريقية بالمجان لتعزيز الأمن في القارة، كما تعتزم تدريب العسكريين ومسؤولي أجهزة الأمن الأفارقة في مؤسسات التدريب الروسية.
تطوير قطاع الطاقة، باعتبار أن الطاقة تمثل مجال خصب للتعاون بين الجانبين وأن روسيا منتج رئيس للنفط والغاز، فشهدت القمة مناقشات جادة حول الطاقة وما يترتب عليها من تطوير الاقتصاد وتنمية الدول، وعزمت روسيا على مساعدة الدول الأفريقية في تطوير قطاع الطاقة.
حل النزاع في أوكرانيا، أعلنت روسيا عن تقديرها لدور الدول الأفريقية في إيجاد سُبل لحل النزاع في أوكرانيا، كما أعلنت عن استعدادها للبحث عن طرق لحل الوضع سلميًا، وأكد بوتين أن روسيا درست باهتمام مقترحات الدول الأفريقية لحل الوضع في أوكرانيا.
شبكة تعليم اللغة الروسية، إذ اتفقت روسيا وإفريقيا على إنشاء شبكة من مراكز تعليم اللغة الروسية في أفريقيا وذلك وفقًا لخطة عمل منتدى الشراكة الروسية الأفريقية للفترة 2023-2026، كما ستفتح فروع للمنظمات التعليمية الروسية في دول القارة الأفريقية.
تعزيز التعاون في مجال الرعاية الصحية، فأعلنت روسيا خلال القمة عن إطلاقها لبرنامج في مجال الرعاية الصحية للدول الأفريقية بقيمة تصل إلى 1.2 مليار روبل، لرفع كفائتها في التصدي للأوبئة بالإِشارة إلى إطلاق برنامج واسع النطاق للمساعدة في مكافحة العدوي حتى عام 2026م.
التصدي للعقوبات أحادية الجانب والعمل على تخفيفها، فقد نجحت القمة في التوصل إلى اتفاق من أجل العمل في مجلس الأمن على تخفيف العقوبات الأحادية والثانوية وتجميد أرصدة الذهب والاحتياطات النقدية المفروضة على الدول الأفريقية، وهو ما يساهم في دعم مسارات التنمية لهذه الدول.
ثالثًا: نتائج المشاركة المصرية في القمة الروسية الأفريقية الثانية.
رحب الرئيس الروسي بزيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى روسيا نظرًا لدوره السياسي الهام في إطلاق النسخة الأولي من القمة الروسية الأفريقية خلال رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي عام 2019م، كما أشار الرئيس بوتين إلى الأهمية التي يوليها إلى التنسيق مع الرئيس السياسي حول مختلف القضايا سواء الإقليمية أو الدولية ذات الاهتمام المشترك، وتقديره لدور مصر كأساس للأمن والاستقرار في الشرق الأوسط وأفريقيا.
وتطرق الرئيسان خلال القمة إلى تطورات العديد من الموضوعات الخاصة بالعلاقات الثنائية، ومنها مشروعي محطة الضبعة النووية والمنطقة الصناعية الروسية، بالإضافة إلى التعاون في مجال تطوير منظومة النقل والسكك الحديدة، وكذلك على مستوي التعاون المشترك في مجال الأمن ومواجهة الإرهاب.
كما استعرض الرئيسان القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك وتبادلا وجهات النظر فيما يتعلق بالنزاعات القائمة في منطقة الشرق الأوسط، والتي أبرزها تطورات الأوضاع في السودان وليبيا وسوريا، وتوافقت الآراء حول دفع الجهود لاستعادة الأمن والاستقرار لدول المنطقة، بما يحافظ على وحدة وسلامة أراضيها.
وفي إطار القمة أيضا أحاط الرئيس بوتين، الرئيس السيسي بمستجدات الأزمة الروسية الأوكرانية، وأكد الرئيس السيسي عن دعم مصر لكافة المساعي التي قد تساهم في تسريع تسوية الأزمة بشكل سلمي بهدف الحد من المعاناة الإنسانية وإنهاء التداعيات الاقتصادية السلبية على دول العالم لاسيما الدول النامية والأفريقية والحفاظ على الأمن والاستقرار الدوليين.
رابعًا: الإعلان الختامي للقمة الروسية الأفريقية الثانية.
طبقًا للإعلان الختامي للقمة اتفقت روسيا والدول الأفريقية على التعاون فيما يتعلق بطلب تعويضات عن الأضرار التي سببها الاستعمار واستعادة القطع الأثرية، كما نص الإعلان على اتفاق المشاركين حول استكمال عملية إنهاء الاستعمار في أفريقيا والمطالبة بتعويضات عن الأضرار الاقتصادية والإنسانية التي لحقت بدول القارة الأفريقية نتيجة للسياسات الاستعمارية، واتفق الجانبان أيضا على معارضة كافة أشكال التمييز وعدم التسامح.
ودعا الإعلان إلى إنشاء نظام عالمي متعدد الأقطاب لمواجهة كل أشكال المواجهة الدولية في القارة الأفريقية، وأشار إلى رفض روسيا والدول الأفريقية لسياسة الابتزاز السياسي التي تجبر الدول للانضمام لسياسة العقوبات أو التأثير على مسارها الاقتصادي والاجتماعي، وصرح الرئيس بوتين في الإعلان الختامي أيضا عقد القمة الروسية الأفريقية كل ثلاثة أعوام وإنشاء آلية شراكة وحوار لتناول القضايا الأمنية.
ويدل تناول تلك الملفات والقضايا في إطار التعاون الروسي الأفريقي، على رغبة روسيا والدول الأفريقية في إعلاء شأن قضايا التعاون المشترك والمصالح المتبادلة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية، كما يدل على رغبة روسيا في إرساء قواعد نظام دولي متعدد الأقطاب بما يحقق لها مكانة دولية في النظام الدولي الذي لا يزال قيد التشكيل.
ختامًا
يمكن القول إن القمة الروسية الأفريقية الثانية عقدت في أجواء مليئة بالتعاون والصداقة، فضلًا عن إحرازها ثمار متقدمة لكل من الطرفين، إذ نتج عنها إبرام الكثير من الاتفاقيات بين روسيا والدول الأفريقية لاسيما في المجالات الاقتصادية والعسكرية، بالإضافة إلى تعاون الجانبين المصري والروسي حول القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، ومن المتوقع عقد قمة روسية أفريقية ثالثة إذ صرح المتحدث باسم الكرملين بأن روسيا تعتزم عقد قمة ثالثة مع الدول الأفريقية في أقرب وقت وأن هناك خطط للقمة الروسية الأفريقية القادمة، وذلك نظرًا لأن التعاون السريع سيؤدي بشكل أو بآخر إلى تحديد مواعيد القمة القادمة، وذلك بالإشارة إلى اتفاق سوتشي والذي ينص على عقد قمم روسية أفريقية كل ثلاث سنوات، وذلك أيضا بناء على مخرجات القمتين الأولي والثانية.