الأزمة في بونتلاند الصومالية… تحذيرات من تفاقم الأوضاع

إعداد: عنان عبد الناصر 

تقع ولاية بونتلاند شمال شرق الصومال، وهي تتمتع بالحكم الذاتي؛ لتجنُّب حروب العشائر، التي تجتاح جنوب الصومال، فبالرغم من استقرارها النسبي، إلا أن المنطقة عانت من صراعٍ مسلحٍ، واستحوذت على عناوين الصحف العالمية مع تصاعد هجمات القرصنة، والجدير بالذكر، أن بونتلاند هي وجهة للعديد من الصوماليين النازحين؛ بسبب العنف السائد في الجنوب.

تشهد ولاية بونتلاند الصومالية، اشتباكات عنيفة بين قوات الأمن ومجموعة من الفصائل المسلحة التابعة لمعارضين على خلفية التعديلات بالدستور المحلي، وقد شهدت مدينة غرووي عاصمة ولاية بونتلاند، اشتباكات عنيفة بين القوات الأمنية والعناصر المسلحة، التابعة لشخصيات معارضة في الولاية، ترفض إجراء تعديلات في الدستور المحلي، وذلك بعد أن اقتربت نهاية فترة رئيسها الحالي، سعيد عبد الله دني، المنتخب في عام 2019م.

خلفية الصراع في بونتلاند

جاءت الاشتباكات عقب صدام شهدته الولاية بين قوات تابعة لرئيس الولاية، سعيد عبد الله دني، وبين الفصائل الموالية لقادة المعارضة السياسية، وأشارت مجموعة من المصادر الأمنية، إلى أن المواجهات اقتربت من مواقع هامة وحيوية، مثل؛ مبنى البرلمان المحلي، فضلًا عن أن الولاية شهدت حركة نزوح كبيرة؛ أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى، لم يتم تحديد أعدادهم بدقة، ويبدو أن الوضع مرشح لمزيدٍ من التصعيد؛ نظرًا لعدم رغبة أيِّ طرفٍ في تقديم تنازلات عن مطالبه؛ ما أثار أزمة سياسية وأمنية.

تعود خلفية الصراع داخل بونتلاند إلى محاولة رئيس الولاية تمديد مدة ولايته، التي تنتهي في 8 يناير 2024م، إلى عاميْن إضافييْن، وقد حاول سعيد عبد الله دني، تعديل الدستور الذي ينص على أن ولايته تمتد لخمس سنوات، وذلك عبر البرلمان المحلي المتحالف معه سياسيًّا، لكنه يريد تمرير التعديلات الدستورية دون التوصُّل إلى اتفاقٍ سياسيٍّ مع الأطراف السياسية على الصعيد المحلي.

تفاقم النزاع حول إجراء الانتخابات المحلية

تستخدم ولاية بونتلاند نظام الانتخابات القائم على العشائر؛ حيث يقوم أعضاء برلمان الولاية من مختلف العشائر بانتخاب رئيس الولاية، وتقود اللجنة الانتخابية الانتقالية العملية الانتخابية، بما في ذلك عملية تسجيل الناخبين، فضلًا عن أنها ستقود العملية الانتخابية في جميع أنحاء بونتلاند في عام 2025 م، والجدير بالذكر، أن أحزاب المعارضة تفضل النظام الانتخابي القائم على العشائر، وتتقاسم العشائر المقيمة في ولاية بونتلاند المناصب العليا في الدولة، وتحصل عشائر ماجيرتين على الأغلبية، وهي التي ينتمي إليها الرئيس سعيد عبد الله دني، وهناك عشائر دولباهانتي وعشائر ورسنجلي الفرعية، وبالتالي؛ في حال خسارة الانتخابات سيسلم الرئيس منصبه إلى ممثل عن عشيرة أخرى، ومن ثم؛ يفقد الرئاسة لعشيرته الفرعية.

عقد البرلمان المحلي جلسة في 25 يوليو 2023، أعلن خلالها التصويت على مناقشة التعديلات الدستورية، التي تم اقتراحها بواسطة الحكومة المحلية، وقد أشارت بعض المصادر البرلمانية إلى أن هناك ما يقرب من 34 من النواب الحاضرين من أصل 35 نائبًا، صوَّتوا على مقترح تعديل المادة السادسة والأربعين، التي تنُصُّ على تكوين أحزاب سياسية محلية، فضلًا عن وجود مقترحات لتعديلات الدستورية الجديدة، على أن يتم تمديد مدة زعيم الولاية حتى يناير 2026م، والجدير بالذكر، أن رئيس الولاية سعيد عبد الله دني، لم يصرح عن رغبته بإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في موعدها، كما لم يعلق على اتهامات المعارضة له بمحاولة التمديد، وما زال ملتزمًا بالصمت تجاه الأزمة السياسية الراهنة.

وفيما يرتبط بالأحزاب السياسية، أشار البرلمان إلى أن التعديلات الدستورية ستشمل المادة رقم 46 الخاصة بالأحزاب السياسية؛ لإتاحة الفرصة لسكان الولاية للمشاركة السياسية، وقد أعلنت لجنة الانتخابات الانتقالية في بونتلاند أسماء ثمانية أحزاب سياسية معترف بها رسميًّا كأحزاب سياسية في انتخابات الولاية المقبلة، وقد صرحت اللجنة أنها وافقت على هذه الأحزاب، وستمنحها شهادات الاعتراف بعد التعديلات التي تم إجراؤها في دستور بونتلاند، والجدير بالذكر، أنه لم تشارك بعض الأحزاب المعترف بها سابقًا في أي انتخابات، ولا تزال مترددة في المشاركة في الانتخابات المقبلة، إلا أن مفوضية الانتخابات حثَّتهم على المشاركة في الانتخابات الخاصة بالمجالس المحلية ومجلس النواب ورئاسة الولاية الإقليمية.

دور سلاطين العشائر في حل النزاع السياسي في بونتلاند

سادت آمال حول دور زعماء العشائر في إنقاذ المشهد، وضبط الأوضاع داخل ولاية بونتلاند؛ نتيجة للخلاف السياسي الممتد بين الأطراف المعنية في النزاع، وفي هذا الصدد، توافد سلاطين العشائر إلى غرووي عاصمة ولاية بونتلاند؛ لحل الصراع السياسي بين إدارة الولاية ومعارضيها، ويتوقع أن يصل المدينة أيضًا نخبة من كبار السياسيين، من بينهم؛ رئيس الوزراء الصومالي السابق عمر عبد الرشيد، ورئيس بونتلاند السابق عبد الولي غاس؛ ليساهموا أيضًا في إيجاد حل للنزاع السياسي القائم.

وبالرغم مما يتمتع به سلاطين العشائر من تأثير كبير؛ حيث يعتبرون المرجع الأخير لحل الخلافات، ويحاولون الضغط على طرفيْ الصراع؛ لإجبارهما على التوصُّل إلى حلٍّ وسط، يمنع استمرار الصراع الذي يشكل تهديدًا لأمن الولاية، إلا أنه أشارت قوات المعارضة إلى فشل جهود سلاطين العشائر في التوصل إلى قرارات لحل الخلافات فيما يخص الانتخابات في الولاية، وقد أعلنت القيادة في بيان صادر لها، أن وقف إطلاق النار من جانبٍ واحدٍ، الذي أعلنته القيادة قبل أسبوع، قد انتهى رسميًّا، وقامت الحكومة بتوجيه تحذيرات إلى حكومة بونتلاند؛ مهددةً بالرد على أي إجراءات، من المحتمل أن يتخذها رئيس الولاية سعيد عبد الله دني.

موقف الحكومة الصومالية من النزاع في بونتلاند

حذَّر الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، من تصاعد أزمة سياسية وأمنية، قد تشهدها بونتلاند؛ نتيجةً للسياسات التي اتخذها سعيد عبد الله دني، ودعا كافة الأطراف إلى الهدوء والحوار حول القضايا السياسية المصيرية، وقد أشار بعض المحللين السياسيين في الصومال إلى أن الوضع معقد للغاية؛ بسبب الدافع السياسي الكامن خلف الأحداث الأمنية الراهنة، أما بالنسبة للأمر الخاص بتغيير القيادة العسكرية للجيش الصومالي، فنجد أنها ستكون بمثابة ضخِّ دماء جديدة للحرب على الإرهاب، والتي جاءت وفقًا لمتطلبات المرحلة المقبلة من العملية العسكرية، والجدير بالذكر، أن الموقف الأمني العام في الولايات الفيدرالية متوترٌ لأسباب عدة، أبرزها؛ الحرب على الإرهاب والاختراقات الداخلية.

وقد أعرب وزير الداخلية في الحكومة الفيدرالية الصومالية (أحمد معلم فقي) عن ثقته في وضع حل سلمي للخلافات بين الحكومة وولاية بونتلاند، والذي يؤتي ثماره، من خلال التفاوض والتعاون المثمر، وشدَّد على أهمية الدور الذي تلعبه بونتلاند في العملية السياسية بالبلاد، واستعادة القومية الصومالية، وأشار أيضًا إلى التزام الحكومة الفيدرالية بالتحدث مع سلطات بونتلاند، معبرًا عن اعتقاده بأن التسوية والتعاون أمران ضروريان، بالرغم من الاختلاف في الرأي.

هناك مجموعة من الخلافات التي نشبت أيضًا بين الحكومة الفيدرالية وولاية بونتلاند، حول عددٍ من القضايا، التي من بينها؛ إتمام مسودة الدستور، واستكمال الفيدرالية في الصومال، ولم يشارك رئيس ولاية بونتلاند في الاجتماع الأخير للمجلس الاستشاري الوطني، الذي يضم قيادة الحكومة الفيدرالية ورؤساء الولايات، وقد تم أثناء الاجتماع، تكليف رؤساء ولايات هيرشبيلي وجنوب الغرب، بالتوسُّط لحل النزاع بين الحكومة الفيدرالية وبونتلاند.

مستقبل الانتخابات في بونتلاند في ظل الصراع بين العشائر

يتضح من الانتخابات الجديدة، أن هناك ميلادًا جديدًا للديمقراطية في الصومال، وخاصة الأزمة في بونتلاند؛ جرَّاء الانتخابات المحلية المباشرة في البلاد، وبالرغم من ذلك، لا ينظر إلى نظام الصوت الواحد في بونتلاند على نطاقٍ واسعٍ على أنه ميلاد جديد للديمقراطية للدولة، بل كمحاولة لتمديد فترة ولاية الإدارة الحالية، وتهديد لسلطة العشائر الرئيسية وشيوخ العشائر، وكانت الانتخابات البلدية الأخيرة، بمثابة اختبارٍ حاسمٍ لقدرة النظام الجديد على البقاء في بونتلاند وغيرها من ولايات الصومال.

والجدير بالذكر، أن النزاعات بين العشائر، بالإضافة إلى الانعدام السياسي؛ الناجم عن تمرُّد “حركة الشباب، وتنظيم الدولة الإسلامية”، يُوجب على الحكومة اتخاذ تدابير؛ لتمهيد الطريق للسلام بين العشائر، ومواصلة الهجوم ضد المتمردين في الصومال؛ حتى يتمكن صندوق الاقتراع في الوصول إلى جميع أنحاء البلاد.

إجمالًا:

نجد أن بونتلاند لعبت دورًا هامًا في إنهاء الفترة الانتقالية في الصومال، ومن ثمَّ؛ فهناك ضرورة لتقديم الدعم لها؛ ما يساهم بشكل إيجابي في بناء السلام، وتخطي تلك المرحلة، وتعزيز سياسات الحكم الرشيد، وإصلاح قطاع الأمن، وسيادة القانون، فضلًا عن تعزيز دور المساعي الحميدة والوساطة والمصالحة؛ لتعزيز بناء القدرات الوطنية؛ لذلك يجب وضْع حدٍّ فوريٍّ لجميع الأعمال العدائية داخل بونتلاند، خاصةً بعد أعمال العنف المرتبطة بالانتخابات المحلية في المنطقة؛ لذلك لا بُدَّ من توافر الشروط اللازمة؛ لإجراء انتخابات ترتكز على أُسس السلمية والمصداقية؛ لوضع حدٍّ للنزاع السائد داخل الولاية.

كلمات مفتاحية