الاستفتاء على التعديل الدستوري في أفريقيا الوسطى

إعداد: منة صلاح 

أجرت جمهورية أفريقيا الوسطى استفتاءً، حول إجراء تعديلات دستورية، يوم الأحد الموافق 30 يوليو 2023م، وفي حال الموافقة عليه، يسمح بإلغاء الحدِّ الأقصى لعدد الفترات الرئاسية، ويمنح الرئيس فوستان آركنج تواديرا، فرصة الترشح لولاية ثالثة في عام 2025م، مدتها 7 سنوات، كما سيكون له حقُّ الترشح للرئاسة دون حدٍّ أقصى من المرات؛ لذا دعت أحزاب المعارضة وبعض جماعات المجتمع المدني إلى مقاطعة الاستفتاء؛ حتى لا يظل “تواديرا” في السلطة مدى الحياة.

الفترات الرئاسية للرئيس تواديرا

تولى “تواديرا” منصب الرئاسة لأول مرة في عام 2016م، في فترة حكم دامت لمدة خمس سنوات، ومن ثم؛ فاز في الانتخابات الرئاسية الثانية، في عام 2020م، بالرغم من اتهامات واسعة النطاق، بحدوث تجاوزرات، والتمرُّد المستمر ضد حكمه، بعد حرب أهلية استمرت لسنوات، وتم ذلك في إطار اقتراعٍ شابته اتهامات التزوير، وتمت عرقتله من قِبَلِ جماعات مسلحة متمردة، ومن المفترض أن تكون هذه الولاية الرئاسية الأخيرة له، ويسعى هذا الرئيس لمواجهة الجماعات المتمردة، التي تسيطر على البلاد، منذ الإطاحة بالرئيس السابق، فرانسوا بوزيز، في تمرُّد عام 2013م.

وتم اتهام هذا الرئيس، والبالغ من العمر 66 عامًا؛ بالرغبة في البقاء رئيسًا مدى الحياة، محتميًا بمجموعة فاغنر الروسية، المتواجدة في البلاد، منذ عام 2018م؛ إذ لجأ “تواديرا” إلى روسيا في ذلك العام؛ لمواجهة المتمردين، ومنذ ذلك الحين، تم نشر أكثر من 1500 جندي، من بينهم المدربون والمتعاقدون من مجموعة فاغنر، وذلك إلى جانب الجيش الوطني.

التصويت على المشروع الدستوري الجديد

فتحت مراكز الاقتراع أبوابها للتصويت في الاستفتاء على التعديلات الدستورية، التي من شأنها، أن تتيح للرئيس فوستان آرشانج تواديرا، حكم البلاد لولاية ثالثة، وتم دعوة ما يصل إلى 1.9 مليون ناخب للتصويت في هذا الاستفتاء، الذي ينص على إطالة مدة الولاية الرئاسية من 5 إلى 7 سنوات، وإلغاء عدد الولايات، وذلك وسط ترجيحات بتمريره.

وأدلى مواطنو جمهورية أفريقيا الوسطى، يوم الأحد الموافق 30 يوليو 2023م، بأصواتهم، في الاستفتاء على المشروع الدستوري الجديد، والذي قد يسمح للرئيس “تواديرا” بالترشح لولاية ثالثة، في بلد عاصر الكثير من الانقلابات، ولكن الإقبال كان ضعيفًا في مراكز الاقتراع، ومن المتوقع، إعلان النتائج غير النهائية خلال ثمانية أيام، حتى تعلن المحكمة الدستورية النتائج النهائية في 27 أغسطس.

دور المعارضة في الاستفتاء الدستوري

دعا رئيس أفريقيا الوسطى، إلى إجراء استفتاء على التعديل الدستوري، الذي تم اعتماده عام 2015م، والذي ينص على تحديد عدد الفترات الرئاسية باثنتين؛ وهو ما قد يسمح بالترشح لفترة رئاسية ثالثة، ووصفت المعارضة هذه الخطوة بالانقلاب الدستوري، ودعت أحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني، وكذلك الجماعات المسلحة، إلى مقاطعة الاستفتاء؛ لأن الهدف منه هو إبقاء “تواديرا” في السلطة مدى الحياة.

وتم اتهام “تواديرا” بالسعي لتمديد حكمه، بالرغم من القيود التي يفرضها الدستور، في البلد الذي يُعدُّ من أقل دول العالم استقرارًا، وأيضًا لعدم وجود لوائح انتخابية محدثة، وعدم استقلالية المؤسسات المسؤولة عن ضمان انتظام النتائج؛ لذا هدَّد المسؤولون الحكوميون في أفريقيا الوسطى معارضي الاستفتاء، وقاموا أيضًا بحظر المظاهرات في العاصمة بانغي.

وفي السياق ذاته، طالب ائتلاف الكتلة الجمهورية للدفاع عن الدستور المعارض، مواطني أفريقيا الوسطى، بمقاطعة الاستفتاء، وعدم الذهاب إلى مراكز الاقتراع، وصرَّح الحزب أن فرقةً من مجموعة فاغنر العسكرية الروسية، وصلت إلى البلاد للمساعدة في تأمين الاستفتاء على الدستور، فأثار “تواديرا” انتقادات واسعة؛ لاعتماده على عناصر من مجموعة فاغنر.

دور مجموعة فاغنر الروسية العسكرية في تأمين الاستفتاء

ترتبط روسيا والدول الأفريقية بعلاقات وطيدة، ذات نفع متبادل، وتم إرساء أسسها في منتصف القرن الماضي، وخاصةً خلال سنوات نضال القارة الأفريقية؛ للحصول على حريتها، وقد صرَّح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بأن الأوضاع في الكثير من المناطق الأفريقية لا تزال غير مستقرة؛ بسبب الإرث الاستعماري، ومبدأ “فرِّقْ تسُدْ” الذي ينتهجه الغرب.

وتدخلت مجموعة فاغنر العسكرية الروسية لصالح حكومة أفريقيا الوسطى، في عام 2018م؛ لإخماد حرب أهلية كانت مندلعة منذ عام 2012م، فصرح “تواديرا”، بأنه علاقاته مع روسيا ساعدته على تطبيق الديمقراطية، وتجنُّب الحرب الأهلية، وأعلن أيضًا، أن روسيا زاد نفوذها بشكلٍ كبيرٍ في الآونة الأخيرة في جمهورية أفريقيا الوسطى، وستدعم الأمن خلال عملية الاقتراع؛ لذا وصلت فرقة من مجموعة فاغنر إلى أفريقيا الوسطى، خلال شهر يوليو 2023م؛ للمساعدة في تأمين الاستفتاء الدستوري، الذي بدأ في 30 يوليو.

وأكدت هيئة خاصة بمجموعة فاغنر، في يوليو، أن المئات من مقاتليها، وصلوا إلى المنطقة؛ لتـأمين الاستفتاء، فهذا الاقتراع دفع الرُّوس لتنظيمه، وبالفعل تم تنظيمه بمساعدتهم، كما زار مسؤولون من السفارة الروسية في جمهورية أفريقيا الوسطى المحكمة الدستورية؛ لالتماس المشورة، بشأن كيفية تعديل الدستور، وذلك وفقًا لمنظمة هيومن رايتس ووتش، وتمت دعوة رئيس المحكمة الدستورية والهيئة الوطنية للانتخابات إلى روسيا، ولكن أشار رئيس الوزراء السابق، والذي أصبح زعيم المعارضة، نيكولاس تيانغاي، أن المحكمة الدستورية غير شرعية منذ الإطاحة بدارلان.

هجوم مسلح بعد الاستفتاء الدستوري

وقع هجوم مسلح في وقت مبكر، من صباح اليوم الإثنين، الموافق 31 يوليو 2023م، في قرية ديكي قرب حدود تشاد على بُعد حوالي 500 كلم شمال العاصمة بانغي، وعلى بُعد 22 كلم من قاعدة للقوات المسلحة، والتي تم إبلاغها بوصول معاجمين، ويتكون هذا الهجوم من 20 متمردًا، وأفادت السلطات المحلية أن 13 مدنيًّا لقوا حتفهم في هذا الهجوم، كما أُصيب شخصان آخران، وفرَّ النساء والأطفال إلى الأدغال، وطالب مساعد المحافظ، بامينغي بانغوران، من بعثة الأم المتحدة (مينوسكا)، تحقيق الاستقرار في الجمهورية.

ووقع الهجوم غداة الاستفتاء على المشروع الدستوري الجديد، الذي تقدَّم به رئيس الجمهورية “تواديرا”، والذي لقي رفضًا كبيرًا من قِبَلِ أحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني؛ لذا يُثار التساؤل حول ما إذا كان لهذا الهجوم علاقة بالاستفتاء على التعديل الدستوري أم لا؟ ولماذا يقع هذا الهجوم في اليوم الثاني للاستفتاء بالتحديد؟

السيناريوهات المحتملة للاستفتاء الدستوري

سيناريو تفاؤلي:

قد يفشل الاستفتاء على التعديل الدستوري؛ نظرًا لعدم الإقبال عليه، ولعدم رغبة الشعب في جمهورية أفريقيا الوسطى تولِّي “تواديرا” فترة رئاسية ثالثة؛ ما قد يسمح لرئيس آخر أكثر ديمقراطية بتولِّي زمام الأمور البلاد، وإجراء مصالحة بين الأطراف المتنازعة، سواء العِرْقية أو الدينية، كما قد يرفض التواجد الروسي في أفريقيا الوسطي، والمتمثل في مجموعة فاغنر الروسية العسكرية، ولكن من غير المرجح حدوث هذا السيناريو.

سيناريو تشاؤمي:

قد ينجح الاستفتاء، ويتم تعديل الدستور، وفقًا لما يريده الرئيس “تواديرا”، ويتولى فترة رئاسية ثالثة، وقد تستمر الأزمات السياسية والاجتماعية؛ إذ يواجه المدنيون في أفريقيا الوسطى أزمات إنسانية كبرى، وخاصة في المناطق الريفية؛ نظرًا لأنها من أقل البلدان نموًا، ولا تزال متأثرة بتاريخها الطويل من الصراع، وسيظل اعتماد السلطة في أفريقيا الوسطى (تواديرا) على دور العوامل الخارجية، وفي مقدمتها؛ فاغنر والميليشيات القبلية، ومع استمرار مسببات الصراع، لا يزال من المتوقع، أن تظل أفريقيا الوسطى من أكثر الدول التي تعاني من الصراعات المسلحة، ومن المرجح، حدوث هذا السيناريو.

ختامًا:

يمكن القول: إن أفريقيا الوسطى تحاول الخروج من الحرب الأهلية المستمرة بشكلٍ متقطعٍ؛ إذ شهدت البلاد 5 انقلابات، منذ الاستقلال في عام 1960م، مع العديد من التغييرات في هيكل الدولة، ووفقًا للوقت الحالي، تشهد أفريقيا الوسطى الجمهورية السادسة لثمانية دساتير، وأدى إجراء الاستفتاء على التعديل الدستوري تولِّي الرئيس تواديرا الفترة الرئاسية الثالثة، مدتها 7 سنوات، والسماح له بحق الترشح دون حدٍّ أقصى من المرات، إلى إثارة انتقادات واعتراضات من قِبَلِ منظمات المجتمع المدني وأحزاب المعارضة؛ لعدم رغبتهم في استمرار “تواديرا” في الحكم مدى الحياة، ودعوا لمقطاعة هذا الاستفتاء، وما أثار انتقادهم أيضًا، استقدام فرقة من مجموعة فاغنر العسكرية الروسية؛ لتأمين الاستفتاء، ومن المتوقع، بعد إعلان النتائج النهائية للاستفتاء في 27 أغسطس، حدوث تصادم أو هجوم كما حدث في اليوم التالي للاستفتاء.

كلمات مفتاحية