إعداد: جميلة حسين
وفقًا لحالة الانقلاب العسكرى التى انتابت النيجر على يد الحرس الرئاسى ضد الرئيس “محمد بازوم” فى 26 يوليو المنصرم وما نتج عنها من اعتقال الأخير وتأييد الجيش للحركة الانقلابية وتولى قائد الحرس الرئاسى “عبد الرحمن تيانى” رئيسًا للمجلس العسكرى الذى يتولى الحكم الانتقالى فى البلاد، مما ترتب عليه مزيد من الصراع على السلطة وعدم الاستقرار السياسى والاضطرابات الأمنية وتصاعد للتهديدات الإرهابية، الأمر الذى يثير عددًا من السيناريوهات المحتملة بشأن وضعية الجماعات الإرهابية المرتبطة بداعش والقاعدة النشطة على الحدود النيجيرية والتى تشهد نشاطًا متصاعدًا فى الفترة الأخيرة، فضلًا عن مستقبل جهود مكافحة تلك التنظيمات فى ظل القيادة النيجيرية الجديدة والتنافس الدولى على الأراضى النيجيرية كما هو الحال مع جيرانها كـ”مالى وبوركينا فاسو” فى منطقة غرب إفريقيا.
عواقب جسيمة
تعانى النيجر بالأساس من انتشار الفساد وانعدام التنمية والفقر فتصنف كواحدة من من أفقر بلدان العالم على الرغم من كونها واحدة من أغنى دول العالم باليورانيوم، فضلًا عن التوترات الإثنية وضعف الأنظمة السياسية ومؤسسات الحكم الضعيفة والتى يصفها البعض بالهشة، وتكون عرضة للانقلابات وتعتبر تلك المرة الخامسة التى يشهد فيها النيجر انقلابًا عسكريًا منذ استقلاله عام 1960 بجانب مجموعة من المحاولات الانقلابية الفاشلة آخرها الانقلاب الفاشل السابق ضد رئيس النيجر “محمد بازوم” فى 31 مارس 2021 قبل ساعات من تنصيبه رئيسًا للبلاد، ومن ثم فإن تلك البيئة أعطت قوة للتنظيمات الإرهابية للتحرك بحرية فى ظل ضعف المنظومة الأمنية والدعم اللوجيستى الذى تتلقاه النيجر من عدة دول، وتعزيز حالة عدم الاستقرار فى البلاد على الصعيدَين السياسى والأمنى، وعدم قدرة النخبة العسكرية الحاكمة الجديدة على احتواء التهديدات الأمنية فى الوقت الحالى.
سيناريوهات محتملة
واقع الأمر أن الجماعات الإرهابية ليس لها أى وجود دائم فى النيجر، حيث تشن تلك الجماعات هجماتها فى النيجر ثم تعود إلى المثلث الحدودى حيث مالى وبوركينا فاسو والنيجر، وليس لها أى وجود فى أى قرية أو مدينة فى البلاد، حيث تتمركز جماعة “بوكو حرام” على الحدود الجنوبية الشرقية للنيجر بالقرب من بحيرة تشاد، بينما يتمركز تنظيم “داعش” على الحدود الغربية مع مالى، فى حين يقع تنظيم القاعدة ممثلًا فى “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” فى الجهة الغربية للنيجر، وبعد انقلاب النيجر يمكن الحديث عن عدة سيناريوهات مستقبلية محتملة لوضع الجماعات الإرهابية، وهى كالتالى:
السيناريو الأول:
غياب التعاون ووجود حالة استعدائية بين قادة الجماعات الإرهابية والنظام الانتقالى الجديد فى البلاد، كما هو الحال مع الحكومتين العسكريتين فى مالى وبوركينا فاسو بعد حالات الانقلابات خاصة فى منطقة (ليبتاكو- جورما) الحدودية، التى تنشط فيها الجماعات الإرهابية. فالجماعات الإرهابية لن تكون على اتفاق مع السلطة العسكرية الحاكمة وتستغل حالة الفوضى والانهيار فى تنفيذ مخططاتها التوسعية.
السيناريو الثانى:
دعم التنظيمات المتموضعة على الحدود والمتحالفة مع بعض القبائل مثل الطوارق والفولانيين لإعادة التمركز الجغرافى على الحدود وإعادة ترتيب صفوفها لاحتمالات تمدد النشاط الإرهابى إلى مناطق الجوار الجغرافى لمنطقة الساحل وإمكانية تهديد دول الشمال الإفريقى، فضلًا عن المخاوف من تصاعد الهجمات المسلحة فى الأراضى النيجرية من جماعة نصرة الإسلام والمسلمين الموالية للقاعدة، وتنظيم داعش غرب إفريقيا، لا سيما فى الجنوب الغربى والجنوب الشرقى عند مثلث “تيلابيرى” عند الحدود مع دولتى بوركينا فاسو ومالى، مما يخلق فى نهاية الأمر فوضى سياسية وأمنية.
السيناريو الثالث:
الاستفادة من حالة تشتت الانقلابيين وانشغالهم بحالة الانقلاب والمشاكل الداخلية والسياسية بالبلاد وتراجع خطط الجيش والأمن فى مكافحة الإرهاب التى تنفذها قوات الجيش جنوبًا وغربًا لملاحقة العناصر الإرهابية، من أجل التمدد داخل النيجر بشكل أكبر وتسريع وتيرة الهجمات الإرهابية فى هذه المنطقة للسيطرة على جزء من البلاد، وربما يتبع تنظيم داعش باعتباره التنظيم الأقوى والأكثر تماسكًا وديناميكية لإجبار القوات الفرنسية والدول الغربية على الانسحاب، ويمكن أن يصل إلى مواجهات محتملة عنيفة بين القوات المسلحة بالنيجر والجماعات الإرهابية.
السيناريو الرابع:
تقديم التنظيمات الإرهابية نفسها كبديل عن الدولة فى المناطق النائية وتوغلها للسيطرة والتقدم من أجل تقديم الحماية للسكان فى تلك المناطق لانشغال الدولة عنهم، فضلًا عن قيام التنظيمات ببناء وتشكيل تحالفات قبلية وإثنية لتشكل حالة يطلق عليه بعض الخبراء “الإرهاب الهجين”، ويستدل على ذلك تكون عناصر داعش غرب إفريقيا من قبائل “الفولانى والعرب والطوارق والدوساهاك وسونغاى”، وهذا التكتل العرقى هو نتيجة عمليات اندماج وانشقاقات سابقة.
السيناريو الخامس:
تحرك الانقلابيون بشكل استباقى ووضع خارطة طريق بالاستعانة بالمؤسسات الداخلية، فضلًا عن تنسيق القوات المسلحة مع دول الجوار التى تعانى من التهديدات الإرهابية المشتركة كمالى وبوركينا فاسو والتحرك بقوة لمكافحة الحركات الإرهابية على الحدود وخاصة تنظيم داعش غرب إفريقيا لوقف تمددهم.
مستقبل جهود مكافحة الإرهاب فى النيجر
فى إطار تمركز الجماعات الإرهابية على الحدود النيجيرية والمتمثلة فى جماعة بوكو حرام وتنظيم نصرة الإسلام والمسلمين المرتبط بتنظيم القاعدة وتنظيم داعش غرب إفريقيا، فضلًا عن التنظيمات الموالية لهم والتحالفات القبلية المندمجة معهم، أنشأ الاتحاد الأوروبى بعثة تدريب فى النيجر، وكذلك مجموعة دول الساحل الخمس أسست قوة المهام المشتركة متعددة الجنسيات التى بلغ قوامها 8 آلاف جندى، فى حين أرسلت الولايات المتحدة الأمريكية فى يناير الماضى مئات العسكريين الأمريكيين فى النيجر ضمن مهام للتدريب، كما تقدم الدعم اللوجيستى والاستخباراتى للقوات المحلية التى تخوض معارك ضد القاعدة وداعش على الحدود مع مالى وبوركينا فاسو، وضد بوكو حرام على الحدود مع تشاد ونيجيريا، واعتمدت فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية على النيجر فى الحرب ضد الإرهاب باعتبارها حليف مهم فى منطقة الساحل والصحراء خاصة بعدما فقدت فرنسا مركزها فى مالى وبوركينا فاسو، حيث لعبت النيجر فى الفترة الأخيرة دورًا مهمًا على المستوى الإقليمى فى مجال مكافحة الإرهاب.
ولكن بعد انقلاب النيجر الأخير وانشغال القوات الأمنية بتأمين العاصمة ووقف أى تحركات مضادة للانقلاب تغير المشهد وتحولت الجهود الدولية كافة لمحاربة الإرهاب، وظهرت حالة من التنافس الدولى على الساحة النيجيرية، فعلى سبيل المثال أعلن الاتحاد الأوروبى تعليق جميع المساعدات المالية وإجراءات التعاون فى المجال الأمنى، وتجدر الإشارة إلى أن النيجر هى الأكثر عرضة للخطر فى ظل هذا التضييق المفروض عليها نظرًا للعديد من المساعدات العسكرية التى تتدفق عليها من المجتمع الدولى، وفيما يلى سيتم تناول مستقبل المكافحة الدولية والإقليمية بعد الانقلاب فى عدة نقاط:
تراجع النفوذ الفرنسى:
بعدما كانت النيجر مأوى لما يقرب من 1500 عنصر فرنسى فى العاصمة “نيامى” بعد طردهم من مالى العام الماضى لأنهم يساعدون القوات المسلحة النيجرية فى التدريب ومهام مكافحة الإرهاب، وكانت فى استقبال آخرين من بوركينا فاسو بعدما منحتهم مهلة شهر للانسحاب النهائى، الأمر الذى يمثل خسارة فادحة لفرنسا التى سبق وأن خسرت قواعدها فى مالى وبوركينا فاسو نتيجة لانقلابين متشابهين، وقد أعلنت فرنسا أمام صعود الانقلابيين عدم اعترافها إلا بسلطة “محمد بازوم”، كذلك علّقت جميع المساعدات التنموية والدعم المالى للنيجر، ويعتبر محمد بازوم آخر حلفاء فرنسا فى بعد الانقلابات العسكرية التى انتابت غرب إفريقيا، الأمر الذى ينذر بخسارة فرنسا للنيجر وبتراجع جهود مكافحة الإرهاب المتصاعد، كذلك إمكانية تعليق أو إلغاء اتفاقيات التعاون العسكرى والأمنى بين فرنسا والنيجر واحتمالات سحب القوات الفرنسية خلال الفترة المقبلة، مما يصب فى نهاية الأمر إلى وجود توترات دبلوماسية لا يمكن من خلالها لجيوش دولتى النيجر وفرنسا العمل ضد التنظيمات التى تنفذ هجمات على أراضى النيجر انطلاقًا من الحدود، ومن ثم وجود فراغ أمنى جديد أمام الجماعات الإرهابية تستطيع استغلاله.
تقارب روسى:
أمام احتمالات خسارة الدور الفرنسى فى النيجر هناك من يكسب لصالح الانقلاب، حيث التقارب بين روسيا والنيجر “النخبة العسكرية الجديدة” الذى يظهر جليًا من خلال رفع الأعلام الروسية فى مظاهرات تأييد الانقلاب فى العاصمة نيامى، ولا يمكن إغفال وجود قوات فاغنر الروسية فى المشهد الذى من شأنه تيسير نفوذ روسيا بشكل كبير، فضلًا عن تعزيز موقعها ليس فقط فى النيجر ولكن فى منطقة الساحل كما ظهر التنافس الدولى مسبقًا فى مالى وبوركينا فاسو بعد الخروج الفرنسى منهما، وتقدم مجموعة فاغنر الروسية التى أعلنت عن مسار جديد لإفريقيا.
وقد وصف زعيم شركة فاغنر الروسية “يفغينى بريغوجين” أن ما حدث فى النيجر يمثل انتصارًا وكفاحًا للشعب ضد مستعمريه، ومن ثم يمثل الوجود الروسى انخراطًا إستراتيجيًا فى منطقة الساحل وتحجيم للنفوذ الفرنسى، الأمر الذى يشكل ضغطًا على الأخيرة وشركائها، وتستطيع روسيا تعزيز علاقتها مع الحكومة الانتقالية بما يخدم مصالحها نحو المساعدة الأمنية الروسية من خلال ملف مكافحة الإرهاب مثلما حدث فى مالى وبوركينا فاسو.
احتمالات تعاون مثلث الرعب الحدودى:
بعد تراجع الدعم الإقليمى للنيجر من خلال اتخاذ عدد من المنظمات الإفريقية موقفًا رافضًا للانقلاب، فعلى سبيل المثال رفض الاتحاد الإفريقى محاولة الانقلاب كما أدان احتجاز “بازوم”، كذلك هدد قادة المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا “إيكواس” باتخاذ إجراءات عسكرية ضد المجلس العسكرى فى النيجر، وأصدرت المجموعة بيانًا تضمن أن الإيكواس “لا تتسامح مطلقًا” مع الانقلابات، كما أضاف البيان، أن الكتلة الإقليمية ستتخذ “جميع التدابير الضرورية لاستعادة النظام الدستورى” إذا لم يتم تلبية مطالبها فى غضون أسبوع، وتعتبر تلك المرة الأولى التى تهدد فيها الإيكواس، باتخاذ إجراءات عسكرية فى وجه الانقلابات التى وقعت فى المنطقة خلال السنوات الأخيرة، أمام تلك التطورات والحصار الإقليمى المفروض على النيجر فيجب على السلطة الحاكمة الجديدة حل تلك المعضلة من خلال تعاون وشراكة ثلاثية مع دولتى الجوار مالى وبوركينا فاسو القريبتين من روسيا مما يمثل فرصة جيدة للتعامل مع جيوش تلك الدولتين لتضافر الجهود ومناهضة الجماعات الإرهابية التى تمثل تهديدًا مشتركًا على حدود الدول الثلاثة، وفى هذا النطاق يمكن الاستعانة بالخطاب الأول لرئيس المجلس العسكرى “عبد الرحمن تيانى” الذى فضل فيه التواصل مع نظرائه فى منطقة الساحل كما شكك فى معنى ونطاق النهج الأمنى لمكافحة الإرهاب الذى يستبعد أى تعاون حقيقى مع بوركينا فاسو ومالى.
مما سبق؛ فى ضوء التطورات المعقدة التى تشهدها الساحة النيجيرية وحالة عدم الاستقرار السياسى والأمنى، فإن النيجر تواجه العديد من التحديات الداخلية، كذلك توقف الجهود الإقليمية والدولية لمحاربة الإرهاب فى حال استمر الانقلاب، ويستدل على ذلك الحصار الأوروبى وخاصة الفرنسى الأمر الذى يمنح الفرصة للعناصر الإرهابية بعدد من الاحتمالات المستقبلية ليبرز أهمها فى استئناف نشاطتها وعملياتها، وإعادة التمركز على الحدود وشن هجمات بالداخل والدخول فى مواجهات تصادمية لا يمكن للقوات النيجيرية مواجهتها منفردة، مما ينذر بالخطر الإرهابى المحتمل، وارتفاع معدلات العمليات الإرهابية وكذلك تصاعد حدة المعضلة الأمنية ليس فقط داخل الدولة ولكن فى منطقة الساحل.