محددات رد الفعل الفرنسي تجاه انقلاب النيجر والخيارات المتاحة

إعداد: حسناء تمام 

تولدت حالة من الاهتمام بالأحداث في النيجر إثر الانقلاب الذي وقع فيها، وهذا الانقلاب يعتبر امتداد لسلسلة الانقلابات التي شهدتها غرب أفريقيا، وعلى غرار حالة تبديل مقاعد القوى الدائرة في غرب أفريقيا، تحدث حالة من الشد والجذب بين قادة الانقلاب والرئيس المنقلب عليه وحكومته، والجانب الفرنسي والقوى الغربية من جهة أخرى، وأصبحت خريطة التفاعلات بين الأطراف نشطة وذات ديناميكية مرتفعة، وفي هذا المقال، نحاول فهم الموقف الفرنسي، ودوافعه ومستقبله.

أولًا: انخراط قوي

منذ إعلان الانقلاب، وتتفاعل الحكومة الفرنسية عن طريق الخطابات، والتحركات الفعلية ناحية الأحداث في النيجر بشكلٍ ملحوظٍ، كان أبرز هذه التفاعلات الآتي:
في بداية الانقلاب، دعت فرنسا قادة الانقلاب إلى التراجع، وإعادة السلطة الشرعية للرئيس بازوم، وصدرت عدة تصريحات عن الرئيس الفرنسي، تفيد بأن “فرنسا وأمريكا، وألمانيا”، يرون أن الانقلاب لم يكن ناجحًا بالكامل، وأنه لا تزال هناك فرصة لإعادة “بازوم” إلى منصبه.

لكن سرعان ما بدأت ملامح الغضب على مستوى الشعب في النيجر من فرنسا، وتظاهر آلاف الأشخاص أمام السفارة الفرنسية في نيامي عاصمة النيجر، وذلك في أعقاب دعوة من القادة العسكريين، الذين أطاحوا بالرئيس المنتخب، محمد بازوم.

وهو ما أدى إلى تخوُّفات فرنسية على مواطنيها والرعايا الأوربيين؛ لذا أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية، في بيانٍ مقتضبٍ، عن عملية إجلاء فرنسي وأوروبي فوري من النيجر، وسط مخاوف من تزايد التوتُّر الداخلي في البلاد، التي تشهد مظاهرات مؤيدة لعزل الرئيس.

وفي تفاعلها مع تحركات الـ”إيكواس”، أكدت وزارة الخارجية الفرنسية، في بيانٍ، أن فرنسا تدعم “بقوة” جهود المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “إيكواس”؛ لإنهاء الانقلاب في النيجر، فيما يتحدث آخرون، بأن فرنسا ستتدخل عسكريًّا.

ثانيًا: محددات متنوعة

(أ) محددات سياسية:

المنفذ الأخير للتواجد في غرب أفريقيا: ما زالت فرنسا غير متقبلة لحالة الطرد التي واجهتها في دول غرب أفريقيا، مثل “مالي، وبوركينافاسو”، والتي صاحبها تدخل روسي؛ إذ أضعفت الانقلابات العسكرية في “مالي، وتشاد، وبوركينا فاسو” تحالفات فرنسا في الساحل، وبالتالي؛  كانت النيجر هي منفذها، وحاولت ترسيخ أقدامها في النيجر بعد الانسحاب من جاراتها، بإعادة تحديد استراتيجية البلاد لمحاربة الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي، وبالتالي؛  امتداد هذه التغيرات  إلى النيجر، التي اعتبرتها منفذها، مع تشابه الأنظمة الحاكمة في غرب أفريقيا،  وعدوى الانقلاب، وبالتالي؛ المصير ذاته.

الجغرافيا السياسية: مع وجود قواعد لـ”الولايات المتحدة، وفرنسا” في النيجر، وظهور روسيا على أنها الحليف الذي تحتاجه أفريقيا بشدة، قد تصبح النيجر مسرحًا لاستعراض القوة بين الغرب والشرق، والتي تُلمس بوضوح في القمة “الروسية – الأفريقية” التي اختتمت بوعود مثيرة، قدمها الرئيس، فلاديمير بوتين، للزعماء الأفارقة، قد توفر أيضًا لروسيا هبوطًا سَلِسًا في المنطقة.
تواجد مجموعة فاغنر: في جانب آخر للتواجد الروسي، يمكن الحديث عن تأثير جماعة فاغنر – الشركة الأمنية – فبالرغم من أن روسيا قالت: إنها تعارض الحل العسكري للصراع، وليس لديها خطط لإرسال قواتها إلى النيجر، لكن مجموعة مرتزقة فاغنر نشطة بالفعل في المنطقة، وقد أعربت عن دعمها للانقلاب في نيامي؛ لذلك سيكون أكبر خطر على غرب أفريقيا، التواجد الخاص بقوات فاغنر؛ لذلك من المحتمل أن تتطلع مجموعة فاغنر الروسية لملء القوات التي سترحل.

وبالنسبة لجهاديي “بوكو حرام، والقاعدة، والدولة الإسلامية” الناشطين في جميع أنحاء منطقة الساحل، فإن كل هذا الاضطراب وعدم اليقين هو هدية استراتيجية.

(ب) المحدد الاقتصادي

يعتبر المدخل الاقتصادي هو الرقم الأساسي في معادلة تواجد القوى في فرنسا، أحد جوانب الاستعمار الجديد، والاستعمار هو اقتصار دور أفريقيا على إنتاج المواد الخام، والمحاصيل، مثل القهوة، والمعادن، فتبلغ قيمة الأعمال التجارية العالمية للقهوة 460 مليار دولار، وهذه هي قيمة تجارة البُّن في العالم، ولكن نصيب البلدان المنتجة للبُّن في العالم بأسره 25 مليار دولار فقط، بينما يبلغ نصيب أفريقيا نحو 2.4 مليار دولار فقط من أصل 460 مليار دولار، ومن جهة فرنسا، فاعتبرت النيجر مصدرًا هامًا للموارد الطبيعة.

اليورانيوم: أثار الانقلاب في النيجر مخاوف، بشأن أنشطة مجموعة “أورانو” الفرنسية، الشركة التي تدير مواقع لتعدين اليورانيوم في شمال النيجر، خاصةً أن نحو 70% من توليد الطاقة فيها، يعتمد على الطاقة النووية، لكنها أوقفت استخراج اليورانيوم من أراضيها منذ حوالي عشرين عامًا، وعمدت إلى تنويع مصادرها من اليورانيوم المستخدم في المفاعلات، معتمدةً على ثلاث دول رئيسة لتأمين ما تحتاجه من اليورانيوم الطبيعي، مثل النيجر التي تغطي 20% من هذه الاحتياجات، فيما تعتمد علي كازاخستان في توفير 27%، وعلى أوزباكستان بـ19 %، وتعتمد فرنسا على الطاقة النووية في توليد الكهرباء؛ لذلك تعتبر أكثر دولة مستخدمة للطاقة النووية.

المحدد الاقتصادي راسخ ومستمر، ويمكن من خلاله تحقيق الضغط المتبادل، فعلى سبيل المثال؛ في سبيل ضغط فرنسا اقتصاديًّا على الانقلابيين والداعمين لهم، أعلنت فرنسا تعليق مساعداتها التنموية، وتلك المتعلقة بدعم الميزانية المخصصة لبوركينا فاسو، وذلك بعد أيام من إعلان “بوركينا فاسو، ومالي”، أنهما تعتبران أي تدخل عسكري ضد الحكام العسكريين الجُدُد في النيجر بمثابة “إعلان حرب”، وأن احتياج فرنسا لليورانيوم من جهةٍ أُخرى له الأولوية، وبالتالي؛ فالبُعْد الاقتصادي بُعْد مؤثر بين الطرفين.

ثالثًا: حالة عدم اليقين وسيناريوهات فرنسا

لا شك أن فرنسا تشهد حالةً من عدم اليقين من النيجر، وأن السيناريوهات التي تنتظرها، أفضلها سيئ بالنسبة لها.

التصرف لتحريك الوضع ضد الانقلابيين: وهذا ما يعني استمرار تعاملها مع أزمة النيجر على النحو الحالي، بدعم التدخل العسكري في النيجر، مقابل ما تسميه تصحيح الأوضاع الانقلابية، وهذا السيناريو يعني استمرار فرنسا في وضع المواجهة مع القادة الانقلابيين في النيجر، سواء بشكل مباشر أو بشكلٍ غير مباشر، عن طريق تحفيز التدخل العسكري، في محاولة منها للتمسك باستمرارها في منطقة الساحل، والتمسك بآخر معاقلها؛ ما يعني أن مواجهة بين الجانب الفرنسي والانقلابيين، وربما معهم قوات فاغنر.

قبول الأمر الواقع ومحاولة تحجيم الخسائر: وهذا السيناريو يرجح أن تُقرَّ فرنسا بأن الوضع غير قابل للتصحيح، ومن ثم تحاول تحجيم خسائرها في المنطقة، بقبول الأوضاع الحالية، مقابل مكاسب تضمنها لها باقي الأطراف، وهذا السيناريو يتماشى مع براجماتية فرنسا من ناحية، ويحقق للجانب الفرنسي الجانب الأوسع من المكاسب، ويتطلب أن تتراجع فرنسا قليلًا عن تصعيدها ضد القوى العسكرية في النيجر.

الانسحاب بشكل تام من المشهد: وهذا يعني الاستمرار في رفضها للانقلاب، واستمرار الضغط الاقتصادي؛ ما يعني بالتبعية أنها ستخسر مصالحها الاقتصادية، أو قد تتحمل حجم الخسائر التي تتعرض له، وهو ما يتبعه انسحاب فرنسي كامل من الساحل، واستمرار الضغط الاقتصادي، بسحب الدعم الاقتصادي وأشكال التواجد الأخرى، أو تشجيع فرض عقوبات اقتصادية.

وفي هذا السيناريو قد يتبع الإجلاء الحالي للمواطنين الفرنسيين، التخلِّي عن القواعد العسكرية “الأمريكية، والفرنسية” ورحيل 2500 جندي، كانوا يشاركون في مساعدة النيجر، في محاربة المتمردين الجهاديين، فلم يكن وجود القوات الغربية يحظى بشعبية عالمية، لكن البلاد كانت تتلقى مئات الملايين من اليورو، في شكْل مساعدات مالية وعسكرية سنوية؛ لذلك قد توقف ذلك الآن.

بالأخير: يمكن القول: إن موقف فرنسا في النيجر علي المحك، وأن هناك العديد من الدوافع السياسية التي تدفعها للتمسك بالتواجد في النيجر، في ظل حالة اللفظ التي تواجهها في الساحل الأفريقي، فيما يمثل الجانب الاقتصادي أداةً للضغط المتبادل بين الطرفين؛ إذ تخشي فرنسا أن تتأثر وارداتها من الموارد الطبيعية، التي تستحوذ عليها من النيجر بكميات هائلة وبأسعار زهيدة، فيما تملك في الوقت ذاته، إمكانية الضغط بسحب المساعدات الإنسانية، التي تقدمه بطرق مختلفة، بجانب الحشد نحو تنفيذ القوى الغربية المختلفة بعقوبات اقتصادية؛ لذلك تبقي الخيارات المطروحة كلها تمثل مفاضلة بين حجم الخسائر التي ستتحملها ونوعها.

كلمات مفتاحية