إعداد: عنان عبد الناصر
شهدت إثيوبيا أحداث متسارعة على مدار الأيام القليلة الماضية، وتحديدًا داخل إقليم أمهرة، فقد أعلن رئيس الإقليم، فقدان السيطرة على الإقليم، طالبًا من الحكومة الفيدرالية التدخل، والتي أعلنت بدورها فرض حالة الطوارئ، في الرابع من أغسطس 2023م، جاء ذلك وسط أخبار متواترة عن حرب ضارية بين قوات الحكومة الفيدرالية وبعض الميليشيات المسلحة داخل الإقليم، والجدير بالذكر، أن الحكومة الفيدرالية قد استعانت بالأمهريين في حرب التيجراي، وذلك في ظل الانقسامات العرقية والمظالم التاريخية وصراعات النفوذ والهيمنة، ومن ثم فهناك مجموعة من التساؤلات المثارة حول مستقبل هذه المعركة، فهل تنتهي بتسوية تاريخية أم تعيد الأمهريين إلى السلطة مرة أخرى؟
خلفية الصراع داخل الإقليم وأسبابه
تأسس النظام الفيدرالي الإثيوبي، وفقًا لدستور 1994م، في أعقاب الإطاحة بالنظام الماركسي، في عام 1990، وكان الهدف من تطبيقه هو الحد من الإقصاء والتهميش الذي تعاني منه الجماعات العرقية، والجدير بالذكر، أن ذلك النظام لم ينجح في معالجة مشكلات التنوع العرقي في الداخل الإثيوبي، وكانت المشكلة الأبرز، أن النظام يقوم على أساس الانتماء العرقي وليس الوطني، ويؤسس الحقوق الأساسية في الوظائف والهيئات الحكومية ليس على الجنسية الإثيوبية، ولكن على اعتبارهم من السكان الأصليين عرقيًا في الأقاليم الفيدرالية.
تبنَّى أبي أحمد منذ تولِّيه السلطة في عام 2018، مجموعة من الإصلاحات الهامة؛ لإنهاء حالة الصراع، كان من المفترض أن تساهم تلك الإصلاحات في معالجة الأزمات العرقية في الداخل الإثيوبي، إلا أنها ساهمت في بروز تحديات خطيرة، من خلال تفاقم السياسات العرقية التنافسية، وكان آخرها ما أصدرته الحكومة الإثيوبية برئاسة أبي أحمد، في أبريل الماضي 2023م، قرارًا بحل الميليشيات الإقليمية، وتأسيس قوة مركزية واحدة على مستوى الجيش والقوى الأمنية الأخرى؛ نظرًا لتبنِّي أبي أحمد نظرية الحكم المركزي؛ ما أدَّى بطبيعة الحال إلى اشتعال الصراع بين الطرفين؛ حيث اتهم مسؤولون أمنيون داخل إقليم أمهرة، أن ذلك يشكل انتهاكًا لحقوق الإنسان، وبذلك سيعاد تنظيم عناصر القوات الخاصة في كامل إثيوبيا، مع ضمان خياراتهم بالكامل واحترام رغباتهم، ومنذ صدور ذلك القرار، بدأ الناشطون داخل أمهرة بالتعبئة عبر وسائل الإعلام في الداخل والخارج، والدعوى إلى مظاهرات في المدن الرئيسية؛ اعتراضًا على ذلك القرار، وقد تطورت الأحداث شيئًا فشيئًا إلى أن فقدت الحكومة الإقليمية السيطرة على الإقليم.
يكمن التحدي الحقيقي لهذه المشكلة، في أنه لم يتم عقد اتفاقات سياسية تسبق الدمج المزمع مع الأقاليم الأخرى، التي تضم قوميات لها وزن، مثل الأمهرة وأورومو؛ لذلك فإن الإعلان قد يبدو بالنسبة لهم سياسة قسرية، وهو ما يفسر طبيعة الأوضاع التي وصل إليها الإقليم من رفض عملية الدمج وتسليم السلاح، بالإضافة إلى وجود خلافات قائمة طوال الوقت، ترتبط بالنزاعات الإثنية والحدودية، بجانب النزاع على الثروة والسلطة وغير ذلك، وهو ما حدث بالفعل في عدد من الوقائع داخل الدولة، فعلى مدار العامين الماضيين، تصاعد مناخ العنف السياسي، بجانب زيادة نِسَبِ النازحين والمشردين، بالإضافة إلى كثرة الاغتيالات السياسية والنزاعات الاجتماعية؛ ما عزَّز من تصاعُد المواقف القومية المتطرفة، وقد بلغ الأمر ذروته باندلاع الصراع داخل الأمهرة، تبدو إثيوبيا وكأنها أمة منقسمة، بعد أن كان يشير الغرب أنها بمثابة نموذج تنموي هام في أفريقيا.
هناك مخاوف عدة لدى الأمهريين، ارتبطت في جوهرها بالنزاعات بين الأقاليم، فضلًا عن امتلاكهم الرغبة في العودة إلى الحكم مرةً أُخرى، بعد أن فقدوه منذ سقوط الزعيم، هيلا سلاسي، عام 1974م، فيخشى الأمهريون من أن تقوم الحكومة الإثيوبية بإرجاع المناطق المتنازع عليها مع التيجراي إلى إقليم تيجراي، وهو العامل الأبرز الذي أثار المخاوف لدى الأمهرة، بالإضافة إلى كثرة بؤر الاشتعال في إثيوبيا؛ ما يزيد من مخاوف الأمهريين من استباحة قوات الميليشيات الإقليمية لأرضهم، بجانب احتمالية قيام حروب داخلية، في ظل الخلافات الممتدة مع الأقاليم الأخرى، فقد شعر الأمهريون بتراجع دورهم داخل البلاد، فبعد وصولهم إلى سُدَّة الحكم أصبحوا بمثابة قوة عسكرية فقط، وهناك تقديرات أشارت إلى أن هذه بمثابة فرصة تاريخية؛ لتحقيق مكاسب بحجم دورهم التاريخي، وتحديدًا في ظل غياب التيجراي، العقبة الأكبر أمام عودة الأمهرة.
طبيعة الأوضاع الميدانية داخل الإقليم
اندلع العنف في جميع أنحاء إقليم أمهرة الإثيوبي؛ جرَّاء القرار الصادر من الحكومة الإثيوبية؛ لاستيعاب قوات الأمن الإقليمية في الجيش الوطني؛ ما أثار حفيظة ميليشيات فانو، التي لعبت دورًا قياديًّا في الحرب الأهلية مع إقليم تيجراي، وتحظى ميليشيات فانو بشعبية واسعة بين الأمهرة، ولكن الحكومة تراها تشكل تهديدًا للنظام الدستوري، وفي هذا الصدد، اشتبكت ميليشيات فانو مع الوحدات العسكرية، وسيطروا على بعض البلدات؛ ما أسفر عن وقوع عدد من الضحايا.
وقد ازدادت التعبئة بإنشاء المزيد من الميليشيات التي قامت بالاعتداء على المسؤولين الحكوميين في عدد من المدن، بجانب الهجوم على عدد من نقاط الشرطة؛ من أجل الاستيلاء على السلاح، قامت ميليشيات فانو أيضًا بحملة تعبئة وتجنيد بالغة خاصة، وأنهم يمتلكون حضورًا قويًّا في الخارج؛ حيث قامت مجموعة من نخب الأمهرة في الخارج، بتنظيم حملات إعلامية قوية، بالإضافة إلى التبرعات المالية؛ لدعم ثورة الأمهريين، وهو ما اعتبرته الميليشيات دعمًا مهمًا لها لتنفيذ أهدافها.
وقد أشار حاكم إقليم أمهرة إلى أن تلك الاضطرابات تتسبب في أضرار اقتصادية واجتماعية وإنسانية خطيرة، فقد أصبح من الصعب إحكام السيطرة على الأوضاع، وقد ناشد نائب رئيس الوزراء، ديميكي ميكونين، بضرورة السعي إلى حل سلمي للحوار، وتجدر الإشارة إلى أنه يجب موافقة البرلمان على حالة الطوارئ، التي تم إعلانها في غضون 15 يومًا، وإلا سيتم إلغاؤها.
طلبت السلطات في منطقة أمهرة الإثيوبية المساعدة من الحكومة الفيدرالية الإثيوبية؛ جرَّاء الاشتباكات بين الميليشيات العرقية المحلية مع قوات الأمن الفيدرالية، وأوقفت بعض الرحلات الجوية إلى المدن الرئيسية، وأشارت السلطات الإقليمية إلى أن الاضطرابات تسببت في أضرار اقتصادية واجتماعية وإنسانية خطيرة، وطالبت من الحكومة اتخاذ الإجراءات المناسبة.
موقف الحكومة الإثيوبية من تمرد الأمهريين
بدأت حملة واسعة من الاعتقالات في العاصمة أديس أبابا لمؤيدي الميليشيات من الأمهريين، وقد بدأت الحكومة أيضًا في إعداد حملة عسكرية شاملة، ويمنح قرار فرض حالة الطوارئ السلطات الفيدرالية، بإنشاء مركز قيادة حالة الطوارئ؛ لتنفيذ الإعلان، وسيترأس مركز القيادة المدير العام لجهاز الأمن والمخابرات الوطني، وسيمنح القرار أيضًا سلطة إعلان حظر التجول وإغلاق الطرق لفترة زمنية معينة، وتم تفويضها أيضًا بصلاحية القبض على المشتبه بهم، ممن يسعون إلى ارتكاب جرائم ضد الحكومة والنظام الدستوري، واختراق إعلان الطوارئ وعرقلة تنفيذه.
وقد اتخذت الحكومة الفيدرالية مجموعة من الإجراءات ضد أولئك الذين يطلقون النار على قوات الدفاع الوطنية الإثيوبية، وأشارت إلى أنه سيكون هناك ردٌّ قاسٍ عند إطلاق النار، وعلى المشاركين في القتال أن يضعوا ذلك في اعتبارهم؛ لذلك من الضروري، أن يأتي المسلحين إلى طاولة المفاوضات لحل الخلافات بشكل سلمي؛ نظرًا لأن الصراع يؤدي إلى انعدام الأمن والقانون وعدم الاستقرار الإقليمي، ومن ثم اتجاه البلاد نحو وضع يصْعُب التعافي منه، وتعتقد الحكومة الاتحادية أن استخدام القوة من الممكن أن يصبح سلاحًا فعَّالاً في احتواء الموقف، لكن السلطات الإقليمية تضغط من أجل التوصل إلى تسوية سلمية، وقد اقترح أعضاء مجلس ولاية أمهرة إجراء مفاوضات مع ميليشيات فانو لحل الصراع دون عنف.
فقدان السيطرة على مناطق في إقليم أمهرة
أعلنت السلطات الإثيوبية، يوم الإثنين السابع من أغسطس 2023م، فقدان السيطرة على مناطق في إقليم أمهرة لصالح الميليشيات المحلية، وقد أعلن رئيس المخابرات الإثيوبية المسؤول عن حالة الطوارئ، تيميسجن تيرونه، بأن قوات أمهرة غير النظامية، سيطرت على البلد، وأطلقت سراح السجناء، واستولت على بعض المؤسسات الحكومية، وقد استولت ميليشيات فانو أيضًا على عدد من المناطق الإدارية في منطقة قوجام، وبدأت في تأسيس إدارات مؤقتة، وتمكنت أيضًا من دخول مناطق لاليبيلا، وتوسَّعت بمناطق كوبو وولديا وغيرها، وقد امتدت الحرب جنوبًا إلى مدينة قندر، وقد أشارت بعض الوسائل الإعلامية إلى أن الميليشيات تمكَّنت من الاستيلاء على أكثر من نصف المدينة، واستمر إطلاق النيران
في جوندار وديبري بيرهان والعاصمة الإقليمية بحر دار، وتم إغلاق الطرق الرئيسية في جميع أنحاء المنطقة.
الموقف الدولي من الأوضاع في أمهرة
حثت السفارة الأمريكية مواطنيها في منطقة أمهرة على الاحتماء في أماكنهم، وحذَّرت من السفر حتى يتحسن الوضع الأمني، وأصدرت السلطات البريطانية تحذيرًا من السفر؛ حيث سيطرت ميليشيات فانو على مطار لاليبيلا، وحثت وزارة الخارجية الإسرائيلية رعاياها في منطقة جوندار بإثيوبيا على البقاء في منازلهم، وقد أشار وزير الهجرة والاندماج الإسرائيلي أوفير صوفر، أن قرار الحكومة الإثيوبية بإعلان حالة الطوارئ يؤكد خطورة الوضع في منطقة أمهرة، وأعلنت منظمة الصحة العالمية في بيانٍ لها، أن استمرار أعمال العنف يشكل عائقًا؛ لإيصال المساعدات الإنسانية إلى تلك المنطقة، داعية إلى تسهيل إيصال المساعدات وحماية النظام الصحي في أمهرة، فضلًا عن ضرورة إرساء السلام داخل الإقليم؛ حتى تتمكن من مواصلة العمل هناك.
الصراع داخل الإقليم إلى أين؟
لا يزال المشهد الأمني في الداخل الإثيوبي غير مستقر، فهناك مخاوف عدة من تكرار سيناريو إقليم تيجراي؛ ما دفع الحكومة الإثيوبية بإعلان حالة الطوارئ؛ للسيطرة على الأوضاع ومنع التصعيد، ولذلك فهناك احتمالية لعدم قدرة الحكومة الإثيوبية على حسْم الصراع عسكريًّا؛ ما يؤدي إلى إطالة أمد الحرب وتفاقم حالة الاستقطاب الداخلي، ومن ثم انخراط العديد من الأطراف الداخلية في الصراع، وتزداد المخاوف حول تمكُّن ميليشيات فانو من السيطرة، خاصة في ظل حملات الدعم المساندة لها من الخارج، وبالتالي من المحتمل أن تشهد الأيام المقبلة توسيع نطاق المواجهات بين الجانبين.
والجدير بالذكر، أن المشكلة في أمهرة أعمق من مجرد كونها اشتباكات بين الميليشيات والجيش، بل هناك أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية، تتعلق بتعامل الحكومة الفيدرالية مع هذه القوميات، والتي دفعتهم للاحتجاج والغضب من سياسات الحكومة المركزية، فالوضع في أمهرة يشكل خطورة بالغة، خاصة في ظل تفاقم الأوضاع على الصعيد الإقليمي؛ جرَّاء الانقلاب في النيجر وتطورات الأوضاع في السودان والمشهد في أفريقيا الوسطى، فكل هذه التطورات تهدد الاستقرار في منطقة القرن الأفريقي، فتفاقم الأوضاع في الداخل الإثيوبي ينذر بأزمة حقيقية تواجه الحكومة الإثيوبية.
ختامًا:
نجد أن الوضع داخل إقليم أمهرة الإثيوبي، من المحتمل أن يشهد مزيدًا من التصعيد خلال الأيام المقبلة، فالمشكلات الأمنية داخل الإقليم صارت مقلقة للغاية، بالإضافة إلى رفض الميليشيات المسلحة الدعوة لعقد حوار سلمي، فيشهد الإقليم لحظة تاريخية يجب أن تضع كافة الأطراف في اعتبارها حقيقة هامة، وهي أن فقدان السلام داخل الدولة يعني فقدان كل شيء، ولذلك فهناك ضرورة لعقد حوار سلمي بين كافة الأطراف في الداخل الإثيوبي؛ لاحتواء المشهد الأمني؛ لذلك لا بد من الاستفادة من أخطاء الحروب الماضية، وخاصة حرب التيجراي، فالنظام الجمهوري في إثيوبيا يواجه خطرًا حقيقيًّا، وما يزيد من احتمالية هذه المخاوف، أن شعارات حماية الوحدة الوطنية وتنفيذ القانون لا يمكن أن تتحقق عبر الآلة العسكرية والخروج عن إطار المؤسسات التشريعية والقضائية.