أفريقيا الوسطى: استفتاء تاريخي وتحديات مستقبلية

إعداد: وسام العربي 

مقدمة:

تشهد جمهورية أفريقيا الوسطى حالة من التوتر والتحديات السياسية؛ حيث تختلف فيه وجهات النظر حيال التعديلات الدستورية الأخيرة، والتي جرى الاستفتاء عليها في 30 يوليو 2023، وتُظهر الأحداث المحيطة بهذا الاستفتاء تشعبًا معقدًا للوضع السياسي والمشهد الدولي، والذي يرتبط بمحاولات لتمديد ولاية الرئيس، فاوستان آرشانج تواديرا، الذي فاز بولايتين سابقتين، ففي عام 2020، فاز “تواديرا” بولاية رئاسية ثانية، إلا أن هذا الانتخاب تعرض لانتقادات وشبهات بالتزوير وسط انقسامات سياسية عميقة، وقد تجدد الجدل حول الاستفتاء الحالي، الذي يسعى إلى إلغاء الحد الزمني لولاية الرئيس، وتمديد فترة الولاية من خمس سنوات إلى سبع سنوات؛ ما يشير إلى إمكانية ترشح “تواديرا” لفترة ولاية ثالثة، في خطوة اعتبرتها المعارضة والمجتمع المدني تجاوزًا للديمقراطية، وتهديدًا للتنوع السياسي، ويزيد التأثير الروسي في الشأن الداخلي للجمهورية من تعقيد المشهد السياسي، من خلال مجموعة  فاغنر والمساعدة الروسية للرئيس “تواديرا”، وترتبط هذه المساعدة بتحقيق تقدم في مواجهة الجماعات المتمردة وتأمين الاستقرار الداخلي، وعلى الجانب الآخر، تجد المعارضة نفسها تحت ضغط كبير؛ حيث واجهت تحديات في تنظيم أنصارها لمقاطعة الاستفتاء، كما اتهموا بعض المؤسسات الرسمية بالتلاعب بالنتائج، وسط تخوفات من أن يتم تدبير الاستفتاء بشكل يعزز من مصالح الحاكم الحالي ويقوي وجوده في السلطة.

السياق والتحديات:

في سياق تاريخي متشابك، تشهد جمهورية أفريقيا الوسطى حاليًا تحولات سياسية تتراوح بين الإيجابية والتحديات البالغة؛ فبعد أن تولَّى الرئيس، فاوستان آرشان تواديرا، السلطة، في عام 2016، يأتي الاستفتاء الدستوري كخطوة حاسمة في مسيرة البلاد السياسية، وتتجلى أهمية هذا الاستفتاء في تحديد الاتجاهات الديمقراطية المستقبلية وتأثيرها على الاستقرار والتنمية في البلاد، ومع ذلك تظهر التحديات الكبيرة التي تواجهها شرعية الاستفتاء والوضع السياسي بشكل عام، والتي من أبرزها؛ الجدل المحيط بالتعديلات المقترحة على الدستور؛ حيث يتجلى هذا الجدل في تصاعد التوترات والانقسامات في المجتمع، وينظر البعض إلى الاستفتاء على أنه محاولة لتعزيز السلطة الشخصية للرئيس “تواديرا”، بينما يراه آخرون فرصة لتعزيز الاستقرار والنمو في ظل تواجه البلاد تحديات عديدة، ومن ناحيةٍ أخرى، يبرز التحدي الكبير المتعلق بالديمقراطية ومدى تأثير هذا الاستفتاء على نضج المؤسسات الديمقراطية في البلاد؛ ما يثير السؤال حول مدى تأثير هذا الاستفتاء على التوازن بين السلطات والفصل بينهم، وهل ستتمكن المؤسسات القضائية من الحفاظ على استقلاليتها أم ستكون تحت تأثير القوى السياسية؟

مقارنةً مع ديمقراطيات القارة، نرى تشابهًا في التحديات التي تواجه الديمقراطية في جمهورية أفريقيا الوسطى مع تلك المتعلقة ببلدان أخرى في القارة من النزاعات الداخلية، وعدم الاستقرار الأمني، وضعف المؤسسات الديمقراطية تشكل تحديات تواجهها العديد من ديمقراطيات أفريقيا، ويتجلى هذا بوضوح في القوى المتنافسة والتوترات السياسية التي تشهدها البلاد، والتي تؤثر سلبًا على تطور الديمقراطية ومدى تعزيزها، ومع ذلك، يتسم السياق السياسي في جمهورية أفريقيا الوسطى بتعقيداته الخاصة؛ نتيجةً للعوامل المحلية والدولية المشتركة التي تلعب دورًا في توجيه مسار السياسة، سيظل تأثير الدول والمجموعات الخارجية، مثل روسيا وواجنر، ومدى تأثيرها على تطور الأحداث في البلاد محط اهتمام دائم.

الانقسام الداخلي:

يتجلى الانقسام في جمهورية أفريقيا الوسطى بشكل واضح حيال التعديلات الأخيرة على الدستور؛ فبينما يرى أنصار الرئيس “تواديرا” أن هذه التعديلات تأتي لتعزيز استقرار البلاد وتحقيق تطلعات الشعب، يروج البعض الآخر لفكرة أن هذه الخطوة تأتي كجزء من محاولة لتمديد ولاية الرئيس، والبقاء في السلطة لفترة غير محدودة، ويكمن التحدي الأساسي في تلك الانقسامات التي تؤثر على وحدة المجتمع والتنوع السياسي والاجتماعي؛ فمنذ الإعلان عن الاستفتاء، عبّرت العديد من الأحزاب المعارضة وجماعات المجتمع المدني عن مخاوفها من أن يؤدي الاستفتاء إلى تفاقم الانقسامات والتوترات في البلاد، ويظهر هنا تحدي توجيه رسالة واضحة من الحكومة وتحقيق التوافق بين مختلف الأطراف المعنية.

مخاوف البعض من أن هذه التعديلات قد تفتح الباب أمام تكرار سيناريوهات سياسية سابقة في القارة الأفريقية؛ حيث استخدم بعض الزعماء التعديلات الدستورية للبقاء في الحكم لفترات طويلة؛ ما يثير مخاوف بشأن استمرارية الديمقراطية وحقوق الإنسان، وقد تكون هذه المخاوف مبررة إذا لم يتم تحقيق توازن بين السلطات وتشجيع الانتقال الديمقراطي، وليست الانقسامات السياسية هي المشكلة الوحيدة، بل تتضمن التحديات أيضًا تقارب الآراء والتصاعد المستمر للتوترات، ويظهر ذلك من خلال الدعوات المتبادلة بين الأطراف المتصارعة؛ حيث تلجأ الحكومة وأنصار “تواديرا” إلى تبرير الاستفتاء بنسبة التوافق علي التعديلات الدستورية التي وصلت 95% على أنه خيار الشعب، بينما قامت المعارضة بالمقاطعة، كما يرى البعض أن طريقة إجراء الاستفتاء كانت غير ديمقراطية بما يكفي؛ فقد أشارت تقارير إلى توجيه الناخبين إلى اختيار الخيار “نعم” عوضًا عن الخيار “لا”؛ ما يعكس قلقًا من عدم حصول الناخبين على معلومات كافية وعدم توفير مساحة للنقاش العام حول التعديلات المقررة .

النفوذ الروسي والتأثيرات الدولية:

لطالما أظهرت جمهورية أفريقيا الوسطى اهتمامًا استراتيجيًّا للقوى الكبرى في المشهد الدولي، وفي السنوات الأخيرة، تمثل هذا الاهتمام بشكل أكبر في التدخلات الروسية المتزايدة في الشؤون الداخلية للبلاد، والتواجد الروسي في جمهورية أفريقيا الوسطى ليس جديدًا، لكنه ازداد بشكل كبير منذ 2018، وقد اتسم هذا التواجد بتزويد البلاد بالمستشارين العسكريين ومجموعة فاغنر التي عملت بشكل وثيق مع الحكومة، وفي هذا السياق، يظهر التأثير الروسي بوضوح في تطوير الاستراتيجيات الدفاعية والأمنية، وقد تعددت المخاوف حول النفوذ الروسي وأهدافه، خاصة فيما يتعلق بتعزيز الاستقرار أو الاستفادة من الموارد الطبيعية الغنية للبلاد تظل العلاقات بين روسيا و”تواديرا” موضوعًا للنقاش؛ حيث يرى البعض أن هذا التقارب يأتي في إطار توسيع النفوذ الروسي في القارة الأفريقية، والجدير بالذكر، أن النفوذ الروسي ليس الوحيد في المنطقة؛ حيث تظل جمهورية أفريقيا الوسطى محل اهتمام من قِبَلِ القوى الدولية الأخرى، ولكن الحضور الروسي المكثف والدعم المستمر لـ”تواديرا”، والذي كانت أبرز ملامحه الدعم الروسي للحكومة في الاستفتاء الدستوري الأخير قد أثار قلق العديد من الدول الغربية، وفي هذه اللحظة الفاصلة تظل المشكلة الرئيسية تتعلق بكيفية التعامل مع هذا الوضع وما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه المجتمعات الدولية في تأمين استقرار جمهورية أفريقيا الوسطي، كما تشكل الروابط السياسية والاقتصادية الروسية تحديًا خاصًا؛ فمن الواضح أن هناك رغبة من قبل روسيا في تعزيز وجودها وتأمين مصالحها في القارة الإفريقية، وقد تتجلى هذه المصالح في السعي نحو تحقيق الاستفادة القصوى من الموارد الطبيعية وتعزيز الروابط التجارية.

ختامًا

فإنه بناءً على السياق الحالي ونتائج الاستفتاء الدستوري الذي نال نسبة تأييد كبيرة بلغت 95%، تتجه جمهورية أفريقيا الوسطى نحو تحولات مستقبلية حاسمة، ومن الواضح أن هناك عدة سيناريوهات يمكن أن تتكون بناءً على هذه النتائج والمستجدات المحيطة بها يكون فيها الاستقرار الداخلي وتحقيق الديموقراطية يعد أمرًا بعيد المنال، بينما تصاعد التوترات والانقسامات الداخلية وزيادة التدخل الروسي يعد أمرًا محتومًا مالم تتغير سياسة الحكومة، وتسعى لإقامة حوارٍ وطنيٍّ والتوافق الحقيقي حول التعديلات.

كلمات مفتاحية