تقدير موقف بعنوان: النظرة الأمنية لمستقبل فاجنر بعد مقتل بريجوجين

إعداد: دينا لملوم

لقد كتب زعيم “فاجنر” سطوره الأخيرة حينما انقلب على الرئيس بوتين فى ٢٤ يونيو الماضى، حيث تمت تصفيته بعد هذا الانقلاب بشهرين فى مثل اليوم الذى قرر فيه الانقلاب، ومن هنا نطرح التساؤل حول الوضع الأمنى المتعلق بمستقبل مجموعة فاجنر بعد مقتل كبار قادتها “كبريجوجين، ديمترى، وأوتكين”، فى محصلة نهائية وهى تقليص نفوذ المجموعة وسعى بوتين للسيطرة عليها، وإعادة هيكلتها بشكل يجعلها موالية للكرملين، ويحكم مشهد ما بعد مقتل “بريجوجين”عدة رؤى وسيناريوهات خاصة بعد الزيارات التى أجراها مسؤولون روس لبعض الدول الإفريقية على رأسهم نائب وزير الدفاع الروسى، وفى ظل قرار الحظر الذى تعتزم بريطانيا اتخاذه بشأن فاجنر وإعلانها كمنظمة إرهابية.

متى بدأت فاجنر فى الانتشار؟

مجموعة فاجنر هى عبارة عن شركات أمنية خاصة تابعة لروسيا تتعدد أذرعها فى دول عدة حول العالم، وتأسست عام ٢٠١٤ تزامنًا مع الغزو الروسى لشبه جزيرة القرم، وترأسها رجل الأعمال السابق “يفجينى بريجوجين”، وسجلها التاريخى يشير إليها باعتبارها ميليشيا سيئة السمعة تقوم بانتهاكات جسيمة كالقتل والتعذيب ونهب موارد البلاد التى تتواجد على أراضيها، ويقال إنها تعمل لصالح روسيا، إلا أن السلطات الروسية نفت ارتباطها بشكل رسمى، فهى عبارة عن الذراع غير الرسمى الذى يخدم مصالح روسيا فى بعض المناطق، دون الاعتراف بشرعيتها أو تبعيتها لها.

خريطة تمدد فاجنر حول العالم:

تتمركز جماعات فاجنر فى العديد من الدول حول العالم، حيث تنشط فى أكثر من ٣٠ دولة فى قارات العالم المختلفة  كأوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينية وإفريقيا، وتعمل على تدريب الجنود وحراسة مسؤولين كبار، ولكنها تورطت فى ارتكاب انتهاكات ضد حقوق الإنسان فى العديد من الدول التى تتواجد بها.

Screenshot 2023 09 08 041512 تقدير موقف بعنوان: النظرة الأمنية لمستقبل فاجنر بعد مقتل بريجوجين

خريطة انتشار فاجنر حول العالم

أولًا: أوروبا:

أوكرانيا:

بدأت فاجنر التوغل عسكريًا فى أوكرانيا لأول مرة منذ عام ٢٠١٤، حيث عملت على تقديم الدعم لجماعات انفصالية موالية لروسيا فى مواجهة القوات الأوكرانية فى وقت لم تتجاوز فيه هذه القوات بضعة آلاف، ومع اندلاع الحرب (الروسية – الأوكرانية) بدأ حشد مرتزقة فاجنر بتعزيز القوات الروسية المتواجدة على الخطوط الأمامية، وفى يناير الماضى بلغت أعداد فاجنر قرابة٥٠ ألف مقاتل[1]، وقد لعبت هذه الميليشيا دورًا فى معركة أوكرانيا، حيث السيطرة على مدينة باخموت شرق البلاد مايو الماضى وتسليمها للجيش الروسى.

بيلاروسيا:

لقد لعبت بيلاروسيا دورًا وسيطًا بين بوتين وزعيم فاجنر السابق بعد الانقلاب الذى أعلنه على الرئيس الروسى؛ وذلك من أجل إنهاء هذا التمرد، وبناءً عليه تم نقل مجموعة فاجنر المسلحة وقائدها إلى “مينسك” بعدما رفضت عرض الرئيس بوتين للانضمام إلى جيش موسكو النظامى، وتلك لم تكن المرة الأولى التى تذهب فيها فاجنر إلى الأراضى البيلاروسية، بل كانت متواجدة قبل ٢٠١٩، فى الوقت الذى حدثت فيه توترات بين روسيا ونظيرتها بيلاروسيا، حيث أوقفت الأخيرة ٣٢ مقاتلًا من فاجنر، واتهمتهم بدعم المعارضة أثناء الانتخابات الرئاسية، إضافة إلى اتهام الرئيس “الكسندر لوكاشينكو” موسكو بالتدخل فى الشؤون الداخلية للبلاد، ولكن سرعان ما تحول عدو الأمس إلى حليف اليوم.

ثانيًا: آسيا:

سوريا:

تنشط جماعات فاجنر فى سوريا منذ عام ٢٠١٥، ومع مرور الوقت أصبحت هذه الميليشيات تحارب مع القوات الروسية المتواجدة فى سوريا، ولكن مع بداية الحرب (الروسية – الأوكرانية) بدأت موسكو فى سحب العديد من المسلحين الروس من بينهم عناصر لفاجنر، وتشير إحصائيات إلى أن أعداد مسلحى هذه المجموعة فى ذروة انتشارها فى سوريا بلغ حوالى ٥ آلاف عنصر.

ثالثًا: أمريكا اللاتينية:

فنزويلا:

تدخلت مجموعات فاجنر فى فنزويلا من أجل دعم الرئيس “نيكولاس مادورو” حليف موسكو، والسعى نحو تقوية موقفه وإبقائه فى الحكم بعد تصاعد وتيرة الاحتجاجات التى نُظمت ضده نهاية عام ٢٠١٩، وقد درب مسلحو فاجنر قوات النخبة الفنزويلية، وترتبط روسيا وفنزويلا بعلاقات جيدة على المستوى الاقتصادى والعسكرى على مدار سنوات، فقد قدمت موسكو قروضًا تبلغ ١٧ مليار دولار للحكومة الفنزويلية عام ٢٠٠٦، كما أن روسيا تولى النفط الفنزويلى اهتمامًا كبيرًا، على اعتبار أن “كاراكاس” تمتلك أكبر احتياطيات نفطية عالمية.

رابعًا: إفريقيا:

تنشط قوات فاجنر فى أكثر من عشرين دولة إفريقية، ويمكن إجمال أبرز الدول التى تتواجد فيها هذه المجموعات فى التالى:

١-إفريقيا الوسطى: تعد جمهورية إفريقيا الوسطى البوابة الرئيسية لروسيا للعبور إلى القارة الإفريقية باعتبارها حلقة الوصل بين الشمال والجنوب، كما إنها تعد أولى الدول الإفريقية التى رحبت بقوات فاجنر؛ لكى تساندها فى مجابهة التنظيمات المتطرفة، وتتمثل المهام المنوطة بفاجنر فى بانجى فى قيامها بتدريب الحرس الرئاسى، وحماية مناجم الذهب والماس، وتحصل فى المقابل على نسبة من أرباحها، وقد أطاحت فاجنر بالسياسيين المواليين لفرنسا فى إفريقيا.

٢-ليبيا: تشير تقارير إلى أن عدد قوات فاجنر فى ليبيا تتراوح بين ١٥٠٠-٢٠٠٠ مقاتل[2]؛ وذلك من أجل تغيير موازين القوى لصالح الجيش الوطنى الليبى، علاوة على توطيد النفوذ الروسى فى المنطقة وإدماجه فى عمليات التسوية لأى صراع قادم.

٣-موزمبيق: تتولى فاجنر مهام مكافحة التمرد فى البلاد، ويقوم ٢٠٠ عنصر بعمليات التصدى للإرهاب فى منطقة “كابو دلغادو” شمال البلاد، فضلًا عن تواجد قرابة ٢٧٠٠ عنصر على سفن حربية روسية على مقربة من سواحل موزمبيق.

٤-مالى: تتمركز قوات فاجنر فى مالى منذ عام ٢٠١٩؛ وذلك من أجل مكافحة التمرد والمشاركة فى القتال ضد تنظيم داعش، وقد وقعت حكومة مالى اتفاقًا مع فاجنر؛ لنشر حوالى ١٠٠٠ من قواتها؛ من أجل مجابهة الإرهاب.

٥- السودان: تتواجد فاجنر فى السودان منذ يناير ٢٠١٨، فى الوقت الذى أعطى فيه الرئيس السابق “عمر البشير” صلاحيات واسعة لهذه القوات فى السودان، منها الحصول على امتيازات التعدين وبناء قاعدة بحرية على البحر الأحمر فى ميناء بورتسودان، ومنذ ذلك الوقت تتواجد فاجنر على الرغم من الإطاحة بالبشير، كما أنهم يلعبون دورًا فى الاشتباك المسلح القائم فى الوقت الحالى، والذى تدور رحاه منذ أبريل الماضى، بين قائد الجيش السودانى، وقائد قوات الدعم السريع وفى المقابل تستحوذ هذه الميليشيات على حصص من مناجم الذهب والألماس، ولم يقتصر التواجد الفاجنرى على هذه الدول فحسب، بل تنتشر فى بلدان أخرى من ضمنها بوركينا فاسو.

تجدر الإشارة إلى أن قائد فاجنر كان قد أعلن عن استعداده للتدخل فى النيجر لتقديم المساعدة، وقد أثيرت التكهنات بأن الجيش النيجرى قد طلب مساعدة ميليشيا فاجنر فى ظل الوضع الأمنى المتردى، وكذلك الجابون، فقد يكون مقتل “بريجوجين” عرقل التحركات الفاجنرية فى هاتيين الدولتين فى الوقت الذى تحاول فيه هذه المجموعة استعادة قواها فى ظل مشهد يتطلب إعادة ترتيب الأوراق من جديد، فإذا استمرت الأوضاع فى نيامى وليبرفيل تزداد سوءًا قد يتطلب الأمر استدعاء قوات فاجنر، على أن يتم تقرير مصير هذه الجماعة من قبل الكرملين بعدما فقدت كبار قادتها.

Screenshot 2023 09 08 041848 تقدير موقف بعنوان: النظرة الأمنية لمستقبل فاجنر بعد مقتل بريجوجين

تمركز فاجنر فى إفريقيا.

أنشطة ومهام فاجنر:

تتمركز قوات فاغنر فى مناطق عدة عبر العالم، وتتركز أنشطة المجموعة فى إفريقيا بشكل كبير؛ نظرًا لحالة عدم الاستقرار السياسى والأمنى فى العديد من الدول الإفريقية، ومن ثم زيادة بؤر التوتر التى أدت فى نهاية المطاف إلى تفاقم ظاهرة الإرهاب ومطاردة رؤوس التنظيمات المتطرفة، الأمر الذى جعل القارة مرتعًا لتواجد مثل هذه الشركات التى لجأت إليها بعض الدول، اعتقادًا منها أنها ستساندها فى تخطى الأزمات الأمنية التى تعصف بها مثلما فعلت مالى، ولكن ثمة تعقيدات وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان من قبل هذه الجماعات، على الصعيد الآخر نلاحظ أن فاجنر بدأت تتغلغل فى القارة على اعتبار أنها امتداد للنفوذ الروسى، حيث الانخراط فى أعمال استخراج المواد الخام بما فى ذلك الذهب والمنجنيز واليورانيوم وغيرهم من ثروات القارة، فمن جهة تقوم بتأمين مصالحها الشخصية والحصول على الموارد الطبيعية التى تتمتع بها إفريقيا، ومن جهة أخرى ترسيخ موطئ قدم لها فى منطقة بات الغرب يتكالب عليها، لا سيما الولايات المتحدة؛ لذا فقد عمدت موسكو إلى تأمين نصيبها من الكعكة الإفريقية من خلال نشر ميليشيا فاجنر عبر القارة.

لماذا تعول موسكو على ميليشيا فاجنر؟

تعد فاجنر بمثابة الذراع الطويلة غير الرسمية لموسكو الممتدة فى مناطق محددة كإفريقيا، وثمة اعتبارات عديدة تشير إلى الأسباب التى تجعل موسكو تهتم بأنشطة هذه الميلشيا، يمكن الإشارة إليها فيما يلى:

  • الحفاظ على الجيش النظامى الروسى وإبعاده عن الأنشطة العسكرية التى من شأنها تكبيده خسائر بشرية، كما أن هذه المجموعات قادرة على التأقلم مع طبيعة العمل فى البيئات المختلفة.
  • تعد هذه النوعيات من الشركات أرخص وأقل عرضة للمساءلة خاصة مع تصاعد أنشطتها غير المشروعة وانتهاكاتها المتكررة لحقوق الإنسان، ومن ثم تقليص احتمالات التعرض للعقوبات الدولية التى تكون نتيجة لهذه الأنشطة.
  • تعتبر الصورة الخفية لوجه موسكو، والتى تراهن عليها لتساعدها فى بسط نفوذها فى الخارج، خاصة فى إفريقيا التى باتت مرتعًا لتكالب العديد من القوى الدولية لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية.
  • صون ماء وجه موسكو وإنكار الجرائم التى تقوم بها فاجنر ونفى أى صلة تربطها بهذه الميلشيات، وبالتالى تحقيق الأهداف الروسية دون الظهور بشكل واضح فى المشهد، وهو ما يبعد عنها الشبهات واحتمالية وضع أى عقوبات عليها.

تمرد فاجنر:

شنت قوات فاجنر العسكرية فى ٢٤ يونيو الماضى انقلابًا مسلحًا على الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، ففى بادئ الأمر استولت على مقر قيادة المنطقة العسكرية الجنوبية فى مدينة روستوف، ووضعت حواجز على مداخل المدينة ومخارجها تمهيدًا للزحف نحو موسكو؛ فى محاولة لإسقاط القيادة العسكرية فى وزارة الدفاع، ولكن سرعان ما فشل الانقلاب وتراجع زعيم ميليشيا فاجنر عن التقدم نحو موسكو؛ تجنبًا لإراقة الدماء على حد قوله، وذلك جاء بعد وساطة من قبل رئيس بيلاروسيا تم التوصل من خلالها إلى اتفاق نص على انتقال بريجوجين إلى بيلاروسيا وإنهاء تمرد فاجنر، الذى أعده مراقبون كانقلاب اليوم الواحد؛ نظرًا لانتهائه بشكل أسرع من المتوقع، وإجلاء فاجنر إلى الأراضى البيلاروسية.

مقتل بريجوجين:

بعد مرور شهرين على الانقلاب الذى نفذه زعيم فاجنر على الرئيس بوتين، لاقى بريجوجين ومن كان معه على متن الطائرة التى كانت تقلهم إلى سان بطرسبرج حتفهم؛ لتطوى صفحة رجل الأعمال الروسى ويسدل الستار عليه للأبد، ويتساءل الجميع عن مستقبل منظمة المرتزقة التى بناها بريجوجين، وقد انتشرت الشبهات حول لغز مقتله، وهل ذلك كان نتيجة للتمرد على رئيس البلاد، وأن قرار التصفية كان الثمن الذى دفعه لدخوله معركة ثورية وضعته فى خانة الخونة، وقد طوى الحادث صفحاته؛ لتبدأ صفحة جديدة تتحدث عن المستقبل الذى تنتظره فاجنر خلال الأيام المقبلة.

زيارات روسية إلى عدة دول إفريقية:

بدت التحركات الروسية حول الانتشار الفاجنرى فى المناطق التى تتواجد فيها بقوة حتى قبل مقتل بريجوجين زعيم فاجنر؛ وذلك من أجل ضمان التحكم الكامل فى العمليات الموسعة فى الشرق الأوسط وإفريقيا، وعليه فقد جاءت زيارات مسؤولين فى القيادة الروسية إلى القارة الإفريقية، فربما أرادت موسكو رفع غطاء السرية والتنصل من علاقة فاجنر بالدولة، ويمكن إجمال أبرز الدول التى شهدت لقاءات لمسؤولين روس فى التالى:

ليبيا:

فى ٢٢ أغسطس الماضى استقبلت العاصمة طرابلس مسؤولين عسكريين روس من بينهم نائب وزير الدفاع، وذلك بعد تلقى دعوة من “خليفة حفتر” الذى كان يتلقى الدعم من مقاتلى فاجنر أثناء محاولاته السيطرة على طرابلس، وتعد هذه الزيارة هى الأولى من نوعها لوفد عسكرى روسى إلى ليبيا، وقد نوقش خلال الزيارة سبل التعاون والتنسيق فيما يتعلق بالتدريب وصيانة الأسلحة الروسية، فضلًا عن التشاور حول بعض القضايا المشتركة منها مكافحة الإرهاب، وذلك قبل مقتل زعيم فاجنر بيومين، وكأنه كان مخططًا لدعم التواجد الروسى فى إفريقيا وإحكام قبضته على فاجنر، وضمان ولائها للكرملين والسعى لوضعها تحت عباءته.

سوريا:

زار نائب وزير الدفاع الروسى “يونس بك يفكوروف” دمشق بعد زيارته لليبيا، وهو على ما يبدو كمسيرة روسية لتقليل نفوذ المجموعة العسكرية الخاصة خارج الأراضى الروسية، وهو ما ظهر جليًا فى وضع “يفكوروف” مقاتلى فاجنر بين خيارين، إما الانسحاب من البلاد أو الانضمام للجيش الروسى فى سوريا، وتلاه مطالبة وزير الدفاع السورى قيادات هذه المجموعة بالالتحاق بالجيش الروسى أو تسليم أسلحتهم والانسحاب من الأراضى السورية خلال شهر كحد أقصى، وتأتى هذه الزيارة فى إطار مساعى الكرملين للسيطرة على هذه الجماعات المترامية الأطراف وإخضاعها لموسكو.

بوركينا فاسو:

فى التاسع والعشرين من أغسطس الماضى استقبلت العاصمة “واغادوغو” اجتماعًا لوفد روسى برئاسة “يونس بك يفكوروف”؛ من أجل تعزيز سبل التعاون العسكرى المحتمل بين البلدين مثل تدريب الجنود والضباط فى بوركينا فاسو، بما فى ذلك تدريب طيارين فى روسيا، وقد تكون هذه التحركات فى ظل سعى موسكو لتعزيز نفوذها فى إفريقيا عقب مقتل بريجوجين، والتمكن من شبكة المصالح المتشعبة التى بناها فى العديد من الدول الإفريقية وخارجها، وقبل “واغادوغو” كانت الطائرة الروسية فى مالى فى ظل انهماك مسلحو فاجنر فى القتال على الجبهات فى “باماكو”، وهذه التحركات ربما أتت كسلسلة ضمن المخطط الروسى للانتشار فى إفريقيا لتحل محل “بريجوجين” وتعمل على تطويق نفوذ فاجنر وإخضاعها لسيطرتها.

جمهورية إفريقيا الوسطى:

فى الأول من سبتمبر الحالى زار الوفد الروسى “بانجى”؛ استكمالًا لمسلسل الزيارات التى أجراها نائب وزير الدفاع الروسى، ونلاحظ أن مستقبل نشاط فاجنر الاقتصادى والعسكرى فى إفريقيا الوسطى وبعض الدول الإفريقية بات مبهمًا بعد مقتل قائدها، كما أن غرض الزيارة إلى “بانجى” كان غير محدد، وما هو إلا مساعى روسية لحصار فاجنر فى عقر تمركزها ومحاولة فرض رقابة أوثق عليها.

مرشحو قيادة فاجنر:

بعد مقتل “بريجوجين” تثار التساؤلات حول مستقبل مجموعة فاجنر، وظهور العديد من شركات الأمن الخاصة للترشح كخليفة لميليشيات فاجنر، ومن بين هذه الشركات:

  • مجموعة “ريدوت”: المرتبطة بأجهزة التجسس الروسية ويرأسها “غينادى تيمشينكو” المقرب من الرئيس بوتين، وتحاول ريدوت السيطرة على مهام مرتزقة فاجنر وأصولها التجارية، ويمثلها فى سوريا مفرزتان مكونتان من ٥٥ و ٦٥ عنصرًا، وتعول على القوات المسلحة الروسية فى السلاح والعتاد والذخائر وخلافه، وقد اكتسبت أهميتها بعد مشاركتها فى الغزو الروسى على أوكرانيا.
  • كونستانتين بيكالوف: يعد بيكالوف أحد اتباع بريجوجين وقائد ميليشيا كونفوى التى أنشأها حاكم القرم عام ٢٠٢٢، وقد شاركت فاجنر فى العمليات العسكرية فى إفريقيا الوسطى، كما أنها قاتلت فى منطقة خيرسون الأوكرانية، وفى أعقاب وفاة بريجوجين أعلنت تجنيدها طيارين لقيادة طائرات بدون طيار فى إفريقيا، وارتباط زعيمها بالعمليات الروسية السرية فى البوسنة وأوكرانيا وإفريقيا أيضًا.
  • أندريه تروشيف: تروشيف قيادى روسى متقاعد ومدير تنفيذى فى فاجنر، وتزداد احتمالات تعيينه خلفًا لبريجوجين؛ نظرًا لقربه من الرئيس الروسى بوتين، وفى ٢٩ يونيو الماضى بعد إعلان التمرد، جمع بوتين العديد من قادة فاجنر فى الكرملين وعرض على أعضاء المجموعة توقيع العقود مع الجيش النظامى ومواصلة القتال تحت قيادة “سيدوى” الاسم الحركى لتروشيف، ولكن قوبل هذا الاقتراح بالرفض من قبل بريجوجين، وفى الوقت الحالى تزداد احتمالات تعيين تروشيف خلفاً له بعد وفاته.

تصنيف فاجنر كمنظمة إرهابية:

المملكة المتحدة فى صدد صدور قرار يقضى بتصنيف فاجنر كمنظمة إرهابية وحظر أنشطتها؛ لتضعها بذلك فى كفة واحدة مع القاعدة وداعش، فبموجب قانون مكافحة الإرهاب البريطانى لعام ٢٠٠٠، يصبح لدى وزيرة الخارجية سلطة حظر أى منظمة يشتبه فى تورطها فى الأنشطة الإرهابية، وبالتالى فإن قرار الحظر يرتب جريمة جنائية على الأفراد والشركات التى تحاول دعم هذه المجموعة من منطلق العمليات التى تقوم بها مرتزقة فاجنر فى أوكرانيا والشرق الأوسط وإفريقيا، ولكن ماذا عن دعم الغرب وإعلان بريطانيا مواصلة تعزيزاتها العسكرية لكييف؟ هل ذلك لا يتعلق بالأنشطة المزعزعة للاستقرار فى المنطقة مثلما اتهمت فاجنر به؟ إذن فقد يتعلق الأمر بتصفية الحسابات مع روسيا ومحاولة الحد من توغلها فى إفريقيا، فربما أرادت من وراء هذا القرار عرقلة مسيرة موسكو نحو سد الفراغ الذى تركه موت بريجوجين بشأن قيادة فاجنر، وقد يكون هذا القرار هادفًا إلى تفكيك فاجنر حتى تكون أنشطة موسكو ذات طابع علنى رسمى يسهل وضع عقوبات عليها حال مخالفتها للقوانين الدولية وارتكاب جرائم فى حق الإنسانية، وبالتالى تحجيم النفوذ الروسى فى المنطقة.

سيناريوهات مستقبل فاجنر بعد مقتل بريجوجين:

خلف الزعيم الفاجنرى “يفجينى بريجوجين” بعد وفاته فجوة تستدعى التفكير فى مستقبل مجموعته، وتتسارع جهود الكرملين لكى يتمكن من التوصل إلى سبل لإخضاع فاجنر وجعلها تحت قيادة مباشرة من الدولة الروسية، ويحكم المشهد عدة سيناريوهات سوف تعيد صياغة دور فاجنر خلال الفترة المقبلة.

السيناريو الأول:

تقليص نفوذ فاجنر: فى ظل المحاولات التى تقوم بها موسكو عبر إرسال وفود روسية إلى بعض الدول الإفريقية، نجد أنها ربما سعت إلى إيجاد موطئ قدم لها فى إفريقيا لا سيما بعد مقتل يفجينى بريجوجين، وبالتالى إحلال نائب وزير الدفاع الروسى للعمل محل فاجنر فى بعض الدول الإفريقية، وهو ما ظهر فى الزيارات التى قام بها، فقد تكون وجهته المقبلة نحو هذه الدول والعمل بها محل فاجنر أو إخضاعها لقيادته ضمن وفود الجيش الروسى.

السيناريو الثانى:

حل المجموعة: سعى موسكو لضم فاجنر إلى الجيش الروسى، فإذا قوبل هذا القرار بالرفض فربما يعزو الكرملين إلى حل المجموعة، ولكن قد تنقسم فاجنر على نفسها، فجزء يتم تسريحه أو ضمه للجيش الروسى والجزء الآخر يظل متمدد فى بعض الدول الإفريقية خاصة التى تعول على فاجنر فى العديد من المهام فى الوقت الذى تعانى منه القارة من الصراعات وعدوى الانقلابات التى تجوب البلاد بين الحين والآخر.

السيناريو الثالث:

تعيين قائد لفاجنر تابع للكرملين: قد تلجأ الرئاسة الروسية إلى تعيين قائد جديد لفاجنر موالٍ للكرملين حتى تتمكن من تعزيز نفوذها فى القارة الإفريقية، وضمان مصالحها بشكل خفى دون أن تظهر رسميًا؛ لتتجنب الوقوع تحت طائلة العقوبات؛ نظرًا لأنشطة فاجنر سيئة السمعة، فمن ناحية تضمن الحفاظ على مصالحها فى القارة بعيدًا عن الظهور فى الواجهة، ومن ناحية أخرى ضمان ولاء القائد الجديد حتى لا يحدث تمرد آخر.

السيناريو الرابع:

تمرد فاجنر: قد تنقلب الأحداث رأسًا على عقب وتظهر قوى فاجنر الرافضة لمحاولات روسيا نحو إحكام سيطرتها على هذه الجماعة، ومن ثم إعلان التمرد والتوغل بقوة فى القارة الإفريقية، وهو سيناريو مستبعد إلى حد كبير؛ نظرًا لحدوث صدمة للمجموعة بعد مقتل قائدها، والذى لقى حتفه بعد تمرده والانقلاب الذى شنه ضد القيادة الروسية، فذلك سوف يكون بمثابة الدرس القاسى الذى يجعل فاجنر تعيد حساباتها أكثر من مرة قبل التفكير فى التمرد مرة أخرى، ويمكن الإشارة إلى احتمالية تفكك فاجنر ورسم مستقبلها بالشكل الذى تراه مناسبًا لها بعيدًا عن أياد روسيا الطائلة، وهو ما ينقلنا إلى احتمالات تحقق السيناريو الثانى الذى سبق ذكره.

ختامًا:

يخيم على المشهد نوع من الضبابية فيما يتعلق بمستقبل فاجنر بعد فراغ قيادة بريجوجين فى ظل السعى الروسى الرسمى نحو إفريقيا، ومحاولة الغرب وضع حائل أمام هذه المحاولات فى ساحة إفريقية يحاول فيها المعسكر الغربى ونظيره الشرقى إيجاد موطئ قدم يعزز من نفوذهما، وتأمين مصالحهما فيها، وإن كان يتم ترجيح كفة تعيين قائد لمجموعة فاجنر يتبع الكرملين فى أنشطته ويكون طوعًا للقيادة الروسية، إلا أن قرار بريطانيا بحظر هذه الجماعة وإعلانها منظمة إرهابية قد يدفع موسكو إلى تسريع خطى الانتشار الروسى الرسمى فى إفريقيا، وقد تتجاهل السلطات الروسية هذا القرار وتحيل فاجنر إلى قائد يحظى بثقة الكرملين، ويحتمل أن نرى “أندريه تروشيف” مترأسًا المجموعة عما قريب، فالوضع الحالى مازال فى مرحلة ترتيب الأوراق والقرار النهائى سوف تحسمه القيادة فى روسيا.

المصادر:

[1] https://cutt.us/DB34W

[2] https://cutt.us/GyviB

كلمات مفتاحية