زيارة عبداللهيان لبيروت.. ماذا تريد طهران؟

إعداد: مروة سماحة

المقدمة

في زيارةٍ ليست الأولى من نوعها خلال هذا العام، توجَّه وزير الخارجية الإيراني “أمير عبداللهيان” إلى لبنان، في زيارة استمرت ليوميْن، جاءت بعنوان “توطيد العلاقات الثنائية بين الدولتيْن”، على نفس وتيرة سابقيها من الزيارات، وإبان زيارته، اجتمع بشكلٍ منفصلٍ بكلٍ من “عبدالله بو حبيب، ورئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي”، فضلًا عن “الأمين العام لحزب الله نصر الله، والأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي”.

وما يميز هذه الزيارة عن غيرها، هو التوقيت الذي يتقاطع مع عدة ملفات مهمة بالنسبة للشأن اللبناني، أبرزها؛ مناقشة مجلس الأمن لتجديد قوات اليونيفيل، وتمديد نفوذها وزيارة المبعوث الأمريكي هاموس هوكشتاين، لبيروت، وطرحه لملف ترسيم الحدود البرية بين “لبنان، وإسرائيل”، وفي السطور التالية، سيتم دراسة توقيت الزيارة ودلالاتها بشكلٍ مستفيضٍ.

التوقيت

تجديد اليونيفيل

اليونيفل زيارة عبداللهيان لبيروت.. ماذا تريد طهران؟

تقاطعت زيارة عبداللهيان مع تصويت مجلس الأمن، على مشروع قرار تجديد ولاية قوة الأمم المتحدة بلبنان (اليونيفيل) لمدة عام واحد، ينتهي في 31 أغسطس 2024، ويحتفظ القرار بصيغته النهائية، بالتفويض الأساسي لليونيفيل، واعتبارها قوة ردع، وعدم وضع عراقيل تعوقها، والسماح لها بإجراء عملياتها دون التنسيق المُسْبق مع الجيش اللبناني أو أي عناصر أخرى، وهذه ليست المرة الأولى التي يُطرح فيها ذلك القرار، فقد طُرح العام الماضي، وقت تجديد اليونيفيل، ولكن لم يتم، وقد صوَّت على تلك المسودة 13 دولةً، عدا “الصين، وروسيا”، وفي مساء تلك الليلة، تمَّ التصديق على مسودة القرار، وتم تجديد اليونيفيل، ووافق عبدالله بو حبيب  وزير الخارجية على ذلك، واعتُمد القرار.

 وقُبَيْل يوم التصديق بأيام قلائل، أصدر الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، قرارًا قبل التصديق، بصفته المعنيّ الأبرز  بذلك القرار وتداعياته، لا سيما أنه يجري في البؤرة المفضلة لديه، التي من خلالها يدير هجماته المكشوفة حينًا وغير المكشوفة حينًا آخر مع الجانب الإسرائيلي، وتضمن ذلك البيان في صيغته التحذيرية، أن قوة اليونيفيل ما هي إلا أذرُع إسرائيلية، وأي تساهل في توسيع شرعيتها في الجنوب ما هو إلا انتهاكٌ للسيادة اللبنانية.
وعقب قرار التمديد، لم يُصرِّح حزب الله بأي شيء، ولم يبدِ أيّ ردِّ فعل؛ ما جعل الكثير يتساءل، ما وراء صمت الحزب حيال عملية التمديد؟ هل ارتضى به أم رضي عنه؟

ويمكن القول: إن ما حدث أخيرًا من تمديد اليونيفيل، وتوسيع شرعيتها في الجنوب، ما هو إلا محاولة أمريكية لكبح جماح أنشطة حزب الله في الجنوب؛ أيْ فرملة اندفاعه، واستخدام ذلك القرار كورقة ضغطٍ في عُقْر معقله، وأهم مرتكزات الحزب، وخصوصًا بعد ما حدث مؤخرًا من توتر بين حزب الله وإسرائيل، وما تبعه من وابل التهديدات المستمرة لحزب الله.

كما أن  قرار اليونيفيل لا يمكن اعتباره حجر زاوية أمام مستقبل الحزب، وذلك يرجع لعدة ركائز، أهمها؛ البيئة الجنوبية الحاضنة للحزب، وثقته فيها، التي أثبتت مرارًا عدم التخلِّي عنه أو التساهل مع أيِّ قرارٍ به قدْرٌ من الإمكانية لإلحاق الضرر بنفوذ الحراك وعناصر قوته، فالحزب بالنسبة للجنوب أهم عناصر المقاومة،
فضلًا عن ذلك، رؤية الحزب بأن البيئة الدولية غير مهيئة للانزلاق إلى صدمات مع الأهالي، ولا تريد التفريط بالعلاقة الدافئة التي سبق وخلقوها مع المواطنين في الجنوب اللبناني، وخير شاهدٍ على ذلك العام الماضي، حينما رفض قائد اليوينفيل الجنرال الإسباني، القرار، بتوسيع شرعية القوات دون التنسيق مع الجانب اللبناني، وظل حريصًا على استقرار العلاقة المتوازنة مع الأهالي، رافضًا تسيير أو اقتحام أيّ دورية دون علم الجيش اللبناني، بالرغم من أن قرار العام الماضي، أحال للقوات حرية التحرك دون أيِّ قيد.

زيارة هوكشتاين وترسيم الحدود البرية

زيارة زيارة عبداللهيان لبيروت.. ماذا تريد طهران؟

تزامنت زيارة عبداللهيان التي استغرقت يوميْن بلبنان، مع زيارة هاموس هوكشتاين “المبعوث الخاص للولايات المتحدة ومُنسِّق شؤون الطاقة الدولية” للبنان، ومعه طرْحٌ أمريكيٌّ يؤسس عليه لمفاوضات جدية بين “لبنان، وإسرائيل” حول ملف الحدود البرية العالق  الغير محسوم  حتى الآن، ويحكم الطرفان ما يُسمَّى بالخط الأزرق، الذي يُلْزمهم بوقف إطلاق النار على طوله،
وهو خط يبلغ طوله 120 كم، تمَّ وضعه من قِبَلِ الأمم المتحدة عام 2000، ولا يمثل الخط الأزرق حدودًا دولية، لكن تم إنشاؤه؛ بهدف تأكيد انسحاب القوات الإسرائيلية من لبنان.

ويُعدُّ الخلاف بين “لبنان، وإسرائيل” مرتبط بالاختلاف على مزارع شبعا (وهي منطقة تقع على الحدود بين لبنان وجزء من الجولان المحتل من قِبَلِ إسرائيل، وتصل مساحتها ما يقرب من 250 كم مربعًا، وتم احتلال تلك المزارع بشكلٍ تدريجيٍّ، بدأ في عام 1967حتى عام 1989)، وتُعدُّ من أسباب تواجُد حزب الله في الجنوب، ويعتبر ذلك ورقة لتبرير وجوده المُسلَّح الذي يقع تحت عنوان المقاومة.

ومن هنا، تبادرت عدة تساؤلات مرتبطة بموقف الحزب ومصيره، حال نجح “هوكشتاين” في حلحلة ذلك الخلاف، كما فعل وأنهى مسألة الخلاف حول الحدود البحرية، وأصبحت شبعا بقعة لبنانية، وما مبرر الحراك الذي من الممكن أن يتبناه من أجل احتفاظه بالسلاح، وهل من الممكن أن يتنازل الجانب الإسرائيلي على ما تم احتلاله من مزارع شبعا؟

ويمكن اعتبار مسألة ترسيم الحدود البرية أشد تعقيدًا عن ملف الحدود البرية؛ بسبب عدة عوامل، أبرزها؛ المناطق المرتبطة بالملف السوري، وأن أوان الانتقال إلى تلك المرحلة لم يحن بعْدُ، خصوصًا في ظلِّ خُلوِّ سُدَّة الرئاسة الأولى.

الدلالات

لم تكن زيارة وزير الخارجية الإيراني أمير بن عبداللهيان إلى بيروت مجرد زيارة عابرة؛ حيث إنها تحمل عدة دلالات سياسية، تشير إلى التواجد الإيراني ببيروت، وربطه بتطورات المنطقة، وعلى تلك الشاكلة، لا يمكن لأي تسوية أو قرار سياسي أن يصل إلى درجة النّضج دون الوجود الإيراني بالمشهد، فبعد تجديد اليونيفيل مهماتها، وتوسيع نفوذها، جاءت الزيارة للتأكيد على الدعم الإيراني لجبهات حزب الله في الجنوب، ومنع تأثير مهمات اليونيفيل الجديدة عليها.

كما أن لزيارة “هاموس هوكشتاين” وطرحه لملف الحدود البرية الملتهب بين “بيروت، وتل أبيب” يشير إلى تطورات مستقبلية في طبيعة المسارات الإقليمية والدولية، حول كُلٍّ من “لبنان، وسوريا” التي تعتبر ساحةً من التوترات مع أكثر من جبهة؛ لذلك فكان للزيارة بُعْدٌ خفيٌّ يتمثل في التنسيق مع الجانب اللبناني حول مجريات الأمور؛ حتى لا تتصاعد الأمور مستقبليًّا بشكلٍ يضر بمصالح إيران بالمنطقة.

مخرجات الزيارة

الدعم السياسي والاقتصادي الإيراني للبنان

أكَّد عبداللهيان، أن طهران تدعم استقرار لبنان وأيَّ اتفاق بين الأطراف اللبنانية، وكذلك دعا الدول الأخرى بتقديم الدعم للملف السياسي العالق، واحترام اختيار النخبة السياسية اللبنانية، وأشاد بمدى جدارتها لإنجاح عملية التوافق السياسي، وانتخاب رئيسٍ للبلاد.

كذلك أفاد عبداللهيان بالعلاقات الثنائية بين الدولتيْن، ورغبة طهران في تقديم الدعم لبيروت لحل مشكلة الطاقة، وتزويدها بالغاز وخبراتها الفنية في مجال إنشاء وتشغيل محطات توليد الكهرباء، وكذلك الصيانة، كما درس عبداللهيان مع نبيه بري العلاقات الثنائية والإقليمية سويًّا.

الدعم الإيراني لحزب الله والمقاومة الفلسطينية

أكد عبد اللهيان خلال لقائه بالأمين العام لحزب الله نصر الله على أهم القضايا التي تواجه الحراك وتحدياته والتوترات الأخيرة الحدودية، فضلًا عن الاتفاق “السعودي – الإيراني” الأخير وصداه الإقليمي.

وفي نهاية اليوم الثاني لعبداللهيان ببيروت، أثناء اجتماعه بالأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي، تمَّ البحث في مستجدات القضية الفلسطينية والانتهاكات التي تقع من قِبَلِ القوات الإسرائيلية، مؤكدًا على الدور الثابت للجمهورية الإسلامية الإيرانية حول دعم القضية الفلسطينية.

وفي الختام:

يمكن القول: إن المحطات الثلاث المتقاطعة، المتمثلة في زيارة عبداللهيان لبيروت، وتجديد ولاية اليونيفيل، وزيارة هاموس هوكشتاين للبنان لطرح ملف ترسيم الحدود البرية، لم يكن مصادفة مطلقًا؛ فطهران تسعى لتأمين مصالحها بالمنطقة ومصالح أذرعها بلبنان؛ لتكون في مأمنٍ عن أيِّ حدثٍ أو تغييرٍ مفاجئ، من شأنه تهديد عمقها الإستراتيجي في المنطقة وتحالفاتها، كذلك جاءت تلك الزيارة؛ لتثبت تواجدها في المنطقة وتصدرها للمشهد، فجاءت تلك الزيارة عقب زيارته لـ”دمشق، وعمان”.

كلمات مفتاحية