إعداد: رضوى الشريف
“أعظم قصة نجاح في القرن الحادي والعشرين هي المملكة العربية السعودية “، كان ذلك تصريحًا أدلى به ولي العهد السعودي، رئيس مجلس الوزراء، الأمير محمد بن سلمان، في مقابلةٍ هي الأولى من نوْعها، مع شبكة إخبارية أمريكية، منذ 2019.
وتهتم النُّخَب السياسية، والمستثمرون في المنطقة، بمتابعة مقابلات ولي العهد السعودي مع شبكات الأخبار العالمية؛ لما تحمله عادةً من مفاجآت وقرارات، مثل الإصلاحات التي شهدتها المملكة خلال السنوات الماضية، فضلًا عن دورها المؤثر سياسيًّا واقتصاديًّا في العالم؛ لمكانتها الإسلامية، وثروتها الاقتصادية، وتأثيرها في أسعار النفط، وإمداداته العالمية.
وتناول الحوار الذي أجراه الإعلامي الأمريكي، بريت باير، كبير المذيعين السياسيين بشبكة “فوكس نيوز”، عددًا من المواضيع، حول مستقبل المملكة، والعلاقات مع الولايات المتحدة.
وكما يتابع المهتمون بالمنطقة، المقابلات الصحفية الخاصة، التي يُجريها ولي العهد السعودي، باعتبارها مؤشرات لسياسات المملكة المستقبلية، أو توضيحات بشأن موقف المملكة العربية السعودية في قضية ما، أو مستقبل علاقة المملكة بدولة ما، يُلْقي التقرير التالي الضوء على بعض أبرز التصريحات المهمة لولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، وماهي الرسائل التي تهدف المملكة إلى إيصالها؟
النفط والسياسة الاقتصادية
ردًّا على سؤال حول سياسات المملكة النفطية، أشار ولي العهد السعودي، بأن قرارات خفْض إنتاج النفط؛ هدفها استقرار السوق، وليس مساعدة روسيا في حربها بأوكرانيا، بل يأتي ذلك القرار مرتبطًا بسياسة العرض والطلب؛ حيث إن حدث نقص في المعروض فإن دور المملكة في “أوبك+ ” هو سدُّ هذا النقص، وإذا كان هناك فائض في المعروض فإن دور المملكة هو ضبط ذلك؛ من أجل استقرار السوق.
وعن الاقتصاد السعودي، أكَّد ولي العهد، أن المملكة نجحت في تحقيق أسرع نمو في الناتج المحلي من بين مجموعة العشرين لعاميْن متتاليْن، مؤكدًا أن السعودية ستكون من أقوى اقتصادات العالم.
وأكد الأمير محمد بن سلمان، بأن رؤية 2030 طموحة، وتم تحقيق مُستهدفاتها بشكلٍ أسرع، بل تم وضْع مُستهدفات جديدة “بطموح أكبر”؛ حيث إن الغاية الكبرى التي تسعى إليها المملكة هو الوصول إلى الأفضل دائمًا، وتحويل التحديات إلى فرص، مشيرًا إلى أن “وتيرة تقدمنا ستستمر بسرعة أعلى، ولن تتوقف أو تهدأ ليوم واحد”.
كما أكد ولي العهد السعودي، أن مجموعة دول “بريكس” ليست ضد أمريكا؛ بدليل وجود حلفاء واشنطن داخلها، و”بريكس” ليس تحالفًا سياسيًّا، مشيرًا إلى أنه على تواصلٍ مستمرٍ مع الرئيس الصيني، وتنويع علاقات المملكة مع دول كبرى مثل الصين، يأتي من منطلق خلْق تحالفات اقتصادية ضخمة، وأشار بأنه “إذا انهارت الصين فدول العالم أجمع مُعرَّضة للانهيار، بما فيها الولايات المتحدة”.
وبشأن الممر الاقتصادي الذي أعلن عنه ولي العهد خلال فعاليات قمة مجموعة العشرين في الهند مؤخرًا، قال الأمير محمد بن سلمان: إن الممر الذي سيربط الشرق الأوسط بأوروبا سيوفر الوقت والمال، موضحًا أنه سيختصر الوقت ما بين 3 إلى 6 أيام
النووي وعلاقة المملكة بإيران
ومن النقاط الأخرى التي تم تناولها خلال اللقاء، هو مناقشة العلاقة السعودية مع إيران، وفيها بعث ولي العهد السعودي رسالتيْن مهمتيْن:
الأولى (قوة ناعمة) تُعبِّر عن رغبته في التقارُب والتعاوُن مع إيران، والثانية (قوة صلبة) تُعبِّر عن مدى جهوزية المملكة لردع أيِّ تهديدٍ لأمنها أو لأمن المنطقة.
وفيما يتعلق بالتقارُب والتعاوُن، أكَّد ولي العهد، أن العلاقة مع إيران تتحسن، ويتمنى استمرار هذا التطور لصالح أمن المنطقة واستقرارها.
ومن ناحية أخرى، أكد أن أيَّ تسابُق نحو الأسلحة النووية في المنطقة، لن يكون تهديدًا للأمن القومي فقط، بل سيُشكِّلُ تهديدًا للأمن العالمي، وشدَّد على أهمية تحقيق توازن القُوَى في المنطقة، من خلال الحصول على القدرة النووية إذا ما حصلت إيران على هذه القدرة.
بالمجمل، تُظهر هذه الرسائل التزام السعودية بتعزيز العلاقات الإيجابية مع إيران، والعمل من أجل السَّلْم في المنطقة، وفي الوقت نفسه، تؤكد أنها ستحمي مصالحها ومنطقتها، بما في ذلك النظر في الحصول على السلاح النووي إذا ما تغيَّرت الأوضاع.
أزمة اليمن
وحول الأزمة اليمنية، أكد الأمير محمد بن سلمان، أن السعودية أكبر داعم لليمن في الماضي واليوم والمستقبل، وتتطلع إلى حلٍّ سياسيٍّ مُسْتَدامٍ.
ومنذ أيامٍ قليلةٍ، أجرى وفدٌ من جماعة الحوثي مفاوضات في العاصمة السعودية الرياض، في تطورٍ جديدٍ بمسار التفاوض في الأزمة اليمنية؛ ويأتي هذا امتدادًا للمبادرة السعودية، التي أُعلن عنها في مارس 2021، واستكمالًا للقاءات والنقاشات التي أجراها الفريق السعودي، برئاسة السفير محمد آل جابر، وبمشاركة سلطنة عُمان في صنعاء، خلال شهر أبريل الماضي، واستمرارًا لجهود “السعودية، وسلطنة عُمان”؛ للتوصُّل لوقف إطلاق نارٍ دائمٍ وشاملٍ في اليمن، والتوصُّل لحلٍّ سياسيٍّ مُسْتَدامٍ ومقبولٍ من كافَّة الأطراف اليمنية.
واتَّسمت نتائج اللقاء الذي تمَّ بيْن وزير الدفاع السعودي، الأمير خالد بن سلمان، ووفد صنعاء، بـ”الجدية، والإيجابية”، ومن المتوقع، بأن يتم عقْد جولةٍ أُخرى في الفترة القادمة؛ من أجل تجاوُز باقي النقاط الخلافية.
إسرائيل والقضية الفلسطينية
وحول ملف القضية الفلسطينية، نفى الأمير محمد بن سلمان، تعليق المفاوضات بشأن العلاقة مع إسرائيل، لافتًا إلى أنها “تتقدم يومًا بيومٍ”، ومؤكدًا في الوقت ذاته، على أن القضية الفلسطينية مهمة لتطبيع العلاقات؛ حيث أشار إلى وجود إستراتيجية مفاوضات جيدة، تتواصل – حتى الآن- بخصوص هذا الشأن، لافتًا إلى أنه – لأول مرة- تبدو المفـاوضات حول التطبيـع مع إسرائيل حقيقية وجادة، و”سنرى. . كيف تسير؟“.
وتابع ولي العهد تصريحه بشأن هذا الملف، بأنه في حال نجحت إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بأن تعقد اتفاقًا بين “المملكة، وإسرائيل” فسيكون “أضخم اتفاقٍ منذ انتهاء الحرب الباردة”.
كانت رؤية المملكة – منذ البداية- تجاه القضية الفلسطينية، قائمة على ضرورة إيجاد الحلِّ السياسيّ والسلميّ، وأنه يمكن حلها من خلال المبادرات، لا سيما مبادرة السلام العربية، التي أطلقها الملك السعودي، عبد الله بن عبد العزيز، وكانت -ولاتزال- المملكة ملتزمة بتقديم الدعم السياسي والمالي والإنمائي للسلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني.
وللدلالة على ذلك، يمكن استحضار بعض المواقف من الماضي، والتي تمثَّلت في جهود سفير السعودية الأسبق لدى الولايات المتحدة، الأمير بندر بن سلطان، من خلال دفعه باتجاه إيجاد حلٍّ سلميٍّ، خصوصًا عندما التقى الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، في كامب ديفيد؛ حيث كانت هناك جهود سعودية حقيقية من أجل السلام.
وبالرغم من أن الحكومة الحالية في إسرائيل لا توافق على كافة الشروط التي تنص عليها مبادرة السلام العربية، لكن ما يجب التأكيد عليه، هو أن السعودية تضغط لتحقيق أجزاء كبيرة من المبادرة، التي تضمن حياة كريمة للفلسطينيين وتُحقِّق انسحابات إسرائيلية من الأراضي الفلسطينية.
ومنذ أسابيع قليلة، استقبلت الرياض وفدًا فلسطينيًّا رسميًّا، استمعت من خلاله إلى مطالب الفلسطينيين؛ حتى تأخذها معها إلى المفاوضات؛ لذا يمكن القول: إن القضية الفلسطينية تشغل الجزء الأكبر من اهتمام القيادة السعودية؛ وهذا ما جعلها شرطًا أساسيًّا لاستمرار المفاوضات مع إسرائيل ونجاح أيَّة وساطة للتطبيع.
ختامًا:
لا شك بأن النجاح الذي تطمح له المملكة العربية السعودية ليس بالأمر المستحيل، ما دام العمل مستمرًا والخطة السليمة التي يتم تطويرها قائمة، وفي السنوات الماضية، ومنذ البداية الجدية للإصلاحات التي تخدم رؤية 2030، تم إحداث الكثير من التغيُّرات التي لم تلامس فقط الجانب الاقتصادي، وإنما الجانب الاجتماعي، وتطوير الخطاب الديني والأداء السياسي، والعلاقات مع دول الجوار والمجتمع الدولي.
وبناءً على ما تمَّ رصْدُه، من أبرز التصريحات التي أدلى بها ولي العهد السعودي، والتي حرص خلالها على إيصال رسالة حقيقة مهمة للإعلام الغربي، الذي تعرَّض كثيرًا للسعودية في كثير من القضايا، وحوّلها إلى ملفٍ حاضرٍ على شاشاته وصحفه، مفادها؛ أن ما تعيشه المملكة يتنافى مع ما يُصوِّرُه الإعلام الغربي من تشويه للحقائق تجاهها.
وذلك بتأكيد ولي العهد خلال مقابلته، بأن السعودية وصلت إلى مراحل متقدمة ومتطورة جدًا “علميًّا، وثقافيًّا، وفكريًّا”، كما وصلت إلى الفضاء مع الأشقاء في الإمارات، ولم تقف الرسائل عند هذا الحد، بل امتدت للانفتاح السياحي السعودي على كل المجتمعات؛ فالسعودية بلد مفتوح لكل من يريد أن يزوره.
أما سياسيًّا؛ يمكن القول: إن المملكة اليوم لديها موقف قوي؛ حيث تستثمر اللحظة التاريخية التي يمر بها المجتمع الدولي لصالح القضايا العربية، والتي تأتي في مقدمتها؛ القضية الفلسطينية، كما نجحت السعودية في استثمار الأوضاع الدولية الحاصلة، سواء حاجة أمريكا لضبط أسعار الطاقة، وما تعيشه إسرائيل من مظاهرات وانقسامات وانتقادات لحكومة بنيامين نتنياهو، وما يعيشه المجتمع الدولي من استقطابات أمريكية صينية روسية، وفي ظل كل هذا، تستثمر المملكة موقعها ومقدراتها لتحقيق الفارق لصالح القضايا “العربية، والإقليمية، والدولية”.
وبالتركيز على دور المملكة في حلِّ القضية الفلسطينية؛ فالسعودية تتفاوض مع إسرائيل من موقفٍ قويٍّ، وهي تأخذ على عاتقها مصالح الفلسطينيين، وتؤكد على أن فلسطين هي القضية المركزية الأولى، وأنها لا تريد أن تُبْرِمَ أيَّ اتفاقٍ دون أن تأخذ على عاتقها مصالح الفلسطينيين أولًا وقبْل كل شيء؛ لذا فأيُّ تقارُبٍ في العلاقات بين “السعودية، وإسرائيل” مرهون بمدى استعداد إسرائيل على تقديم العديد من التنازلات؛ خدمةً لمصالح الفلسطينيين.