دلالات ورسائل عدة… قراءة فى زيارة الرئيس السورى إلى الصين

إعداد: شيماء عبد الحميد

فى خطوة نحو فك العزلة عن سوريا، والحصول على دعم لإعادة إعمار البلاد التى دمرتها الحرب المستمرة منذ العام 2011؛ أجرى الرئيس السورى بشار الأسد يوم 21 سبتمبر الجاري، برفقة عقيلته أسماء الأسد وعدد من الوزراء والمستشارين على رأسهم وزير الخارجية فيصل المقداد، والمستشارة الخاصة فى رئاسة الجمهورية بثينة شعبان، ووزير الاقتصاد والتجارة الخارجية محمد سامر الخليل، ووزير شؤون رئاسة الجمهورية منصور عزام، زيارة رسمية إلى الصين، هى الأولى منذ العام 2004، والتى أتت تلبيةً لدعوة رسمية من الرئيس الصينى شى جين بينغ، وقد شملت الزيارة عقد قمة بين الرئيسين، فضلًا عن عدد من اللقاءات والفعاليات بين الوفد السورى ومسؤولى بكين.

مخرجات القمة الصينية السورية:

التقى الرئيس السورى بشار الأسد فى قمة ثنائية يوم 22 سبتمبر الجارى، نظيره الصينى شى جين بينغ، كما التقى يوم 25 سبتمبر، رئيس الوزراء الصينى لى تشيانغ، حيث أكد الأسد أن بلاده أكثر تمسكًا بتعزيز علاقاتها مع دول الشرق بوصفها الضمانة السياسية والثقافية والاقتصادية، معبرًا عن تطلعه إلى تعزيز العلاقات بين سوريا والصين فى المجالات المختلفة، كما أضاف الرئيس السورى أن العلاقة بين البلدين يمكن أن تنطلق بقوة أكثر، من خلال المبادرات الثلاث التى طرحها الرئيس “شى” لتطوير التعاون فى المجالين الاقتصادى والثقافى، وخلق مشروعات استثمارية مشتركة ضمن مبادرة الحزام والطريق.

أما الرئيس الصينى؛ فقد صرح بأن العلاقات بين بكين ودمشق صمدت فى وجه التغيرات التى طرأت على الأوضاع الدولية، وازدادت صداقتهما قوة فى مواجهة الوضع الدولى المليء بعدم الاستقرار وعدم اليقين، مؤكدًا أن الصين مستعدة لمواصلة العمل مع سوريا، والدعم القوى المتبادل بينهما، وتعزيز التعاون الودى، والدفاع بشكل مشترك عن الإنصاف والعدالة الدوليين.

كما أكد الرئيس “شى” أن الصين تدعم معارضة سوريا للتدخل الأجنبى، وستدعم إعادة إعمار سوريا وتحسين علاقاتها مع الدول العربية الأخرى، مضيفًا أن بكين تدعم التسوية السياسية للقضية السورية، وأنها على استعداد لتعزيز التعاون مع سوريا من خلال مبادرة الحزام والطريق لتقديم مساهمات إيجابية فى السلام والتنمية على الصعيدين الإقليمى والعالمى.

من جانبها؛ أكدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ، أن زيارة الرئيس بشار الأسد ستؤدى إلى تعميق الثقة السياسية المتبادلة، والتعاون فى مختلف المجالات بين البلدين، والارتقاء بالعلاقات الثنائية إلى آفاق جديدة، مشيرة إلى أن العلاقات الصينية السورية حافظت على نمو سليم ومطرد، حيث يولى الرئيس السورى أهمية كبيرة للعلاقات الصينية السورية.

وقد أسفرت الزيارة عن؛ توقيع البلدان اتفاقية للتعاون والشراكة الإستراتيجية، وتوقيع ثلاث وثائق للتعاون، من بينها اتفاق تعاون اقتصادى، ومذكرة تفاهم مشتركة للتبادل والتعاون فى مجال التنمية الاقتصادية، ومذكرة أخرى حول السياق المشترك لخطة تعاون فى إطار مبادرة الحزام والطريق.

سياق محفز للزيارة:

تأتى زيارة الرئيس السورى إلى بكين فى وقت داعم للتقارب وتعزيز التعاون بين الدولتين، نظرًا لوجود مجموعة من التحولات سواء على الساحة الدولية والإقليمية وخاصةً السورية؛ من بينها:

  1. دور صينى متنامى فى الشرق الأوسط؛ باتت بكين تتبع نهجًا دبلوماسيًا جديدًا، قائم على تعزيز حضورها فى الشرق الأوسط، وهى المنطقة التى كانت تقليديًا ضمن دائرة النفوذ الأمريكى، والمضى قدمًا فى تطوير علاقات بكين مع الدول التى أرادت لها الولايات المتحدة أن تكون معزولة عن العالم، وتأتى فى مقدمة هذه الدول سوريا.

ويُستدل على هذا النهج من خلال الوساطة الصينية لإعادة العلاقة بين السعودية وإيران، وإعلان بكين استعدادها للتوسط فى محادثات السلام بين إسرائيل وفلسطين، حيث فى أعقاب هذا التصريح، زار رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بكين فى يونيو الماضى، وفى أغسطس المنصرم، دعت منظمة البريكس -حيث تلعب الصين دورًا بارزًا- السعودية والإمارات لتصبحا من أعضائها الجدد.

  1. أزمة اقتصادية سورية طاحنة؛ تأتى القمة الصينية السورية، فى توقيت مهم وحساس، حيث تعانى دمشق من ضغوط اقتصادية هائلة؛ إذ بات النظام السورى بعد 12 عامًا من الحرب فى أسوأ حالاته الاقتصادية، فى ظل تدهور كبير لسعر صرف الليرة السورية، وما يرافق ذلك من ارتفاع مستويات التضخم، ودمار معظم البنى التحتية اللازمة للإنتاج.

ومع عجز النظام السورى وحكومته عن تقديم أى حلول لوقف تداعيات الأزمة المعيشية التى تضرب البلاد منذ سنوات طويلة، اندلعت احتجاجات شعبية فى الجنوب السورى وخاصةً فى السويداء، وسط ازدياد حجم المخاوف من انتقالها إلى مناطق أخرى فى سوريا، ولهذا لجأت دمشق إلى بكين أملًا فى الحصول على الدعم والاستثمارات الصينية، التى من شأنها أن تقلل حدة هذه الأزمة، وتمنع تأجيج الصراع مجددًا.

  1. علاقات صينية سورية قوية؛ تأتى الزيارة فى إطار العلاقات الراسخة التى تجمع بكين ودمشق؛ حيث قدمت الصين منذ اندلاع الصراع السورى فى العام 2011، دعمًا دبلوماسيًا مهمًا للنظام السورى فى كل المحافل الدولية ومجلس الأمن الدولى، فامتنعت مرارًا عن التصويت لقرارات تدين النظام خلال النزاع، واستخدمت الفيتو، إلى جانب روسيا، لوقف هذه القرارات.

كما أن الصين أبقت على سفارتها مفتوحة فى دمشق، وأظهرت فى السنوات الأخيرة رغبة فى تعزيز التقارب مع سوريا؛ فلم يكن من قبيل الصدفة أن يقوم وزير الخارجية الصينى وانغ يى بزيارة دمشق يوم إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية فى سوريا فى 17 يوليو 2021، ليكون بذلك أول المهنئين للرئيس الأسد بفوزه فى تلك الانتخابات.

وبعد زيارة وانغ إلى دمشق، دعت بكين إلى رفع العقوبات عن سوريا، وقدمت مبادرة من أربعة محاور لحل الأزمة فيها، تتمثل فى: احترام السيادة الوطنية ووحدة الأراضى السورية، التسريع فى عملية إعادة الإعمار ورفع جميع العقوبات عن سوريا وبشكل فورى، مكافحة المنظمات الإرهابية المدرجة على قائمة مجلس الأمن الدولى، ودعم حل سياسى شامل وتصالحى للقضية السورية، وتضييق الخلافات مع جميع فصائل المعارضة السورية من خلال الحوار والتشاور.

وفى يناير 2022، وقعت حكومة النظام السورى على اتفاقية الانضمام إلى مبادرة الحزام والطريق، فيما أعلنت الصين بعد الزلزال الذى ضرب سوريا فى فبراير الماضى، إرسال مساعدات بقيمة 5.9 ملايين دولار وعمال إغاثة متخصصين فى المناطق الحضرية وفرقًا طبية ومعدات طوارئ.

دلالات الزيارة وأبعادها:

تحمل القمة الصينية السورية فى طياتها، العديد من الرسائل والدلالات السياسية التى تريد الدولتان إرسالها للمجتمع الدولى وخاصةً الولايات المتحدة، فضلًا عن المصلحة الاقتصادية المتبادلة بين الدولتين وخاصة فيما يخص ملف إعادة إعمار سوريا، وهو ما يمكن إيضاحه على النحو التالى:

  1. تعزيز المصالح الاقتصادية المتبادلة؛ يمكن القول إن الزيارة جاءت لتحقق عملية اقتصادية تبادلية بين الصين وسوريا، تتمثل ملامحها فيما يلى:

– بالنسبة لسوريا؛ فهى تأمل أن تشارك الصين فى عملية إعادة الإعمار، وتعول على استثماراتها المحتملة لإنجاز البنى التحتية فى المناطق السكنية والمدنية بسرعة استثنائية، لأن الضغوط الاقتصادية التى تعانى منها سوريا، لا يمكن الخروج منها سوى عبر شراكات حقيقية فى العديد من المجالات المهمة، ولهذا؛ فإن تعزيز العلاقات الاقتصادية بين دمشق وبكين، مفيد فى إنقاذ الاقتصاد السورى، خاصةً فى ضوء التحديات التى تواجه روسيا مع توالى العقوبات الغربية عليها بعد حرب أوكرانيا.

ولكن إقناع الصين بأن يكون لها دور فى إعادة إحياء أو تأهيل الاقتصاد السورى، هو مسار تعترضه عدة عقبات، ترتبط فى الأساس بالأوضاع الأمنية غير المستقرة فى سوريا، وعدم وجود قوانين استثمار ضامنة لحقوق المستثمرين، وعدم القدرة على العمل إلا بوجود شركاء للنظام السورى، فضلًا عن أن أى استثمارات صينية أو أخرى فى سوريا تخاطر بإيقاع من يضخها تحت العقوبات الأمريكية بموجب قانون قيصر لعام 2020 الذى يمكن أن يجمد أصول أى أحد يتعامل مع سوريا، ولهذا قد يكون من الصعب تنفيذ الاتفاقيات الاقتصادية الموقعة على هامش الزيارة، على أرض الواقع.

– بالنسبة للصين؛ فهى تنظر إلى سوريا بوصفها محورًا أساسيًا ضمن خطة الحزام والطريق، كونها المحطة النهائية فى أهم الممرات من الصين إلى غرب آسيا، وصولًا إلى البحر المتوسط.

هذا إلى جانب مشروع الربط السككى بين إيران والعراق وسوريا، الذى يثير اهتمام الصين إذ يمكن عبره نقل البضائع الصينية إلى أوروبا وإفريقيا عبر البحر المتوسط وربطه بمبادرة الحزام والطريق، وتريد الصين المضى قدمًا بهذا المشروع اليوم أكثر من أى وقت مضى، بعد إطلاق مشروع الممر الاقتصادى الهندى الأوروبى عبر الشرق الأوسط خلال قمة مجموعة العشرين التى عقدت مؤخرًا، والذى ينافس المبادرة الصينية.

  1. مراوغة سياسية جديدة من جانب بكين لتحدى النفوذ الأمريكى فى المنطقة؛ فزيارة بشار الأسد لا تخرج عن إطار أهداف بكين فى المنطقة التى ترتكز على توسيع انخراطها عبر الانتقال من التبادل الاقتصادى إلى لعب دور أكبر فى حل الصراعات، أو أن يكون لها دور فعلى أكبر بالمفاوضات المتعلقة بأزمات الشرق الأوسط.

وتتبع الصين فى ذلك إستراتيجية جديدة تقوم على: تأمين حُلفاء جدد، تحقيق مصالح على المستويين السياسى والاقتصادى، وتعزيز العلاقات مع الدول غير الصديقة للولايات المتحدة، على غرار سوريا، ولذلك؛ تحمل زيارة الرئيس السورى بشار الأسد إلى الصين إشارات عديدة، أبرزها تقديم بكين الدعم للرئيس الأسد، وتحدى الإدارة الأمريكية التى تحاول عزل الرئيس السورى، واستفزازها فى منطقة الشرق الأوسط من خلال كسر التابوهات الغربية التى تحاول منع عدد من الدول من التعاطى مع ما تعتبره واشنطن دولًا معزولة، ردًا على التحركات والاستفزازات الأمريكية فى بحر الصين الجنوبى.

  1. تأكيد النظام السورى لشرعيته الدولية؛ تمثل هذه الزيارة كسرًا لنطاق مهم من العزل الدبلوماسى والحصار السياسى المفروض على سوريا، كون الصين دولة عظمى وذات ثقل على المستوى الاقتصادى والإستراتيجى الدولى، فالأسد يحاول من خلال زيارته إلى الصين إيصال رسالة ببدء اكتسابه الشرعية الدولية، وبأن سوريا ماضية فى خطها السياسى وتحالفاتها الدولية، وأنها تعول على التغير فى موازين القوة فى العالم.

كما أن هذه الزيارة تؤكد مراهنة النظام السورى على سياسة التوجه شرقًا؛ حيث تعتبر بكين ثالث دولة غير عربية يزورها الرئيس السورى خلال سنوات النزاع المستمر بعد موسكو وطهران، أبرز حلفاء دمشق، واللتان تقدمان لها دعمًا اقتصاديًا وعسكريًا منذ اندلاع الأزمة فى 2011.

وإجمالًا:

تحاول الصين لعب دور أكبر فى المنطقة من خلال استقطاب الدول التى لا تعتبر حليفة للولايات المتحدة، وعلى رأسها سوريا التى تعانى من عزلة أمريكية، ويأتى ذلك فى إطار المنافسة الصينية الأمريكية ومحاولات بكين لكسر هيمنة الولايات المتحدة والأحادية القطبية التى تسيطر على المجتمع الدولي، وهذا بالتأكيد سيأتى فى صالح دول المنطقة التى باتت تراهن على هذه المنافسة لاكتساب مساحة للتحرك وحصد عدد من الامتيازات السياسية والاقتصادية، وما القمة الصينية السورية إلا صورة من صور هذا الرهان الذى يستند عليه الرئيس بشار الأسد لإثبات حضوره على الساحة الدولية.

كلمات مفتاحية