تأثير المصالح السياسية على تصنيف الجماعات المسلحة (حركة حماس نموذجًا)

إعداد: جميلة حسين محمد

حينما اتخذت المقاومة الفلسطينية تحركًا حازمًا وعنيفًا للدفاع عن نفسها فى مواجهة الاحتلال الإسرائيلى والتوترات القائمة منذ عقود بين الإسرائيليين والفلسطينيين، أعلنت حركة حماس العملية العسكرية تحت مسمى “طوفان الأقصى” للرد على الانتهاكات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطينى، واستطاعت من خلالها إطلاق عشرات الصواريخ والقذائف من قطاع غزة باتجاه إسرائيل، واستخدام سلاح المظلات لتنفيذ عمليات تسلل نوعية، الأمر الذى أسفر عن إطلاق صفارات الإنذار من الغارات الجوية فى أنحاء البلاد وإعلان حالة الطوارئ فى نطاق 80 كيلومترًا من قطاع غزة وسقوط العديد من العناصر الإسرائيلية، لتلاقى المقاومة المصنفة كجماعة إرهابية من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى هجومًا واسعًا وتنديدات ووصف أعمالها  بالأعمال الإرهابية من جانب الدول سالفة الذكر التى تربطها عدد من المصالح السياسية والاقتصادية بإسرائيل، والتى بدورها تستغل هذا الموقف لإثارة الرأى العام الدولى ضد المقاومة، غافلة انتهاكاتها وأعمالها العدائية ضد الشعب الفلسطينى واصفة إياه بالدفاع الشرعى عن نفسها.

ماهية المقاومة والإرهاب؟

مدلول الإرهاب:

بدأ الاهتمام بمصطلح الإرهاب العالمى منذ أحداث سبتمبر عام 2001 وسعى الولايات المتحدة لمكافحة انتشار ظاهرة الجماعات الإرهابية، محاولات التوصل إلى تعريف حقيقى للإرهاب ولكن ما مثل عائق حتى الآن هو إخفاق توحيد تعريف تتبناه كافة الدول والقانون الدولى وخضوعه لدلالات سياسية وأيدولوجية تفرضها الدول الكبرى وقتما تشعر بتهديد كيانها، ووفقًا لتعريف الموسوعة السياسية فيقصد بالإرهاب “استخدام العنف غير القانونى، والتهديد به بأشكاله المختلفة كالاغتيال، والتشويه، والتعذيب، والتخريب، والنسف بغية تحقيق هدف سياسى مثل: إضعاف روح المقاومة والالتزام عند الأفراد، وإضعاف المعنويات عند الهيئات والمؤسسات، أو استخدامه وسيلة من وسائل الحصول على معلومات أو مال، وبشكل عام استخدام الإكراه لإخضاع طرف مناوئ لمشيئة الجهة الإرهابية”. وفى تعريف آخر للإرهاب الدولى يعنى “كل استخدام للعنف أو التهديد به فى إطار غير مشروع بواسطة أفراد أو جماعات أو دول ضد أشخاص أو هيـئات أو مؤسسات أو ممتــلكات عامة أو خاصة، بهدف التأثير على سلطة أو أشخاص معــينين من خلال نشر حالة من الرعب والفزع أو ما شابه ذلك من أجل تحقيق أهداف معينة ليس لها أساس من المشروعية”.

مدلول المقاومة:

يذهب البعض إلى تعريف المقاومة على أنها “نشاط إستراتيجى تمارسه الدول والمجتمعات والأفراد لمنع حدوث العدوان ابتداءً، أو دفعه إذا حدث، ثم تتبعه حتى يكفّ المعتدى عن عدوانه ويرجع الحق إلى أهله، والمقاومة بهذا المعنى تعنى أى نشاط شعبى أو مسلح ضد مستعمريها أو محتلى أراضيها من أجل الحصول على الحق فى تقرير المصير”. وآخرين عرفوا المقاومة المسلحة بأنها “عمليات القتال التى تقوم بها عناصر وطنية من غير أفراد القوات النظامية المسلحة وذلك دفاعًا عن المصالح الوطنية أو القومية ضد قوى أجنبية وسواء كانت تعمل فى إطار تنظيم خاضع لإشراف سلطة قانونية أو سلطة أمر واقع أو كانت تعمل بناء على مبادرتها الخاصة، سواء باشرت هذا النشاط فوق الإقليم الوطنى أو من قواعد خارج هذا الإقليم”.

ومن ثم تتمثل أهم مقومات المقاومة المسلحة فى الحشد الشعبى، واستخدام الوسائل العسكرية ضد العدو، كذلك استهداف قوى الاحتلال الأجنبى، وأخيرًا الدافع والشعور الوطنى الذى يدفع الأفراد إلى حمل السلاح دفاعًا عن وطنهم ضد الاحتلال الخارجى.

الفرق بين المقاومة والإرهاب:

تختلف المقاومة الوطنية المسلحة عن الأعمال الإرهابية وفقًا لعدد من المعايير يتثمل أهمهم فى:

  1. مشروعية الفعل: وفقًا للقوانين والأعراف الدولية تعتبر المقاومة التى تتم عن طريق الحركات الوطنية المنظمة ضد المحتل فعل مشروع، عكس الإرهاب غير المشروع الذى يرتكب أعماله بوسائل وحشية بدوافع الانتقام.
  2. المستهدف: فى حين تلجأ المقاومة إلى استخدام الوسائل العنيفة والعسكرية والأمنية من أجل ضرب المحتل، وإخراجه من وطنهم وتحريره، تقوم الجماعات الإرهابية باستخدام وسائل الأعمال الإرهابية غالبًا ما تكون وسائل مدمرة من أجل التأثير على السلطة ومواقع النفوذ وتحقيق مكاسب غير مشروعة وغير مقبولة.
  3. الهدف: تهدف المقاومة لإزاحة احتلال الوطن والحصول على الحرية والاستقلال وممارسة حق تقرير المصير وحق الدفاع الشرعى المكفولين فى ميثاق الأمم المتحدة باستخدام أشكال النضال والتكتيكات والأساليب السلمية وغير السلمية، فى حين يهدف الإرهاب إلى الحصول على حقوق الغير بالترهيب والانتقام وشرعنة تلك الأفعال بالأساليب غير السلمية والعنيفة فقط التى تنتهك حقوق الآخر.

وواقع الأمر أن الدول الاستعمارية والمحتلة دومًا ما تتعمد الخلط بين الإرهاب والمقاومة وتزييف حقيقة المقاومة لتحقيق أهدافها الاستعمارية بمساعدة الدول التى تجمعهم مصالح وأهداف مشتركة، وبالتطبيق على القضية الفلسطينية فتبنى المحتل الإسرائيلى النهج المصنف أفعال المقاومة المسلحة بكونها أعمال إرهابية، تلك المقاومة التى حاولت على مدار العقود الماضية اللجوء إلى كافة أساليب النضال السلمية وغير السلمية وتطويرها من أجل الخروج من الواقع المرير الذى يعيشه الشعب الفلسطينى حتى هذه اللحظة، فضلًا عن إثبات أن أعمال العنف الإسرائيلى تعكس إرهاب الدولة وانتهاكاته الجسيمة ضد الشعب المحتل، بينما أعمال العنف الفلسطينى تعكس المقاومة المشروعة لتحرير الوطن وتقرير المصير.

مقومات حركة حماس نحو القضية الفلسطينية

برزت حركة المقاومة الإسلامية المعروفة بحركة حماس فى أعقاب الانتفاضة الفلسطينية الأولى “انتفاضة الحجارة” عام 1987 ساعية لوضع بذرة لجيل جديد من المقاومة الفلسطينية، لتعلن بعدها تأسيس جناح عسكرى لها يُعرف بـ كتائب القسام، ومشاركتها فى السلطة الفلسطينية بعد فوزها بالأغلبية الأمر الذى لم يتقبله المحتل والدول الداعمة له كالولايات المتحدة وبعض دول الغرب الذين طالبوا الحركة بوقف العنف واعترافها بدولة إسرائيل قبل تولى السلطة، ودوما ما رفضت الحركة التعامل معها كنظام سياسى منفرد، بل جزء من نظام سياسى فلسطينى وجزء من مكونات المجتمع الفلسطينى، يستطيع إدارة البنية التحتية للمنطقة، والحملات الإعلامية المكثفة، فضلًا عن إقناع المراقبين بأنها جزء من السلطة وليست جماعة إرهابية كما يروج لها إسرائيل والغرب.

وعلى الرغم من دخول الحركة فى عدد من المفاوضات مع السلطة الفلسطينية وإسرائيل منذ عام 2006، وكانت تعرض هدنة للحد من العنف داخل الأراضى الفلسطينية، إلا أنها لم تستغنِ عن أساليبها الخاصة فى استخدام العنف السياسى فى مواجهة المحتل، اتساقًا مع ميثاق الحركة التنظيمى الذى يدعو إلى الجهاد ضد إسرائيل، وكذلك المبادئ والسياسات العامة التابعة للميثاق والتى تنص على أن “المقاومة والجهاد من أجل تحرير فلسطين سيظلان حقًا مشروعًا وواجبًا وشرفًا لجميع أبناء وبنات شعبنا وأمتنا”.

وعليه نفذت حركة حماس عدة عمليات عسكرية ضد إسرائيل عبر جناحها العسكرى نتج عنها انسحاب القوات الإسرائيلية وإخلاء مستوطناتها فى قطاع غزة عام 2005، ومع استمرارية الاشتباكات بين الطرفين حاولت حماس تطوير صواريخها خلال السنوات الماضية لتتسم بقوة أكثر ومدى أبعد إلى الحد التى تصل فيه تلك الصواريخ إلى تل أبيب وبئر السبع وحيفا، كما استهدفت مطارات إسرائيل الرئيسية، وأظهر الهجوم الأخير حيث اختراق الحاجز الذى يفصل غزة عن إسرائيل فى أماكن متعددة، مدى امتلاك حركة حماس لعدد من الإمكانيات الجديدة كسلاح المظلات والطائرات المسيرة وتطويع الآليات المدنية للاستخدامات العسكرية.

تصنيف حماس ما بين المقاومة والإرهاب

تباينت المواقف الإقليمية والدولية حول واقع حركة حماس وتصنيف جناحيها العسكرى والسياسى، فهناك من تمسك بكونها حركة مقاومة شعبية تكافح من أجل تحرير وطنها، ومن حولها من كونها حركة للتحرر الوطنى إلى حركة إرهابية، وأخر ظل على الحياد ولم يبدِ موقفه الصريح منها، تلك المواقف المختلفة ظهرت جليًا مع عملية “طوفان الأقصى” لتكشف كيفية توظيف بعض الدول لمصالحها وتطلعاتها فى الشرق الوسط على حساب قضية محورية كالقضية الفلسطينية، وهو ما اتضح فى الاجتماع الطارئ لمجلس الأمن لبحث الوضع بالشرق الأوسط وتطورات القضية الفلسطينية، ودان عدد من أعضاء مجلس الأمن الدولى الهجوم المباغت الذى شنته حركة حماس على إسرائيل ولم يستطع الخروج بإعلان مشترك كعادة انقساماته حيال القضية الإسرائيلية الفلسطينية.

على الرغم من طلب إسرائيل من مجلس الأمن تلقيها دعمًا قويًا للدفاع عن نفسها بجانب وجوب إدانة ما تطلق عليه جرائم الحرب من جانب حماس، وفيما يلى بيان لأهم الآراء المختلطة الإقليمية والدولية تجاه حركة حماس:

أولًا: المواقف الدولية

أعربت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى وعدد من الدول الأوروبية وفى مقدمتها بريطانيا وفرنسا وألمانيا تضامنها مع إسرائيل وإدانتها للهجوم العسكرى المنفذ من جانب حركة حماس الفلسطينية، ومع استمرار التصعيد بين إسرائيل والأخيرة وصفت تلك الدول العمليات العسكرية للحركة ضد إسرائيل بأنها إرهابية.

بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية التى أدرجت حماس ضمن التنظيمات الإرهابية منذ عام 2009، صرحت فى بيان من خلال وزير خارجيتها (أنتونى بلينكن) قائلًا “لا يوجد أى مبرر للإرهاب على الإطلاق، نتضامن مع حكومة وشعب إسرائيل، ونقدم تعازينا لأسر الإسرائيليين الذين لقوا حتفهم فى هذه الهجمات”، وأعلنت أن موقفها ضد الحركة نابع من استخدام الجماعة للعنف ومعارضتها لمصالح الولايات المتحدة فى الشرق الأوسط، فضلًا عن تأييد حق إسرائيل الكامل فى الدفاع عن نفسها ضد مثل هذه الأعمال الإرهابية، وفى تصريح مهم للرئيس الأمريكى (جو بايدن) أكد أن دعم بلاده لإسرائيل صلب كالصخر وراسخ فى مواجهة ما وصفه بـ “الشر المطلق” لحماس، كما صرح بتوفير بلاده للأسلحة الاعتراضية والذخائر اللازمة للقبة الحديدية فى إسرائيل، فضلًا عن استعداده لإرسال مزيد من الموارد العسكرية إلى الشرق الأوسط.

وفى فرنسا أعلن الرئيس (إيمانويل ماكرون) استنكاره بشدة للهجمات على إسرائيل ووصفها بالإرهابية، وأكد تضامنه الكامل مع الضحايا وعائلاتهم والمقربين منهم، أما عن ألمانيا فقد نددت وزيرة الخارجية الألمانية (أنالينا بيربوك) بما وصفته بـ الهجمات الإرهابية على إسرائيل من قطاع غزة، وأكدت ضرورة توقف العنف وإطلاق الصواريخ على الإسرائيليين، مع التأكيد على تضامنها الكامل مع إسرائيل وحقها فى الدفاع عن نفسها فى مواجهة الإرهاب.

وأيضا بريطانيا التى ندد وزير خارجيتها (جيمس كليفرلي) بالهجمات التى شنتها حماس على مدنيين إسرائيليين والذى وصفها بالهجمات المروعة، وأكد دعم بلاده دوما حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها، وجدير بالذكر أن بريطانيا أدرجت كتائب القسام الجناح المسلح لحركة حماس على قوائم الإرهاب عام 2001 بوصفها منظمة محظورة بموجب قانون الإرهاب.

وشهدت كندا المصنفة حركة حماس ككيان إرهابى منذ عام 2002، تصريحًا لرئيس وزرائها (جاستن ترودو) أعرب فيه عن رفضه لأفعال العنف والهجمات الإرهابية الحالية على إسرائيل واعتبرها أفعال غير مقبولة تمامًا وأكد مساندة بلاده لإسرائيل. وفى إسبانيا كشف القائم بأعمال وزير الخارجية الإسبانى (خوسيه مانويل ألباريس) عن تأثر بلاده بالعنف الذى وصفه بالعشوائى وقال “نندد بشدة بالهجمات الإرهابية بالغة الخطورة التى تنطلق من غزة ضد إسرائيل، كل تضامننا مع الضحايا”.  وعن أوكرانيا فقد أدانت وزارة خارجيتها بحزم الهجمات الإرهابية على إسرائيل بما فى ذلك إطلاق الصواريخ على الإسرائيليين وأكدت دعم إسرائيل فى حقها فى الدفاع عن نفسها وشعبها.

وعلى صعيد آخر فى روسيا أعرب الرئيس (فلاديمير بوتين) عن تضامنه مع القضية الفلسطينية، وطالب بالوقف الفورى للقتال ومحاولة إجراء مفاوضات هادفة بين الطرفين، وأكد أن سبب الاشتباكات يرجع إلى قضايا لم يتم حلها بعد فى إشارة لإخفاق الحل فى القضية الفلسطينية، وأكد بوتين فى تصريح آخر قائلًا “القضية الفلسطينية فى قلب كل مسلم، ويعتبرونها مظهرًا من مظاهر الظلم وصل إلى درجة لا تصدق”. كذلك الصين التى لا تسمى منظمة حماس منظمة إرهابية اعتبارًا من عام 2006، بل تعترف بكونها الكيان السياسى المنتخب شرعيًا فى قطاع غزة الذى يمثل الشعب الفلسطينى، وأصدرت بيانًا محايدًا وأكثر عقلانية دون إدانة الهجمات الفلسطينية، بل حثت الطرفين على التهدئة، وشددت على ضرورة العودة إلى عملية السلام لحل القضية الفلسطينية، مع اعترافها بحق فلسطين فى إنشاء دولة لها بجانب إسرائيل.     

ثانيًا: المواقف الإقليمية

بالنسبة لإيران فقد أصدرت بعثتها لدى الأمم المتحدة بيانًا قائلة: “ندعم فلسطين على نحو لا يتزعزع، لكنّنا لا نشارك فى الرد الفلسطينى، لأنّ فلسطين فقط هى التى تتولّى ذلك بنفسها”، وواقع الأمر أن حركة حماس تتلقى دعمًا وتمويلًا واضحًا من الجانب الإيرانى، ويعتقد الغرب وإسرائيل أن الخبرة والمعرفة الإيرانية لعبت دورًا مهمًا فى بناء إمكانيات حماس المتطورة.

أما عن المملكة العربية السعودية التى كانت فى طريقها للتطبيع مع إسرائيل بوساطة أمريكية مع تأكيدها ضرورة أن يشمل أى اتفاق معالجة لقضايا الفلسطينيين الذين يتعرضون للحرمان من حقوقهم المشروعة وتكرار الاستفزازت الممنهجة ضد مقدساتهم وفقًا لتصريحات وزارة الخارجية السعودية، تراجع موقفها نحو التطبيع حيث ولت اهتمامها فى تلك الآونة لدعم حقوق الفلسطينيين الأمر الذى يرجع المملكة لدورها التقليدى ويضع لإسرائيل عقبة فى طريق التطبيع، وأكدت السعودية  ضرورة الوقف الفورى للتصعيد بين الجانبين وحماية المدنيين وضبط النفس.

حذرت جهورية مصر العربية من العواقب الوخيمة الناتجة عن تصعيد التوتر بين إسرائيل والفلسطينيين، ودعت فى بيان عبر وزارة خارجيتها إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس وتجنب تعريض المدنيين للمزيد من المخاطر، ويجدر الإشارة إلى أن مصر فى عام 2015 ألغت الحكم القضائى الذى يعتبر حركة حماس منظمة إرهابية، وقد سبق وحظرت محكمة الأمور المستعجلة  أنشطة حماس فى مصر، وأمرت بإغلاق مكاتبها فى عام 2014.

فى حين أعربت قطر عن قلقها من تطورات الأوضاع فى قطاع غزة ودعت جميع الأطراف إلى وقف التصعيد والتهدئة وممارسة أقصى درجات ضبط النفس، وأكدت وزارة الخارجية القطرية موقف بلادها الثابت من عدالة القضية الفلسطينية والحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى وإقامة دولته المستقلة، مع تحميل إسرائيل وحدها مسؤولية التصعيد الجارى الآن، بسبب انتهاكاتها المستمرة لحقوق الشعب الفلسطينى، وآخرها الاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى الأمر الذى يتوجب تحرك المجتمع الدولى بشكل عاجل لإلزام إسرائيل بوقف انتهاكاتها السافرة للقانون الدولى وحملها على احترام قرارات الشرعية الدولية، والحقوق التاريخية للشعب الفلسطينى.

وأعربت الإمارات فى بيان عن قلقها الشديد من تصاعد العنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين مشددة على ضرورة وقف التصعيد، ودعت إلى ضرورة إعادة التفعيل الفورى للجنة الرباعية الدولية لإحياء مسار السلام العربى الإسرائيلى، وحثت المجتمع الدولى على دفع كافة الجهود المبذولة لتحقيق السلام الشامل والعادل، ومنع انجرار المنطقة لمستويات جديدة من العنف والتوتر وعدم الاستقرار.

وعلى الرغم من تصريح الإمارات فى بداية عملية طوفان الأقصى المتعلق بتقديم التعازى للمدنيين الإسرائيلين الذين سقطوا جراء الهجوم، عادت لتعلن فى اليوم الرابع من العملية تقديم مساعدات عاجلة إلى الفلسطينيين بمبلغ قدره عشرين مليون دولار بناء على أوامر رئيس دولة الإمارات (الشيخ محمد بن زايد آل نهيان)، وذلك فى ظل الظروف الإنسانية الصعبة التى يمر بها الشعب الفلسطينى.

وقد عبرت الكويت عن قلقها البالغ من التطورات بين إسرائيل والفلسطينيين، وحملت إسرائيل مسؤولية ما وصفته بالاعتداءات السافرة، ودعت وزارة الخارجية الكويتية فى بيان المجتمع الدولى إلى ضرروة إنهاء ممارسات الاحتلال الاستفزازية وكذلك سياسة التوسع الاستيطانى، فضلًا عن العراق التى صرح المتحدث الرسمى باسم الحكومة العراقية (باسم العوادى) فى بيان أن العمليات التى يقوم بها الشعب الفلسطينى اليوم هى نتيجة طبيعية للقمع الممنهج الذى يتعرض له منذ عهود مضت على يد سلطة الاحتلال الإسرائيلى، وحذر من استمرار التصعيد داخل الأراضى الفلسطينية على استقرار المنطقة.

واقع الانتهاكات داخل فلسطين

بمرور 56 عامًا على احتلال إسرائيل للضفة الغربية وقطاع غزة، تنتهج إسرائيل مجموعة من الانتهاكات الواسعة داخل تلك المناطق المحتلة فضلًا عن زيادة عدد المستوطنات اليهودية غير القانونية بموجب القانون الدولى، ووفقًا لتقديرات الأمم المتحدة هناك حوالى 700 ألف يهودى كانوا يعيشون فى المنطقة المحتلة حتى عام 2022، وطبقا للتقديرات الرسمية فهناك ارتفاع كبير فى أعمال العنف التى ينفذها المستوطنون الإسرائيليون المتطرفون ضد المدنيين الفلسطينيين.

وتستمر السلطات الإسرئيلية والأجهزة الأمنية والعسكرية فى سياستها التعسفية والقمعية تجاه الفلسطينيين التى تتنوع بين عمليات الاستهداف والاحتجاز التعسفى والهجوم على واقتحام الأحياء الفلسطينية ومصادرة الممتلكات، بالإضافة إلى تكثيف الاقتحامات داخل المسجد الأقصى عمليات الترحيل والتهجير القسرى للمواطنين الفلسطينيين، وكذلك طرح المزيد من المشاريع الاستيطانية.

وما زالت تمارس سلطة الاحتلال مزيدًا من القمع الذى يخل بحرية وحياة المواطنين فى الأراضى الفلسطينية، خاصة مع تولى سلطة يمينية أكثر تطرفًا للحكم فى إسرائيل، ومع ذلك ما زالت إسرائيل تشرعن سلوكها التعسفى وعقوباتها الشاملة بحق الشعب الفلسطينى على حساب القضية الوطنية الفلسطينية والمشروع التحررى، بل ووصف عمليات المقاومة الفلسطينية بأنها أعمالًا إرهابية وتخريبية تضر إسرائيل ومصالحها، فضلًا عن تحمل المقاومة مسؤولية ما وصلت إليه الأوضاع الفلسطينية، ومن ثم ترى إسرائيل نفسها ضحية لذلك الإرهاب.

تداعيات تطور المشهد الفلسطينى على التحركات الدولية

مع تيقن الدول الكبرى أن غايات ووسائل المقاومة الفلسطينية تجاه السلطة الإسرائيلية ما هى إلا مجموعة من الأعمال الإرهابية والعنيفة التى تهدد المشروع الإسرائيلى وتهدد مصالح تلك الدول فى المنطقة، يعطى الضوء الأخضر لإسرائيل وغطائها الدولى لاستخدام الحد الأقصى من قوتها العسكرية والقوة الخارجية خاصة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية لقمع المقاومة الفلسطينية والاستمرار فى مشروعها الاستيطانى، ومع تهديدات المقاومة الفلسطينية خاصة الأخيرة التى صرح بها المتحدث الرسمى باسم حركة حماس “أبو عبيدة” إلى إمكانية إعدام الأسرى الإسرائيليين دون وقف إطلاق النار حيث قال “كل استهداف لشعبنا دون سابق إنذار سنقابله بإعدام رهينة من المدنيين”، الأمر الذى حفز الولايات المتحدة على مساعدة الحشد الإسرائيلى العسكرى، ويمكن أن يعطى شرعية لقوات التحالف الدولى لمكافحة داعش فى المنطقة للانطلاق نحو غزة بذريعة مكافحة الأعمال الإرهابية المنفذة من قبل حركة حماس المحظورة لديهم ككيان إرهابى كما سلف الذكر.

وعلى صعيد الجبهة الشرقية تستغل روسيا هجمات حماس على إسرائيل من أجل حربها على أوكرانيا من ناحية، وخلافها مع الغرب مع أخذها فى الاعتبار أن الولايات المتحدة لاعب رئيسى فى الصراع بين إسرائيل وفلسطين، ومن ناحية أخرى تستغل علاقاتها مع حماس وتواصل الاتصال معها للوساطة بين الفلسطينيين للحصول على موطئ قدم فى أى عملية سلام، وتحافظ على علاقتها لاسيما العسكرية مع إيران التى تقدم الدعم المالى لحركة حماس، وسبق أن ساعدتها إيران خلال حربها مع أوكرانيا فى العام الماضى.

وختامًا:

حين يتم تزييف الحقائق نحو تحقيق المصالح تندثر الحقوق وتخرج عن عبائتها، الواقع الذى يظهر جليًا فى القضية الفلسطينية التى حاولت سلطة الاحتلال الإسرائيلى دومًا التضليل بها إلى الحد التى وصفت فيه الفصائل القائمة على تلك القضية بالكيانات الإرهابية، وتشويه صورتها وتحجيم التأييد الإقليمى والدولى لها بالنظر إلى نتائج وأفعال فصائل المقاومة دون النظر إلى دوافعها المتمثلة فى اعتداءات وانتهاكات سلطة الاحتلال الجسيمة ضد أصحاب القضية وحقهم فى تقرير مصيرهم والدفاع عن أرضهم، والتكاتف نحو إحياء قضيتهم المستمرة منذ عقود لو لزم الأمر بالوسائل غير السلمية وقتما لا تجدى المفاوضات نفعًا. 

كلمات مفتاحية