إعداد: ميار هانى
باحثة فى الشأن الدولى والأمن الإنسانى
مع إعلان الحكومة الإسرائيلية “حالة الحرب” ردًا على شن كتائب القسام (الذراع العسكرى لحركة حماس) عملية طوفان الأقصى، وسقوط ضحايا من كلا الجانبين بلغت – حتى اللحظة كتابة التقرير – أكثر من 2500 شخص، وأسر العديد من الإسرائيليين، وتكثيف القوات الإسرائيلية القصف الجوى وفرض الحصار على قطاع غزة، طالبت إسرائيل مساعدات عسكرية من الولايات المتحدة بشكل عاجل، تشمل دفاعات جوية وذخائر، لتعزيز القدرات العسكرية الإسرائيلية خاصةً مع قرب الاجتياح البرى وفقًا لتقديرات، إلا أن يثير التصعيد الخطير بين الجانب الإسرائيلى وحركة حماس، بالإضافة إلى الغموض السياسى المحلى فى واشنطن، الهواجس من تأثير الدعم الأمريكى لإسرائيل على دعم الأولى لكييف، وهو الأمر الذى تجلى فى تصريح الرئيس الأوكرانى “زيلينسكى” خلال مقابلة مع قناة France 24 أن “قد يصبح المجتمع الدولى أقل اهتمامًا بأوكرانيا” مضيفًا أن “إذا توقفت المساعدات لكييف، فإن الوقت سيكون فى صالح روسيا”، فما هو مستقبل المساعدات الأمريكية لكييف فى ظل تصاعد التوتر بين إسرائيل – وحركة حماس؟
الـسـيـاق الـراهـن
أولًا: استمرار وتيرة التصعيد العنيف مع هواجس من حدوث ارتدادات بالمنطقة
تستمر وتيرة التصعيد الإسرائيلى الخطير فى غزة عقب شن عملية طوفان الأقصى، والذى وصفها البعض بأنها الأعنف على إسرائيل منذ حرب 1973، وهو الأمر الذى كشف عن اضطراب فى الأجهزة الأمنية والاستخباراتية الإسرائيلية، إذ استطاعت مجموعة صغيرة من الفلسطينيين شن هجوم مباغت تسبب فى سقوط ضحايا عديدة من الجانب الإسرائيلى، والتغلب على قوات حرس الحدود ونقل الأسرى الإسرائيليين إلى غزة عبر الحدود نفسها، رغمًا من أن هذا الجدار يُفترض أن يكون منيع غير قابل للاختراق، وعليه أسهم ذلك فى سيطرة حالة من الارتباك والشعور بالإذلال للجيش الإسرائيلى.
وتشن إسرائيل على قطاع غزة قصفًا جويًا شديد العنف على المنشآت المدنية تسبب فى سقوط العديد من ضحايا وجرحى من الجانب الفلسطينى، إلى جانب معاناة المدنيين من انقطاع المياه والكهرباء والأدوية والمواد الغذائية عقب فرض الحصارعلى القطاع، وهو ما ينبئ بوضع إنسانى كارثى، فضلًا عن اتهام إسرائيل باستخدام الفسفور الأبيض، وهو سلاح محرم دوليًا، من قبل منظمة “هيومن رايتس ووتش”، وحاليًا تستعد إسرائيل لاجتياح برى بعد تشكيل حكومة طوارئ وطنية ومجلس حرب مصغر بعد اتفاق رئيس الوزراء “نتنياهو” وزعيم المعارضة الإسرائيلية “بينى غانتس”، إذ تسعى إسرائيل إلى السيطرة على قطاع غزة، والتأكد من تحييد قدرات الحركات المسلحة الفلسطينية.
وعليه، كل تلك المعطيات ترجح تواصل تصعيد الحرب الدائرة، بل وامتدادها لتشمل توسع جبهات المواجهات العسكرية؛ إذ يرجح تزايد الانخراط الإيرانى من خلال أذرعها فى المنطقة للضغط على إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، على غرار هجمات حزب الله على مواقع عسكرية إسرائيلية فى المناطق اللبنانية المحتلة، فضلًا عن إطلاق قذائف نحو هضبة الجولان السورية المحتلة من قبل فصائل فلسطينية تعمل مع حزب الله اللبنانى، ورد القوات الإسرائيلية بقصف جنوب لبنان والأراضى السورية، وبالتالى يحتمل أن نشهد تصعيد فى تلك الجبهات مع إطالة أمد الحرب، ما يترتب عليه زيادة الدعم الأمريكى لإسرائيل، وهو ما لا يتوافق مع رغبة واشنطن فى توسيع جبهات الحرب مع أذرع إيران لانشغالها بالفعل بالحرب (الروسية – الأوكرانية).
ثانيًا تحركات أمريكية لتقديم دعم إضافى لإسرائيل
على وقع تصاعد التوترات، استجابت واشنطن لطلبات المسؤولين الإسرائيليين العاجلة بإرسال أول طائرة تحمل ذخيرة أمريكية متطورة إلى قاعدة نفاتيم الجوية، بالإضافة إلى إرسال مجموعة حاملة الطائرات الهجومية “يو إس إس جيرالد فورد” إلى شرق البحر المتوسط بالقرب من سواحل لبنان وإسرائيل، يرافقها ما يقرب من 5 آلاف بحّار وطائرات حربية وطرادات ومدمرات، مع دراسة نشر مجموعة حاملة طائرات أخرى وهى “يو إس إس دوايت دى أيزنهاور” لتكون جاهزة لدعم إسرائيل.
إلى جانب تعزيز الطائرات المقاتلة التابعة للقوات الجوية الأمريكية فى المنطقة من طراز F-35 وF-15 وF-16 وA-10، فضلًا عن الضغط والتنسيق مع كبار شركات الدفاع الأمريكية لسرعة تسليم الإمدادات العسكرية المعلقة، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، مع استعدادها لتقديم المزيد من الدعم العسكرى لإسرائيل لتحييد قدرات القوات المسلحة الفلسطينية، وللتلويح بالقوة لأذرع إيران فى المنطقة لمنعها من شن أى هجمات ضد القوات الإسرائيلية تستوجب رد واشنطن عسكريًا.
ثالثًا تراجع دعم كييف على خلفية انقسام سياسى بالكونجرس:
نتيجة لانقسام متزايد داخل أروقة الكونجرس حول زيادة المساعدات الأمريكية لأوكرانيا، وهو ما تجلى فى وقف مؤقت لتدفق التمويل الأمريكى لأوكرانيا من خلال تجريد الجمهوريين لبند ينص على تقديم مساعدات لكييف بقيمة 13 مليار دولار فى مشروع قانون الإنفاق الحكومى قصير الأجل الذى تم اقراره فى وقت سابق، فضلًا عن عزل رئيس مجلس النواب الجمهورى “كيفين مكارثى” من قبل الجناح المتشدد فى الحزب الجمهورى، المعارض لتقديم دعم سخى لأوكرانيا، على خلفية تعاونة مع الديمقراطيين، وبالتالى سيواجه رئيس مجلس النواب القادم نفس تحديات سابقه، ما يحتم عليه تقديم مزيد من التنازلات للجناح المتشدد الجمهورى، وهو ما يعرض استمرار تدفق المساعدات العسكرية الأمريكية لكييف للخطر، مع تحذير الإدارة الأمريكية أن الأموال التى خصصها الكونجرس لدعم كييف فى ساحات القتال قد نفذت تقريبًا.
وما يزيد من تعقيد المشهد هو التصعيد الإسرائيلى الخطير فى غزة وإرسال المساعدات العسكرية بشكل عاجل لإسرائيل، وهو ما أثار المخاوف من احتمالية تأثير الأمر على المساعدات المقدمة لأوكرانيا، فى الوقت الذى أكدت الإدارة الأمريكية إمكانية تحركها على عدة جبهات وتمويل إسرائيل بما لا يؤثر على التمويل المقدم لأوكرانيا، ومن الجدير بالذكر أن لدى واشنطن احتياطى دفاعى لإسرائيل يمكن استخدامه فى أوقات الطوارئ وفقًا لقوانين الكونجرس، وهو ما يتم تنفيذه حاليًا.
لكن ما يثير القلق هو فى حال طال أمد الصراع الحالى وتعددت جبهاته، سيتم تقديم طلب للكونجرس بتمويل اضافى لإسرائيل، ومع تعالى الأصوات الجمهورية الرافضة للمساعدات الضخمة المقدمة لكييف، ودعمهم القوى لإسرائيل لإرتباط الجمهوريين بعلاقات وثيقة برئيس الوزراء نتنياهو، وهو ما ظهر فى دعوة عضو مجلس الشيوخ الجمهورى “جوش هاولى”، إلى “إعادة توجيه أى تمويل لأوكرانيا إلى إسرائيل على الفور”، وبالتالى يمكن القول إن حجم المساعدات المقدمة لكييف على حساب دعم اسرائيل قد يتأثر، وفى هذا الصدد، يرجح أن تحاول إدارة بايدن انتهاج سُبل والعمل من وراء الكواليس للتغلب على الانقسام فى المجلس بربط المساعدات الأمريكية لإسرائيل بمساعدات الأولى لأوكرانيا، وبالتالى استخدام الحاح الأولى لتمرير الأخيرة.
ومما سبق يمكننا القول، إن استمرار التصعيد الإسرائيلى فى غزة قد يترتب عليه، بخلاف ارتفاع التكلفة البشرية والمادية، ارتدادات فى المنطقة متمثلة فى زيادة الانخراط الإيرانى فى الصراع للضغط على إسرائيل والولايات المتحدة عبر أذرعه فى المنطقة، وبالتالى زيادة تدفق المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل، وهو ما قد يهدد استمرار التمويل الأمريكى لأوكرانيا بالوتيرة ذاتها، مع تزايد انقسام الجمهوريين فى الكونجرس حول دعم كييف من جانب، ودعمهم القوى لإسرائيل من جانب آخر.
وبالتالى مع طول أمد الصراع وتعدد جبهاته، قد يحدث إعادة ترتيب للأولويات لصالح إسرائيل التى تحظى بدعم الحزبين سواء على عكس كييف، وبالتالى المخاطرة بتقويض الدعم الأمريكى لكييف، وهو الأمر – فى حال حدوثه – من شأنه أن ينعكس على ميزان القوى فى الصراع (الروسى – الأوكرانى).