تبريد الأزمة في السودان.. قراءة ما بعد «طوفان الأقصى»

إعداد: عنان عبد الناصر 

شهدت الساحة الإقليمية عدة تطورات، خلال الأيام الماضية، خاصَّةً بعد تصاعُد حِدَّة الأزمة في غزة، واتجاه أنظار العالم الدولي نحو التخفيف من الأزمة الراهنة، وقد تزامنت تلك التطورات مع استمرار الصراع في السودان، بعد أكثر من ستة أشهر من المعارك المستمرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع؛ لذلك نستعرض أبرز تطورات المشهد داخل السودان، بالإضافة إلى التطورات المؤثرة على الساحة الإقليمية على النحو الآتي:

طبيعة المشهد الميداني في السودان

دخلت الحرب بين طرفيْ القتال في السودان، في شهرها السابع، دون توقُّف، بالإضافة إلى غياب أيِّ بوادر لتحقيق نصر عسكري حاسم لكُلٍّ من الطرفيْن، وهذا ما ذهبت إليه تحليلات الخبراء السياسيين، فقد أنهك القتال القوتين المتقاتلين، وخلق حالةً من الضعف، على الرغم من أن الأوضاع الميدانية والعسكرية تعكسان تفوقًا لقوات الدعم السريع، وذلك خلال الأشهر الأولى من الحرب، فلم يشهد الموقف الميداني تغيُّرًا كبيرًا على الوضع الذي شكَّلته الحرب خلال الأشهر الثلاثة الأولى، فلا تزال قوات الدعم السريع تُحكم سيطرتها على مواقع سيادية وعسكرية في الخرطوم، في الوقت ذاته، تهاجم باستمرار قيادة سلاح المدرعات ومقر القيادة الرئيس للجيش، الذي يستمر بدوره في الدفاع عن المنطقتيْن العسكريتيْن.

وقد عادت المواجهات المسلحة بين الجيش وقوات الدعم السريع؛ حيث شهدت مناطق متفرقة في الخرطوم قصْفًا متبادلًا بين طرفيْ القتال، بالإضافة إلى المواجهات المتقطعة في محيط سلاح قيادة المدرعات جنوب الخرطوم، وأفادت بعض التقارير، أن قوات الجيش أطلقت قذائف مدفعية، استهدفت مواقع قوات الدعم السريع، في المقابل، ردّ الدعم السريع بقصفٍ مماثلٍ على مناطق في شرق الخرطوم.

وفيما يخُصُّ طبيعة الأوضاع الاقتصادية داخل السودان، فقد أعلن صندوق النقد الدولي عن توقعات، أفادت بأن اقتصاد السودان انكمش بنسبة 18٪، خلال عام 2023، جرَّاء تداعيات الحرب الأخيرة؛ ما فاقم الأوضاع سوءًا مع تزايد الأزمة الإنسانية؛ فالأزمة التي تشهدها السودان سيكون لها تأثيرٌ كبيرٌ على الأفراد، فضلًا عن الاضطرابات الاقتصادية الحادة، مع الأضرار التي تلحق بالبنية التحتية، وصعوبة توفير كافة الخدمات الأساسية.

وتزامنًا مع استمرار المعارك المتبادلة بين الطرفيْن، فقد شهدت المبادرات الدولية المطروحة من قِبَلِ دول الجوار جمودًا في حمْل الطرفين على وقف إطلاق النار بشكلٍ دائمٍ، فقد تبددت آمال الشعب السوداني في وقْف الحرب، وإنهاء القتال؛ نظرًا لتعسُّف طرفيْ القتال، وعدم القبول بالحل السياسي؛ ما يرشح استمرار القتال لفترة أطول، فالانتهاكات الإنسانية وأعمال النهب تشهد تزايدًا مستمرًا، وهو ما ينتهك حقوق المدنيين؛ لذلك يستوجب استئناف المحادثات بين قوات الجيش والدعم السريع، والتصدِّي لكافة الجهات التي ترغب في استمرار الحرب.

موقف السودان من الأحداث الراهنة في غزة

ومع استمرار الحرب في السودان، وتفاقم الأوضاع سوءًا، وجدت عملية «طوفان الأقصى» التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية، صدى واسعًا داخل السودان، فضلًا عن تأكيد الخارجية السودانية على حق الشعب الفلسطيني، في تكوين دولته المستقلة، ودعت السلطات إلى الالتزام بقرارات الشرعية الدولية وحماية المدنيين، وقد أعربت وزارة الخارجية لدى السودان، أنها تتابع بقلقٍ بالغٍ التطورات الجارية داخل فلسطين، وقد أتى ذلك من واقع الاهتمام الخاص الذي يُولِيه السودان للقضية الفلسطينية؛ نظرًا لاعتبارها جوهر الصراع في منطقة الشرق الأوسط، وأن حل هذه القضية يجب أن يأتي وفقًا لمعايير الشرعية الدولية، وتمكين الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة.

وقد أعربت السودان عن إدانتها واستنكارها للهجمات التي تقوم بها قوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، والتي أسفر عنها آلاف من القتلى والجرحى، والتي تعتبر بمثابة انتهاكٍ صريحٍ للقرارات والمواثيق الدولية، وقد دعت الخارجية السودانية في بيانٍ صادرٍ لها، المجتمع الدولي بتحميل إسرائيل المسؤولية الكاملة لتداعيات استمرار تلك الهجمات على الشعب الفلسطيني، فضلًا عن اتخاذ كافة الإجراءات الكفيلة بوقف التصعيد لحماية المدنيين، والوصول إلى حلول مستدامة؛ لذلك الصراع وفقًا لقرارات الشرعية الدولية.

فقد ساهم تراجع الاهتمام الدولي بالقضية الفلسطينية إلى استمرار العنف والتوترات في المنطقة، فقد أتت الأحداث الجارية؛ لتؤكد على أن غياب الحل السريع، سيدفع المنطقة لحِقْبةٍ جديدةٍ من عدم الاستقرار، وقد توالى التأييد السوداني للعملية الفلسطينية، من خلال البيانات الواردة لدى الأحزاب السودانية، والتي أعربت من خلالها على دعمها للشعب الفلسطيني.

استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السودان وإيران

نجد على الصعيد الخارجي؛ أعلنت السودان خلال الأيام القليلة الماضية، استئناف العلاقات الدبلوماسية مع إيران؛ ما طرح حوله العديد من التساؤلات، خاصَّةً أن توقيته قد تزامن مع العديد من التطورات التي تشهدها الساحة الإقليمية، وقد أكد الجانب السوداني، أن البلديْن في طريقهما لعودة التمثيل الدبلوماسي بعد انقطاعٍ دام لمدة سبعة أعوام، وفي هذا الصدد، نجد أن هذا الإعلان لم يأْتِ مفاجئًا، فقد سبقه لقاءٌ بين وزير الخارجية الإيراني، ونظيره السوداني، على هامش اجتماع اللجنة الوزارية لحركة «عدم الانحياز» الذي استضافته العاصمة الأذربيجانية “باكو”، في يوليو الماضي، والذي اتضح أنه بمثابة ميلادٍ جديدٍ لعودة العلاقات بين الجانبيْن.

إن عودة العلاقات مع إيران في ذلك التوقيت؛ ستزيد من هشاشة الوضع داخل السودان؛ نظرًا لارتباطه بمخاوف أطراف إقليمية من هذه العلاقة، خاصةً بعد الهجوم الذي شنَّته المقاومة الفلسطينية؛ فإسرائيل ستكون أكثر حذرًا من أي تحركات إيرانية في المنطقة، على الجانب الآخر، يسعى السودان إلى تعزيز العلاقات مع إيران، في إطار سياسة خارجية ترتكز على التوازن.

فهناك قلقٌ إقليميٌّ سائدٌ فيما يخص قرار استئناف العلاقات بين «إيران، والسودان»؛ نظرًا لأن الوجود الإيراني في البحر الأحمر يهدد الحدود الغربية للعديد من الدول الإقليمية؛ الأمر الذي يثير قلقًا لدى هذه الدول، لاسيما مصر، فضلًا عن المساعي الإيرانية في إيجاد موطئٍ راسخٍ لها داخل أفريقيا، في ضوء التنافس الدولي الراهن على القارة، ولذلك فقد اعتبرت إيران أن مشروعات إعادة إعمار السودان في أعقاب الحرب الراهنة، تُعدُّ بمثابة فرصه استثمارية كبيرة لها؛ للتوغُّل في أفريقيا.

ختامًا

إن استمرار المواجهات القائمة داخل السودان، أسهمت في تعقُّد المشهد، وجعلت الدول تتابع الأحداث الراهنة بمزيدٍ من القلق؛ نظرًا لتأثير ذلك على استقرار السودان وجواره الإقليمي، ومن هذا المنطلق، لا بُدَّ من إيجاد تنفيذٍ فعليٍّ لآليات المبادرات الدولية، والدور الهام الذي تضطلع به في التعامل مع الأزمة، والحرص على إيجاد حلول مستدامة، تضمن الحفاظ على وحدة واستقرار السودان وشعبه؛ فالهدف الأول يجب أن يكون وقف الحرب مهما كانت التنازلات، فلا يجب النظر إلى المصالح السياسية الضيقة؛ من أجل إيقاف الحرب، وعدم الخضوع للقوى الداعمة لاستمرار الحروب والصراعات.

كلمات مفتاحية