إعداد: شيماء عبد الحميد
لا شك فى أن الصراع (الإيرانى _ الإسرائيلى) أو ما عُرف خلال السنوات الماضية بحرب الظل بين طهران وتل أبيب، من أهم العوامل التى ترسم ملامح منطقة الشرق الأوسط الإستراتيجية، ومع استمرار هذا الصراع؛ حرصت كلا الدولتين على الاستفادة من أى أزمة تنال إحداهما لتحولها الأخرى فرصة تحقق منها مكاسب مختلفة، وهذا المبدأ ينطبق أيضًا على عملية طوفان الأقصى؛ فهذه العملية ستترك بالتأكيد انعكاسات سلبية على إسرائيل سواء فيما يخص صورتها فى المنطقة أو على محاولاتها للاندماج مع الدول، وبالطبع تحمل تلك الانعكاسات السلبية فى طياتها، فوائد ومكاسب عدة قد تحققها إيران من التطورات الراهنة.
تضارب الأقاويل حول الدور الإيرانى فى العملية:
رغم أن المقاومة الفلسطينية غير منسجمة بطبيعة تكوينها مع المشروع الإيرانى الإقليمى، إلا أن العلاقة الوثيقة بين إيران وحركة حماس باتت فى حكم الثوابت التى لا تحتاج دليلًا أو برهانًا، حيث يمثل الدعم المادى والعسكرى أبرز النقاط التى بنت حماس عليها العلاقة مع طهران، فى ظل التدريب العسكرى والعتاد والأموال التى تحصل عليها الحركة من وقت لآخر من خزائن طهران.
ولا يُخفى أن هذه العلاقة تقوم على أساس المنفعة المتبادلة؛ فالضغوط الدولية التى تعرضت لها الحركة شكلت مبررًا قويًا لها لطلب المعونة من طهران واستفادت كثيرًا من هذا الدعم الذى لم تكن لتحصل عليه من أى جهة أخرى، فيما ترى إيران فى دعمها لحماس وسيلة لتعزيز نفوذها الإقليمى، فهى تحتاج إلى حليف سنى يزيد من قدرتها على العمل فى محيطها العربى والإسلامى، ويكسر الصبغة الطائفية فى سياساتها الإقليمية، ويضمن لها موضع قدم صلب فى القضية الفلسطينية لما تحمله من أهمية سياسية تكمن فى القدرة على مناكفة واشنطن وتل أبيب.
واستنادًا إلى هذه العلاقة التى جعلت من حماس عنصرًا مهمًا فى محور المقاومة الإيرانى فى المنطقة، فقد سارعت إيران بمباركة عملية طوفان الأقصى؛ حيث صرح المستشار العسكرى للمرشد الإيرانى رحيم صفوى، بأن الجانب الإيرانى يدعم الهجمات الصاروخية الفلسطينية على إسرائيل، وسيقف إلى جانب المقاتلين الفلسطينيين حتى التحرير النهائى لفلسطين ومدينة القدس، فيما اعتبر الرئيس الإيرانى إبراهيم رئيسى، عملية طوفان الأقصى انتصارًا للمقاومة الفلسطينية على إسرائيل.
وفى ضوء هذه المعطيات؛ اندلعت موجة من الاتهامات الإسرائيلية والغربية لإيران بالوقوف وراء عملية طوفان الأقصى؛ حيث:
- اتهم الرئيس الإسرائيلى إسحاق هرتزوغ، إيران بالوقوف وراء الهجوم الذى شنته حركة حماس ضد إسرائيل، كما صرح السفير الإسرائيلى فى برلين رون بروسور، بأنه من المؤكد لبلاده أن إيران تقف وراء هذا العملية.
- نشرت صحيفة وول ستريت جورنال يوم 9 أكتوبر الجارى، تقريرًا جاء فيه أن التخطيط لعملية حماس تم خلال اجتماع عُقد فى بيروت خلال أغسطس الماضى، جمع بين قادة حماس وحزب الله وممثلى جماعات مسلحة وضباط فى الحرس الثورى، كما بدأ قائد فيلق القدس إسماعيل قاآنى، عمليات تنسيق مكثفة مع الفصائل الفلسطينية وحزب الله منذ أبريل الماضى.
- فى السياق ذاته؛ أكد تقرير لمجلة فورين بوليسى الأمريكية نُشر يوم 8 أكتوبر، أن إيران نقلت أجهزة متفجرة إلى عدة جبهات، كما اتخذت قرارًا بنقل المعرفة التكنولوجية بتصنيع الأسلحة إلى حماس والجهاد الإسلامى.
- أوضح عدد من الخبراء الأمنيين الغربيين أن أكثر ما يسلط الأضواء على دور إيران واحتمال وقوفها وراء عملية الأقصى؛ هو تعقيد ودقة الهجمات وحجمها الكبير الذى يشكل تحديًا كبيرًا لحماس من دون مساعدة خارجية كبيرة، حيث يتطلب هجومًا كهذا تدريبًا فى أماكن خارج قطاع غزة، كما أن التكتيكات القتالية المستخدمة تتوافق إلى حد كبير مع مفهوم العمليات الإيرانى.
- أكد مسؤولو استخبارات حاليون وسابقون أيضًا؛ أن إيران قدمت مساعدة فنية لحماس فى تصنيع أكثر من 4 آلاف صاروخ وطائرة من دون طيار مسلحة تم إطلاقها على إسرائيل منذ يوم 7 أكتوبر، وأن بعض مقاتلى حماس خضعوا للتدريب على التكتيكات العسكرية المتقدمة فى المعسكرات اللبنانية التى يعمل بها مستشارون فنيون من الحرس الثورى الإيرانى وحزب الله.
ولكن قوبلت هذه الاتهامات بالنفى من قبل إيران؛ حيث أكد الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعانى، أن اتهام طهران بالضلوع فى العملية المباغتة التى شنتها حركة حماس ضد إسرائيل، يستند إلى دوافع سياسية، مشددًا على أن طهران لا تتدخل فى قرارات الدول الأخرى، بما فيها فلسطين، وأن لمقاومة الشعب الفلسطينى القدرة والقوة والإرادة اللازمة للدفاع عن نفسها ومحاولة استعادة حقوقها الضائعة، كما نفت بعثة إيران لدى الأمم المتحدة رسميًا ضلوعها فى الهجوم، مؤكدة أن هذه الاتهامات غرضها تبرير فشل إسرائيل التى لا تستطيع تقبل هزيمتها على يد مجموعة فلسطينية.
وتلخيصًا لهذا الجدل؛ يمكن القول إنه حتى وإن لم تكن إيران مشتركة فى عملية طوفان الأقصى، فمما لا شك فيه أن طهران لها دور كبير فى دعم حركة حماس من خلال التدريب وتمكينها من حيازة وتطوير قدرات عسكرية وبشكل خاص صاروخية، وهو ما ساعد الحركة على إظهار تلك القوة فى العملية.
مكاسب إيرانية جمة:
حتى مع إنكار إيران صلتها بعملية طوفان الأقصى، فإن لها تداعياتها السياسية التى تخدم مصالح طهران وتجعلها الرابح الأكبر من التصعيد العسكرى الراهن بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ومن أبرز هذه التداعيات؛ تضرر الأمن الإسرائيلى وتحول المعادلات العسكرية والأمنية بين إيران وإسرائيل فى بعض المناطق، التى لا تنحصر فى الشرق الأوسط فقط، لصالح طهران ولو بشكل مؤقت على الأقل؛ نظرًا لانشغال إسرائيل بالحرب فى قطاع غزة، ومن ضمن المكاسب الإيرانية من عملية الأقصى:
- تجميد التطبيع المحتمل للعلاقات بين إسرائيل والسعودية؛ دائمًا ما اعتبرت طهران اتفاقات التطبيع بين تل أبيب والدول العربية ضربة لمصالحها الإقليمية فى المنطقة، ومع الحديث عن سعى الولايات المتحدة لإبرام اتفاق تطبيع بين الرياض وتل أبيب، رفضت إيران هذه الخطوة وحذرت من أنها تُعد رهانًا على حصان خاسر، ومع شن عملية طوفان الأقصى؛ تم تجميد صفقة التطبيع بين إسرائيل والسعودية، وزاد الأمر صعوبة لأن الرياض لا يمكنها التقدم فى بناء علاقات مع إسرائيل فى ظل ما يحدث الآن.
- إثبات فشل اتفاقات إبراهام للسلام؛ أعادت عملية طوفان الأقصى، القضية الفلسطينية إلى الواجهة، كما أنها أوضحت أن مبدأ التطبيع مقابل السلام فى المنطقة، وهو المبدأ الذى تقوم عليه اتفاقات إبراهام، فشل فى تحقيق السلام أو تسوية الصراع الفلسطينى الإسرائيلي، وبلا شك فى أن هذا الأمر يصب فى صالح إيران؛ لأنه فى حال استمرت إسرائيل فى التصعيد ردًا على العملية، ستكون الدول العربية ملزمة باتخاذ مواقف أكثر تصلبًا تماشيًا مع الرأى العام العربى، مما قد يؤدى إلى فتور فى العلاقات بين إسرائيل والدول العربية التى وقعت على اتفاقات إبراهام فى 2020؛ وهى الإمارات والبحرين، بل قد يصل الأمر إلى أن تعيد هذه الدول النظر فى علاقاتها مع تل أبيب.
- الاعتراف بقوة نفوذ إيران الإقليمى وتعزيزه؛ استفاد النظام السياسى الإيرانى مما حدث فى الترويج إلى مدى قوته ونفوذه فى المنطقة من خلال أذرعه المنتشرة فى عدد من دول الشرق الأوسط، وهذا اتضح من خلال التهديد بفتح جبهات جديدة ضد إسرائيل، وتحركات حزب الله الذى يُعد ذراع طهران فى لبنان، وأكبر دليل على هذا؛ التحذير المتكرر من قبل إسرائيل والولايات المتحدة لإيران بالتدخل فى الصراع بقطاع غزة، وهذا إن دل على شيء، فعلى اعتراف الغرب بتنامى الدور الإيرانى فى المنطقة.
كما أن التصعيد الحالى يضمن استمرار نفوذ طهران على الفصائل الفلسطينية، وتعزيز الصورة الذهنية لطهران كداعمًا للقضية الفلسطينية، وهى كلها مكاسب يمكن أن تدعم أوراق طهران فى أى مفاوضات مع الولايات المتحدة والقوى الغربية بشأن البرنامج النووى وملفات المنطقة المختلفة، فضلًا عن أن تواصل الحرب الحالية يضمن لطهران استمرار إضعاف تل أبيب وانشغالها بالداخل عن القيام بأدوار خارجية أكثر فاعلية ضد المصالح الإيرانية المختلفة فى المنطقة؛ الأمر الذى يمكن أن يمنح إيران هامش حركة أكبر لتعزيز دورها ودعم حلفائها فى المنطقة.
- اهتزاز صورة إسرائيل الأمنية لصالح طهران؛ نجاح عملية طوفان الأقصى فى إلحاق هزيمة كبرى بالجيش الإسرائيلى، يؤكد فشل استخباراتى وعسكرى كبير، حيث لم تتوقع أجهزة الأمن الإسرائيلى التى تدعى تفوقها الهجوم، الأمر الذى بدوره أدى إلى اهتزاز صورة قوة الردع الإسرائيلى والتشكيك فى مبدأ “إسرائيل قوة لا تقهر”، فضلًا عن كشف مواطن الضعف فى هياكلها، لدرجة أن إسرائيل احتاجت إلى قوة الردع الأمريكية لكى تستعيد توازنها النفسى وتستجمع قوتها، وكل هذا من شأنه أن يخل بميزان القوة لصالح إيران.
- ضربة لمشروع الشرق الأوسط الجديد؛ مكسب آخر حققته إيران من هذه العملية وهو أن الرد العنيف الغاشم من قبل إسرائيل على هجوم 7 أكتوبر، خلق رأيًا عامًا عربيًا موحدًا رافضًا لإسرائيل ولأى سلام أو تطبيع معها، وهو ما أعاد فكرة أن تل أبيب هى العدو الأول للعرب وليست إيران، وهذا من شأنه إبطال سياسة “شيطنة إيران” التى اعتمدت عليها إسرائيل من أجل تعزيز علاقاتها مع الدول العربية، وبالتالى ضرب مشروع الشرق الأوسط الجديد الذى روجت له تل أبيب، والذى إحدى صوره؛ مشروع الناتو الشرق الأوسطى الذى اقترحته منذ عدة سنوات ماضية، والذى يقوم على إنشاء تحالف عسكرى عربى إسرائيلى ضد طهران، لكن ما يحدث فى غزة الآن يضرب هذا المخطط (الإسرائيلى – الأمريكى)، وهذا بالتأكيد يخدم مصالح إيران التى باتت مقبولة الآن من قبل دول جوارها بعد عودة علاقاتها الدبلوماسية مع السعودية وتقاربها مع مصر.
جولة إيرانية تثير التساؤلات:
وسط هذا الزخم حول وقوف إيران وراء عملية طوفان الأقصى، والحديث عن تحقيق طهران لمجموعة من المكاسب من وراء هذا الهجوم، بدأ وزير الخارجية الإيرانى حسين أمير عبد اللهيان يوم 12 أكتوبر الجارى، جولة إقليمية تشمل العراق وسوريا ولبنان وقطر، لبحث تطور الأوضاع فى قطاع غزة، حيث:
- أكد عبد اللهيان خلال لقائه رئيس الوزراء العراقى محمد شياع السودانى فى بغداد، أن الاحتمالات المستقبلية بشأن إمكانية فتح جبهة جديدة فى المنطقة، تعتمد على تصرفات إسرائيل فى غزة.
- أوضح عبد اللهيان فور وصوله إلى لبنان، أن إيران مستمرة بقوة فى دعمها للمقاومة الفلسطينية، وأكد أنه فى ظل استمرار العدوان وجرائم الحرب والحصار على غزة، فإن فتح جبهات أخرى من قبل سائر تيارات المقاومة ضد إسرائيل هو احتمال وارد.
- كما أكد أن إسرائيل تعيش أسوأ حالاتها، وأن التهجير القسرى فى غزة يدل على أن تل أبيب تعيش حالة تخبط وصدمة غير مسبوقة، مضيفًا أن الوجود الأمريكى إلى جانب إسرائيل يثبت أنها على وشك الانهيار الكامل.
- وفى إطار هذه الجولة؛ التقى وزير الخارجية الإيرانى، رئيس المكتب السياسى لحركة حماس إسماعيل هنية، يوم 14 أكتوبر فى قطر، حيث بحثا آخر التطورات المتعلقة بعملية طوفان الأقصى ونتائجها.
وقد حملت هذه الجولة الإقليمية لوزير الخارجية الإيرانى، العديد من الرسائل الإيرانية خاصةً فيما يخص دلالات توقيتها والسياق الذى تأتى فيه، ومن ضمن هذه الرسائل:
- تصريح عبد اللهيان بشأن احتمال فتح جبهات جديدة، فيه شيء من التحذير لإسرائيل بعدم استمرار التصعيد فى غزة، والذى من شأنه أن يحرك 6 جبهات من الممكن أن تتقدم إلى ساحة الحرب؛ وهى جبهة الضفة الغربية بالدرجة الأولى، ثم فلسطينيو الأردن، وحزب الله اللبنانى، والعرب فى الأراضى المحتلة عام ١٩٤٨، والجولان السورى المحتل، وحركة أنصار الله اليمنية.
- يعتبر حزب الله اللبنانى الأهم بالنسبة لإيران من بين كل فصائل المقاومة، وتصريحات عبد اللهيان من بيروت جاءت دعمًا للحزب وتعزيزًا لمكانته.
- زيارة عبد اللهيان إلى دول الجوار لغزة وبشكل خاص سوريا ولبنان والعراق، لها دلالات واضحة وهى حفاظ طهران على مصالحها فى المنطقة ودعمهم ماديًا ومعنويًا، فى ظل أن لإيران وجودًا داخل البلدان الثلاثة، وأنهم لابد من أن يكونوا على استعداد للمواجهة مع إسرائيل فى حالة التصعيد.
- ستنعكس نهاية الحرب ونتائجها النهائية على مصير المعادلات الإيرانية فى منطقة الشرق الأوسط، على اعتبار أن طهران هى الداعم الرئيس لحركة حماس فى المنطقة.
هل تتدخل إيران بالفعل فى صراع غزة؟:
عند الحديث عن إمكانية تدخل إيران وأذرعها فى الحرب المشتعلة فى غزة الآن، يجب الوقوف والإمعان فى تصريح القائد العام لكتائب القسام محمد ضيف، الذى قاله بعد ساعات من بدء عملية طوفان الأقصى والذى نص على “الأخوة فى المقاومة بلبنان وإيران واليمن وسوريا، ندعوكم إلى الالتحام مع المقاومة الفلسطينية”، فهذا التصريح ما هو إلا إنذار بتحرك محور المقاومة الإيرانى واستدعائه للدخول فى حرب حماس ضد القوات الإسرائيلية، وهو الأمر الذى قد ينذر بتحول الأمر إلى حرب إقليمية، وفيما يخص احتمالية حدوث هذا السيناريو؛ فقد انقسمت الآراء إلى اتجاهين؛ هما:
– الرأى الأول وهو الأكثر ترجيحًا؛ يرى أن إيران لن تهرول لتوسيع المواجهة مع إسرائيل، والاكتفاء باستنزافه داخليًا كما هو الحال الآن، واعتمد هذا الرأى على مجموعة من المعطيات، منها:
- تدرك إيران حجم التحديات والتهديدات التى يمكن أن تواجهها جراء تدخلها المباشر فى الصراع (الفلسطينى – الإسرائيلى)، نظرًا لاعتبارات كثيرة منها الدعم الغربى القوى لإسرائيل.
- يتجنب حزب الله حتى الآن استدراج إسرائيل إلى عمل عسكرى مكلف للغاية، خاصةً أن لبنان فقد مقومات الصمود أمام عملية عسكرية واسعة أو حربًا مفتوحة، لأن البلد لا يمتلك القدرات التى كانت موجودة فى عام 2006، ومن ثم؛ يكتفى الحزب ببعض المناوشات الحدودية التى لا تغير من قواعد الاشتباك بين الطرفين.
- يأتى الحدث بعد مرحلة مكثفة من المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران انتهت فى سبتمبر الماضى إلى إبرام اتفاق تبادل السجناء مقابل حصول إيران على 6 مليارات دولار من ودائعها المجمدة فى كوريا الجنوبية، وهو الأمر الذى قد يمهد لاتفاق أكبر يتعلق بالبرنامج النووى.
- كما أن عملية طوفان الأقصى تأتى بعد أشهر على إبرام طهران والرياض اتفاقًا بوساطة الصين لعودة العلاقات بينهما، وهذه المعطيات تفرض على إيران سلوكًا أكثر اتزانًا وروية، وهذا ما يفسر انخفاض التوتر حتى الآن لدى حزب الله فى لبنان والحوثيين فى اليمن والفصائل الولائية فى سوريا والعراق.
– الرأى الثانى وهو أقل ترجيحًا؛ يرى أن احتمالية انخراط الجماعات الموالية لإيران فى الإقليم، إلى جانب إيران ذاتها، فى الصراع (الفلسطينى – الإسرائيلى) الجارى تظل قائمة ومطروحة، ومن الممكن أن يحدث فى عدة حالات؛ وهى: إذا شعرت طهران أن مصير حماس على المحك وأن تطور العمليات على الأرض بات يميل بشكل حاسم لصالح إسرائيل، فى حال توجيه ضربة مباشرة إلى إيران نفسها، فى حال تجاوزت إسرائيل الخطوط الحمراء، بالاعتداء على حزب الله اللبنانى أو النظام السورى.
وخلاصة القول؛ تُعد إيران فاعلًا مهمًا فى المشهد الحالى، سواء من خلال دعمها وعلاقاتها القوية بحركة حماس أو من خلال تهديدها وحديثها بالتدخل مباشرةً فى الصراع للرد على التصعيد العسكرى الغاشم من جانب إسرائيل على قطاع غزة، وإذا حدث هذا التدخل بالفعل؛ فلا شك أنه سيغير من معادلات الصراع الحالى حيث سيتحول الأمر من صراع (فلسطينى – إسرائيلى) إلى حرب بين إيران وأذرعها فى المنطقة من جانب والولايات المتحدة وإسرائيل من جانب آخر، وهذا بالتأكيد سيكلف واشنطن وتل أبيب الكثير نظرًا لأن الأخيرة لا تجيد الحرب طويلة الأجل متعددة الجبهات، وبالتالى سيقع على عاتق الولايات المتحدة أن تتدخل للحفاظ على أمن إسرائيل.
ورغم أن هذا السيناريو مستبعد لعديد من الأسباب فهو ليس مستحيلًا والصراع مفتوح على جميع الاحتمالات، ولكن الأمر الذى لا غبار عليه؛ هو أن إيران قد تحرك أذرعها الإقليمية للقيام ببعض التحركات التى تحافظ على معادلة طهران الإستراتيجية وهى إثبات الوجود والتهديد دون التورط فى حرب إقليمية مباشرة مع واشنطن وتل أبيب، وهذا ما يتضح من مناوشات حزب الله فى جنوب لبنان، أو فى الأخبار الواردة فى الساعات القليلة الماضية عن محاولة استهداف صاروخية من قبل جماعة الحوثى اليمنية لسفينة أمريكية، أو استهداف قواعد أمريكية فى سوريا والعراق، والغرض من هذا ما هو إلا استثمار المكاسب السياسية سالفة الذكر التى حصلت عليها من وراء عملية طوفان الأقصى، ومحاولة للترويج لنفسها بأنها قوة ردع قوية فى المنطقة، قادرة على مواجهة إسرائيل المدعومة أمريكيًا.