دعـم مُطلق: قراءة فى الموقف الأمـريكى من التـصعيد الإسرائيلى فى غـزة

إعداد: ميار هانى

باحثة فى الشأن الدولى والأمن الإنسانى

المقدمة:

“لا نرسم خطوطًا حمراء لإسرائيل”، ذلك كان تعليق البيت الأبيض عقب الاجتياح البرى الإسرائيلى لقطاع غزة، فمع إعلان الحكومة الإسرائيلية حالة الحرب ردًا على عملية “طوفان الأقصى” التى شنها كتائب القسام، الذراع العسكرى لحركة حماس، سارعت الولايات لمتحدة بإدانة الحركة لارتكابها عمل إرهابى مروع، وتأكيد أن لإسرائيل حق الدفاع عن نفسها، بل واعتبار أن “أمن إسرائيل أولوية من أولويات الأمن القومى الأمريكى”، وعليه شرعت واشنطن بدعم لا محدود لإسرائيل، حليفتها التقليدية على كافة المستويات، دون الدعوة بضبط النفس أو التهدئة للحيلولة دون سفك دماء المدنيين الأبرياء، ونشوف حرب موسعة، وفيما يلى سنتناول مؤشرات الدعم الأمريكى لإسرائيل ومحدداته وتبعاته المحتملة، وذلك على النحو التالى:

مـؤشـرات الـدعم الأمـريـكى لإسـرائـيـل

أولًا: مساندة سياسية مطلقة

مع شن كتائب القسام هجومها المباغت “طوفان الأقصى” فى السابع من أكتوبر الجارى، وتسببه فى خسائر بشرية من الجانب الإسرائيلى تجاوزت الألف فى الأيام الأولى، فضلًا عن احتجاز عددًا من الأسرى، وذلك ردًا على الاعتداءات المتواصلة من قبل القوات والمستوطنين الإسرائيليين بحق الشعب الفلسطينى وممتلكاته ومقدساته، شهد الموقف الأمريكى تحولًا على خلاف مواقفه السابقة من المواجهات بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية؛ فبعد أن اتسم الموقف الأمريكى بالمطالبة بضبط النفس والدعوة إلى التهدئة، كما شهدنا خاصةً عقب مواجهات مايو 2021، نجد أن واشنطن قررت إعطاء الضوء الأخضر لإسرائيل لشن حرب على قطاع غزة دون قيد، مؤكدًا أن لإسرائيل الحق فى الدفاع عن نفسها، وعليه شرعت إسرائيل فى فرض حصار شامل على القطاع شمل المياه والكهرباء والوقود وإمدادات الغذاء والأدوية، وتنفيذ سياسة الأرض المحروقة من خلال التدمير الشامل للبنى التحتية كالأبراج السكنية والقطاع الصحى ودور العبادة، بموازاة مداهمات واعتقالات متزايدة فى الضفة الغربية، وتصدير الأزمة عن طريق تنفيذ مخططات إسرائيل القديمة فى التهجير القسرى لأهالى قطاع غزة، وإقدام إسرائيل على عملية اجتياح برى عقب قطع الاتصالات والإنترنت عن القطاع، وهو الأمر الذى يثير المخاوف من سقوط المزيد من الضحايا من المدنيين، والتى بلغت وفقًا لآخر إحصائية لوزارة الصحة الفلسطينية أكثر من 7500 قتيل.

وقد جاءت الزيارات، سواء على المستوى الرئاسى أو مستوى كبار المسؤولين الأمريكيين، لتأكيد دعم واشنطن الراسخ لحكومة إسرائيل وشعبها، بل واعتبار أن أمن إسرائيل أولوية من أولويات الأمن القومى الأمريكى كما سبقت الإشارة. وفى هذا الشأن، اتخذت الإدارة الأمريكية تحركات سياسية واسعة لدعم اسرائيل، منها حشد دعم الرأى العام العالمى للموقف الإسرائيلى من خلال وسم الصراع على أنه دينى بالأساس وأن الدوافع لتلك الهجمات سببها معاداة السامية، وإغفال الحديث عن الأسباب الحقيقية المتمثلة فى انسداد الأفق السياسى لحل القضية الفلسطينية والانتهاكات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطينى، الترويج لروايات إسرائيلية مغلوطة بقطع حماس لرؤوس “أربعين طفلًا إسرائيليًا”، وإسقاط تجربة داعش على حركة حماس، إلى جانب التحذير من انخراط أطراف أخرى فى الصراع لتحصيل مكاسب منها، واستخدام حق النقض (الفيتو) بمجلس الأمن ضد نص صاغته البرازيل كان يدعو إلى هدنة إنسانية للسماح بدخول المساعدات إلى غزة، وأيضًا معارضة قرارًا يدعو لهدنة إنسانية فورية فى غزة، فى إطار الدورة الاستثنائية الطارئة العاشرة للجمعية العامة، عقب الاجتياح البرى الإسرائيلى للقطاع.

ثانيًا: دعم عسكرى واستخباراتى

على وقع تصاعد وتيرة الصراع، سارعت واشنطن بتلبية طلبات الحكومة الإسرائيلية العاجلة بتوفير حزمة من المساعدات العسكرية، شملت الذخائر والصواريخ الاعتراضية لتحديث نظام القبة الحديدية لصد الهجمات قصيرة المدى وقذائف المدفعية، كذلك تم إرسال أكبر حاملة طائرات فى العالم، “جيرالد فورد”، على سواحل شرق البحر المتوسط بطاقمها المكون من حوالى 5000 فرد، والتى تستطيع القيام بعدد من العمليات، كالمهام الاستخباراتية والهيمنة البحرية والضربات الدقيقة بعيدة المدى، وربما أكثرهم أهمية، الدفاع الصاروخي، مع ترقب المنطقة وصول حاملة الطائرات الأمريكية، “دوايت أيزنهاور”، خلال الأسبوعين القادمين، وهو الأمر الذى وصفته وكالة “أسوشيتد برس” بالخطوة النادرة، إذ يعد ذلك المرة الأولى التى يتم فيها نشر حاملتين طائرات فى المنطقة، منذ مارس 2020، عقب هجمات صاروخية تسببت فى مقتل جنديين أمريكيين وبريطانى على معسكر التاجى بالعراق.

بالإضافة إلى إرسال أنظمة دفاع جوى إضافية لإسرائيل بالغة التطور، وهما “ثاد” و”باتريوت”، بعد تشكيك غربى فى قدرة منظومة القبة الحديدية على الصمود فى حال اتسع نطاق الصراع، ويعتبر نظامى “ثاد” و”باتريوت” أحد أنظمة الدفاع الجوى الأكثر تطورًا فى ترسانة الولايات المتحدة، بجانب تجهيز طائرات حربية إضافية لدعم أسراب طائرات A-10 وF-15 وF-16 الموجودة فى قواعد بجميع أنحاء الشرق الأوسط، وتبادل المعلومات الاستخبارية بشأن التهديدات الإقليمية، فضلًا عن عزم الرئيس بايدن طلب مخصصات أمنية ضخمة من الكونجرس بقيمة 105 مليارات دولار، تشمل مساعدات عسكرية لإسرائيل تبلغ 14 مليار دولار.

مـحـددات الـمـوقـف الأمـريـكى

أولًا:الـتزام واشـنطن بأمـن إسـرائيل

على الرغم من نشوب توتر نسبى فى العلاقات مؤخرًا بين الولايات المتحدة وإسرائيل على خلفية انتقاد الرئيس جو بايدن لسياسات حكومة نتنياهو اليمينية لوضعها خطة إجراء تغييرات فى السلطة القضائية من شأنها أن تمنح حكومته نفوذًا أكبر فى اختيار القضاة وتحد من سلطة المحكمة العليا فى إلغاء التشريعات، إلا أن التصعيد الأخير فى المنطقة أعاد تأكيد قوة العلاقات بين الدولتين؛ إذ أكدت واشنطن دعمها الثابت لإسرائيل دبلوماسيًا وماليًا وعسكريًا، وأوضح بايدن خلال خطاب ألقاه فى البيت الأبيض “نحن نقف مع إسرائيل… وسوف نتأكد من أن إسرائيل لديها ما تحتاجه لرعاية مواطنيها والدفاع عن نفسها والرد على هذا الهجوم”.

وتعتمد واشنطن، التى دعمت تشكيل دولة يهودية منذ الحرب العالمية الثانية، تاريخيًا على إسرائيل بشكل أكبر فى المنطقة بناءً على تصور أن لديها قيمًا ومصالح مشتركة أكثر، كونها قوة استقرار فى الشرق الأوسط وحامية للمصالح الأمريكية، وبالتالى تحول الولايات المتحدة تركيزها إلى أجزاء أخرى من العالم لمواجهة روسيا والصين. فضلًا عن وجود علاقات عسكرية واقتصادية قوية؛ إذ توفر واشنطن 3,3 مليار دولار سنويًا كتمويل عسكرى لإسرائيل، إلى جانب 500 مليون دولار إضافى لدعم برامج الدفاع الصاروخية التعاونية، وتجديد مخزون إسرائيل من الصواريخ الاعتراضية للقبة الحديدية، كما تعد الولايات المتحدة أكبر شريك تجارى لإسرائيل مع تجارة ثنائية بلغت حوالى 50 مليار دولار سنويًا.

ووفقًا لنائب الرئيس “بايدن” فى عام 2013  قال “إنه ليس مجرد التزام أخلاقى طويل الأمد، إنه التزام إستراتيجى وإسرائيل المستقلة، الآمنة فى حدودها، والمعترف بها من قبل العالم هى فى المصلحة الإستراتيجية العملية للولايات المتحدة الأمريكية، اعتدت أن أقول إذا لم تكن هناك إسرائيل، فسيتعين علينا اختراع واحدة”، وبالتالى ترى الولايات المتحدة أن دعم إسرائيل يصب فى مصلحتها.

وعليه، تلتزم واشنطن بشكل حازم بأمن إسرائيل ودعمها فى إنهاء سيطرة حماس على غزة من خلال الإطاحة بقيادة الحركة وتدمير بنيتها التحتية وقدراتها العسكرية وإعادة صياغة مفهوم السيطرة على القطاع، ودعم مخططات إسرائيل القديمة فى التهجير القسرى للفلسطينيين من قطاع غزة وتصفية القضية الفلسطينية.

ثانيًا: إعادة تعزيز الانخراط الأمريكى فى المنطقة بين ردع الخصوم ومعادلة النفوذ الروسى والصينى

شهد الدور الأمريكى، فى ظل إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب والرئيس الحالى جو بايدن، تراجعًا فى الشرق الأوسط؛ حيث شهدت المنطقة تحول فى التركيز العسكرى فى السنوات الأخيرة، والذى تجلى فى الانسحاب العشوائى من أفغانستان وخفض القوات العسكرية بمنطقة الخليج والشرق الأوسط، للتركيز على مناطق أخرى، وتم تقليص أعداد القوات من حوالى 90 ألف جندى فى عام 2020 إلى حوالى 34 ألف جندى فى عام 2023. إلا أنه مع الهجوم المباغت على إسرائيل والتصعيد الإسرائيلى العنيف فى غزة، بالتوازى مع هجمات من قبل أذرع إيران وتهديدها– ليس فقط للمصالح الإسرائيلية – بل والمصالح الأمريكية فى المنطقة، تحاول واشنطن العودة إلى الشرق الأوسط بعد إعادة حساباتها، وهو الأمر الذى تجلى فى تعزيز تواجدها العسكرى بالمنطقة.

إن جبهة غزة ليست الوحيدة، فمع تهديدات أذرع إيران بالانخراط فى الحرب، وشن “حزب الله” هجمات عسكرية محدودة، للدخول على مسار التأييد لعملية طوفان الأقصى، على الحدود اللبنانية والسورية المتاخمة لإسرائيل، وإطلاق الحوثيين أكثر من 12 طائرة مسيرة و4 صواريخ كروز فى اتجاه إسرائيل أسقطتها سفينة حربية أمريكية قبالة سواحل اليمن، واستهداف “المقاومة الإسلامية “، وهو مصطلح يطلق على وكلاء إيران بالعراق، لقاعدة “عين الأسد” الأمريكية فى الأنبار وقاعدة “حرير” الأمريكية بإقليم كردستان، بالإضافة إلى تعرض قاعدة “التنف”بسوريا التابعة للتحالف الدولى للاستهداف 3 مرات عبر هجمات نفذت بمسيّرات هجومية وصواريخ، وتفجير خط أنابيب الغاز التابع إلى حقل “كونيكو” الذى يسيطر عليه الجيش الأمريكى كقاعدة له فى ريف محافظة دير الزور شمال شرق سوريا.

وبالتالى تزداد احتمالية اشتعال تلك الجبهات، خاصة مع بدء الاجتياح البرى الإسرائيلى للقطاع ومواصلة تأييد واشنطن اللامحدود لإسرائيل، وبالتالى تهديد المصالح الأمريكية وإبقاء واشنطن فى حالة تأهب مستمر من هواجس تطور تلك الهجمات.

وتجدر الإشارة إلى أن واشنطن قد اتخذت إجراءات لحماية قواتها ومواطنيها الأمريكيين فى المنطقة بعد تزايد المخاوف من تهديدات الميليشيات المتزايدة ضدها، إذ أمرت وزارة الخارجية الأمريكية، فى 22 من أكتوبر الجارى، بمغادرة موظفى الحكومة الأمريكية غير الأساسيين وأفراد أسرهم من سفارتها فى بغداد وقنصليتها فى أربيل، وفى اليوم ذاته، حذر وزير الدفاع الأمريكى ” لويد أوستن ” من تصعيد كبير محتمل ضد القوات الأمريكية فى المنطقة.

وعليه، تسعى الولايات المتحدة لإعادة تعزيز انخراطها فى الشرق الأوسط من أجل ردع الخصوم وتجنب التصعيد المحتمل، والذى فى حال حدوثه سيكون مكلفًا لجميع الأطراف المشاركة فى القتال، ومنع الاضطرابات التى من شأنها أن تهدد المصالح الأمريكية بالمنطقة، فضلًا عن معادلة النفوذ الروسى والصينى فى المنطقة.

ثالثًا: حماية الملاحة البحرية

أعاد الصراع (الإسرائيلى – الفلسطينى) التذكير بأهمية الممرات المائية الحيوية، فمع تصاعد التوترات بين واشنطن وطهران، على خلفية تنفيذ الولايات المتحدة لهجمات على منشأتين فى شرق سوريا يستخدمهما الحرس الثورى الإيرانى ردًا على مناوشات وكلاء إيران لقواتها فى سوريا والعراق، فضلًا عن واقعتى سقوط طائرة مسيّرة مجهولة الهوية فى مدينة طابا ومقذوف على مدينة نويبع المصرية، تزداد المخاوف من أن تطول التوترات المتصاعدة فى الشرق الأوسط الممرات المائية الحيوية، وبالتالى التأثير سلبًا على خطوط التجارة وإمدادات النفط، والتى قد شهدت ارتفاعًا فى أسعارها على خلفية التصعيد الحالى فى غزة.

فقد يكون للأحداث الجيوسياسية خلال الفترة الحالية، خاصة مع بدء الاجتياح البرى الإسرائيلى لقطاع غزة وتهديدات أذرع إيران فى المنطقة بالتدخل، تأثيرًا على ممرات مائية رئيسية، مثل قناة السويس التى تشهد مرور أكثر من 23 ألف سفينة سنويًا، بالإضافة إلى مضيق باب المندب الذى يمر من خلاله 6.2 مليون برميل من النفط يوميًا، ومضيق هرمز مع 21.7 مليون برميل، ويعزز من تلك المخاوف حالة عدم اليقين التى تعززها الأحداث الجارية، وبالتالى يمكننا القول إن تعزيز التواجد الأمريكى فى الشرق الأوسط لمنع حدوث توترات فى المجال البحرى ينذر بخلل فى التجارة العالمية وأسواق النفط.

رابعًا: تعزيز فرصة بايدن فى الانتخابات الرئاسية

يُفسر أيضًا اندفاع الإدارة الأمريكية وراء دعم إسرائيل بشكل قوى لوجود اعتبارات تتعلق باقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وذلك فى ظل تراجع شعبية الرئيس جو بايدن مقابل ارتفاع شعبية منافسة ترامب وفقًا لاستطلاعات الرأى الأخيرة، فى ضوء سياسات بايدن الاقتصادية، وتراجع تأييد الأمريكيين لتدفق الدعم المالى والعسكرى السخى لأوكرانيا، وفشل إدارته فى إنجاز اتفاق بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل بسبب التصعيد الإسرائيلى على قطاع غزة، فضلًا عن اعتبارات تتعلق بضعف صحته وكبر سنه (80 عامًا)، وبالتالى يسعى بايدن لتعزيز موقفه فى الشارع الأمريكى، وكسب دعمًا من اللوبى اليهودى نظرًا لحجم تأثيره، خاصة وأن معدل تصويت اليهود للمرشح الديموقراطى خلال الفترة 1948-2020 بلغ 71.6 بالمئة.

تبعات محتملة

أولًا: ارتدادات فى الداخل الأمريكى

وفقًا لاستطلاع رأى جديد أجرته مؤسسة “غالوب” فى الفترة ما بين 2 و 23 أكتوبر، كشف عن انخفاض دعم الرئيس جو بايدن بين الديمقراطيين، وذلك على خلفية الدعم الأمريكى اللامحدود لإسرائيل فى ظل ارتكابها جرائم ضد الإنسانية بالقطاع، ليصل إلى مستوى بلغ 75 بالمئة مسجلًا انخفاض قدرة 11 نقطة مئوية مقارنة بالشهر الماضى فقط، وانخفاض بأربع نقاط بين المستقلين ليسجل 35 بالمئة، فيما ظلت شعبيته بين الجمهوريين ثابتة عند 5 بالمئة، وبالتالى يرجح فى حال استمر موقف الرئيس بايدن من التصعيد الإسرائيلى فى غزة، قد يترتب عليه انخفاض أكبر فى شعبيته، مما قد يؤثر على تعزيز فرصه فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية.

وعلى غرار تصاعد لهجة التذمر بين المواطنين الأمريكيين، أيضًا وصلت موجه الغضب إلى أروقة الحكومة الأمريكية نفسها بسبب الدعم غير المسبوق لإسرائيل على حساب المدنيين الفلسطينيين، وهو الأمر الذى بدا فى الاستقالة المفاجئة لمسؤول فى وزارة الخارجية الأمريكية بسبب ما اعتبره “دعمًا أعمى من جانب واحد”، إلى جانب الكشف عن رسالة متداولة موقعة من أكثر من 400 مسؤول حكومى تنتقد الموقف الأمريكى بسبب “إهمال دعم الفلسطينيين” وأن “عدوانية الإدارة ستؤدى إلى نتائج سياسية فظيعة، ومزيد من العنف طويل الأمد فى الشرق الأوسط”، بالإضافة إلى تردد صدى هذه الكلمات فى مجلس الشيوخ عبر حث 30 من أعضائه وزير الخارجية أنتونى بلينكن على العمل من أجل وقف إطلاق النار لإيصال الدعم إلى المدنيين الأبرياء، فضلًا عن اشتعال احتجاجات فى الولايات الأمريكية تنديدًا بالانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولى الإنسانى فى غزة، وهو الأمر الذى قد يتفاقم فى حال استمرت الإدارة الأمريكية على اتباع ذلك النهج مع إهمال المدنيين الأبرياء فى غزة. كما قد نشهد، مع إطالة أمد التصعيد الإسرائيلى وتزايد حدته، ارتكاب جرائم كراهية على غرار مقتل طفل فلسطينى يبلغ من العمر 6 سنوات بـ 26 طعنة.

ثانيًا: تعميق المخاوف من تزايد الهجمات ضد المصالح الأمريكية فى الشرق الأوسط

يمكننا القول إنه مع استمرار التصعيد الإسرائيلى فى القطاع عقب عملية الاجتياح البرى والتزام واشنطن  بالدعم السخى لإسرائيل، يرجح أن تشهد الولايات المتحدة موجه من الهجمات ضد قواعدها العسكرية فى الشرق الأوسط على غرار الهجمات الأخيرة من المليشيات التابعة لإيران، والتى بلغت 12 مرة على الأقل فى العراق و4 مرات فى سوريا، بل ويمكن أن نشهد تطورًا لتلك الهجمات لتستهدف مصالح أمريكية أخرى كالسفارات، وبالتالى توسيع رقعة الصراع الحالى. وعليه، يعمق التصعيد الحالى من المخاوف من قيام أذرع إيران بإثارة العنف وتهديد المصالح الأمريكية فى الشرق الأوسط.

ثالثًا: اعتبارات الدعم الأمريكى المستقبلى

تواصل واشنطن دعمها العسكرى والاستخباراتى لإسرائيل، ويصرّ المسؤولون الأمريكيون حاليًا على أن المخزونات كافية لدعم كل من أوكرانيا وإسرائيل، ويعد من أحد الأسباب لذلك هو أن جزءًا كبيرًا من المعدات العسكرية مما قدمته واشنطن لكييف حتى الآن، من منصات المدفعية والقذائف المرتبطة بها، لا تتداخل إلى حد كبير مع ما طلبته إسرائيل، من صواريخ اعتراضية لنظام القبة الحديدية وذخائر موجهة بدقة تطلق من الجو. إلا أنه فى حال تغير هذا الأمر، من شأنه أن يؤدى إلى زيادة الضغط على المخزون العالمى الأمريكى. وفى حال طال أمد الصراع الحالى، سوف تطلب واشنطن تمويلات إضافية من الكونجرس لاستمرار الدعم العسكرى لإسرائيل، وفى ظل دعم واشنطن لكييف، قد تتعالى الأصوات فى الكونجرس الرافضة لاستمرار تدفق الدعم لإسرائيل. وعليه، يحتمل فى حال طالت الحرب وتوسعت أن تؤثر بشكل نسبى على قدرة واشنطن فى مواصلة تقديم الإمدادات لإسرائيل.

وختامًا:

قد يكون التماهى الأمريكى للموقف الإسرائيل، خاصةً مع التصعيد العنيف عقب الاجتياح البرى لقطاع غزة، بمثابة سكب المزيد من الوقود على الحرائق لعدم سعيهم للتهدئة والنظر بتوازن للطرفين، وهو الأمر الذى قد يترتب عليه تفاقم للصراع واتساعه وطول أمده، فمنطق القوة الغاشمة والقضاء على حركة حماس لن يحل المشكلة، بل معالجة الأزمة من جذورها وحل الدولتين هو السبيل لتحقيق الاستقرار فى المنطقة، ودون ذلك سيعد الصراع الحالى جزءًا من صراع مستمر.

كلمات مفتاحية