بعد اشتداد وتيرة الحرب: هل من الممكن أن ينخرط حزب الله في الحرب ضد إسرائيل؟

إعداد: مروة سماحة

المقدمة:

تشهد الحدود البرية المشتركة بين «لبنان، وإسرائيل» اشتباكات عدة بين «حزب الله، والقوات الإسرائيلية» هي الأشد، منذُ حرب تموز 2006، وذلك على خلفية عملية «طوفان الأقصى» التي شنَّتها حماس، عبر  جناحها العسكري «كتائب عز الدين القسام»، في السابع من أكتوبر؛ ردًّا على الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة بحق الشعب الفلسطيني.
وفي الأيام القليلة الماضية، تجاوز الطرفان عنصر الاشتباكات المنضبطة المنظمة، وبات هناك قلق إقليمي بشكل عامٍ، وإسرائيلي بشكل خاصٍ، أن ينخرط حزب الله في الصراع، ويفتح الحرب على الجبهة الشمالية لإسرائيل، وبالتالي ستنخرط كافة أذرع إيران في الحرب؛ لاسيما في ظلِّ السياسة الإجرامية التي يمارسها الكيان الصهيوني، التي تكمن في الإبادة الجماعية، التي راح ضحاياها حتى الآن، ما يزيد عن 7700 ضحية، ناهيك عن العزْم الكامل للقوات المحتلة بشنِّ عملية برية على قطاع غزة، خلال ذلك العمل، سيتم تناول أبرز التطورات بين «حزب الله، وإسرائيل» منذُ السابع من أكتوبر، فضلًا عن موقف البيئة السياسية اللبنانية والدولية، من تورُّط لبنان في الحرب ضد إسرائيل،  وبالأخير سيتم طرْح السيناريوهات المتوقعة لأن يكون حزب الله هو الشرارة الأُولى لحرب إقليمية واسعة.

أولًا: أبرز التطورات

خلال الأسبوع الأول من الحرب، التزم كُلٌّ من «حزب الله، وإسرائيل» بعدم التصعيد، وكان الاشتباك لا يتعدَّى الشكل المضبط المعتاد بين الطرفين، وفي ذلك السياق الزمني، قرَّر حزب الله عدم شن هجمات على إسرائيل، واكتفى بتوجيه عملياته نحو المناطق اللبنانية التي لا تزال تحت الاحتلال كـ«مزارع شبعا ،وتلال كفر شيبا»، ومع مرور الوقت وتصاعد القصف الجوي على قطاع غزة، بدأ حزب الله تدريجيًّا بالسماح للفصائل الفلسطينية بتنفيذ هجمات عبر الحدود اللبنانية، سواء بواسطة الصواريخ، أو بواسطة عمليات تسلُّلٍ للمقاتلين.

وتجدر الإشارة أن النَّمَط المحسوب للتصعيد لم يَدُمْ طويلًا؛ حيث سعت إسرائيل بسرعةٍ لفرض هيمنتها العسكرية في المنطقة الجنوبية بلبنان، وفي اليوم الثامن للصراع، استهدفت إسرائيل قُرى لبنانية في شرق مدينة صور، بما في ذلك «عيتا الشعب، وعلما الشعب، والضهيرة، ورميش»، على عكس القصف السابق الذي استهدف مناطق خالية من السكان، بدأ القصف الإسرائيلي في استهداف مناطق مأهولة.

وبدأ الاشتباك بالصواريخ المتبادلة يتصاعد على جانبي الحدود «اللبنانية – الإسرائيلية»، سواء كان مصدر النيران من حزب الله أو من فصائل فلسطينية أخرى، وطال الردُّ الإسرائيلي قرى الجنوب بطول الخط الحدودي من العديسة غربًا إلى الناقورة شرقًا، مرورًا بـ«رميش، وعيتا الشعب، والضهيرة، ومروحين، وطير حرفا، وعلما الشعب»؛ حيث طالت القذائف مساحات مأهولة من هذه القرى، وأوقعت إصابات بالممتلكات والسكان، فيما سقطت بعض القذائف في محيط مقار الجيش اللبناني واليونيفل، وأوقعت بعض الخسائر في الأبنية، وعلى صعيد المدنيين، فقد شهد الجنوب اللبناني حركة نزوح خفيفة نحو بيروت وضاحيتها الجنوبية.

من ناحية أخرى، واصل حزب الله استهداف المواقع العسكرية الإسرائيلية، مثل «راميم، وبرانيت، والمالكية، وحانيتا»، بالإضافة إلى القواعد العسكرية المحيطة بالمستوطنات في الشمال، مثل «المطلة، وشتولا»، ونتاجًا لذلك؛ دوّت أجراس الإنذار الجوي الإسرائيلية في المستوطنات الشمالية، مثل «نهاريا، وكريات شمونة»، وتم الإعلان عن منطقة حدودية بعمق 4 كيلومترات كمنطقة عسكرية؛ حيث يُمنع دخول المدنيين، وتمَّ فرض إجلاء السكان في جميع المستوطنات الشمالية إلى الملاجئ.

ووصل عدد القتلى من جانب حزب الله، منذُ الحرب حتى الآن، نحو 50 قتيلًا، ومن الجانب الإسرائيلي عدد متفاوت من الإصابات، وحتى الآن يستمر القصف بين الجانبيْن كحرب محدودة النطاق.

ثانيًا: موقف الداخل اللبناني السياسي من تحرُّكات حزب الله

يمكن القول: إن البيئة السياسية غير مستعدة ليخوض لبنان حربًا مع إسرائيل، لاسيما أن المناخ الحالي بلبنان يختلف جمًّا عن مناخ حرب تموز 2006، وذلك لعدة اعتبارات، أهمها؛ افتقار حزب الله للحشد الشعبي، الذي كان خلال حرب تموز، فضلًا عن  غياب الدور السوري القوي الذي احتضن حرب تموز، وساعدها في انطلاقها،  كذلك هناك مفارقة كبيرة بين الاقتصاد اللبناني، خلال حرب تموز والاقتصاد الحالي، الذي يعاني من تأزُّمٍ لم يحدث من قبْل؛ فالوضع المالي والاقتصادي والمعيشي للبنانيين لا يتحمل أيَّ مواجهة عسكرية مع إسرائيل، فقد سبق للقادة العسكريين الإسرائيليين أن هددوا بتدمير البُنَى التحتية اللبنانية في أيِّ صراعٍ مُقْبِل، وفي حال حصول ذلك، ستزداد معاناة اللبنانيين الذي يعانون أصلًا من تردِّي أوضاع بلدهم.

وحين يتعلق الأمر بالبيئة السياسية الداخلية، فإن مواقف الأحزاب السياسية اللبنانية تتراوح بين اليمين واليسار، مع مخاوف من استمرار الصراعات، وأعرب سمير جعجع، زعيم القوات اللبنانية، عن قلقه من إمكانية مشاركة واسعة للبنان في هذه الصراعات، وأكَّد من أن مشاركة “حزب الله” في الصراع في غزة قد تدمّر لبنان.
كذلك رفض جبران باسيل من التيار الوطني الحر، استخدام الأراضي اللبنانية لأيِّ نشاطٍ عسكريٍّ أجنبيٍّ، على الرغم من دعمه لقضية فلسطين، إلا أن أولويته تكْمُن في تعزيز دولة لبنان، وهذا يعني أنه لا يؤيد النَّهْج الذي يتبعه حزب الله، والذي يروّج لمفهوم «وحدة الساحات».

كذلك أفاد زعيم حزب الاشتراكيين التقدميين، وليد جنبلاط، الرغبة في الحفاظ على لبنان، بعيدًا عن النزاع، ما لم تتسبب إسرائيل في هجوم، يفهم بعض أعضاء تكتله بعض إجراءات حزب الله، كتعبير عن تضامن مع الفلسطينيين، ويعارضون توريط لبنان في حرب غير مرغوبة، ويقترحون شنَّ المقاومة ضد إسرائيل من هضبة الجولان السورية، بدلًا من لبنان.

 كما تلقت حكومة تصريف الأعمال اللبنانية تأكيدات من حزب الله، بعدم التدخل في حرب غزة ما لم تهاجم إسرائيل لبنان، وفي ذلك السياق، شدَّد عبدالله بو حبيب وزير الخارجية اللبناني على توافق لبنان مع المواقف العربية بشأن غزة، ويعتبر حزب الله قضية تفوق إطار الحكومة اللبنانية، كما دعا  رئيس الوزراء نجيب ميقاتي إلى جهود دبلوماسية لحماية لبنان، وأقر بأن القرار الفعلي للحرب يقع في يد حزب الله.

ثالثًا: الموقف الدولي من تحركات حزب الله

نظرًا لتصاعد التوتر على طول الحدود الجنوبية اللبنانية مع إسرائيل، طلبت ألمانيا من مواطنيها مغادرة لبنان، مشيرةً إلى أن وتيرة النزاعات في المناطق الحدودية قد تزداد في أيِّ وقت، وعلى الغرار، حثَّت «الولايات المتحدة، وبريطانيا،  وفرنسا، والكويت، والسعودية» مواطنيها على مغادرة لبنان، في المقابل حثَّت «فرنسا، وكندا، وإسبانيا، وأستراليا» مواطنيها على تجنُّب السفر إلى لبنان، بينما أوقف عدد من شركات الطيران الغربية رحلاته إلى بيروت.
وفي إطار التحذيرات الغربية لحزب الله؛ لمنعه من التسبُّب في حرب، من الممكن أن تتسع وتطال الإقليم بالكامل، حذّر مسؤول في وزارة الدفاع الأمريكية حزب الله اللبناني، من مغبَّةِ اتّخاذ «قرار خاطئ» ،بفتح جبهة ثانية مع إسرائيل، في خضم تصدّيها لهجمات حركة حماس في قطاع غزة، وانطلاقًا من ذلك السيناريو، دفعت واشنطن إلى نشر مجموعة حاملة طائرات هجومية في شرق البحر المتوسط؛ حتى توجه رسالة لأذرع إيران في المنطقة، على غرار حزب الله، بألا يتدخلوا في الحرب،
كذلك حضَّت الحكومة الفرنسية “حزب الله” اللبناني، على عدم الانخراط في حرب مع إسرائيل.

رابعًا: السيناريوهات المحتملة

استمرار الاشتباكات بين الطرفيْن لحين نهاية الحرب بغزة

بالرغم من خطابات حزب الله التي يملؤها الوعيد والنذير للجانب الإسرائيلي، إلا أن حزب الله حكيم في تصرفاته، ويدرك جيدًا خطورة توريط لبنان في حرب قادرة على تقويضه، في وقت محسوم، في وضعٍ يمر فيه لبنان بأزمات شتى، وخصوصًا الأزمة الاقتصادية، ويمكن القول: إن ما يفعله حزب الله من اشتباكات، هو محاولة لتشتيت العدو الإسرائيلي واستنزافه، ويرى مراقبون في جريدة الشرق الأوسط، أن الحرب بين الطرفين ما زالت داخل نطاق المحدود، والسبب الرئيسي لسقوط قرابة 50 قتيلًا من عناصر حزب الله، هو عدم اكتمال الخبرة وصغر العمر، لاسيما للمرة الأولى منذُ حرب تموز، لم يعلن حزب الله عن أعداد القتلى من صفوفه.
كما أن إيران المحرك الرئيسي لحزب الله ليس من مصلحتها نشوب حرب إقليمية في المنطقة؛ لأنها ستتكبد خسائر ضخمة، في ظل وضع اقتصادي محاط بعقوبات من جهات عدة، وأن ما فعلته من ضرب عدة مواقع أمريكية في «العراق، وسوريا» من خلال أذرعها، ما هو إلا محاولة إثبات وجود.
كذلك ليس من مصلحة إسرائيل التوسُّع في الحرب والتورُّط مع حزب الله، فمن المعروف جيدًا أن إسرائيل غير متمكنة من الحروب على عدة جبهات، وخير شاهد 1973، وبالتالي فانخراط إسرائيل في حرب، من الممكن أن تفتح عليها جبهتيْ «الجولان، والجنوب اللبناني» ، وسوف يكبدانها خسائر مادية وبشرية مهولة، لاسيما إن استمرت الحرب لوقتٍ ليس بالقصير، كعادة الحروب الإسرائيلية التي تقوم على استنزاف العدو، والهجوم عليه بشكلٍ مُكثَّف.
وسيكون ذلك السيناريو الأقرب، حال خرجت حماس بمكاسب، حتى فيما يتعلق بملف الأسرى الفلسطينيين بالسجون الإسرائيلية، وانتهى الغزو البري بمكاسب لحركة المقاومة .

انزلاق حزب الله في حرب مع إسرائيل

وفي ذلك السيناريو، من الممكن أن تُنْشَبَ حرب إذا  حدث تهديد كبير لحركة حماس، إبان الغزو البري الإسرائيلي لقطاع غزة، ومن الوارد أن يتسلسل العديد من الفصائل الفلسطينية المسلحة، الموجودة في مخيمات اللجوء الفلسطينية بلبنان، بدون ترتيب مع حزب الله، وتكون شرارة بدْء الحرب مع إسرائيل.
وهناك رُؤْيةٌ أُخرى لانزلاق حزب الله في الحرب، وهو وجود ضغط إيراني على الحزب؛ للانخراط في الحرب، وفتح جبهته على نحوٍ واسعٍ وشاملٍ بما ينقذ حماس، حال شنَّت إسرائيل عمليات برية مُروِّعة أو  لتصعيد المواجهة؛ خدمةً لأهداف تتعلق بإيران بالدرجة الأولى.
من المؤكد أن ذلك السيناريو إذا تحقَّق سيكون بمثابة حرب إقليمية واسعة، ستكبد المنطقة خسائر مكتسحة.

ويمكن القول: إن ذلك السيناريو غير مُسْتَبعدٍ، بالرغم من ضبابية المشهد السياسي، وعدم وضوح المؤشرات.

كلمات مفتاحية