بعد استضافتها لوفد من حماس وإيران.. ما هى حسابات روسيا فى حرب غزة؟

إعداد: شيماء عبد الحميد

فى خضم صراع النفوذ بين الغرب وروسيا فى منطقة الشرق الأوسط، دخلت حرب غزة فى مجال الصراع الجيوسياسى الدولى بين الولايات المتحدة وروسيا؛ حيث إن التطورات فى الأراضى الفلسطينية قد تكون فرصة كبيرة لموسكو، تسعى من خلالها لاستعادة مكانتها الدبلوماسية على الساحة الدولية، ولتعزيز فرص انتصارها فى الميدان الأوكرانى، مراهنة على تراجع المساعدات العسكرية الغربية لأوكرانيا ليتم تحويل قسم منها إلى إسرائيل، وبالتالى كان من الضرورى إلقاء الضوء على أبعاد الموقف الروسى من الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، ومكاسب موسكو منه، فضلًا عن انعكاسات هذا الموقف على علاقاتها مع تل أبيب.

تفاعل روسى حذر مع حرب غزة:

فى أعقاب هجوم 7 أكتوبر، سارعت موسكو للتعبير عن قلقها جراء تصاعد الأحداث بين حماس والجيش الإسرائيلى، معتمدة فى ذلك على نهج المراقبة المتأنية ولكن مع تزايد مجازر الاحتلال بحق المدنيين الفلسطينيين، قررت روسيا أن تنخرط بشكل أكبر فى الصراع، معتمدة على نهج التفاعل الحذر إذ بدا موقف الكرملين أكثر اعتدالًا من الموقف الغربى الذى جاء داعمًا لتل أبيب بشكل مطلق؛ ولذلك يمكن إيضاح الموقف الروسى من الحرب فى غزة على النحو التالى:

أ. على مستوى التصريحات الرسمية:

الرئيس الروسى فلاديمير بوتين؛ اعتبر أن الحرب الراهنة هى مثال واضح على فشل السياسة الأمريكية فى الشرق الأوسط، مؤكدًا أنه من الضرورى تنفيذ قرارات مجلس الأمن المتعلقة بإقامة دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة، وأن التهجير القسرى للفلسطينيين من القطاع لا يمكن أن يؤدى إلى السلام، كما أكد أن موسكو مستعدة للعمل كوسيط فى الصراع الإسرائيلى الفلسطينى، وللتنسيق مع جميع الشركاء ذوى التوجهات البناءة، مشددًا على أنه لا بديل لحل الصراع إلا المفاوضات.

– وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف؛ دعا إلى وقف إطلاق النار فى غزة، وحل القضايا الإنسانية بوصفها أولوية لتخفيف حدة التوتر فى القطاع، وذلك بفتح ممرات إنسانية لمساعدة السكان بالغذاء والدواء، فيما وجه انتقادًا مباشرًا للولايات المتحدة واصفًا إياها بأنها أبرز الدول التى تتدخل فى الصراع من خلال إرسال مجموعتين من حاملات الطائرات إلى منطقة الصراع، وآلاف عدة من الجنود المقاتلين، مشددًا على أنه كلما تم اتخاذ مثل هذه الخطوات، ازداد خطر توسع الصراع.

– السفير الروسى لدى إسرائيل أناتولى فيكتوروف؛ أكد أهمية وقف إطلاق النار بين الفلسطينيين والإسرائيليين وتهدئة الوضع والمضى قدمًا لإيجاد حلول موثوقة، من شأنها أن توفر تسوية طويلة الأمد على أساس قانونى دولى جدى، لأن تسوية الصراع الفلسطينى الإسرائيلى هى مفتاح السلام فى الشرق الأوسط.

ب. على مستوى مجلس الأمن؛ تبنت روسيا فى 13 أكتوبر، مشروع قرار بمجلس الأمن بشأن الصراع الإسرائيلى الفلسطينى، وتناول محتوى القرار الإعراب عن القلق البالغ إزاء تفاقم الأزمة الإنسانية فى غزة، وتأكيد وجوب حماية السكان المدنيين الفلسطينيين والإسرائيليين، والدعوة إلى وقف إنسانى لإطلاق النار والتنديد بالعنف ضد المدنيين وجميع الأعمال الإرهابية، والمطالبة بالإفراج عن الرهائن ووصول المساعدات الإنسانية والإجلاء الآمن للمدنيين، ولكن رُفض القرار فى جلسة 17 أكتوبر.

وفى 21 أكتوبر، أعلنت موسكو أنها ستطلب عقد اجتماع جديد لمجلس الأمن بشأن الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، كما قدمت مشروع قرار ثانى يدعو إلى هدنة إنسانية فى قطاع غزة، ولكنه رُفض أيضًا بعد استخدام الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا حق النقض “الفيتو” ضد المشروع.

ج. على مستوى المساعدات؛ أعلنت موسكو يوم 19 أكتوبر، إرسال طائرة خاصة من طراز “إيل-76″، أقلعت من مطار رامينسكوى متجهة إلى مطار العريش فى مصر، تحمل 27 طنًا من المساعدات الإنسانية.

د. على مستوى التنسيق السياسى؛ عقب هجوم حماس، أجرى وزير الخارجية الروسى سيرغى لافروف اتصالًا هاتفيًا مع نظيره المصرى سامح شكرى حول وقف الأعمال العدائية بين إسرائيل وحماس، وبعد ثلاثة أيام فقط، استضاف الرئيس الروسى، رئيس الوزراء العراقى محمد شياع السودانى لمناقشة الأزمة، وفى اليوم التالى، بحث بوتين مع الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، الخسائر فى صفوف المدنيين.

وقد كثفت موسكو اتصالاتها مع قادة الدول الإقليمية والدولية مع زيادة انخراطها فى الصراع؛ حيث أجرى الرئيس بوتين سلسلة اتصالات هاتفية هدفت إلى احتواء احتمالات التصعيد والدعوة إلى وقف النار وتسريع إيصال المساعدات الإنسانية، وقد شملت هذه الاتصالات: الرئيس السورى بشار الأسد، والرئيس الإيرانى إبراهيم رئيسى، والرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى، والرئيس الفلسطينى محمود عباس، وكذلك رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو.

هـ. على مستوى التواصل مع حماس؛ أعلنت وزارة الخارجية الروسية يوم 26 أكتوبر، استقبال وفدًا من حماس يرأسه رئيس مكتب العلاقات الدولية فى الحركة موسى أبو مرزوق، والذى التقى المبعوث الخاص للرئيس الروسى للشرق الأوسط وإفريقيا ميخائيل بوغدانوف، وخلال اللقاء؛ تم استعراض الهجوم الإسرائيلى على قطاع غزة، والجهود الرامية لوقف إطلاق النار وتوصيل المساعدات الإنسانية، فضلًا عن بحث جهود الإفراج عن المحتجزين الأجانب فى غزة وإجلاء المواطنين الروس وغيرهم من الأجانب من أراضى القطاع.

وقد تزامن ذلك مع استقبال وفد إيرانى برئاسة نائب وزير الخارجية على باقرى، الذى التقى ميخائيل بوغدانوف لمناقشة التصعيد غير المسبوق للصراع (الإسرائيلى – الفلسطينى)، وخلال الاجتماع جرى التأكيد على تنسيق الجهود بين البلدين لتحقيق استقرار الوضع فى الشرق الأوسط، وضرورة وقف العمليات القتالية فى قطاع غزة وما حوله، وتقديم المساعدة الإنسانية على وجه السرعة إلى السكان الفلسطينيين المتضررين.

مكاسب روسية من الصراع فى غزة:

على الرغم من دعوات روسيا إلى وقف إطلاق النار الفورى واللجوء إلى طاولة المفاوضات؛ فهذا لا يدحض حقيقة أن لموسكو فوائد سياسية وإستراتيجية عدة جراء الحرب الإسرائيلية الغاشمة على غزة، سواء فيما يتعلق بسعى روسيا لتعزيز مكانتها كفاعل مؤثر ومنخرط فى أزمات الشرق الأوسط، ورغبتها فى القيام بدور الوساطة فى ظل الانحياز الأمريكى لإسرائيل، ومن أبرز المكاسب الروسية جراء هذا الصراع:

أ. تشويه صورة الولايات المتحدة لدى الشعوب العربية؛ فالدعم الأمريكى المطلق للمجازر التى ترتكبها إسرائيل بحق المدنيين الفلسطينيين، صور الولايات المتحدة بأنها الدولة التى تسهم فى قتل المدنيين واختراق القانون الدولى، وهذا جعلها مرفوضة شعبيًا فى الدول العربية، وبذلك وجد الكريملين فرصة سانحة لتأطير واشنطن باعتبارها المذنب الرئيسى فى الشرق الأوسط، فمنذ هجوم حماس على إسرائيل، كانت الرسالة المركزية التى وجهها فلاديمير بوتين هى أن هذا مثال على فشل سياسة الولايات المتحدة فى الشرق الأوسط.

فى المقابل؛ ومن خلالها موقفها شبه المحايد والداعم لإنشاء دولة فلسطينية، باتت موسكو مقبولة شعبيًا كحليف أكثر موثوقية من الولايات المتحدة، بعدما قدمت نفسها بفضل هذه الحرب كنصير لحركات الاستقلال والقوى النامية المستضعفة ضد الدول الاستعمارية الغربية.

ب. تسليط الضوء على ازدواجية المعايير الغربية فيما يخص استخدام القوة؛ حيث تزامنت حرب غزة مع حرب أخرى فى أوكرانيا، رفع فيها الغرب شعارات أخلاقية من حماية للمدنيين ورفض الاحتلال واحترام قوانين الحرب الدولية، فيما غابت هذه الشعارات عند الحديث عن إسرائيل برغم كل ما ترتكبه من أفعال وحشية ضد المدنيين، وهذا يظهر أن الغرب وحشيته أكبر من تلك التى يتهم بها موسكو، وكانت هذه الوحشية المزعومة محورًا للدعاية الغربية المحرضة ضد بوتين والداعمة ل‍أوكرانيا، وهذا يحطم السردية الغربية عن التزامه بحقوق الإنسان والقانون الدولى مقابل انتهاك روسيا لهما.

فضلًا عن أن اعتراض الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا على مشروعى قرار روسيين يدعوان إلى وقف إنسانى لإطلاق النار، وضعهم فى موقف حرج أمام المجتمع الدولى باعتبارهم ليسوا فقط دعاة حرب، بل أيضًا مشجعين على حروب الإبادة الجماعية والتطهير العرقى، وهذا الأمر ربما لن يؤرق القيادة الإسرائيلية لكنه سيكون مشكلة للولايات المتحدة، التى بات من الصعب عليها التوفيق بين الترويج للتقاليد الدولية وقوانين الحرب للدفاع عن أوكرانيا أمام روسيا، وتجاهلها بشكل فج فى غزة.

ج. ظهور روسيا بدور الوسيط فى الصراع؛ توفر الحرب بين إسرائيل وحماس فرصة لروسيا لتعزيز مكانتها فى أدوار الوساطة الدولية، ولإعادة تأكيد نفسها كقوة دبلوماسية فى الشرق الأوسط، بعد فترة من العزلة الدولية التى فُرضت على موسكو بعد الحرب (الروسية – الأوكرانية)، حيث حصلت روسيا على فرصة لتنشيط دبلوماسيتها، والانفتاح بشكل أنشط على الأطراف الدولية ومنظمات المجتمع الدولى، وظهر هذا فى النشاط المتزايد لموسكو فى مجلس الأمن، وفى الاتصالات مع الأطراف المختلفة.

كما تسعى روسيا للاستفادة من علاقاتها الوثيقة مع حماس وإيران، من أجل تثبيت نفوذها الجيوسياسى، ومكانتها كوسيط دولى بين العديد من العوامل العاملة فى المنطقة، وهذا يعنى أن حرب غزة باتت تتجاوز حدود الشرق الأوسط، ودخلت مجال التنافس الدولى بين الولايات المتحدة وروسيا وكذلك الصين بالتأكيد.

د. تخفيف الضغط على روسيا فى عمليتها العسكرية بأوكرانيا؛ قد تؤثر الحرب فى غزة بشكل مباشر على مسار العملية العسكرية الروسية الخاصة فى أوكرانيا؛ حيث:

  • مع تصاعد أعمال العنف الإسرائيلى فى القطاع، والتى باتت تهيمن على أجندة الأخبار الدولية، وجدت روسيا فرصة مهمة لتشتيت وضعف التركيز الغربى والأمريكى على أوكرانيا، بما يصب فى مصلحة موسكو ويساعدها على تنفيذ أهدافها فى كييف.
  • تأمل السلطات الروسية أنه نتيجة للوضع فى الشرق الأوسط، ستتم إعادة توجيه بعض إمدادات الأسلحة الغربية إلى إسرائيل بدلًا من أوكرانيا، نظرًا لمركزية تل أبيب فى الإستراتيجية الأمريكية، وحساسية الملف الإسرائيلى فى أوساط اليمين الأمريكى؛ مما يجعل ذلك الدعم المقدم لإسرائيل أولوية عن أوكرانيا.
  • ولكن هذا لا يعنى أن الغرب سيتخلى عن دعم كييف، وإنما حجم المساعدات العسكرية المقدمة لأوكرانيا سينخفض، وقد يتحول مسار العملية بشكل حاد لصالح روسيا، خاصةً فى حال توسع الصراع ليشمل حزب الله أو انضم إليه قوى مثل الحشد الشعبى العراقى والحوثيين فى اليمن، وسيزداد الأمر سوءًا بالنسبة لأوكرانيا إذا تورطت واشنطن فى الصراع بشكل مباشر، حيث ستصبح الأولوية الكاملة فى الذخائر والأسلحة للحرب فى الشرق الأوسط.

وبالفعل بدأت موسكو فى انتهاز الفرصة لتحقيق بعض المكاسب الميدانية؛ حيث على مدار الأيام الماضية، حسن الجيش الروسى مواقعه فى أوكرانيا، بما فى ذلك حول مدينة أفدييفكا القريبة من مدينة دونيتسك، التى كانت هدفًا لهجوم واسع شنته القوات الروسية قبل أيام بهدف تطويقها، كما نجحت القوات الروسية فى التقدم بالجبهة الشرقية بمحيط باخموت وخاصة على طول خط كليشيفكا -كورديوموفكا- أندريفكا على الجانب الجنوبى، وذلك بهدف تطويق باخموت بالكامل، التى تُعد بوابة روسيا الوحيدة للتقدم فى دونيتسك.

هـ. الاستفادة من ارتفاع أسعار النفط؛ فى ضوء مخاوف بأن تتطور حرب غزة إلى حرب شاملة تتسبب فى إغلاق بعض الخطوط البرية والبحرية فى الشرق الأوسط، ارتفعت أسعار النفط الخام بنسبة 6%، وارتفعت أسعار الغاز الطبيعى بـ40% فى أعقاب هجوم 7 أكتوبر، وسط تحذيرات من تقلبات كبيرة متوقعة فى سوق النفط والمحروقات العالمية، بجانب اضطرابات التجارة العالمية، وإمدادات الحبوب من الشرق الأوسط.

وقد تستفيد موسكو بشكل كبير من زيادة أسعار النفط والغاز الطبيعى، حيث إنها باتت تعتمد اقتصاديًا على عوائد تصديرهما، وبالتالى هذه الزيادة فى الأسعار ستدعم الاحتياطى النقدى الروسى مما سيساعد فى تحسن الاقتصاد الروسى المتعثر، وفى مواصلة تمويل آلتها الحربية، والتجنيد فى صفوف الجيش، وكل هذا سيعزز الموقف العسكرى لموسكو فى كييف.

انعكاسات الموقف الروسى على علاقاتها مع إسرائيل:

لقد حافظت روسيا وإسرائيل على قدر من التفاهم المحسوب الذى يشوبه نوع من التوتر بسبب اختلاف تحالفاتهما، فمثلًا حرص الطرفان على التنسيق العسكرى فى سوريا إذ لم تعترض موسكو يومًا طريق الطائرات الإسرائيلية وهى تقصف أهداف إيران وحزب الله فى الأراضى السورية، وفى المقابل؛ حرصت تل أبيب على عدم إغضاب روسيا إذ منذ بداية الحرب فى أوكرانيا، رفضت تل أبيب تسليم القبة الحديدية لكييف رغم ضغوط واشنطن.

ولكن هذا التفاهم الحساس معرض للتأثر سلبًا بعد موقف الكرملين من الحرب فى غزة، حيث امتنعت موسكو عن إدانة هجوم حماس بشكل مباشر أو تصنيفه على أنه عمل إرهابى مثلما فعلت الدول الغربية، وفى حقيقة الأمر، هذا الموقف ما هو إلا واحدة من القضايا العالقة التى تختلف فيها مصالح روسيا وإسرائيل؛ ومنها:

  • الملف السورى؛ عندما قررت روسيا التدخل العسكرى المباشر فى سوريا، أسفر هذا عن تدشين مرحلة جديدة معقدة وشائكة للغاية فى علاقات روسيا وإسرائيل؛ حيث باتت موسكو جارة لتل أبيب بعد ترسيخ الوجود الروسى على البحر المتوسط، ونشر القواعد العسكرية الروسية على الأراضى السورية.

ولكن العلاقة القوية بين بوتين ونتنياهو ساعدت على تنسيق التحركات العسكرية للطرفين، بناءًا على معادلة أمنية تقوم على أن تضمن روسيا عدم انزلاق الوضع فى منطقة الجولان فى مسار يضر بالأمن الإسرائيلى، فى مقابل تقديم تل أبيب ضمانات لموسكو بعدم استهداف القواعد العسكرية والمنشآت التى توجد فيها قوات أو مدربون روس، أو المرتبطة بمراكز صنع القرار والتحكم والإدارة للحكومة السورية التى يتم تشغيلها بمساعدة روسية.

  • الحرب الأوكرانية؛ خرجت الخلافات بين موسكو وتل أبيب إلى العلن بشكل غير مسبوق مع اندلاع الحرب فى أوكرانيا، ففى تلك المرحلة بدا أن التوازن الدقيق الذى أقامته موسكو مع تل أبيب تعرض لتصدع كبير من خلال؛ التصريحات العدائية التى أطلقها رئيس الوزراء الإسرائيلى حينها يائير لبيد تجاه روسيا، والتحرك العملى لدعم أوكرانيا من خلال إمدادها ببعض شحنات الأسلحة المحدودة والمساعدات الإنسانية الواسعة، وزيارة الدعم التى قام بها وزير الخارجية الإسرائيلى إيلى كوهين إلى كييف، والتى كانت الزيارة الأولى من نوعها لمسؤول إسرائيلى على هذا المستوى إلى أوكرانيا منذ بدء الحرب.
  • العلاقة الروسية الوثيقة مع طهران؛ عززت حرب روسيا فى أوكرانيا، العلاقات العسكرية مع إيران، بعدما زودت طهران روسيا بالآلاف من الطائرات المسيرة التى استخدمتها موسكو منذ غزو أوكرانيا لإضعاف وتدمير البنية التحتية للطاقة فى كييف، فى مقابل تسليم روسيا طائرات تدريب من طراز “ياك -130” إلى القوات الجوية الإيرانية، مع الحديث عن صفقة محتملة لبيع مقاتلات نفاثة لطهران من طراز “سو- 35″، وهذا التعاون من شأنه أن يدفع إسرائيل إلى إعادة التفكير فى علاقاتها مع موسكو، وهذا اتضح فى قيام تل أبيب بتوسيع نشاطها فى إطار تزويد كييف بمعلومات استخباراتية لمكافحة الطائرات الإيرانية، ودراسة تزويد كييف بأنظمة صاروخية متطورة لمواجهة الهجمات الجوية.

وعلى هذه الخلفية، جاء انفجار الوضع فى غزة ليضيف عنصرًا جديدًا للتوتر، يفاقم الأزمة ويوسع الهوة بشكل غير مسبوق بين موسكو وتل أبيب، حيث رغم إن موسكو تجنبت إدانة تصرفات إسرائيل، وسعت بالدرجة الأولى إلى تأكيد أن روابطها الوثيقة مع كل الأطراف يمكن أن تسهم فى لعب دور الوسيط المقبول لتخفيف حدة الصراع، لكن تل أبيب لم تغفر للكرملين إصراره على تأكيد رفض الحل النهائى الذى تطرحه إسرائيل للقضية الفلسطينية، وتأكيده التزام حل الدولتين، وأن لا تسوية ممكنة من دون قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية.

فضلًا عن أن بوتين لم يسارع للاتصال بنتنياهو لتعزيته فى القتلى الإسرائيليين، بل أن الأمر احتاج ثمانية أيام حتى اتصل الرئيس الروسى برئيس الوزراء الإسرائيلى ضمن سلسلة اتصالات أجراها مع زعماء إقليميين لمواجهة احتمال اتساع الصراع، وقد ازداد الأمر سوءًا عندما قررت موسكو استضافة وفد من حماس، وقد قوبل ذلك بانتقادات إسرائيلية حادة، إذ وصف بيان صادر عن وزارة الخارجية الإسرائيلية، الزيارة بأنها “عملًا من أعمال دعم الإرهاب وإضفاء الشرعية على الفظائع التى يرتكبها إرهابيو حماس”.

وقد انعكس الغضب الإسرائيلى من المواقف الروسية فى تصريح أمير ويتمان، أحد أبرز زعماء حزب الليكود، بأن “روسيا باتت عدوًا”، متعهدًا بمعاقبتها بعد انتهاء المعركة مع حماس، حيث قال “روسيا ستدفع الفواتير لأنها تدعم أعداء إسرائيل، والنازيين الذين يريدون ارتكاب إبادة جماعية للشعب الإسرائيلى، وبعد المعركة الحالية لن تتردد إسرائيل فى إرسال قواتها إلى أوكرانيا لمعاقبة موسكو”.

بل إن اعتبر البعض أن تدمير الكنيسة الأرثوذكسية فى غزة، رسالة موجهة إلى موسكو بصفتها حامية العالم الأرثوذكسى، فاستهداف كنيسة القديس بورفيرى التابعة لبطريركية القدس، استدعى تدخل الكنيسة الروسية بشكل قوى، بعدما حافظت على حياد كامل تجاه الحرب، حيث صرحت فى بيان بأنها “تتعاطف مع الضحايا وتصلى من أجل أن يقوى الرب شعب فلسطين فى مواجهة المحنة الحالية”، واصفة الغارات الجوية الإسرائيلية على المؤسسات الإنسانية فى قطاع غزة بأنها جريمة حرب لا يمكن تجاهلها، وقد شكل هذا مؤشرًا جديدًا على الانعكاس السلبى للحرب على العلاقات بين موسكو وتل أبيب.

وفى ضوء هذه المعطيات؛ فإن هناك العديد من العراقيل التى تقف أمام قدرة موسكو على القيام بوساطة فاعلة وناجعة لوقف الصراع الحالى المحتدم، ومنها: ضعف أدوات الضغط والتأثير الروسية فى ظل وجود لاعبين دوليين أكبر وأكثر انخراطًا فى الأزمة، وانشغال روسيا الكبير بالحرب فى أوكرانيا، كما لا تصورات ولا خطة روسية واضحة ومتبلورة لهكذا وساطة، فضلًا عن الموقف الروسى يتمحور حول ضرورة حل الدولتين وهو طرح يبدو غير عملى وواقعى فى ظل الظروف الحالية.

وخلاصة القول؛ رغم بعض المكاسب التى قد تحققها روسيا من حرب غزة، إلا أنها فى موقف صعب للغاية الآن؛ لأن واقع العلاقات الروسية مع كل من حماس وإسرائيل يضع موسكو أمام احتمالين كلاهما معقد؛ الأول، أن تتجه لدعم إسرائيل حفاظًا على درجة التعاون والتنسيق الأمنى معها فى الملف السورى، لكنها فى هذه الحالة ستضر بدرجة ما بعلاقاتها الوطيدة مع إيران، هذا إلى جانب خسارة دورها لدى بعض الدول العربية التى ما زالت ترى فى روسيا قوة وقطب دولى بإمكانه التأثير الفعلى فى معادلات الصراع والسلام العالميين فى آن واحد، والثانى، هو أن تتجه إلى دعم حماس أو على أقل تقدير تتجه إلى لعب دور جاد ومباشر فى الوساطة بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى من منطلق ما تتمتع به من علاقات متوازنة مع الطرفين، لكن ثمة قيودًا متعددة على هذا الدور أبرزها رفض إسرائيل خروج ملف الصراع مع فلسطين من دائرة الحماية الأمريكية الأوروبية.

وبغض النظر عن حسابات المكسب والخسارة لروسيا، فهى بالتأكيد لا تريد حربًا شاملة بين إسرائيل وإيران، أو الوصول إلى نقطة تكون مجبرة فيها على اختيار أحد الطرفين، لأن إذا تحركت الأمور باتجاه ذلك، وبات من الواضح أن الولايات المتحدة ستقف بقوة إلى جانب إسرائيل، فموسكو لن تجد مناصًا من أن تندفع أكثر إلى الجانب الإيرانى، وهذا بلا شك سيضر تفاهمها الحذر مع إسرائيل بشكل كبير.

كلمات مفتاحية