إعداد: رضوى الشريف
باحث متخصص في شؤون الشرق الأوسط
أطلقت جماعة الحوثي منذ أيام، عددًا من الصواريخ والطائرات المسيّرة باتجاه إسرائيل، في تحرُّكٍ قد لا يؤثر فقط على مسار الحرب الدائرة بين إسرائيل وحماس، بل يُلْقِي بظلاله على اليمن، الذي يعيش حربًا أهلية مستمرة، وتسبَّبت في واحدةٍ من أكبر الأزمات الإنسانية التي يشهدها العالم، وفق تقارير الأمم المتحدة، ومع تعهُّد الحوثي بإطلاق المزيد من الهجمات، ردَّت إسرائيل بإرسال زوارق صاروخية إلى البحر الأحمر، لتنضم إلى السفن الحربية الأمريكية المنتشرة بالفعل في المنطقة.
فما هي إمكانيات انخراط الحوثيين في الصراع، وماهي دوافعهم؟ وكيف يمكن أن يخاطروا ليس فقط بتوسيع الصراع، ولكن أيضًا بإعادة إشعال الأعمال العدائية في اليمن نفسه؟ وماهي التداعيات المباشرة والمستقبلية للهجمات -في حال تكرارها -على مسار المحادثات «السعودية – الحوثية»؟
مكاسب “شرعية”
إن مشاركة الحوثيين في حرب غزة تخدم في المقام الأول مصالحهم الخاصة، وليس مصالح إيران فقط، وعلى عكس الجماعات المدعومة من إيران في «العراق، وسوريا» – التي هاجمت القوات الأمريكية مؤخرًا – لم يستهدف الحوثيون القوات الأمريكية في المنطقة؛ فلو كان الحوثيون حقًّا في نفس السَّلة؛ مثل أذرع إيران الأُخرى، لماذا لم يستهدفوا أقرب قاعدة أمريكية متمركزة في جيبوتي.
لكن قيادة الحوثيين ستدرك أن مثل هذا الهجوم لن يحظى بشعبيةٍ كبيرةٍ بين اليمنيين والشعوب العربية الأخرى فحسب، بل من المحتمل أيضًا أن يكون له تكلفة باهظة على عاتقهم، وقد يكون هناك ردٌّ أمريكي صارم أو مواجهة مباشرة بين «إيران، وأمريكا».
وعلى الرغم من أنه قد يبدو أن الحوثيين يتصرفون كوكيلٍ لإيران في المنطقة، إلَّا أن السبب الرئيسي وراء قيام الميليشيا بشنِّ الهجوم، قد يكون الحصول على الدعم المحلي، ربما تحاول قيادة الحوثيين تقديم الجماعة، باعتبارها القوة المهيمنة في اليمن، الراغبة في تحدِّي إسرائيل- وهي الدولة التي لا تحظى بشعبيةٍ بشكلٍ عامٍ في العالم العربي – وقد يساعد هذا النَّهْج الحوثي بالتفوق على الفاعلين الداخليين (أيْ الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي) وتوحيد الشعب اليمني خلف قضية التحرير الفلسطيني، كما أنه يسمح للميليشيا باتخاذ موقف يميزها عن دول المنطقة.
وعلى عكس حزب الله وحماس، اللذين يركزان على مقاومة إسرائيل، يهتم الحوثيون في المقام الأول بالقضايا المحلية داخل اليمن؛ فتاريخيًّا: تمكَّن أبناء الطائفة الزيدية الشيعية من إدارة شؤون اليمن دون دعم خارجي، وذلك قبل مئات السنين من الإطاحة بهم في عام 1962، ومع ذلك، لم يخجل الحوثيون من الظهور بمظهر المتحالفين مع إيران، ويرجع ذلك أساسًا إلى أنهم يعتمدون بشكلٍ كبيرٍ على الإمدادات الإيرانية من الأسلحة.
رسائل سياسية
في التحليل الأول، يمكن للمرء أن يقول: إن الحوثيين جُزْءٌ من تحالف إقليمي أوسع مع إيران، وعلى هذا النحو، يمكن النظر إلى الهجوم على إسرائيل، باعتباره استعراضًا للقدرات العسكرية للحوثيين – وإيران – أمام الجمهور المحلي والإقليمي، وفي الواقع، سعت طهران منذ سيطرة الحوثي على العاصمة صنعاء، بتزويدهم بصواريخ بعيدة المدى؛ الأمر الذي يُشكِّلُ تهديدًا لكل من إسرائيل وأيضًا منافس طهران في المنطقة: المملكة العربية السعودية.
فيُقدِّمُ هجوم الحوثي رسائل سياسية حول مدى انخراط والتزام أطراف المحور الإيراني في المشاركة بالتصعيد، حال الاحتياج لهم، وتحديدًا من اليمن؛ إذ يكشف عن كونه خطرًا أكثر منه تهديدًا استراتيجيًّا، يلحق الضرر بالبنية الأمنية؛ حيث يجدر بالذكر ، أن هذا يُعدُّ أول انخراطٍ للحوثيين في التزامهم تجاه ذلك المحور المعادي لإسرائيل؛ ما سيُغيِّرُ صيغة حضور الجماعة في التفاعلات الإقليمية ودورها المستقبلي ضمن المحور الإيراني، فتهديدها لأبرز حلفاء العالم الغربي في المنطقة، مغامرة.
كما يبدو أن إيران نجحت من خلال هذا التصعيد، في إيصال رسالة واضحة لدول الخليج أيضًا بمحدودية الضمانات الأمريكية، وعدم قدرتها على الرَّدْع، رغم أن الضربات التي استهدفت أرامكو سابقًا، منذ أعوام، كانت إشعارًا واضحًا، بأنه لا ضمانة يمكن تقديمها أمنيًّا خارج التفاهمات الإقليمية مع طهران؛ لتستجيب الرياض بمسار النقاشات الذي فُتح عبر بكين.
هل يمكن أن يؤثر الهجوم الحوثي على الحرب بين إسرائيل وحماس؟
بالرغم من أن هجوم الحوثيين – في حال تكراره – قد يزيد من فُرَص التغلُّب على أنظمة الدفاع لدى إسرائيل، إذا كان يُشكِّلُ جُزْءًا من جهدٍ مُنسَّقٍ، يشمل حزب الله في لبنان وحماس في قطاع غزة، لكن هذه الفكرة قاصرة لسببيْن:
أولًا: من المرجح أن يكون لدى الحوثيين صواريخ باليستية أقل من تلك التي يمتلكها حزب الله وحماس، ومن الناحية الواقعية، لديهم فرصة ضئيلة لإلحاق الكثير من الضرر بإسرائيل، علاوةً على ذلك، سوف يضعون في اعتبارهم الاحتفاظ بهذه الصواريخ لاستخدامها في الحرب الأهلية المستمرة في اليمن – التي تُشكِّلُ تهديدًا مباشرًا للجماعة أكثر مما تشكله إسرائيل؛ لذا فإن التهديد الذي يُشكِّلُه الحوثيون تجاه إسرائيل أصغر بكثيرٍ من تهديد حزب الله وحماس، اللذين يستطيع مقاتلوهما عبور الحدود البرية لدخول إسرائيل.
ثانيًا: عدم دقة صواريخ الحوثيين؛ يعني أنَّ أيَّ هجومٍ يُشكِّلُ أيضًا خطرًا على دول؛ مثل «السعودية، ومصر، والأردن»؛ حيث يمكن أن تسقط هذه المقذوفات في أراضيها وتسبب أضرارًا، وفي الواقع، تسبَّبت الطائرات بدون طيار التي أطلقها الحوثيون – بالفعل – في حدوث انفجارات بعد تحطُّمِها بالخطأ على الحدود المصرية.
مستقبل المحادثات «السعودية – الحوثية»
كانت السعودية قبْل هذا التصعيد الخطير في غزة، تسعى إلى تسوية الأزمة اليمنية، عن طريق خلْق قنوات تواصل مع الحوثيين، بواسطة عمانية؛ انطلاقًا من إدراك القيادة السعودية، بأن إطالة أَمَدِ الحرب في اليمن استنزف الكثير من قدراتها، وسيؤثر على تحقيقيها لرؤية 2030، التي تتطلب بيئةً مستقرةً أمنيًّا واقتصاديًّا، وهذا ما يُستدل عليه بعودة العلاقات «السعودية – الإيرانية» بوساطة صينية، في شهر مارس الماضي، والذي تلاه، زيارات متبادلة لوفود من «السعوديين، والحوثيين»، سواء في صنعاء أو في الرياض؛ من أجل بحْث مسار التسوية في اليمن.
ولكن وصلت المفاوضات بين «الحوثيين، والسعودية» قبْل حرب غزة إلى مرحلة حسَّاسة؛ فبالرغم من الزيارة الأولى والرسمية التي قام بها الحوثي إلى الرياض، في منتصف شهر سبتمبر الماضي، أُفيد بأن الحوثيين شنُّوا هجومًا في أواخر الشهر نفسه على القوة التي تم نشرها ضمن قوات تحالف دعْم الشرعية في اليمن، على الحدود الجنوبية للسعودية، وأسفر هذا الهجوم عن مقتل ما يقارب ثلاثة جنود بحرينيين.
لكن يبدو أن الحرب في غزة أعادت خلْط الأوراق من جديدٍ مرةً أُخرى؛ حيث قد تتأثر السعودية في حال اتَّسعت رقعة الصراع في الإقليم؛ لأن إطلاق الصواريخ والمسيرات قد يمر في الأجواء السعودية، ويُعرِّضُها ومصالحها في المنطقة للخطر، وقد يعيد هذا الأمر – في حال تكراره – إلى تقسيم المنطقة إلى مُعسكريْن إيراني ومعادي لها، وهذا احتمال مطروح، وبحكم ارتباط دول الخليج الأمني مع الغرب، قد تنهار كل محاولات الاتفاق مع إيران أو مع الحوثيين، وبالرغم من أن الحرب جمَّدت حتى اللحظة المحادثات «السعودية – الحوثية» لكن لم تُنْهِهَا.
خلاصة القول:
يرغب الحوثيون من تلك الهجمات على إسرائيل في المقام الأول، تقديم وجهٍ مختلفٍ للعالم العربي، وإضفاء شرعيةٍ على سلطتهم في اليمن، فهم يهددون الآن مجموعة المصالح الدولية التي شكَّل دعمها لإسرائيل مثار غضب محور المقاومة؛ ما قد يُعيد تفاعل المجتمع الدولي مع قدرة تلك الجماعة على التهديد وطبيعة دورهم والمخاطر المتصلة بهم، والضمانات التي تحُول دون انخراطهم في صراعٍ جديدٍ، كما سيخلق تداعيات في الاستجابة الدولية باليمن، وخصوصًا من واشنطن، حول موقع الحوثيين في المعادلة.
لكن إذا رفع الحوثيون منسوب التهديد، فقد نشهد مستوييْن من الاستجابة، مستوى سياسي قد يبدأ في إعادة الحديث عن تصنيفهم في قائمة الإرهاب، وعسكري يتعلق باستهداف بعض قادتهم أو حتى عناصر الحرس الثوري الموجودين في اليمن، كما أن ذلك سيضع المملكة العربية السعودية في موقفٍ صعبٍ، وفي تلك المرحلة، سيواجه السعوديون خيارًا صعبًا، يمكن أن يسمحوا لصواريخ الحوثيين – في حال تكرارها – بمواصلة المرور ، عبر أراضيهم، أو قد يحاولون إسقاطها، لكن هذا من شأنه، أن يُعرِّض للخطر الجهود الدبلوماسية مع كل من «الحوثيين، وإيران»، وأعتقد أن هذا يبدو مُسْتَبْعدًا جِدًّا، ولكن لايزال احتمالًا مطروحًا.