فُرَص نجاح مبادرة “الطاولة الخُمَاسية” التي أعلن عنها المبعوث الأممي في ليبيا

إعداد: رضوى الشريف

باحث متخصص في شؤون الشرق الأوسط

في سعيهِ لتحقيق توافُقٍ في ليبيا حول القوانين الانتخابية، يُخطِّط عبد الله باتيلي، المبعوث الأممي إلى ليبيا، لإطلاق مبادرةٍ تهدف إلى جمْع الفصائل السياسية الرئيسية لمناقشات جديدة؛ هذه المبادرة تهدف لحلحلة الخلافات بين الفُرَقَاء الليبيين قبْل الانتخابات، مع التركيز على الأطراف المعترف بها دوليًّا، أو ما أُطلق عليهم (الخمس الكبار) في ليبيا، وهم: “محمد المنفي” رئيس المجلس الرئاسي، “عقيلة صالح” رئيس مجلس النواب، المشير “خليفة حفتر” قائد الجيش الوطني، “عبد الحميد الدبيبة” رئيس حكومة الوحدة الوطنية، و “محمد تكالة” رئيس المجلس الأعلى للدولة.

مع ذلك، واجهت جهود “باتيلي” منذ استلام مهمته، في أواخر سبتمبر 2022، تحديات عديدة؛ ما قد يعرقل نجاح تلك المبادرة قبل أن تبدأ، وهذه التحديات تشمل اختلافات وجهات النظر  بين الفصائل الليبية؛ حيث يُوجد من يرفض ومن يقبل ومن يُشكِّك في المبادرة نفسها وفي دعوة الحوار، كما أبْدى مجلس النواب تحفُّظاته على المبادرة؛ لاستبعادها حكومة “الاستقرار”، برئاسة “أسامة حماد”، التي كلَّفها البرلمان، بالإضافة إلى ذلك، هناك فصائل سياسية أُخرى، تظل صامتةً حول هذه الدعوة، كما تُوجد خلافات بين “مجلس النواب، والمجلس الأعلى للدولة”، بشأن القوانين التي ستُجرى على أساسها الانتخابات.

أسباب تعثُّر مبادرة “باتيلي” في ليبيا تتنوع، وتتضمن النقاط التالية:

  • اختلاف ردود الفعل على دعوة “باتيلي” للحوار: استُقبلت هذه الدعوة بتحفُّظاتٍ مختلفة، فبعض الأطراف السياسية وافقت ضمنيًّا، بينما رفضها آخرون، خاصَّةً من جنوب ليبيا، أصدر ممثلون عن جنوب ليبيا، في مجلسيْ “النواب، والدولة” بيانًا، يرفضون فيه الدعوة، مُشيرين إلى أن “باتيلي” يقتصر على خمسة فقط، دون تمثيلٍ للجنوب، أمَّا حكومة الاستقرار المُكلَّفة من مجلس النواب، فقد اعترضت على إشراك حكومة الدبيبة في الحوار.
  • رفض مجلس النواب المشاركة في الحوار: أعلن البرلمان الليبي عن رفضه للمشاركة، متهمًا البعثة الأممية بالانحياز وعدم الحياد، وعدم دعوته حكومة الاستقرار للحوار.
  • الخلافات بين مجلسيْ “النواب، والدولة”: جاءت دعوة “باتيلي”؛ استنادًا إلى الاختلاف حول مُخرجات لجنة “6+6″، التي كانت قد شُكِّلت من المجلسيْن؛ لأجل إعداد القوانين التي ستُجرى على أساسها الانتخابات “البرلمانية، والرئاسية”، ولا سيما بعد اعتماد مجلس النواب، مطلع أكتوبر الماضي، نسخةً مُعدَّلةً من القوانين الانتخابية، ورغم أن القوانين الانتخابية قد صدرت عن مجلس النواب الليبي، وفق ما نص عليه التعديل الدستوري “13”، المتوافق عليه مع المجلس الأعلى للدولة، وعن طريق لجنة “6+6” المشتركة بين المجلسيْن، ومن ثمَّ لا يَحِقُّ لأيٍّ كان رفضها؛ رغم ذلك، يأتي الخلاف عبْر إصرار مجلس النواب على ضرورة تشكيل حكومة جديدة، تتولَّى إدارة الانتخابات؛ في حين يتمسك مجلس الدولة بالنسخة غير المُعدَّلة من القوانين، التي تمَّ إنجازُها من جانب اللجنة، مطلع يونيو الماضي، بعد اجتماعات مدينة بوزنيقة المغربية.
  • انتقادات الداخل الليبي للمبعوث الأممي: يواجه “باتيلي” انتقادات داخلية؛ بسبب تحرُّكاته وتصريحاته، خاصَّةً حول القوانين الانتخابية، يُضاف إلى ذلك، الاتهامات الخاصة بتجاوز “باتيلي” لصلاحياته، والتدخُّل في الشأن الليبي، من جانب بعض “البرلمانيين، والسياسيين” الليبيين؛ وذلك بناءً على عدم أحقيته في التدخُّل في القوانين الانتخابية، سواءً بالموافقة أو الرفض، وأيضًا، ما يحاول البعض اتهام “باتيلي” به، وفي مقدمتهم؛ عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، الذي اتهم “باتيلي”، في تصريحات لقنوات إعلامية محلية، منذ أيام، بمحاولة “التدخُّل في التشريعات؛ ما يعني أن النظام القانوني في ليبيا سيكون خاضعًا لتأثيرات خارجية”.
  • عدم وجود “مبادرة” بالمعنى الدقيق: يُنظر إلى ما قدَّمه “باتيلي” ليس كمبادرةٍ جديدةٍ، بل كمحاولةٍ لإعادة طرْح أفكارٍ سابقةٍ، بما في ذلك، دعوة القادة الرئيسيين في ليبيا للحوار؛ لتسريع الانتخابات، وإنشاء لجنة على مستوى عالٍ؛ لتحقيق هذا الهدف، بل من الواضح لجوء “باتيلي” إلى مبادرته المُؤجَّلة، التي سبق أن أطلقها، في مارس الماضي، والتي تتعلق بـ”إنشاء لجنة على مستوى عالٍ، تجمع أصحاب المصلحة والقادة الليبيين، بمن فيهم ممثلو المؤسسات السياسية، والشخصيات السياسية المهمة على الساحة الليبية، وزعماء القبائل، ومنظمات المجتمع المدني، إضافةً إلى ممثلين عن النساء والشباب”.

إجمالًا:

يمكن القول: إن ما يحاول المبعوث الأممي طرْحه ليس مبادرة جديدة بقدر ما هو إعادة لما سبق أن أعلنه من ضرورة “إنشاء لجنة توجيهية رفيعة المستوى؛ لإعداد الإطار الدستوري والقانوني للانتخابات”؛ تلك المؤجلة منذ عام 2021، واللافت، أن “باتيلي” بعد ما يُقارِب من مرور أكثر من عام من مهمته الأممية، يحاول من جديدٍ طرْق أبواب ساسة البلاد المتصارعين فيما بينهم حول السلطة.

رغم ذلك، فالملاحظ هو تبايُن مواقف الفرقاء الليبيين، الذي يعود إلى “أزمة ثقة”، حول كيفية إجراء الانتخابات؛ وهي الأزمة التي تدفع إلى إمكانية أن يُدخِلَ “باتيلي” تغييرات في الاستراتيجية المستقبلية للتعامل مع الأزمة الليبية، إلَّا أن هذه التغييرات قد تكون محكومةً في نفس الوقت بالمتغيِّرات “الإقليمية، والدولية”.

كلمات مفتاحية