بعد انسحاب بعثة الأمم المتحدة (يونيتامس).. ما هي أبرز التداعيات المحتملة على السودان؟

إعداد: عنان عبد الناصر

باحثة متخصصة في الشؤون الأفريقية

أثار القرار الذي أصدره مجلس الأمن الدولي، حول إنهاء مهمة البعثة الأممية (يونيتامس)، التي تمَّ تشكيلها خلال عام 2020م؛ لدعْم المرحلة الانتقالية داخل السودان، جدلاً واسعًا في المشهد السياسي؛ حيث تزامن القرار مع تصاعُد حِدَّة القتال المستمر بين الجيش وقوات الدعم السريع، بالإضافة إلى ما صَاحَبَ ذلك من انتهاكاتٍ جسيمةٍ؛ ساهمت في تأزُّم المشهد، وقد صدر ذلك القرار، في إطار استجابةٍ لطلبٍ تقدَّمت به حكومة السودان، في السادس عشر من نوفمبر الماضي، تطالب فيه بإنهاء مهمة البعثة داخل أراضيها.

محطات هامَّة في مسيرة (يونيتامس) داخل السودان

  • يونيو 2020: تم تشكيل بعثة (يونيتامس) برئاسة الألماني “فولكر بيرتس”.
  • نوفمبر 2021: انخرطت البعثة في عمليةٍ سياسيةٍ، من خلال التعاوُن مع الاتحاد الأفريقي، وعددٍ من الدول “الأوروبية، والعربية”؛ لنزْع فتيل الأزمة الناجمة عن انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر 2021.
  • ديسمبر 2022: تمكَّنت بعثة (يونيتامس)، من خلال التعاون المشترك مع الاتحاد الأفريقي ومنظمة الإيجاد ومجموعة من الأطراف الدولية والإقليمية، في التوصُّل إلى اتفاقٍ بين الجيش وقوى مدنية؛ لتسليم السلطة للمدنيين، والتي عُرِفَت باسم الاتفاق الإطاري.
  • يوليو 2023: قام مجلس الأمن بتجديد مهمة (يونيتامس) لمدة ستة أشهر، وذلك حتى الثالث من ديسمبر 2023م.
  • سبتمبر 2023: أعلن “فولكر بيرتس” استقالته، وذلك في أعقاب تقديم إحاطةٍ لمجلس الأمن، حول الأوضاع الأمنية والإنسانية الخطيرة السائدة في السودان؛ جرَّاء الحرب المستمرة بين الجيش وقوات الدعم السريع، منذ منتصف أبريل 2023.

استجابة فورية من الأمم المتحدة حول طلب إنهاء مهام بعثتها في السودان

صوَّت مجلس الأمن في 1 ديسمبر 2023م، على قرار يُنْهِي مهمة بعثة الأمم المتحدة في السودان؛ استجابةً لمطلب الحكومة السودانية، من خلال وزير خارجيتها، الذي قام بتوجيه رسالةٍ إلى الأمين العام للأمم المتحدة، مطالبًا بإنهاء تفويض بعثة (يونيتامس)، مشيرًا إلى أن أداء البعثة لم يُحقِّق الهدف المرجوّ منه، وأصبحت لا تُحقِّق تطلُّعات شعب وحكومة السودان، وفي هذا الصدد، أُثيرت عِدَّة تساؤلات، حول أن استمرار النزاع يُمثِّلُ فشلًا لأداء منظمة الأمم المتحدة في السودان، وقد أجاب “غوتيريش”، أن الخطأ في المقام الأول، يكْمُنُ في طرفيْ الصراع، الذين قاموا بالتفريط في مصالح الشعب السوداني؛ من أجل الصراع على السلطة.

وقد نصَّ القرار على إنهاء مهام عمل بعثة الأمم المتحدة في السودان، مطالبًا من (يونيتامس)، البدْء الفوْريّ في وقْف عملياتها داخل السودان، بدْءًا من 4 ديسمبر2023، على أن تبدأ تصفية البعثة، في مارس 2024، وقد قامت 14 دولةً بالتصويت لصالح القرار رقم (2715)، فيما امتنعت روسيا عن التصويت، على الجانب الآخر، قرَّر الأمين العام للأمم المتحدة، تعيين الدبلوماسي الجزائري (رمطان لعمامرة)، مبعوثًا شخصيًّا له في السودان؛ من أجل استكمال جهود السلام داخل البلاد، وقد قرَّر أيضًا إحاطة المجلس خلال 120 يومًا على التوالي، بجهود المنظمة نحو تحقيق السلام والاستقرار داخل السودان.

ما وراء إنهاء تفويض (يونيتامس) وإبقاء مهامها؟

دعا مجلس الأمن إلى نقْل أعمال بعثة (يونيتامس)، بجانب أموالها وبرامجها إلى وكالات الأمم المتحدة؛ بهدف إتمام ذلك بحلول 29 فبراير 2024، بالإضافة إلى الرغبة في إنشاء فريقٍ مع الأمم المتحدة داخل البلاد؛ للإشراف على الأنشطة المتبقية من التعاون المُبَرْمَج الذي بادرت به (يونيتامس) سابقًا؛ نظرًا لأهمية مهام وكالات الأمم المتحدة، وقد شدَّد القرار على ضرورة تصفية البعثة بشكلٍ منتظمٍ؛ من أجل ضمان سلامة موظفي الأمم المتحدة، والعمل الفعَّال لكافَّة عمليات الأمم المتحدة، بما يتضمن تحقيق كافَّةِ المساعدات التنموية والإنسانية، على أن يأذن خلال مدة الانتقال من (يونيتامس) وتصفيتها، بإبقاء العناصر الأمنية الضرورية الموجودة في السودان؛ لحماية العاملين في البعثة والمنشآت والأصول التابعة لها، وقد دعا مجلس الأمن أيضًا كافَّة الأطراف السودانية المعنيّة، بالتعاون التَّام مع منظمة الأمم المتحدة، خلال إنهاء عمل البعثة، بالإضافة إلى متابعة مجلس الأمن بشكلْ دوْريٍّ هذه العملية، وقد أشار الاجتماع أيضًا إلى خطورة الوضع داخل السودان، بجانب المواجهات العسكرية، وتفاقُم الأزمة الإنسانية سُوءًا، والتي أثَّرت على استقرار السودان وسيادته وأمنه.

إن هذا القرار لا يعني في جوهره إنهاء مهام بعثة الأمم المتحدة، ولكن يتمُّ العمل على تحويل هذه المهام إلى وكالات الأمم المتحدة المختلفة، في ظل الظروف الحالية، التي اقتضتها تطوُّرات الحرب، وذلك على اعتبار أن مهام البعثة كانت مهامًا سياسية بحتة، على الجانب الآخر، قد يفتح هذا القرار الباب أمام البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، والذي يختصُّ بتبنِّي مجموعةٍ من التدابير العسكرية، ويسمح بفرْض عقوبات، وإصدار أوامر، بإلقاء القبض على مرتكبي الانتهاكات، والداعيين إلى استمرار الحرب، والعمل على إحالتهم إلى المحكمة الجنائية، وقد يكون ذلك القرار مُلْزِمًا للدولة، حتى وإن أبْدت اعتراضها، وذلك في حال قيام جميع أعضاء مجلس الأمن الدولي بالتصويت لصالح القرار، وفي هذا الصدد، يستوجب على الجهات السودانية التعامُل مع أكثر من مُنسِّقٍ أُممي، بدلًا من التعامُل في السابق مع رئيس البعثة فقط.

تبايُن شديد حول قرار الانسحاب

أثار قرار إنهاء مهمة البعثة الأممية جدلًا كبيرًا داخل السودان، فقد أشار المتحدث السابق باسم وزارة الخارجية السودانية، إلى أن قرار إنهاء البعثة يُعتبر قرارًا مُتسرِّعًا من الحكومة السودانية، وربما يسمح باللجوء إلى استخدام البند السابع، وأشار إلى أن الحكومة أعْطَت بذلك المجتمع الدولي أسبابًا قوية؛ للتدخُّل بصورةٍ أقوى في السودان، وربما يكون التدخُّل العسكري المباشر أمرًا مُرجِّحًا، وقد أشار أحد المحللين السياسيين السودانيين، إلى أن البعثة عملت في ظروفٍ بالغة التعقيد، وفي ظلِّ حالةٍ من الاستقطاب والانقسام الكبير في المشهد السياسي بالسودان، بالإضافة إلى أنه مع اندلاع الحرب، لم تعُدْ الأجْوَاء مواتيةً لاستكمال مهام عمل البعثة، الذي يستلزم في المقام الأول، توافُر الحدِّ الأدْنى من الاستقرار؛ لدعْم عملية الانتقال الديمقراطي.

أشار رئيس الحركة الشعبية أيضًا، إلى أن إنهاء مهام بعثة الأمم المتحدة، لن يأتي في مصلحة إنهاء الحرب في السودان؛ فالمشهد يقتضي مشاركة وكالات الأمم المتحدة؛ لإيصال المساعدات الإنسانية، وتوفير الحماية للمدنيين، وقد أعرب عن استيائه من ذلك القرار، مُحذِّرًا من تداعياته، فمن المحتمل، أن يأتي بنتائج أكثر سلبية على الذين طالبوا بالإنهاء؛ فمِثْل هذا الإجراء، سيُرشِّحُ تصعيد الحرب، بدلًا من السعي نحو إنهائها في أسرع وقتٍ؛ نظرًا لأنها باتت تُشكِّلُ خطرًا على الدولة السودانية، وقد نوَّه أيضًا على أن الدخول تحت بنود الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، يعتمد في المقام الأول على تطورات الحرب؛ ما يُجْبِرُ المجتمع الدولي على اللجوء لتبنِّي ذلك المسار، الذي يتضمن تكاليف واسعة تُؤثِّرُ على السودان.

رحَّبت وزارة الخارجية السودانية بالقرار، وأعْربت في بيانٍ عن مدْى حرصها على وقْف الحرب، ومعالجة آثارها، واستكمال المسار الديمقراطي، من خلال إحياء عمليةٍ سياسيةٍ مُوسَّعةٍ بإرادةٍ وطنيةٍ، تُفْضِي إلى انتخاباتٍ حُرَّةٍ نزيهةٍ، بالإضافة إلى التأكيد على استمرار الارتباط البنَّاء مع منظمة الأمم المتحدة، من خلال تعزيز التعاوُن مع المبعوث الشخصي للأمم المتحدة رمطان لعمامرة، على الصعيد الآخر، وجَّه عبد الله حمدوك رئيس وزراء الحكومة الأسبق، رسالتيْن إلى الأمين العام للأمم المتحدة، ورئيس مجلس الأمن، طالب خلالهما، بالإبقاء على البعثة، وتجديد تفويضها، فقد أضْحَتْ الحاجة إليها اليوم أكثر إلحاحًا، في ظلِّ تفاقُم الصراع، وقد أشار إلى أن الشعب السوداني في حاجةٍ إلى مهام الأمم المتحدة بشكلٍ أكثر من أيِّ وقتٍ مَضَى.

إجمالًا:

لقد اتّضح مدى التبايُن في الآراء ووجهات النظر، حول قرار إنهاء مهام عمل بعثة الأمم المتحدة (يونيتامس) في السودان، وتصاعدت المطالبة للالتزام بالقوانين الإنسانية الدولية؛ لحماية المدنيين، وتحقيق العدالة للجرائم المرتكبة؛ فالمجتمع الدولي لن يترك قضية الحرب في السودان لتأثيراتها الداخلية والخارجية، وفي هذا الصدد، لا يزال البحث مستمرًا مع الشركاء الدوليين، عن البدائل المطروحة، التي تحُول دون الانزلاق نحو هذا المسار، ومن الضروري، أن يتمَّ العمل لدعْم عمليات سياسيةٍ شاملةٍ وشفَّافةٍ، تُمثِّلُ تنُّوع الشعب السوداني بأكمله، بالإضافة إلى مساندة تطلُّعات الشعب السوداني؛ لتحقيق الانتقال الديمقراطي نحو الحكم المدني.

كلمات مفتاحية