إعداد: شيماء ماهر
باحثة في الشؤون الأفريقية
يحظى مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ “كوب 28″ بأهمية كبرى، خاصة في ظل الاهتمام الدولي المتزايد بقضايا التغيُّر المناخي، في ظل التحديات البيئية المتصاعدة التي يشهدها العالم في السنوات الأخيرة، وتعمل دولة الإمارات العربية المتحدة بشكلٍ دائمٍ، سواءً على صعيد المبادرات التي أطلقتها؛ من أجل خفْض البصمة الكربونية للدولة، أو على صعيد المساهمة المناخية في العمل، وبالنظر إلى القارة الأفريقية، نجد أنها تتأثر بشكلٍ كبيرٍ بتغيُّر المناخ، على الرغم من مساهمتها بنسبة ضئيلة في الانبعاثات العالمية، وتحتاج القارة إلى موارد ماليةٍ كبيرةٍ؛ من أجل التكيُّف مع المخاطر المناخية المتصاعدة، وقد امتلكت القارة الأفريقية فرصة كبيرة؛ لبلورة موقفها من هذه الظاهرة؛ انطلاقًا من مؤتمر الأمم المتحدة للتغيُّر المناخي ” COP 27″ الذي عُقد بمدينة شرم الشيخ، وصولًا إلى مؤتمر الأمم المتحدة للتغيُّر المناخي ” COP28 “، والذي سلَّط الضوء على الاستجابات المحتملة للتعامل مع التغيُّر المناخي، الذي يُهدِّدُ دول القارة الأفريقية.
شراكات وركائز متنوعة.. ماذا عن “cop 28″؟
انطلقت فعاليات النسخة الثامنة والعشرين من مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية، بشأن التغيُّر المناخي ” كوب 28″، في مدينة إكسبو دبي، في الإمارات العربية المتحدة، من 30 نوفمبر 2023م حتى 12 ديسمبر 2023م، ويشارك في المؤتمر وفود من 200 دولة، وحضر 70 ألف شخص فعاليات هذا المؤتمر، ويُمثِّلُ مؤتمر الأطراف أكبر منصة عالمية منفردة للدول؛ من أجل التفاوُض على طريقةٍ متفقٍ عليها؛ لمعالجة تغيُّر المناخ.
ويضم هذا التجمع أصحاب المصلحة الرئيسيين المشاركين في تغيُّر المناخ، وهم الحكومات والقطاع الخاص والشباب والمجتمع المدني؛ من أجل تحقيق أعلى الطموحات المناخية، وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة؛ لما فيه من مصلحة أجيال الحاضر والمستقبل، وإتاحة الفرصة لجميع الدول والقطاعات ومؤسسات المجتمع للتعاون وتوحيد الجهود الدولية.
وتقوم خطة عمل رئاسة “كوب 28” على عدة ركائز أساسية، منها تسريع تحقيق انتقال منظم ومسؤول وعادل ومنطقي في قطاع الطاقة وتطوير آليات التمويل المناخي وحماية البشر والطبيعة وتحسين جودة الحياة وسبل العيش، من خلال احتواء الجميع بشكلٍ تامٍ، ضمن منظومة عمل المؤتمر، ويهدف إلى تحقيق تغييرٍ ملموسٍ، والانتقال بمؤتمر الأطراف من كوْنه منصة للحوار والتفاوض إلى اتخاذ إجراءات فعلية؛ من أجل إحداث التغيُّر الإيجابي على جميع المستويات.
أهمية “كوب 28” بالنسبة للدول الأفريقية
شهدت الدورة الثامنة والعشرين من مؤتمر الأطراف حضورًا قويًّا من مختلف الدول الأفريقية، ويكْمُنُ الهدف الرئيسي لمشاركة دول القارة الأفريقية في “كوب 28” في السعي نحو تحفيز عمليات التصنيع بمسارات دعمٍ قويةٍ، وإيجاد آليات تمويل واستثمار مباشر بشروط ميسرة منصفة وعادلة؛ لصالح دعم جهود دول القارة؛ من أجل التعايش مع أزمات المناخ والحيلولة دون تطورها، فضلًا عن الإدراك الجيد لأبعاد أزمة المناخ على أمن وسلم القارة الأفريقية والأمن الغذائي والطاقة وفرص توفير أسس الحياة الكريمة لأكبر عددٍ من سكان القارة الأفريقية.
كما يعمل “كوب 28” على دعم الاستثمارات العالمية، خاصة الأوروبية في القارة الأفريقية، وتوجيهها لمشروعات الطاقة البديلة والمتجددة، خاصة الهيدروجين الأخضر، بالإضافة إلى المبادرات الصناعية والتنموية المتعلقة بتفعيل آليات تطبيق الاقتصاد الأكبر في أكبر نطاق جغرافي ودولي ممكن داخل القارة الأفريقية.
وقد أفسح المؤتمر المجال للدول الأفريقية؛ من أجل التعبير عن تطلعاتها على نحو أوسع، وتبادل تلك التطلعات مع شركاء التنمية وإطلاق مبادرات جديدة، تهدف إلى تسريع خطوات دول القارة؛ من أجل التحوُّل الأخضر، والتغلُّب على التحديات الناجمة عن التغيُّر المناخي، بالإضافة إلى مبادرة التصنيع الأخضر، التي تعكس تطلعاتٍ أفريقية واسعة.
أهم مخرجات “كوب 28” المتعلقة بمكافحة تغيُّر المناخ بأفريقيا
نجح “كوب 28” الذي عُقد في دولة الإمارات العربية المتحدة في تعظيم آمال القارة الأفريقية؛ من أجل الخروج بنتائج استثنائية من هذا المؤتمر؛ من أجل دعم جهود التكيُّف، والتخفيف من آثار التغيرات المناخية، التي تعاني منها دول القارة أكثر من أيِّ مكانٍ آخر، رغم محدودية مساهمتها في الانبعاثات، واتفق المشاركون على تأمين الالتزامات المتجددة بأهداف الرأسمالية، الخاصة ببرنامج تسريع التكيُّف في أفريقيا، بالإضافة إلى تعزيز التعاون بين وزراء المالية والاقتصاد الأفارقة؛ من أجل إطلاق الاجتماع الوزاري لتمويل التكيُّف؛ من أجل أفريقيا، وتعزيز دمْج القدرة على التكيُّف مع تغيُّر المناخ في أجندة التنمية في أفريقيا.
وقد شهد المؤتمر عدد من الفعاليات، والتى تناولت الأوضاع في القارة السمراء الأكثر تضرُّرًا من تداعيات التغيُّرات المناخية، ومن بين هذه الفعاليات قمة تمويل التكيُّف؛ من أجل أفريقيا التي تمَّ انعقادُها في اليوم الثاني من المؤتمر، والتي دعت إلى التعامُل مع احتياجات تمويل التكيُّف بشكلٍ أكبر؛ من أجل معالجة تأثير تغيُّر المناخ، وبناء القدرة على الصمود.
كما دعا المشاركون الجهات المانحة والمستثمرين بالانضمام إلى نافذة العمل المناخي؛ من أجل تقديم تقنيات زراعية مقاومة للمناخ لنحو 20 مليون مزارع، بالإضافة إلى إعادة تأهيل مليون هكتار من الأراضي المتدهورة، وتوفير المياه والصرف الصحي والخدمات الصحية لنحو 18 مليون شخص والطاقة المتجددة لما يقرب من 10 ملايين شخص.
وناقش القادة الأفارقة خططهم؛ من أجل تفعيل التحوُّل الاجتماعي والاقتصادي الشامل، من خلال النمو السريع للمجموعات الصناعية الخضراء، والدور القوي لأسواق التصدير الإقليمية والعالمية للمنتجات والتقنيات الخضراء ذات القيمة المضافة، والتي تُمثِّلُ عاملًا مهمًا لسلسلة قيمة الطاقة النظيفة العالمية.
وأعلنت العديد من الدول الأفريقية، عن اهتمامها للانضمام إلى الاتحاد الرائد لأنظمة تخزين طاقة البطاريات، الذي تمَّ إطلاقه خلال “كوب 28” ومن المحتمل، أن تحدث ثورة في مشهد الطاقة في أفريقيا، من خلال العمل على تطوير حلولٍ متقدمةٍ لتخزين الطاقة؛ من أجل التعاون والابتكار، ومن شروط الانضمام إلى هذا الاتحاد، الوصول إلى التزامات تخزين الطاقة بمقدار 5 جيجاوات حتى نهاية عام 2024م؛ ما يساهم في توفير خارطة طريق؛ من أجل تحقيق 400 جيجاوات من الطاقة المتجددة، في نهاية عام 2030م، ورحَّبت “مصر، وبوركينافاسو، وغانا، وكينيا، وملاوي، وموريتانيا، ونيجيريا، وتوغو” برغبتهم في الانضمام إلى هذا الاتحاد.
والجديرُ بالذكر، أن المنظمات الغير الحكومية تعاونت مع البنك الأفريقي للتنمية على هامش “كوب 28″؛ من أجل إطلاق منصة مشتركة، تحمل شعار ” تحالف مجموعة البنك الأفريقي للتنمية والمجتمع المدني للمناخ والطاقة “، وتكْمُنُ أولويات التحالف في خمسة أهداف رئيسية، متمثلة في التكيُّف والخسائر والأضرار وأنظمة استخدام الغذاء والأراضي وحماية الغابات واستعادتها، وقد دعا التحالف المجتمع الدولي والحكومات وشركاء التنمية على تنفيذ أفضل الممارسات والابتكارات والتقنيات بطريقة شاملة، وإشراك المزارعين والمجتمعات المحلية، وخاصَّة النساء والشباب في نهْجٍ يجمع بين المعرفة العلمية والتقليدية، دون الإضرار بالتنوع البيولوجي، أو المساس بمرونة المجتمع، كما دعا أيضًا الأطراف إلى ضمان أن يكون التكيُّف والمرونة في صميم الاقتصادات الأفريقية المعرضة لتغيُّر المناخ.
مبادرات متنوعة في “كوب 28” تحفز النمو الأخضر في أفريقيا
نتج عن أزمة المناخ تأثيرات حقيقية على المجتمعات في أفريقيا والشرق الأوسط، بما في ذلك الأحداث المناخية القاسية والجفاف والفيضانات وتلوث الهواء والاضطرابات الزراعية، وفي هذه الأثناء، حرص المشاركون في مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ “كوب 28” على إطلاق مبادرة التصنيع الأخضر ومبادرة SAFE، وسوف نقوم بتوضيحهم على النحو الآتي:
مبادرة التصنيع الأخضر
اجتمع الرئيس الكيني، وليام روتو، مع رؤساء الدول الأفريقية، وشخصيات بارزة أخرى، في “كوب 28″، وأطلق مبادرات جديدة، مثل؛ مبادرة التصنيع الأخضر، يتمثل الهدف منها في تسريع وتوسيع نطاق الصناعات والشركات الخضراء في جميع أنحاء القارة الأفريقية، والتخفيف من آثار تغيُّر المناخ والتكيف معه، وتحفيز النمو الاقتصادي الأخضر في القارة، كما تعتبر خطوةً ملموسة؛ من أجل تحقيق إعلان نيروبي، وتفعيل توسيع نطاق التجمعات الصناعية الخضراء، بقيادة القطاع الخاص.
وترتبط مبادرة التصنيع الأخضر بشكلٍ كبيرٍ بالواقع الأفريقي، الذي يعاني من تداعيات البطالة، وانتشار الإرهاب، وعدم الاهتمام بعمليات، وتعمل هذه المبادرة على المساعدة في عمليات التنمية بشكلٍ عامٍ؛ ما يُساهم في خلْق فرص عمل للشباب، بدلًا من الهجرة إلى الشمال وأوروبا، بالإضافة إلى تنمية القارة، والتخلُّص من تداعيات التغيُّر المناخي والسيطرة عليه، وتؤكد هذه المبادرة على أهمية التصنيع الأخضر؛ من أجل تسخير موارد القارة الأفريقية عالية الجودة؛ لضمان الرخاء للجميع؛ إذ يُمثِّلُ التصنيع الأخضر أمرًا بالغ الأهمية؛ من أجل تحقيق طموحات المناخ الجماعية في العالم.
مبادرة SAFE
أطلق قادة من أفريقيا والشرق الأوسط مبادرة SAFE، بالشراكة بين القطاعيْن “العام، والخاص” بقيمة 10 مليارات دولار؛ من أجل تحويل النُّظُم الغذائية لملايين الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي؛ الناجم عن تداعيات المناخ، وسوف تقوم المبادرة SAFE على تنفيذ ممارسات زراعية ذكية مناخيًّا، مثل؛ الزراعة المتجددة والإدارة المتكاملة لخصوبة التربة والري بالطاقة الشمسية، وتهدف إلى تعبئة الاستثمارات الاستراتيجية من المستثمرين من القطاعيْن “العام، والخاص”؛ لمعالجة قضايا الأمن الغذائي، وتحسين سُبُل العيْش، وخلْق فرص عمل خضراء.
وتمثل مبادرة SAFE لأفريقيا والشرق الأوسط مثالًا واضحًا للتعاون من أجل مواجهة تحديات الأمن الغذائي، وتغيُّر المناخ، وضعف سُبُل العيش الريفية، خاصة أن هناك ضرورة مُلِحَّة من أجل تسهيل حصول البلدان النامية على التمويل والتكنولوجيا المتعلقة بالمناخ، مع الأخذ في الاعتبار، المستويات الحالية للديون الداخلية والخارجية للبلدان الأفريقية، وسوف تعمل هذه المبادرة على تحسين حياة الأفراد بطريقة مستدامة، وقادرة على التكيُّف مع تغيُّر المناخ.
ختامًا:
تحتاج القارة الأفريقية إلى زيادة تمويل التكيُّف، الذي تصل نسبته إلى 39% من إجمالي تدفقات تمويل المناخ إلى أفريقيا بسرعة في السنوات المقبلة؛ من أجل تمكين القارة من إدارة المخاطر المناخية المُعقَّدة والمتصاعدة، التي تهدد المجتمعات واقتصادها؛ فهي الأكثر تضرُّرًا من التغيُّرات المناخية، على الرغم من مساهمتها بنسبة ضئيلة في الانبعاثات، بالمقارنة بالقارات الأخرى؛ الأمر الذي يستلزم تبنِّي سياسات إيجابية، وتنفيذ الحلول التي تمَّ تقديمها لمجابهة التغيُّرات المناخية التي تُؤثِّرُ على القارة الأفريقية، وعليه؛ لا بُدَّ من العمل على تبنِّي الخطط والسياسات الوطنية، التي ترتبط بالتكيُّف مع التغيُّرات المناخية أو التخفيف من المخاطر المرتبطة بها، وتبنِّي الترتيبات والسياسات الأفريقية المشتركة، التي تقوم على التنسيق البيئي؛ للاستجابة لهذه الظاهرة .