عرض تحليلي لمقال بعنوان: “ما تحتاج إسرائيل معرفته حول الحرب”

إعداد: مروة سماحة

المقدمة:

في خِضَمِّ حالة التوتُّر والخلاف المُعْلَن بين إدارة الرئيس جو بايدن، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، التي بدأت بتوجيه “بايدن” انتقادات حادة لـ”نتنياهو” على خلفية الحرب على غزة، وحذَّره من أن القصف العشوائي على القطاع يُخْسِرُ إسرائيل التأييد الدولي.

وفي ضوْء ذلك، كتب الكاتب الصحفي توماس فريدمان، مقالة في جريدة نيويورك تايمز الشهيرة، بعنوان ” ما تحتاج إسرائيل معرفته حول الحرب”؛ ليُدْلِي بتلك المقالة عدة محاور كتوصيات لتغيير إسرائيل سياستها وتحركاتها التكتيكية؛ لتخرج من حيِّز دافع الغضب الأعمى إلى العقلانية والرؤية الاستراتيجية المستقبلية، وفي ذلك التقرير، سيتم الاستفاضة في ذلك المقال وعرضه بشكلٍ تحليليٍّ.

توماس فريدمان

هو كاتب صحفي أمريكي، من مواليد العام 1953، وهو أبرز كُتَّاب الصحيفة الأمريكية نيويورك تايمز، وله العديد من المؤلفات المعنيّة بتحليل الواقع السياسي، لا سيما في الشرق الأوسط، وتقديم الرُّؤَى تجاه ما يدور من أحداث، ومن بين مؤلفاته “خطوط طول وعرض: استكشاف العالم بعد 11 سبتمبر”، ويُعَدُّ “فريدمان” من بين أولئك الكُتَّاب المؤيدين لفكرة ضرورة تسوية الصراع “العربي – الإسرائيلي”، بالإضافة إلى معارضته الحكومات اليمينية المتطرفة في إسرائيل.

أبرز ما طرحه الكاتب في المقال:

استمرار الغزو البري يدفع إسرائيل نحو الهاوية الأبدية في غزة.

“قبل أن تَشْرَعَ في رحلة الانتقام، احفر قبريْن، أحدهما لعدوك والآخر لنفسك”، هكذا استهلَّ “فريدمان” مقالته بعبارة مأثورة لـ”كونفوشيوس”، مُوجِّهًا ذلك للقيادة السياسية والعسكرية بإسرائيل، وحثّها على التدبُّر في عواقب حربها البرية على غزة، التي شنَّتْها بعد هجوم السابع من أكتوبر، مُحذِّرًا من أن استمرار الغزو البري سيؤدي لامحالة إلى تورُّط إسرائيل في غزة إلى الأبد، وأن تصبح كل “علل” القطاع تحت مسؤوليتها، وأن تضطر إلى إدارة سكانه، الذين يزيد عددهم على مليونيْ شخصٍ، يرْزَحُون تحت وطْأَة أزمةٍ إنسانيةٍ.

وأشار الكاتب، أن الأسوأ في ذلك السيناريو، هو ما سيجنيه الجيش الإسرائيلي من تلطيخٍ لسمعته، وفقدانه للثقة الداخلية لسكان إسرائيل، التي سبق أن اهتزت بشدة بعد السابع من أكتوبر، وفي ذلك السياق، أكَّد الكاتب، أن ما يُثِيرُ قلقه منذُ بداية الحرب، هو ما سينصب في مصلحة إسرائيل في النهاية ليس تعاطفًا مع حماس، فتحرُّكات إسرائيل التي شنَّتْها في صباح اليوم الثامن من أكتوبر، كانت تحرُّكات عاطفية مغمورة بالغضب الأعمى وروح الانتقام المحتقن، وأصبح الهدف المحرك لسياسة إسرائيل على المستوييْن التكتيكي والاستراتيجي، هو القضاء على حماس كُليًّا، واقتلاع جذورها من غزة سياسيًّا وماديًّا وأيدلوجيًّا، بجانب تحرير الرهائن، وهذا هدفٌ – وفقًا للكاتب – بعيدٌ للمنال كُلَّ البُعْد، وكان لا بُدَّ وأن يخلقوا للتفكير الواقعي والرُّؤَى المستقبلية حيِّزًا في تحرُّكاتهم.

أمريكا بعد 11 سبتمبر نموذجًا جَيِّدًا لرسم خارطة الحرب أمام إسرائيل

ثم انتقل الكاتب ليقارن بين العملية العسكرية التي تُنفِّذُها إسرائيل – الآن – في قطاع غزة؛ انتقامًا لهجوم حماس عليها، في السابع من أكتوبر، وبين الحربيْن اللتيْن شنَّتْهما الولايات المتحدة على “أفغانستان، والعراق”، عقب هجمات 11 سبتمبر 2001، على مدينتيْ “نيويورك، وواشنطن” “ اللتين دفعتا ثمنًا باهظًا للغاية.
وجاء “فريدمان” باقتراح أن تقتدي إسرائيل بوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) التي أنشأت “خلية حمراء”، أو بصيغة أُخرى “فريقًا أحمر” وهي مجموعة من موظفي الاستخبارات خارج سلسلة القيادة العسكرية أو السياسية المباشرة، والتي توكل لها أساسًا مهمة فحْص خطط الحرب وأهدافها لـ”العراق، وأفغانستان”، وإخضاعها للاختبار، باقتراح بدائل متناقضة للأهداف القابلة للتحقيق؛ لاستعادة الأمن والرَّدْع الأمريكي.

في سياق مواجهة التحديات في نقْل النِّزَاع البري من شمال غزة إلى جنوبها، يقترح “فريدمان”، تأسيس “فريق أزرق” إلى جانب إقامة “فريق أحمر”، هذا ليس فقط لتحديد كيفية التعامُل مع حماس في غزة، ولكن أيضًا لإجراء تقييٍم نقديٍّ للأفعال التي يقوم بها الفريق الأحمر، يشير إلى أنه من الضروري لإسرائيل، أن تشهد مناقشات داخلية أكثر حيوية؛ حيث تمضي البلاد في حربٍ ذات أهدافٍ متنوعةٍ ومتعارضةٍ.

كيف يمكن أن تُدَارَ الحرب بالنسبة للفريق “الأحمر والأزرق”؟

أمام التحديات التي تواجه إسرائيل في نقْل مسرح النزاع البري من شمال قطاع غزة إلى جنوبه، يقترح “فريدمان” على الفريق الأحمر الإسرائيلي، اعتماد بديلٍ “صارم”، يدعو إلى وقْفٍ دائمٍ لإطلاق النار، يتعين أن يتبع هذا الوقف انسحابًا فوريًّا لجميع القوات الإسرائيلية من قطاع غزة؛ بشرط أن تُعِيدَ حماس جميع الأسرى، الذين لا يزالون في حوْزتها، سواء كانوا مدنيين أو عسكريين، بالإضافة إلى تسليم جميع جُثث القتلى الإسرائيليين، دون مقابل، يجب أن تكون هذه الخطوة مُحدَّدة، بعدم الحصول على أيِّ أسرى فلسطينيين بديلًا في هذا السياق.

ويعتبر الكاتب الأمريكي هذا البديل “صفقة نظيفة”؛ حيث تحتفظ إسرائيل بحق تقديم قادة حماس الرئيسيين، الذين خطَّطوا لـ”مذبحة” السابع من أكتوبر، إلى العدالة في المستقبل، ويُحدِّدُ “فريدمان” خمس مزايا يُمكن تحقيقها، من خلال مقترحاته لإسرائيل عبْر الفريق الأحمر:

1 ـ يسلط الضوء على أن كل الضغوط التي تهدف إلى وقْف إطلاق النار لحماية المدنيين في غزة، ستكون مسؤولية حماس، وليس إسرائيل، وبهذا، ستتأكد إسرائيل من أن حماس لن تُحقِّقَ “نصْرًا كبيرًا” من الحرب.

2 ـ يشير إلى أن الفريق الأحمر سيتولَّى الردَّ على شكاوى البعض في إسرائيل، الذين يروْن أن الغزو لم يُحقِّقْ هدفه المُعْلن؛ ما يعني انتصارًا لحماس، وسيكون الرَّد على أن هذا الهدف لم يكن واقعيًّا من البداية، خاصَّةً مع عدم رغبة الحكومة الإسرائيلية في العمل مع السلطة الفلسطينية “الأكثر اعتدالًا” في الضفة الغربية؛ لإيجاد بديلٍ لحماس يُدِير قطاع غزة.

3 ـ يؤكد “فريدمان” أن البديل المُتشدِّد الذي سيتبنَّاه الفريق الأحمر، سيخلق نَمَطًا مماثلًا من الرَّدْع لحماس، تمامًا، كما حدث بفعل القصف الإسرائيلي المدمر للمجتمعات المؤيدة لحزب الله في الضواحي الجنوبية لبيروت، خلال حرب عام 2006، ويشير “فريدمان” إلى أن أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، لم يتجرأْ على إثارة حربٍ واسعة النطاق مع إسرائيل منذ ذلك الحين.

4 ـ يرى الكاتب، أن خروج إسرائيل من غزة مقابل وقْف إطلاق النار تحت مراقبة دولية، سيُتِيحُ لها التركيز بشكلٍ أكبر على التحديات الاستراتيجية، التي تُشكِّلُها حزب الله في جنوب لبنان.

5 ـ فإن من بين أكبر الفوائد الاستراتيجية، التي يُمكن أن تترتب على مقترحات “فريدمان”، هي أن الفريق الأحمر يمكنه أن يدعي وجود ترياق داخل إسرائيل، يُمكنها من التعافِي واستئناف جهودها في تحقيق التطبيع مع جيرانها العرب، وإقامة علاقات مستقرة مع القيادة الفلسطينية الأكثر اعتدالًا في الضفة الغربية، ويعتقد “فريدمان” أن هذا لن يكون ممكنًا، إلا بعد إزاحة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من منصبه.

أما الفريق الأزرق الذي يقترحه الكاتب الأمريكي، فسيُثار التساؤل، حوْل كيفية التعامل مع رفْض القيادي في حماس، يحيي السِّنْوَار؛ لوقف النار فقط، وبدلًا من ذلك، يُصِرُّ على إخراج 6 آلاف فلسطيني ونصف من السجون الإسرائيلية، معلنًا استعداده لتحمل تكلفة هذا الإجراء، ومواجهة الرأْي العام الغربي، وفي حالة استمرار هذا الرفض، ستظل إسرائيل مُعلَّقة في مأزق غزة.

وبالتالي، سيقوم الفريق الأزرق بتقديم فكرةٍ أفضل، تتمثل في خفْض مستوى أهداف إسرائيل في الحرب، والإعلان أن هدف جيشها ليس محْو حماس تمامًا، ولكن تقليص قدرتها القتالية بشكلٍ كبيرٍ، بدلًا من ذلك، ستعلن إسرائيل انسحابها من غزة، وإقامة نطاقٍ ومخافرَ أمامية على عُمْق ميلٍ واحدٍ داخل حدود القطاع؛ لضمان عدم تعرُّض مستوطناتها الحدودية لهجوم بري، مشابه لما حدث في السابع من أكتوبر.

وأخيرًا، سيتولَّى الفريق الأزرق مهمة إبلاغ القيادة الإسرائيلية، بأنها يجب أن تتوقف عن الكذب على نفسها وعلى الجمهور، ويشير الكاتب إلى أن إسرائيل، في حال محاولتها الاحتفاظ بغزة بالكامل، ستُثير شكوكًا هائلةً في أذهان الناس بشأن الجيش، وسيُشكِّكُ السَّاسة في هدفها الغير قابل للتحقيق، في المجمل، يرى “فريدمان” أن إسرائيل بحاجة إلى هذا النَّوْع من الحوار الداخلي؛ حيث يمكن للفريقين الأحمر والأزرق تذكير القيادة، بعدم وجود “نتيجة مثالية” بانتظارها في غزة، وأن ترويض غزة – بشكلٍ نهائيٍّ – يظل دائمًا “ضرْبًا من الخيال”.

وفي المجمل:

على عكس الطابع الغالب لمقالات “توماس فريدمان” التي يغْلُب عليها الموضوعية، فقد كان لذلك المقال صدى مُدويًّا من التحيُّز الأعمى غيْر المُبرَّر للجانب الإسرائيلي، صارفًا النظر عن جرائم الحرب الشنيعة التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي بحقِّ المدنيين من غزة، الذي وصل ضحاياهم – حتى الآن – ما يقرب من 25 ألف شهيدٍ؛ فإسرائيل بالنسبة للصحافة الغربية، وكُتَّاب الرأْي ” كيان مُدلَّل خارج عن نطاق المساءلة والنَّقْد”.

كذلك يُعَدُّ تأكيده المتكرر، أن إسرائيل هي الطَّرف المنتصر – حتى الآن – من حيث مقارنة عدد قتلى حماس بقتلى غزة، ما هو إلا تأكيد بوحشية الاحتلال وإخفاقه عن أحداث أية انتصارات، من أهدافه المعلنة بإبادة كيان حماس، فكل ما يفعله هو قتل المدنيين والصحفيين، الذي راح ضحاياهم – حتى الآن – قُرَابة ٨٠ شهيدًا، كما أن وصْف ما حدث في إسرائيل بـ ١١ سبتمبر، أمر به تهويل وتعظيم للخطر، فإسرائيل كيان استيطاني محتل، ومعظم ضربات حماس كانت في المستوطنات التي احتلها الكيان، وفقًا للأمم المتحدة، فيجب أن يُدْرِكَ “فريدمان” أن الشيطان الأكبر هي إسرائيل وليس حماس.

كلمات مفتاحية