قمة الـ”إيجاد” تبحث الأوضاع في السودان: فهل تنجح في حلحلة الأزمة أم تكون حلقة مُفْرغة من المناورات السياسية؟

إعداد: عنان عبد الناصر

باحثة متخصصة في الشؤون الأفريقية

انعقدت الجمعية الاستثنائية الـ (41) لرؤساء دول الهيئة الحكومية المعنية بالتنمية “إيجاد”، في التاسع من ديسمبر 2023، بجمهورية جيبوتي، وجاءت هذه القمة في إطار الجهود الدولية المبذولة لوقف الحرب المستمرة في السودان، وقد تصاعدت الجهود الدبلوماسية لحلِّ هذه الأزمة، منذ اندلاع الحرب في منتصف أبريل الماضي، ولذلك فكانت هذه القمم المنعقدة بمثابة تعهُّدات دولية وإقليمية؛ هادفة إلى تحقيق السلام داخل السودان الذي مزقته الحرب، ولكن هذه الجهود والتحرُّكات الدبلوماسية لم تُسْفِرْ بخطوات حاسمة في حلحلة الأزمة، ومن هذا المنطلق، هناك مجموعة من التساؤلات المُثَارة حول إسهام قمة الـ”إيجاد” في التوصُّل إلى اتفاقٍ فعليٍّ لوقف الحرب بين طرفيْ الصراع، والوصول إلى تسويةٍ سياسيةٍ سليمةٍ في البلاد.

خارطة الـ”إيجاد” لتسوية الأزمة في السودان

حَظِيَتْ القمة الطارئة لمنظمة الـ”إيجاد” بمشاركة دولية وإقليمية واسعة، وقد جاءت هذه القمة تأكيدًا على رغبة منظمة “الإيجاد” في وقفٍ غير مشروطٍ لإطلاق النار داخل السودان، وخلْق مخرجٍ سريعٍ للحرب، من خلال تبنِّي الحوار السياسي والعودة إلى الحكم الدستوري المدني، وكان ذلك انطلاقًا من المسؤولية المشتركة والجماعية للبحث عن آفاق السلام الدائم، وشارك في القمة أيضًا ممثلين عن الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي، وشدَّدت القمة على ضرورة التزام جميع الدول بالحياد، والامتناع عن تقديم الدعم العسكري أو المالي لطرفيْ الصراع داخل السودان، وكان ذلك انطلاقًا من أن الحل العسكري لا يُسْهِم في إنهاء الأزمة، بل يفاقم الأوضاع سُوءًا، وأنه لا بُدَّ من إجراء حوارٍ سياسيٍّ يُسْفِر عن حلولٍ مستدامةٍ، وذلك بمشاركة جميع الفئات وأصحاب المصلحة المعنيين داخل البلاد، بما يشمل كافَّة المؤسسات السودانية من منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية والنقابات العمالية، والخبراء والسياسيين، وذلك تحقيقًا لتطلُّعات الشعب السوداني في الوصول إلى التحوُّل الديمقراطي المنشود.

وناقشت القمة آلية دولية تستند على رؤية أعلن عنها الاتحاد الأفريقي، في إطار الجهود الدبلوماسية لوقف الحرب، والتي تشمل وقف إطلاق النار، وتحويل الخرطوم إلى منطقةٍ منزوعة السلاح، بجانب مساعي نشْر قوات أفريقية في السودان لتأمين المؤسسات الاستراتيجية داخل العاصمة، فهذه التحرُّكات السياسية تُوحي بأن الخطوات التي تبنَّتها منظمة “الإيجاد”، تهدف إلى الوصول لمُخْرجات عملية يمكن تطبيقها لإنهاء الصراع خلال الفترة المقبلة، بالإضافة إلى أن المفاوضات بدأت من نقاطٍ متقدمةٍ؛ حيث قامت ببناء خطواتها استكمالًا لما تمَّ التوصُّل إليه في مسار منبر جدة، والذي شهد تعثُّرًا؛ نتيجة عدم الالتزام بتنفيذ بنوده.

هل يغلق باب الحلول السلمية لوقف الحرب؟

إن السعي نحو تحقيق السلام والاستقرار ضرورة مهمة، يحتاجها السودان في ظل الظروف الراهنة، وفي هذا الصدد، أعرب رئيس مجلس السيادة الانتقالي، عبد الفتاح البرهان، عن دعمه للجهود المبذولة لتسوية الأزمة السودانية؛ تأكيدًا وحرصًا منه على تحقيق السلام، وإيقاف التدمير الممنهج الذي يشهده السودان، والتصدِّي لسياسات التمرُّد الذي لا يمتلك أيَّ إرادة سياسية لوقف الحرب وتداعياتها الكارثية، وأوضح “البرهان” خلال القمة، أن منظمة “الإيجاد” يمكن أن تُسْهِم بدوْرٍ أساسيٍّ في حلِّ الصراع؛ لاعتبارها المنظمة الأقرب لفهْم واقع السودان وما يجرى فيه حاليًا، بجانب دورها التاريخي لتحقيق السلام في الأزمات التي شهدها السودان، وقد تمَّ التأكيد على ضرورة تبنِّي الحل السلمي، وحظْر كافَّة التدخُّلات الخارجية في الأزمة، المتمثلة في مواصلة إمدادات السلاح، سواء من داخل أو خارج الإقليم؛ نظرًا لما تؤديه من إطالة أَمَدِ الحرب.

فالاتجاه نحو وقف إطلاق النار، لا بُدَّ أن يعقبه عملية سياسية شاملة، ترتكز في المقام الأول إلى إرادة وطنية خالصة؛ للتوصُّل إلى توافقٍ وطنيٍّ، وذلك لإدارة المرحلة الانتقالية، وإجراء الانتخابات العامة داخل البلاد، فالوصول إلى السلطة لا يتم إلا من خلال الانتخابات، فحمل السلاح وشنّ الحروب لا يمكن أن يكون وسيلةً للحصول على امتيازات سياسية غير مستحقة، بالإضافة إلى ضرورة تطبيق مبادئ المحاسبة لكافَّة المتمردين؛ لاعتبارها السبيل الوحيد لعدم تكرارها مرةً أُخرى، وفي هذا الصدد، نتوصل إلى نتيجة مهمة، مفادها؛ أن باب الحلول السلمية لوقف الحرب داخل السودان لم يُغْلَق، وذلك في إطار تصاعُد المساعي الدبلوماسية، سواء من داخل الدولة أو خارجها؛ لوقف نزيف الحرب، وتحقيق الاستقرار، وإعادة بناء البلاد.

مخرجات متعددة لقمة “الإيجاد”

اختتمت منظمة الـ”إيجاد” قمتها المنعقدة في جمهورية جيبوتي؛ لإنهاء الاقتتال الذي يشهده السودان، بالإضافة إلى توحيد المواقف المشتركة؛ لدعم سُبُل الوساطة التي تهدف إلى إخماد بُؤَر الصراع المشتعلة داخل البلاد، وقد تمخَّض عن هذه القمة مجموعة من المخرجات والنتائج، وفقًا للبيان الختامي للقمة، وتمثَّلت في الآتي:

  • نجحت القمة في الحصول على التزامٍ من قِبَلِ طرفيْ الصراع، بضرورة الاجتماع على الفور؛ تمهيدًا للاتفاق على وقْف كافَّة الأعمال العدائية، وهو ما تمَّ اعتباره بمثابة خطوة حاسمة؛ لمناقشة تدابير بناء الثقة، وتمهيد الطريق أمام العملية السياسية داخل السودان.
  • حثّ جميع الدول الأعضاء في الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية “إيجاد” إلى تقديم الدعم الإنساني، وذلك للتخفيف من حِدَّة الأزمة الإنسانية التي يشهدها السودان منذ اندلاع الحرب.
  • الإقرار بكافَّة المبادرات الموجهة نحو إعادة إحلال السلام في السودان، وتوحيد كافَّة الجهود، في إطار دعم العملية التي تقودها المنظمة والاتحاد الأفريقي؛ لرسم مسارٍ مُوَّحد للسلام، بالإضافة إلى مواصلة تأييد خارطة الطريق المتَّبعة من قِبَلِ مجلس السلم والأمن، التابع للاتحاد الأفريقي، ومجلس الأمن التابع لمنظمة الأمم المتحدة، وذلك في ضوْء حشْد جهود المجتمع الدولي للتضامن مع شعب السودان.
  • إنشاء إطارٍ للهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية “إيجاد”، يتألف من دبلوماسيين ومجموعة من الخبراء والسياسيين، الذين ترشحهم الهيئة، وذلك للاضطلاع بمهام وجهود الوساطة في السودان، بالإضافة إلى تعيين مبعوث خاصٍّ للهيئة داخل السودان؛ ليتولَّى مسؤولية قيادة وتنسيق الجهود الخاصة بالوساطة التي تبذلها المنظمة، في إطار خارطة الطريق التي تتبناها لعملية السلام.

بين التأييد والرفض.. أبرز ردود الفعل حول مخرجات قمة الـ”إيجاد”

لقد تباينت ردود الفعل تجاه مخرجات قمة الـ”إيجاد”، فبين التأييد والرفض، تعدَّدت الآراء حول فعالية هذه القمة وإسهامها في حلحلة الأزمة، فعلى سبيل المثال، نجد أن هناك ترحيبًا دوليًّا واسعًا بالبيان الختامي للقمة، وإمكانية إسهاماتها في وقف الحرب، فرحَّب الأمين العام للأمم المتحدة بالجهود التي بذلتها المنظمة، وأعرب عن التزام منظمة الأمم المتحدة بدعم جهود الوساطة التي يبذلها جميع الشركاء الأفارقة؛ من أجل تعزيز العمل مع أصحاب المصلحة؛ لإنهاء الحرب في السودان.

وقد أشادت الولايات المتحدة الأمريكية بنتائج القمة، وأكَّدت على ضرورة الوقْف الفوري للقتال بين قوات الجيش والدعم السريع، والوفاء بكافَّة الالتزامات المعلنة، والبدْء في المحادثات دون تأخير، وأكدت الخارجية الأمريكية على رؤيتها أنه لا قبول للحل العسكري في السودان، وشدَّدت على التزامها بالتنسيق مع كُلٍّ من الاتحاد الأفريقي ومنظمة الـ”إيجاد” وكافَّة الشركاء الآخرين؛ من أجل معالجة كافَّة القضايا في السودان، واستئناف عملية التحوُّل الديمقراطي.

نجد على الجانب الآخر، أن الخارجية السودانية أعلنت رفضها للبيان الختامي للقمة، وأشارت إلى أن “البرهان” وضع مجموعةً من الشروط لإتمام اللقاء مع الدعم السريع، وكان في مقدمتها؛ خروج قوات الدعم السريع من جميع المرافق المدنية ومنازل المواطنين، ويتم تجميعهم في مكانٍ واحدٍ خارج العاصمة، فيما أعربت قوات الدعم السريع في بيانٍ لها، على موافقتها على مبدأ الاجتماع مع “البرهان”، ولكن بشرط أن يأتي إلى ذلك الاجتماع المقترح، بصفته قائدًا للجيش، وليس رئيسًا لمجلس السيادة.

ختامًا:

نجد أن هناك مجموعة ًمن المخاوف حول تصدُّر المناورات السياسية المشهد في السودان، وخاصَّةً المخاوف المتعلقة بخطة منظمة الـ”إيجاد”؛ لوقف الحرب داخل السودان، ولكن في ضوْء تبنِّي خارطة طريقٍ واضحةٍ لإنهاء الحرب، فإن فُرَص المناورة في تلك المرة، ستكون ضعيفةً للغاية؛ نظرًا لاتجاهها نحو محاصرة طرفيْ الصراع بخطة مُحكمة، تستند إلى ركائز محددة للتعامل مع الأزمة، ومن هذا المنطلق، فإن الالتزام بنتائج ومخرجات هذه القمة سينكشف سريعًا، فإمَّا سيكون بمثابة نقلة حقيقية لتغيُّر الأوضاع، ووقف الحرب داخل السودان، أو الوصول إلى طريقٍ مسدودٍ؛ تمهيدًا لمبادرة مقبلة.

كلمات مفتاحية