بقلم السفير محمد الصوفي
تعيش العلاقات الدبلوماسية بين دولتي مالي والجزائر الجارتين أزمة دبلوماسية منذ أيام، أصلها حسب ما أعلنته السلطات المالية هو استضافة الجزائر لممثلين للجماعات المسلحة الانفصالية لإجراء مشاورات وكذلك استقبال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون للإمام محمود ديكو، الشخصية الوازنة في المشهد السياسي في مالي ومن القلائل الذين عبروا عن عدم رضاهم عن بعض قرارات المجلس الانتقالي العسكري الحاكم.
وتجسيدا لهذا الموقف استدعت مالي سفيرها في الجزائر وردت الجزائر بالمثل على هذا الإجراء معلنةٌ أن الغرض من استقبال وفود الجماعات المالية الانفصالية هو التشاور من أجل تفعيل اتفاق السلام الموقع سنة 2015.
ولكن السؤال كما هو وارد هو هل أخطرت الجزائر في نفس الوقت الحكومة المالية رسميا بهذه المشاورات ذلك أن الأعراف الدبلوماسية تقتضي في مثل هذه الحالات أن يتم إشعار السلطات الرسمية بمثل هذه الإجراءات.
السلطات المالية تذرعت بأن حكومة الجزائر لم تبلغها بدعوة هذه الجماعات وسبق لوزير الخارجية الجزائري أن صرح بأن بلاده قد دعت جميع الأطراف المالية إلى تجديد التزامها باتفاق السلام والمصالحة المنبثقة عن مسار الجزائر.
وإذا كان المراقبون يستغربون أن تكون الجزائر قد استضافت هذه المشاورات دون إشعار الحكومة المالية الرسمية أو دعوتها فإنهم من ناحية أخرى يعتبرون أن مبادرة الجزائر بفتح مشاورات بين جميع الأطراف واردة في هذه الفترة و لا غرابة فيها.
إذا كانت الحكومة المالية قد أخذت على نظيرتها الجزائرية عدم إخطارها بمبادرة استضافة الجماعات المسلحة من أجل التشاور فذلك وارد ولكن ما هو غير معقول من وجهة نظر المتابعين للملف هو أن تأخذ مالي على الجزائر محاولة تحريك الملف من حيث المبدأ.
فالمعروف أن مالي قد عرف الكثير من الأزمات الداخلية ومن المعروف كذلك أن جميع الاتفاقيات التي تمت بين مالي والحركات الانفصالية قد تمت بوساطة جزائرية سواء تعلق الأمر بالاتفاقيات الموقعة في مدينة تمانراست الجزائرية منذ تسعينيات القرن الماضي أو قبل ذلك، فقد كانت الدبلوماسية الجزائرية والنفوذ الجزائري وراء جميع تلك الاتفاقيات.
وقد تكون الجزائر التي ساهمت واحتضنت وقادت جميع المفاوضات السابقة بما فيها اتفاق 2015 قد رأت من الضروري سبر آراء أطراف الأزمة ولكن هناك أمور قد تكون زادت من تعقيد الوضعية منها أن السلطات المالية أصبحت منذ عدة أشهر تضع الجماعات المسلحة الموقعة على اتفاق الجزائر في نفس السلة مع الجماعات الأخرى التي توصف بالإرهابية مثل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين بقيادة إياد اغ غالي في حين أن الجزائر تفصل بين هذه الجماعات فهي ليس لها نفس الموقف من هذه الجماعات.
هناك أيضًا عامل آخر ظرفي هو أن هذه الخصومة الدبلوماسية جاءت أثناء وجود وزير الخارجية المالي في مراكش للمشاركة في مؤتمر إقليمي دعا له المغرب الدول الثلاث مالي وبوركينافاسو والنيجر الأعضاء في ما أصبح يعرف منذ شهور بتحالف الساحل بعد قطيعة هذه الدول مع فرنسا الدولة المستعمرة السابقة.
وطبعا للمغرب دوره المتنامي في المنطقة خدمة لنفوذه وخدمة لملف الصحراء الغربية ولكن طبيعة علاقات المغرب مع مالي تختلف إلى حد ما عن طبيعة علاقات مالي مع الجزائر ودون أن نجري مقارنة بمنطق المنافسة بين الجزائر والمغرب على ملف مالي يمكن القول إن علاقات المغرب مع مالي هي علاقات اجتماعية إنسانية تعود تاريخيا إلى حقبة أقدم من علاقات مالي مع الجزائر وذلك من خلال قوافل التجارة التي كانت تذهب من المغرب باتجاه غاوه وتمبكتو قبل حقبة الاستعمار في مالي وكانت هذه القوافل تعود بالذهب بعد أن تكون قد حملت الملح وغيره من السلع. كما أن رحلات الحج من مالي كانت تمر عبر المغرب مرورا بالصحراء في كثير من الحالات.
أما علاقات الجزائر مع مالي فهي تعود أساسا إلى حقبة الاستقلال وخاصة حرب التحرير في الجزائر حيث كانت القواعد الخلفية للمنطقة السابعة التي كان يقودها الرئيس السابق بوتفليقة تتحرك من الأراضي المالية كما هو معروف، هناك فرق آخر في هذه العلاقات هو أن الجزائر مجاورة لمالي وذلك زاد من قوة العلاقات بينهما ولذلك كانت الجزائر في الفترة الأخيرة تلعب دورا في جميع الملفات المالية ومن الصعب تناول الملف في شمال مالي دون أن تلعب الجزائر فيه دورا كما أن المغرب يلعب هو الآخر دورا آخر ففي السنوات الماضية قام الملك محمد السادس بجولة إفريقية شملت مالي وغيره من الدول الإفريقية جنوب الصحراء كما أنه استحدث معهدا في المغرب لتكوين الأئمة لنشر الإسلام المعتدل في وجه مد التطرف الذي يعتبر أحد عوامل الأزمة القائمة في شمال مالي.
من المنتظر أن تكون الأزمة الحالية بين مالي والجزائر ظرفية و تنتهي بعد تجاوز بعض المعطيات الطارئة وحين يتم تحريك ملف شمال مالي بصفة جدية من أجل تسويته فلابد أن تلعب الجزائر فيه دورا وبالتالي ستكون السلطات المالية مجبرة على مراجعة موقفها من الأزمة اللهم إلا إذا طرأت تطورات بين البلدين كاتهام الجزائر بدعم بعض الحركات أو قرار من السلطات المالية بالتصعيد أو الدفع نحو القطيعة مع الجزائر.
فإذا لم تحدث تلك التطورات فالمنتظر حسب المؤشرات المتاحة أن لا تذهب الأزمة بعيدا وقد يكون من نتائجها بالنسبة للمغرب سحب السلطات المالية لاعترافها بالجمهورية العربية الصحراوية وإعلانها الاعتراف بمغربية الصحراء الغربية.