دلالات ورسائل متعددة: ماذا عن لقاء حمدوك وحميدتي في أديس أبابا؟

إعداد: عنان عبد الناصر

باحثة متخصصة في الشؤون الأفريقية

تكتسب بعض الدول الأفريقية من الخبرات في مجال السلام وحل الصراعات ما يؤهلها لأداء دور الوساطة لحل الأزمات، ولا سيما الأزمة السودانية، حتى ولو لم تكن جهودها ناجحة دائمًا، ولكن بالرغم من سيْر المبادرات الأفريقية بصورةٍ طبيعيةٍ؛ نجد أنها لا تشهد ترحيبًا كبيرًا، ومن ثَمَّ تبدو جهودها غيْر فعَّالة في حسْم الصراعات، وفي هذا الصدد، استضافت العاصمة الإثيوبية حوارًا سودانيًّا حاسمًا؛ حيث انعقد اجتماع بين تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) برئاسة (عبدالله حمدوك) وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، يوم الإثنين 1/1/2024م؛ لبحث إنهاء الحرب داخل السودان، وقد جاء هذا اللقاء على إثْر الخطابات التي أرسلتها تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية لقائدي قوات الجيش والدعم السريع؛ من أجل عقد لقاءات عاجلة؛ لبحث القضايا المهمة، الخاصة بسُبُل وقف الحرب، من خلال تبنِّي تسوية سياسية سلمية داخل السودان، وفي هذا الصدد، كان هناك استجابة من قِبَلِ قوات الدعم السريع، ومازالت (تقدم) تتواصل مع قائد قوات الجيش (عبد الفتاح البرهان)؛ لتحديد موعد للقاء، وقد أبدى البرهان موافقته بشكلٍ مبدئيٍّ، ولكن هناك انتظار للموافقة النهائية، ومن ثَمَّ تحديد الموعد، وتسود الآمال حول أن يُكلل هذا الاجتماع بخطوات عملية، تُسْهِمُ في وقْف الحرب المستمرة، وذلك بما يتكامل مع الجهود الدولية والإقليمية المبذولة لحل الأزمة السودانية.

خارطة الطريق.. أبرز ما جاء في أجندة (تقدم) لإنهاء الحرب

توصَّلت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) إلى اتفاق مع قائد قوات الدعم السريع (حميدتي)؛ يهدف إلى بلورة خارطة الطريق؛ لوقف نزيف الحرب المستمرة في السودان، بالإضافة إلى وضْع الأُسُس اللازمة لحل الأزمة الإنسانية الناجمة عن الحرب، كما أعلنت أيضًا تأييدها لجهود الوساطة الإقليمية، مثل “منبر جدة، ومبادرة الاتحاد الأفريقي، وقمة الإيجاد”؛ فهذه الجهود تهدف في المقام الأول إلى اتخاذ خطوات عملية لوقف الحرب، وإطلاق عملية سياسية تُفضي بالانتقال السلمي للسلطة، وفي إطار الحديث عن أبرز ما تضمنته الأجندة الخاصة بتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية، نجد أنها قدَّمت رؤية تبلورت أبرز نقاطها فيما يلي:

  • التأكيد على ضرورة وقْف إطلاق النار داخل السودان.
  • إطلاق سراح الأسرى المدنيين، مع وقْف التمدُّد العسكري داخل المدن، فضلًا عن التصدِّي لكافَّة الأعمال القتالية.
  • وضْع آليات وضوابط لحماية المدنيين، بجانب تفعيل الآليات الخاصة بالرقابة المجتمعية.
  • فتْح ممرات يتم من خلالها عبور المساعدات الإنسانية، وتقديم المساعدات للمتضررين من الحرب.
  • تقديم كافَّة الضمانات اللازمة لعودة دور المنظمات الدولية والإقليمية داخل السودان.

تصريحات حميدتي عن الحرب في السودان

أعرب قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، عن أن الحرب في السودان ستنتهي في أقرب وقت، وأكَّد على التمسُّك بالحُكْم المدني، وبناء سودانٍ قويٍّ، يرتكز على قِيَمِ الحرية والسلام والعدالة، وهذه القِيَم لا يُمْكِنُ تحقيقها إلا في ظل وجود نظامٍ ديمقراطيٍّ، تقوم السلطة فيه على الإرادة الشعبية، فالتحوُّل في السودان يجب أن يكون ديمقراطيًّا ومُسْتَدَامًا؛ حتى لا يتم تكرار أيّ أخطاء قد تم ارتكابها من قبْل، فضلًا عن ضرورة بناء نظامٍ سياسيٍّ جديدٍ؛ من أجل تحقيق السلام ومعالجة الأسباب الجِذْرية للحروب، مشيرًا إلى أن قوات الدعم السريع لم يكن لديها الرغبة في أن تكون بديلًا لقوات الجيش، ولكن كل ما تريده هو تأسيس جيشٍ مهنيٍّ يخضع للرقابة المدنية، ولا يتدخل في الشؤون السياسية داخل الدولة، ودعا القوى الديمقراطية المدنية داخل السودان، إلى اتخاذ خطوات جدية؛ لبدء حوارٍ يُسْهِمُ في إنهاء الحرب، ومن ثَمَّ تشكيل حكومة جديدة.

وقد أشار (حميدتي) أيضًا إلى أنه يجب على قوات الجيش، أن تُقر بخسارتها للحرب، والتوقُّف عن القتال، بالإضافة إلى نفيه التَّام عن تورُّط منتسبين لقواته، في القيام بانتهاكات واسعة في ولاية الجزيرة، وشدَّد على ضرورة محاسبة مرتكبي هذه الانتهاكات، وأكَّد أن قوات الدعم السريع تمكَّنت من تحقيق انتصارات عسكرية، والتي تُعدُّ بمثابة دليلٍ على كفاءتها القتالية العالية، فضلًا عن ذلك، فقد أعلن عن قبوله الإفراج عن 451 أسيرًا، عبْر اللجنة الدولية للصليب الأحمر، مشددًا على أنه يهدف إلى التغيير وتحقيق إرادة الشعب داخل السودان، وليس سعيًا إلى الوصول للسلطة.

أبرز رسائل البرهان لداعمي حميدتي

طلب قائد قوات الجيش عبد الفتاح البرهان من الدول الداعمة للدعم السريع، بالتوقُّف عن التدخُّل في الشأن السوداني، فضلًا عن وقْف دعمها لقوات الدعم السريع، وأعرب البرهان عن أن استقبال أيّ دولة لجهة معادية لا تعترف بالحكومة السودانية القائمة، يُعْتَبَرُ بمثابة عداءٍ صريحٍ للدولة السودانية؛ ما يَحِقُّ للسودان أن يتخذ من الإجراءات ما يُسْهِمُ في الحفاظ على سيادته وأمْنِهِ، بالإضافة إلى أن أيّ تسهيلات يتم تقديمها لقوات الدعم السريع، تُعدُّ بمثابة شراكةٍ في كافَّة الجرائم المرتكبة، وشراكة في قتْل وتدمير السودان أيضًا.

المُضي نحو المجهول.. رؤية استشرافية محتملة للمشهد القادم في السودان

يتضح أن المشهد في السودان يزداد تعقيدًا، فلا يزال الترُّدد والتشكيك يسود الموقف بين طرفيْ الصراع، ولكن تسلَّلت الآمال لإيجاد فُرْصةٍ لوقْف الحرب، خاصَّةً بعد عودة ظهور حميدتي في جوْلته الأفريقية، التي شملت – حتى الآن – أوغندا وإثيوبيا وجيبوتي، فربما تُحقق هذه الخطوة اللقاء المُؤَجَّل بينه وبين البرهان؛ من أجل إنهاء الصراع؛ فالحرب داخل السودان تَمْضِي في طريقها نحو المجهول، فقد تحوَّل الصراع فيها إلى حرب استنزاف، استهدفت المدنيين، وارتفع خلالها عدد الضحايا والنازحين، وبالرغم من ذلك لم تُحسم الحرب إلى صالح أيٍّ من الطرفيْن؛ فسياسات الهجوم والهجوم المضاد شكَّلت تداعيات عدة، تمثَّلت في تدمير المدن والبُنَى التحتية وترهيب المدنيين، فمثل هذه الأوضاع من المحتمل أن تستمر لسنوات لكي يتم التعافي منها.

ومن المحتمل أن تتفاقم الأوضاع سوءًا داخل السودان، وتزداد المعارك بين الطرفيْن، ومن ثَمَّ ستكون نتائجها دخول أطرافٍ جديدةٍ لدائرة الصراع، بالإضافة إلى انتقالها لكافَّة المدن والولايات، وفي هذا الصدد، فإن مسارات المستقبل تنحصر في مِحْوَرَيْن، يتمثل الأول: في اغتنام الطرفيْن فرصة مفاوضات جدة؛ للوصول إلى اتفاقٍ يُنهي الصراع، أمَّا الثاني: يكْمُنُ في التحوُّل إلى مسار الحرب الأهلية؛ ما يؤدي إلى التدخُّلات الخارجية، وفقًا لأحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة؛ لإجبار طرفيْ الحرب على إنهائها.

ختامًا:

إنَّ كُلَّ حربٍ لا بُدَّ أن يُوضع لها نهاية، وقد أوضحت التجارب التاريخية، أن أغلب الحروب تنتهي بانتصار أحد الطرفيْن، أو بنوْع من الاتفاق لوقْف القتال، أو يتلاشى القتال لأسبابٍ مختلفةٍ، ويتضح من المشهد السائد داخل السودان، أن نهاية الحرب من المحتمل أن تكون من خلال اتفاقٍ بين طرفيْ الصراع؛ لمحاولة إنقاذ مشهد تلاشِي القتال؛ فالوضع في السودان يحتاج إلى وقتٍ طويلٍ لحل الأزمة بشكلٍ جِذْرِيٍّ، والتوصُّل إلى اتفاقٍ أشبه بالتسوية؛ لذلك فلا تُوجد توقُّعات لإنهاء الحرب مباشرة؛ نظرًا لأن توقُّف الحرب في تلك المرحلة ستكون إيذانًا بنهاية الطرفيْن، فضلًا عن محاسبتهم على كافَّة الجرائم المرتكبة، وبالرغم من أن جرائم الحروب لا تسقط بالتقادُم، لكن مرور الوقت سيسمح لطرفيْ الصراع بترتيب أوضاعهم؛ حيث يتمكَّنُ كُلُّ طرفٍ من الانتصار على الآخر، والاستيلاء على السُّلطة، رغم أنف المجتمع الدولي والشعب السوداني، ومن ثَمَّ يصل السودان إلى مشهدٍ أقرب إلى الفناء، ويكْمُنُ الحل بعْدها في الوصول إلى مُصالحةٍ محليةٍ، ولكن لا تُحقِّقُ عدالةً كاملةً.

كلمات مفتاحية