إعداد: شيماء ماهر
باحثة متخصصة في الشؤون الأفريقية
تتجه الولايات المتحدة الأمريكية إلى إنشاء قواعد لطائراتها المُسيَّرة على طول سواحل غرب أفريقيا؛ بهدف وقْف خطر تنظيم القاعدة وداعش في المنطقة، عقب سحْب قواتها من دول أخرى في المنطقة، في ظل وقتٍ تشهد فيه دول غرب أفريقيا تغيُّرات وتحوُّلات سياسية ملموسة، بعد الانقلابات العسكرية الأخيرة التي عصفت بدول القارة السمراء، كان آخرها انقلابيْ النيجر والجابون، وتراجع الدور الفرنسي في المنطقة، وقد دفع ذلك واشنطن إلى تبنِّي سياسةٍ جديدةٍ؛ من أجل تعزيز حضورها في المنطقة، في ظل حِرْص قُوَى دولية أُخرى؛ مثل روسيا والصين؛ لتعميق العلاقات السياسية والعسكرية مع دول المنطقة؛ لكي تحلَّ بديلًا للنفوذ الفرنسي.
مساعٍ أمريكية لإنشاء قواعد للمُسيَّرات الأمريكية في غرب أفريقيا
ذكرت صحيفة ” وول ستريت جورنال”، أن واشنطن تُجْري في الوقت الراهن محادثات مع حكومة غانا وكوت ديفوار وبنين؛ للسماح لطائرات الاستطلاع الأمريكية غير المسلحة باستخدام مطاراتها؛ من أجل مواجهة تمدُّد التنظيمات الإرهابية؛ إذ تواجه الدول الثلاث تهديدًا من قِبَلِ التنظيمات المسلحة، المتواجدة في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، وستسمح المُسيَّرات الأمريكية بمراقبة تحرُّكات المسلحين على طول الساحل، وتقديم المشورة للقوات المحلية أثناء العمليات القتالية.
ويرى القادة العسكريون الأمريكيون الأفارقة، أن التهديد الأكبر في منطقة غرب أفريقيا يأتي من جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة لتنظيم القاعدة والمسؤولة عن معظم الهجمات الأخيرة، وتعتزم الولايات المتحدة الأمريكية مشاركة المعلومات الاستخبارية التي تجمعها الطائرات بدون طيار مع شركائها الأفارقة؛ لمساعدتهم على تحسين أمنهم واستقرارهم، ومواجهة تهديدات الصين والمتشددين، ودعم التنمية والديمقراطية لدى حلفائها الأفارقة.
والجدير بالذكر، أن استخدام الطائرات المُسيَّرة من قِبَلِ القوات الأمريكية؛ أدَّى إلى تعزيز قدرتها؛ من أجل مراقبة الأنشطة المسلحة على طول ساحل غرب أفريقيا، وتقديم المساعدة في الوقت المناسب للقوات المحلية في المواقف القتالية، وتهدف المساعدة في الوقت المناسب للقوات المحلية؛ من أجل المشاركة في المواقف القتالية، وتحسين عمليات مكافحة الإرهاب في المنطقة، بعد تراجُع دور فرنسا كشريك.
دوافع الولايات المتحدة الأمريكية في إنشاء المُسيَّرات في غرب أفريقيا
1- استخدام المُسيَّرات الأمريكية في مجال مكافحة الإرهاب:
تتجه الدول الأفريقية في الوقت الحالي إلى استيراد أنواعٍ عديدةٍ من المُسيَّرات؛ من أجل الاستعانة بها في عمليات مكافحة الإرهاب، خاصَّةً بعد عرْض تركيا على نيجيريا بناء مصنع؛ من أجل إنتاج الطائرات المُسيَّرة، وفي أعقاب ذلك، سعت واشنطن إلى زيادة مبيعاتها العسكرية، والترويج لسلاح الطائرات المُسيَّرة في المنطقة، باعتباره سلاحًا رئيسيًّا في الحرب ضد الإرهاب، وتسعى الولايات المتحدة لتمديد أنشطتها في منطقة ساحل غينيا، في ظل تكثيف الهجمات الإرهابية في أعقاب الانقلابات العسكرية التي عصفت مؤخرًا بدول القارة، ومن ثَمَّ، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تتجه نحو تعزيز علاقاتها على المستوى السياسي مع الأنظمة الجديدة، خاصَّةً في ظل التوجُّه الرُّوسي نحو استقطاب القادةِ الجُدُدِ، مثلما حدث مع قادة النيجر وبوركينا فاسو ومالي.
2- تأمين تدفُّقات الموارد الطبيعية:
بلغ حجم الواردات النفطية الأمريكية من أفريقيا حوالي 11.2 مليار دولار، خلال عام 2017م، و 4.1 مليار دولار من المعادن؛ مثل البلاتين والماس، وتحتل الدول الأفريقية مراكز متقدمة في قائمة أكثر الدول المصدرة للنفط للولايات المتحدة الأمريكية، فيما يعادل 44 دولة، ومن هنا؛ يبْرز لنا ضرورة الوجود العسكري الأمريكي في العديد من المناطق، خاصَّةً دول غرب أفريقيا، التي تذْخَرُ باحتياطات نفطية؛ فعلى سبيل المثال، تنتج دول ساحل خليج غينيا ما يزيد عن 5.4 مليون برميل نفط يوميًّا، وتشْرف شركة شيفرون الأمريكية على عملية استخراج البترول من هذه المنطقة.
3- انسحاب القوات الفرنسية وتزايُد الدعم الشعبي للوجود الرُّوسي:
أنهت باريس آخر عهدها في النيجر، في 22 ديسمبر 2023م، عقب سحْب آخر قواتها من نيامي، وفي أعقاب ذلك، شهدت أفريقيا تناميًا للنفوذ الروسي؛ إذ لاقت روسيا مزيدًا من القبول لدى الشعوب الأفريقية؛ نظرًا لأنها ليس لديها رصيد استعماري في القارة، وبدأت الأعلام الرُّوسية ترتفع لتحلَّ محلَّ نظيرتها الفرنسية، وتتوغل موسكو من أجل تعزيز تعاونها الاقتصادي، بالإضافة إلى جماعات فاغنر التي استندت إليها بعض الدول الأفريقية؛ لكي تحلَّ محلَّ القوات الفرنسية؛ بما يجعلها حليفًا استراتيجيًّا، وفقًا للمصالح المشتركة والمنافع المتبادلة مع دول القارة.
4- تنامِي التواجُد العسكري الصيني في منطقة غرب أفريقيا:
تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى تعزيز وجودها العسكري في منطقة غرب أفريقيا، عقب قيام قُوى دولية أُخرى؛ مثل الصين، بالتوجُّه نحو إنشاء القواعد العسكرية في غرب القارة؛ مثل القاعدة الموجودة في غينيا بيساو، ومن ثَمَّ يرتبط هذا الاهتمام الأمريكي ببُعْدٍ استراتيجيٍّ أوْسَع، هو منافسة الصين في المحيط الأطلنطي؛ ما أثار قلق واشنطن، التي اعتبرت أن هذه الخطوة ستمنح بكين أول تواجُدٍ بحريٍّ لها في المحيط الأطلنطي.
أهم الدول المُرشَّحة لنشْر المُسيَّرات الأمريكية في غرب أفريقيا
اقترحت الولايات المتحدة نشْر الطائرات المُسيَّرة في قاعدة تمالي في غانا، والتي تقع بالقرب من بوركينا فاسو، وهناك ثلاثة مطارات في كوت ديفوار قيْد المناقشة، وتضع الولايات المتحدة على ” باراكو” في بنين؛ من أجل توفير منطقة عازلة من الهجمات البرية للإرهابيين، ويمكن للطائرات بدون طيار توفير معلومات جوية عن القراصنة العاملين في خليج غينيا، وقد رحَّبت بنين بهذه الخطوة؛ إذ ترى أنها سوف تحصل على فوائد أسطول الطائرات بدون طيار المتطورة، دون أن تتكبَّد أيّ تكلفة لشراء المُعدّات نفسها، في حين أنه لم تصدر أيّ ردود أفعال من قِبَلِ السلطات المعنيّة في غانا وكوت ديفوار.
أبرز قواعد المُسيَّرات الأمريكية في غرب أفريقيا
تتمتع الولايات المتحدة الأمريكية بتمركُزَات ومواقع عسكرية في العديد من دول غرب أفريقيا، وتتمركز في العاصمة البوركينية واغادوغو قاعدة طيارات بدون طيار؛ الهدف منها مراقبة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي على مالي وموريتانيا والصحراء، وتحقيق التعاون العسكري بين أمريكا ودول غرب أفريقيا، وتحقيق المراقبة الأمريكية للساحل الغربي الأفريقي؛ إذ تُمثِّلُ بوركينافاسو نقطة تمركُزٍ مهمة، في مراقبة التحرُّكات في ساحل خليج غينيا الغني بالنفط.
وتتواجد قواعد أمريكية أُخرى؛ من أجل تقديم الدعم اللوجستي لهذه القواعد؛ مثل قاعدة أكرا بغانا وداكار بالسنغال وليبرفيل ومالي، وهناك في النيجر ثلاث قواعد، منها؛ قاعدة متواجدة في مطار ” ديوري هاماني” الدولي في نيامي، وتتواجد في النيجر منذ عام 2013م، والقاعدة المتواجدة في ” مانو داياك” الدولي في أغادير، وتتواجد في النيجر منذ عام 2014م، والقاعدة الجوية 201 في أغادير منذ عام 2019م، وقد أوقفت واشنطن عمليات الطائرات بدون طيار عقب الانقلاب العسكري، الذي حدث في النيجر في 26 يوليو 2023م.
والجدير بالذكر، أن هناك قواعد أمريكية للطائرات بدون طيار في مختلف البلدان الأفريقية؛ ففي تشاد تُوجد قاعدة في مدينة نجامينا، يتم فيها استخدام الطائرات دون طيار؛ من أجل التصدِّي للهجمات الإرهابية للقاعدة وتنظيم نصرة الإسلام والمسلمين، وفي شمال الكاميرون تُوجد قاعدة أمريكية داخل إحدى القواعد العسكرية الكاميرونية، ويتم استخدام هذه القاعدة؛ من أجل تسيير الطائرات دون طيار، وتستخدم هذه القاعدة كنقطة استطلاع وإدارة العمليات الحربية ضد تنظيم بوكو حرام، الذي ينتشر على الحدود الكاميرونية النيجيرية، ويُوجد بتلك القاعدة قُرَابَة 300 جندي أمريكي.
وفي السياق ذاته، تتواجد قاعدة للطائرات بدون طيار في مطار ” تشابيلي” في جيبوتي منذ عام 2013م؛ الهدف منها قصْف حركة الشباب في الصومال وتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية وتنظيم داعش في اليمن، وفي الصومال أيضًا تتواجد قاعدة للطائرات الأمريكية في مطار ” كيسمايو”، تتولَّى مهمة مراقبة حركة الشباب في الصومال.
انعكاسات إنشاء المُسيَّرات الأمريكية على القارة الأفريقية
1-زيادة حِدَّة التنافُس العسكري بين واشنطن وبكين:
قد ينتج عن سعْي الولايات المتحدة لبناء قواعد جديدة لطائراتها المُسيَّرة في غرب أفريقيا، تحرُّك الصين نحو تعزيز توجُّهاتها العسكرية، من خلال بناء المزيد من القواعد للطائرات المُسيَّرة، بالإضافة إلى اتجاهها لعقْد شركات أمنية صينية، على غرار شركة فاغنر الرُّوسية، وزيادة صادراتها من الطائرات المُسيَّرة إلى دول المنطقة، خاصَّةً أن الصين تحظى بقبولٍ شعبيٍّ بين هذه الدول؛ ما قد يساهم في تعزيز حِدَّة التنافُس فيما بينهما، بشأن عسْكَرة الدور في منطقة غرب أفريقيا.
2- استمرار استنزاف الموارد الأفريقية:
سعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى تأمين حصولها على الموارد الأفريقية من نفط وغاز ومعادن وغيرها من الموارد، خلال فترات تمركُزها العسكري في أفريقيا، ولعل سعْي واشنطن في بناء قواعد لطائراتها المُسيَّرة، من شأنه أن يُحقِّقَ رغبتها في السيطرة على الموارد المعدنية، خاصَّةً معدن اليورانيوم الذي يتواجد بكثرة في منطقة غرب أفريقيا، الذي يتم استخدامها في الصناعات النووية.
3- التدخُّل في الشؤون الداخلية للدول الأفريقية:
تخْشى الدول الأفريقية أن تستغلَّ الولايات المتحدة الأمريكية تواجُدها العسكري؛ من أجل التدخُّل في الشؤون الداخلية للدول الأفريقية، وعلى الرغم من أنه لا تُوجد حالة بارزة حتى الآن، إلا أنه من الممكن أن يتم ذلك الأمر خلال الفترة المقبلة؛ فقد سبق أن دعمت الولايات المتحدة الأمريكية التدخُّل الفرنسي في الأزمة الإيفوارية في عام 2011م، التى أطاحت بالرئيس لوران جباجبو، ومكَّنت الحسن واتارا من تولِّي السلطة في كوت ديفوار.
4- تنامِي المحاولات الرُّوسية لتعزيز تواجدها العسكري:
تقوم سياسة روسيا في منطقة غرب أفريقيا على بناء وتطوير تحالُفات مع الدول ذات التوجُّهات المناوئة للقوى الغربية؛ ما يُحقِّقُ لها فائدة مزدوجة، سواء على مستوى تعزيز نفوذها الإقليمي، أو مزاحمة النفوذ الغربي وتقليص وجوده؛ فتعمل روسيا على استقطاب العديد من دول المنطقة، من خلال إغرائها بالحصول على العديد من الامتيازات على الصعيديْن الأمني والاقتصادي؛ ما يُحدِّدُ قَبُولًا لهذه الدول، لا سيما في ظل احتياجاتها وأولوياتها الوطنية من جهةٍ، والبحث عن بديل لأدوار القوى الغربية غير المؤثرة أو الفاعلة من وجهة نظرها، على كافَّة المستويات من جهةٍ أُخرى.
ومن هذا المنطلق، سعت روسيا إلى زيادة حضورها الاقتصادي والعسكري، وتوطيد علاقاتها مع قادة الانقلابات العسكرية، في كُلٍّ من النيجر وبوركينافاسو ومالي، خاصَّةً بعد تراجُع النفوذ الفرنسي في تلك الدول؛ لذلك من المتوقع، أن تعمل موسكو بمختلف الأدوات السياسية والأمنية والإعلامية على مناهضة النفوذ الأمريكي في هذه المنطقة.
ختامًا:
تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى استحداث طُرُقٍ جديدةٍ؛ من أجل إعادة الانخراط في غرب أفريقيا، كجُزْءٍ من الجهود المبذولة؛ لمواجهة الدور المتنامي، لكُلٍّ من الصين وروسيا، وتأمين المصالح الوطنية والاستراتيجية، في ظل التحديات الغير مسبوقة، التي تواجه هذه المنطقة، وتزايُد تهديد الجماعات الإرهابية؛ لذلك تتجه الولايات المتحدة للبحث عن طُرُقٍ بديلةٍ لتغيير مشاركتها مع أفريقيا من علاقات غير متكافئةٍ إلى شراكةٍ في جميع المجالات، ومن المتوقع أن تساهم قواعد المُسيَّرات الأمريكية في مراقبة الأنشطة المسلحة على طول ساحل غرب أفريقيا، وتحسين عمليات مكافحة الإرهاب، في ظل حالة الفراغ الأمني التي تشهدها المنطقة عقب تراجُع الدور الفرنسي.