إعداد: رضوى الشريف
باحث متخصص في شؤون الشرق الأوسط
أعادت واشنطن تصنيف جماعة الحوثي “كيانًا إرهابيًّا عالميًّا مُصنَّفًا بشكلٍ خاصٍّ”، يوم الأربعاء 17 يناير، بموجب الأمر التنفيذي رقم 13224″، وقالت الإدارة الأمريكية: إن التصنيف سيسري خلال 30 يومًا، وإذا أوقفت الميليشيا هجماتها في البحر الأحمر، فإن واشنطن ستدرس رفْع هذا التصنيف.
وعقب الإعلان عن إدْراج جماعة الحوثي رسميًّا في القائمة، قال المتحدث باسم الجماعة: إن التصنيف لن يُغيِّرَ من موْقف الحركة، كما أن الهجمات ستستمر على السفن المتجهة إلى إسرائيل.
يُعتبر تصنيف الحوثيين“كمنظمةٍ إرهابيةٍ عالميةٍ بشكلٍ خاصٍّ” تحت أمرٍ تنفيذيٍّ، أقلّ حِدَّة من تصنيفهم “منظمةً إرهابيةً أجنبيةً” من قِبَلِ وزارة الخارجية، وتحت التصنيف الجديد، سيتم تجميد جميع أصول الأفراد أو الكيان المُدْرَج ضمن الولاية القضائية للولايات المتحدة ويمنع الأشخاص الأمريكيين من المشاركة في أيِّ معاملات مالية أو تجارية معهم.
وخلال ثلاثة أعوام، دخلت جماعة الحوثي قائمة الإرهاب مرتيْن، وهي فترة قياسية، وتمَّ استخدامها كورقة صراعٍ بيْن الرئيس الجمهوري، دونالد ترامب، وخَلَفِهِ الرئيس الديمقراطي، جو بايدن.
ولم يكن التصنيف الأمريكي للحوثيين في “قائمة الإرهاب” خلال المرتيْن مرتبطًا بالصراع في اليمن، بل بتهديد مصالح واشنطن وحلفائها في البحر الأحمر، وكانت المرة الأولى في 2020، بعد استهدافهم سفنًا حربيةً أمريكيةً، والسيطرة على سفينةٍ حربيةٍ إماراتيةٍ، وإحراق ناقلة نفط سعودية، قبل أن يتم رفعهم من القائمة عقب وصول إدارة “بايدن” للسلطة، وهذه المرة يعودون إلى القائمة من بوابة استهداف السفن الأمريكية، والسفن المتجهة لإسرائيل.
على صعيد ردود الأفعال المحلية تجاه القرار؛ يبدو أن الهجمات الأمريكية والإصرار الحوثي على المواجهة؛ أدَّت بشكلٍ عامٍ إلى تزايُد الانقسام داخليًّا في اليمن، خاصَّةً لدى الطرف الآخر، ممثلًا بالحكومة اليمنية المُعْتَرَف بها دوليًّا، عندما اتهمت الحوثيين بالمخاطرة بالوضع في اليمن، وجرِّ البلاد إلى ساحة مواجهةٍ عسكريةٍ لأغراض دعائية؛ بدعاوى مضللة لا علاقة لها حقيقة بنصرة المقاومة في غزة، بل ورحَّبت بتصنيف الحوثيين جماعة إرهابية؛ ما يُنْذِرُ بعودة الصراع الداخلي المُسلَّح، وينسف مشروع السلام الأممي في مهْدِهِ الأول.
هذا التعليق الحكومي جاء متطابقًا أيضًا مع تصريحات رئيس المجلس الانتقالي “عيدروس الزبيدي”، العضو في مجلس القيادة الرئاسي، الذي طالب في مقابلةٍ مع وكالة فرانس برس، الخميس 18 يناير، بدعْمٍ غربيٍّ للقوات الموالية للحكومة اليمنية؛ لإطلاق عمليةٍ بريّةٍ تساند الضربات الأمريكية والبريطانية على الحوثيين.
وبينما كانت المواقف الإقليمية حول قرار تصنيف الحوثيين في قائمة الإرهاب الأمريكية ما زالت غير واضحة، باستثناء موقف إيران التي أعلنت أن القرار سيزيد من تفاقُم الصراع في المنطقة.
ماذا يعْني التصنيفُ ككيانٍ إرهابيٍّ عالميٍّ مُصنَّفٍ بشكلٍ خاصٍّ؟
بدلًا من تصنيف الجماعة كـ”منظمٍة إرهابيةٍ أجنبيةٍ ” (FTO) Foreign Terrorist Organizations، بموجب المادة 219 من قانون الهجرة والجنسية (INA)، كما فعلت إدارة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترمب، قرَّرت إدارة “بايدن” تصنيفها على أنها “كيانٌ إرهابيٌّ عالميٌّ مُصنَّفٌ بشكلٍ خاصٍّ” (SDGT) Specially Designated Global Terrorist group؛ في محاولة من البيت الأبيض لتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية إلى اليمن.
وأوضح مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، في بيانٍ صادرٍ عن البيت الأبيض، أن التصنيف هو “أداةٌ هامَّةٌ لقطع تمويل جماعة الحوثي، وتقييد وصولهم إلى الأسواق المالية، ومحاسبتهم على أفعالهم، مشيرًا إلى أنه تمَّ وضْع هذا التصنيف خِصِّيصًا؛ لتفادي تأثُّر المدنيين اليمنيين بالقرار، مشيرًا إلى أن الشعب اليمني “لا يجب أن يدْفع ثمن أفعال الحوثيين”.
بخلاف تصنيف “كيانٍ إرهابيٍّ عالميٍّ مُصنَّفٍ بشكلٍ خاصٍّ” (SDGT)، يفرض تصنيف “منظمة إرهابية أجنبية”، حظْرًا جنائيًّا على تعمُّد تقديم “دعْم مادي” أو موارد إلى المنظمة الخاضعة للتصنيف، بحسب “مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات” (fdd.org)، وهي مؤسسة أمريكية فكرية.
وتصل العقوبة الجنائية لتقديم دعْم مادي لمنظمة إرهابية إلى “السجن مدى الحياة”، فيما تصل العقوبة لتصنيف “مجموعةٍ إرهابيةٍ عالميةٍ محددةٍ” إلى “السجن 20 عاما”، ويخضع المخالفون في إطار كلا التصنيفيْن “لغرامات مدنية ومصادرة ممتلكات”.
هل يسهم التصنيف الأمريكي في لجْم تهديدات الحوثي؟
يُمثِّلُ إعلان الولايات المتحدة بتصنيف الحوثيين كجماعةٍ إرهابيةٍ خطوةً تصعيديةً، تأتي بعد سلسلة هجماتٍ شنَّتْها الجماعة على سفنٍ أمريكيةٍ ودوليةٍ، وسفنٍ تابعةٍ لإسرائيل؛ بحجة مناصرتها لقطاع غزة، الذي يتعرَّض لحربٍ إسرائيليةٍ، منذ السابع من أكتوبر الماضي، ويأتي هذا القرار بعد سلسلة قرارات سابقة اتخذتها الإدارة الأمريكية، بحق قيادات في جماعة الحوثي، وأُخرى متعاونة معها، داخل وخارج اليمن، خاصَّةً في الجانب المالي، في خطوةٍ استهدفت التضييق المالي على الجماعة، وتقييد وصولها للمال.
من شأن القرار الأمريكي، أن يُعيدَ تصفير المشهد في المنطقة بشكلٍ عامٍ، وفي اليمن بشكلٍ خاصٍّ، إلى اللحظات الأولى، قبْل أكثر من عشر سنوات؛ إذ إن القرار سينسف كُلَّ الجهود المبذولة للسلام، ويُعيدُ فرْز الأطراف المحلية والإقليمية، وفقًا لقاعدة مع أو ضد، سواء بالنسبة للجانب الأمريكي، أو للحوثيين.
وليست هذه هي المرة الأولى التي تتعرض جماعة الحوثي لعقوبات أمريكية أو أممية، فمنذُ سيطرة الجماعة على العاصمة صنعاء في 2014، فرضت الأمم المتحدة سلسلة عقوبات على قياداتٍ في الجماعة، على رأسهم؛ زعيمها عبد الملك الحوثي، ولاتزال القرارات سارية، ويجري تجديدها كُلَّ عام.
لذلك يبدو أن القرار الأخير يأتي بلا أيِّ وزْنٍ بالنسبة لجماعة الحوثي، فكل تلك العقوبات السابقة لم تؤثِّرْ في بِنْيَتِها التنظيمية، أو تحُدُّ من تحرُّكاتها، أو تنال منها، بل إنها تمكنت من التوغُّل داخل اليمن، وحسْم الكثير من المعارك، وبناء نفوذها الخاص بها، ووصلت لدرجة النِّدِّيَّة الكاملة، للحكومة الشرعية، بل وتفوَّقت عليها.
والواضح من سياق وتطورات الأحداث، أن كُلًّا من الحوثيين وواشنطن دخلا مرحلةً جديدةً من المواجهة، بعد فشل الخيارات الدبلوماسية، والمواجهة العسكرية، وتوّجت بالقرار الجديد، الذي يعكس رغبةً أمريكيةً، بإنهاء الاحتقان في الملاحة الدولية، وبنفس الوقت يشير إلى استنفاذها لخياراتٍ المتاحة في التعامُل مع الحوثيين، وإبقائها أيضًا الباب مفتوحًا للمراجعة والتفاوض.
لذلك فمثل هذا القرار سيكون له العديد من التداعيات بمستويات مختلفة، فمن جانب الحوثيين لن يكون القرار رادعًا لهم، بل سيُشكِّلُ لهم حافزًا إضافيًّا للتصلُّب في مواقفهم، خاصَّةً أن العمليات الهجومية التي تُنفِّذُها، واستوْجبت عليها العقوبات، جاء بدوافع نصرة فلسطين، وهو أمر يجعلهم مقبولين شعبيًّا، داخل وخارج اليمن، وحرصت الجماعة على تقديم نفسها عقب القرار كضحيةٍ لتوجُّهِهَا المناصر لفلسطين، وحرصت أمريكا أيضًا على نفْي أن يكون لقرارها أيّ علاقةٍ بالوضع في فلسطين.
الردُّ الحوثي على القرار الأممي جاء في وقتٍ قياسيٍّ؛ إذ نفَّذت الجماعة هجْمةً بحريةً على سفينةٍ أمريكيةٍ في خليج عدن، بعد ساعاتٍ قليلةٍ من صدور القرار، وهي رسالةٌ أرادت من خلالها الجماعة أن توصلها للجانب الأمريكي، بأنها غير مبالية بالقرار، وظهر هذا بوضوح في تصريحات الناطق العسكري للجماعة، يحيى سريع، في البيان الذي ألقاه عقب تنفيذ العملية.
خُطْوَةٌ مَحْسُوبَةٌ
تهدف استراتيجية الرئيس الأمريكي، جو بايدن، المستجدة بشأن اليمن، إلى إضعاف جماعة الحوثي، إلا أنها لا تصل إلى حدِّ محاولة هزيمة الجماعة، أو التصدِّي مباشرةً لإيران، بما يزيد من مخاطر نُشُوب صراعٍ طويلٍ، وهذا ما يستدل عليه بشكلٍ أو بآخر بالفترة الزمنية التي حدَّدها القرار الأمريكي -ثلاثين يومًا – لدخوله حيِّز التنفي؛ ما يشير إلى أن واشنطن لاتزال تأمل مراجعة الحوثيين لأنفسهم، والتوقُّف عن مهاجمة السفن، قبْل أن يصبح ساريًا؛ ما سيُولد العديد من التداعيات الإنسانية في المقام الأول، وتنبَّهت واشنطن لهذه النقطة، وقالت في نص القرار: إنها ستعمل على ضمان وصول الشحنات التجارية للموانئ اليمنية، وذلك ربما تهرُّبًا من الضغط الذي تُبْدِيهِ منظمات العمل الإنساني الدولية، التي كان لها الدور الأكبر لدفْع واشنطن نحو التراجُع في المرة السابقة.
كما يُوحي الأمر أن واشنطن لا ترغب في تفجير حربٍ شاملةٍ في اليمن، وتعتمد – حتى اللحظة – على خيارٍ محدودٍ للتفاوُض، ونافذة أصغر للحسم العسكري، وتقتصر عملياتها على عدة مظاهر، منها: التصدِّي المستمر للهجمات الحوثية، ثمَّ الردّ السريع بغارات على مواقع معينة لجماعة الحوثي، ولايزال وضْع الدبلوماسية والقنوات الخلفية مجهولًا، ولم تظهر ملامحه بعْدُ، في حال سلكت واشنطن طريق التفاوض مع دول في المنطقة للتفاوض، خاصَّةً مع سلطنة عمان، التي قالت وسائل إعلام رسمية تابعة لها: إن واشنطن لم تُصْغِ لنصيحة السلطنة، واتخذت قرار التحرُّك العسكري.
هذا الوضع من الشَّدِّ والجذْب بين الحوثيين وواشنطن، يُثير التساؤلات عن حقيقة الدور الأمريكي، الذي يتحدث ربما للمرة الأولى عن اتخاذ واشنطن وضعية الدفاع في تنفيذ الهجمات، وتظهر فيه الولايات المتحدة في صِرَاعٍ نِدِّيٍّ مع جماعةٍ محليةٍ، بالتزامن مع هجمات تطال قواعدها من جماعات شيعية في العراق.
خلاصة القول:
من المحتمل بأن يُؤثِّرَ القرار على عملية السلام الأممية، وسيضاعف الاحتقان، وفقدان الثقة بين الأطراف اليمنية، وتداعياته ستطال أيضًا التحرُّكات الإقليمية، خاصَّةً الوساطة العمانية، والرغبة السعودية المتطلعة لإنهاء الحرب في اليمن، والدخول في مرحلة سلام، كان المبعوث الأممي قد أعلن عنها، وروّجت لها وسائل إعلام سعودية بشكلٍ كبيرٍ.
وتبدو الخيارات ضيِّقةً في مؤشرات الحلول؛ فالتصعيد الأمريكي يُواجَهُ بتصعيدٍ مماثلٍ من قِبَلِ جماعة الحوثي، ويبدو واضحًا أن الحوثيين يستغلِّون نقاط الضعف لدى واشنطن جيدًا، ومن ذلك؛ الانتخابات الرئاسية المبكرة، ومحاولة “بايدن” عدم الانخراط في حرب مباشرة وباهظة في اليمن.
لذلك من المحتمل، بألَّا يُضيف التصنيف الأمريكي تأثيرًا كبيرًا على جماعة الحوثي؛ ما لم يستهدف بِنْيَتِها التنظيمية، ويُقوِّض قوتها العسكرية، ويُفْقِدُها مُقوِّمات القوة، ويُجرِّدها من عوامل التأثير، وهي أهدافٌ تحتاج لعملٍ عسكريٍّ واستخباراتيٍّ واسعٍ، وتحالُف عريض إقليميًّا ودوليًّا لتحقيقه، وذلك ما تفتقد له واشنطن في الوقت الراهن.