تعزيز الوجود الأمريكي في الصومال.. ماذا عن بناء خمس قواعد عسكرية جديدة؟

إعداد: منة صلاح

باحثة متخصصة في الشؤون الأفريقية

تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى تعزيز تواجُدِها العسكري في الصومال؛ إذ وقَّعت مع الحكومة الصومالية، في 15 فبراير الجاري، مذكرة تفاهُم، تتضمن بناء خمس قواعد عسكرية للجيش الصومالي في “بيدوة، ودوساماريب، وجوهر، وكيسمايو، ومقديشو”؛ بهدف تطوير القدرات الدفاعية للجيش الصومالي، وتعزيز قُدْرَتِه على تولِّي المسؤوليات الأمنية، ومواجهة الإرهاب، خاصَّةً “حركة الشباب” الإرهابية، ويُعدُّ هذا الاتفاق بمثابة امتدادٍ للجهود الأمريكية، الخاصة باحتواء التهديدات الأمنية في منطقة القرن الأفريقي، ويأتي في ظِلِّ سعْي بعثة حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي “ATMIS” للانسحاب من البلاد.

دلالات توقيت مذكرة التفاهُم “الأمريكية – الصومالية”

جاء توقيع مذكرة التفاهم في وقتٍ يشهد فيه الصومال زيادةً في وتيرة العمليات الإرهابية التي تُنفِّذُها “حركة الشباب”؛ إذ تُنفِّذُ تلك الحركة عمليات ضد الحكومة الصومالية وقوات الاتحاد الأفريقي، منذ عام 2007م، ونتج عن الهجوم الأخير لتلك الحركة، مقتل أربعة جنود إماراتيين وضابط عسكري بحريني، وفي السياق ذاته، أكَّدت رئيسة مكتب الأمم المتحدة للدَّعْم في الصومال، على أن هذا الاتفاق جاء في توقيتٍ مناسبٍ؛ لأنه قد يُؤثِّرُ بشكلٍ إيجابيٍّ في تقديم الدعم اللوجستي السريع لقوات الأمن الصومالية.

كما جاء الاتفاق في توقيتٍ مناسبٍ بعْد رفْع حظْر الأسلحة المفروض على الصومال، ومغادرة قوات حفظ السلام؛ إذ أَذِنَ مجلس الأمن الدولي بانسحاب هذه القوات، وفقًا لقراره رقم “2710”؛ نظرًا لأن الحكومة الصومالية تمكَّنت من تعزيز الأمن، وذلك بالإضافة إلى ما تشهده منطقة القرن الأفريقي من توتُّراتٍ؛ نتيجة الاتفاق بين “إثيوبيا، وإقليم أرض الصومال”، والذي يمنح أديس أبابا إمكانية الوصول إلى البحر الأحمر لمدة 50 عامًا، مقابل الاعتراف بأرض الصومال.

بنود مذكرة التفاهُم “الأمريكية – الصومالية”

تمَّ التوقيع على مذكرة التفاهُم بين وزير الدفاع الصومالي “عبد القادر محمد نور”، والقائم بأعمال السفارة الأمريكية “شين ديكسون”، في العاصمة الصومالية “مقديشو”، وحضر التوقيع كبار المسؤولين من الجانبين، مثل الرئيس الصومالي “حسن شيخ محمود”، ومساعدة وزير الخارجية الأمريكية للشؤون الأفريقية “مولي في”، وبموجب تلك المذكرة، ستعمل الولايات المتحدة الأمريكية على إنشاء خمس قواعد عسكرية في الصومال؛ للمساهمة في الحرب ضد “حركة الشباب”، فضلًا عن نشْر جنودٍ أمريكيين، وتنفيذ أنشطة التدريب العسكري للجيش الصومالي في تلك القواعد.

وللولايات المتحدة عددٌ من العسكريين في الصومال، الذين يُقدِّمُون المشورة لقوات النُّخْبة الصومالية، المعروفة باسم “دنب”، وسترتبط القواعد العسكرية الأمريكية الجديدة بلواء “دنب”، الذي تمَّ إنشاؤه عام 2017م، بعد الاتفاق بين “الولايات المتحدة، والصومال”؛ لتجنيد وتدريب حوالي 3000 شخصٍ من كل أنحاء الصومال؛ بهدف بناء قوة مشاةٍ في الجيش الصومالي، ويُعدُّ هذا اللواء بمثابة قوة ردٍّ سريعةٍ ضد “جماعة الشباب” الإرهابية.

أهداف توقيع مذكرة التفاهُم “الأمريكية – الصومالية”

تهدف مذكرة التفاهُم بين “الولايات المتحدة، والصومال” إلى فرْض الأمن والاستقرار في المنطقة، وتعزيز الشراكة الأمنية والتعاوُن المشترك في مكافحة الإرهاب، وذلك وسط التهديدات المستمرة من قِبَلِ “حركة الشباب”؛ فالصومال بحاجةٍ إلى كُلِّ أَوْجُه الدَّعْم والمساندة، سواء من قِبَلِ دول الجوار “العربي، والأفريقي” أو المجتمع الدولي، فضلًا عن تأثير سنوات تفكُّك الصومال على أجهزته الأمنية؛ ما أثَّر بشكلٍ كبيرٍ على تمدُّد أنشطة التنظيمات الإرهابية.

كما تهدف المذكرة إلى تحسين كفاءة قوات “دنب”؛ ما قد يجعل تلك القوات أكثر قُدْرَةً على توجيه ضرباتٍ أقوى في عُمْق مناطق “تنظيم الشباب”، لا سيما في “الوسط، والجنوب”، فضلًا عن إحكام تأمين مقديشو من الهجمات الإرهابية، وتهدف أيضًا إلى تمكين الجيش الصومالي من السيطرة بشكلٍ كاملٍ على العمليات الإرهابية، باعتبار أنها ستُوفِّرُ المُخطَّط التفصيلي للقيام بذلك، ولقد جاءت الاستثمارات الأمريكية في الجيش الوطني الصومالي بنتيجةٍ؛ إذ أصبحتْ قوةً ضاربةً تقُودُ هجماتِ الأمن الصومالية ضد “حركة الشباب”.

أشكال الدعم الأمريكي للصومال في مجال مكافحة الإرهاب

عملت الولايات المتحدة الأمريكية، في عام 2022م، على إعادة مئات من القوات الأمريكية إلى الصومال؛ إذ تمَّ نشْر أقلّ من 500 عسكريٍّ أمريكيٍّ؛ لمساعدة القوات الصومالية في مواجهة “حركة الشباب”؛ ما ساهم في تنشيط “دنب”، والذي يعتمد بشكلٍ كبيرٍ على المعلومات الاستخباراتية والخدمات اللوجستية والمُعدَّات التي تُوفِّرُها الولايات المتحدة، وفي بداية عام 2023م، قدَّمت الولايات المتحدة مساعداتٍ عسكريةٍ، بقيمة 9 ملايين دولار للواء “دنب”، وشَمِلَتْ تلك المساعدات أسلحةً ومركباتٍ وإمداداتٍ طبيةً ومُعدَّاتِ بناء، بالإضافة إلى مُعدَّات أُخرى لكشف المتفجرات؛ بهدف تحرير المجتمعات الصومالية التي تعاني في ظِلِّ “حركة الشباب”، وقامت أيضًا بشَنِّ غاراتٍ جويةٍ ضد عناصر “حركة الشباب” لدعم قوات الحكومة الصومالية.

وفي عام 2023م أيضًا، وقَّعت الولايات المتحدة مذكرة تفاهُم مع الصومال؛ لتطوير الجيش وتعزيز كفاءة قوات “دنب”، وذلك في سياق تنشيط العمليات العسكرية التي تسعى إلى مواجهة الميليشيات الإرهابية المرتبطة بـ “تنظيم القاعدة”، وهدفت تلك المذكرة أيضًا إلى تقديم التدريبات والمُعدَّات لقوات “دنب”؛ لتحقيق الاكتفاء الذاتي، وحتى تستطيع القوات المسلحة تعزيز الأمن العام للبلاد.

وفي إطار تعزيز الحرب ضد “حركة الشباب” في الصومال، منحت وزارة الخارجية الأمريكية مليونيْ دولارٍ للصندوق الاستئماني لمكتب الأمم المتحدة للدَّعْم في الصومال “UNSOS”، ويُخصص هذا الدَّعْم في النقل والإجلاء الطبي في مسْرح العمليات لقوات الأمن في الصومال، وبالإضافة إلى ذلك، أكَّدت سفارة الولايات المتحدة في الصومال، على الدَّعْم اللوجستي لقوات الأمن الصومالية وقوات بعثة الاتحاد الأفريقي ضد “حركة الشباب”.

ختامًا:

يُشكِّلُ الموقع الاستراتيجي للصومال في منطقة القرن الأفريقي أهميةً بالغةً للولايات المتحدة الأمريكية، التي تسعى إلى تعزيز وجودها العسكري في المنطقة، ويعتبر الدَّعْم الأمريكي للقوات الصومالية، والمتمثل في بناء خمس قواعد عسكرية جديدة، أحد أبرز جهود التصدِّي لـ”حركة الشباب” الإرهابية، لا سيما في ظِلِّ انسحاب بعثة الاتحاد الأفريقي “ATMIS”، وتكثيف الأعباء على القوات الحكومية؛ إذ سيساعد الحكومة الصومالية على تطوير الجيش، وتأمين البلاد من التهديدات الإرهابية، وبالإضافة إلى ذلك، هناك ضرورة على الدول المجاورة للصومال، توفير فرص للتهدئة، وليس تصدير الأزمات، على غِرَارِ الاتفاق غير القانوني، الذي وقَّعته إثيوبيا مع أرض الصومال.

كلمات مفتاحية