إعداد: عمر عبد الهادى
فى خطوة تاريخية، وقعت مصر والإمارات العربية المتحدة صفقة ضخمة لتطوير مدينة رأس الحكمة الساحلية، وتهدف الاتفاقية لتحويل المدينة إلى مركز سياحى وتجارى عالمى، وتوفير فرص عمل جديدة وتنشيط الاقتصاد المصرى، وتبلغ قيمة الصفقة 35 مليار دولار على المدى القريب فى خلال شهرين، و150 مليار دولار على المدى الطويل، كما تأتى الصفقة فى وقت مهم لتعزز من الثقة فى مصر واقتصادها وتعتبر خطوة مهمة فى اتجاه التعافى من تداعيات الأزمة الاقتصادية الراهنة وتؤكد صلابة العلاقات بين البلدين.
تفاصيل الصفقة
الصفقة تأتى فى إطار مخطط التنمية العمرانية 2052 الذى يستهدف تنمية الساحل الشمالى، بما يتضمنه من تنمية وتطوير مدينة رأس الحكمة، والجانب المصرى من الصفقة يتمثل فى هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة والجانب الإماراتى يتمثل فى شركة أبو ظبى التنموية القابضة والتى تأسست عام 2018 كشركة مساهمة عامة وتم نقل ملكية العديد من شركات حكومة أبوظبى إليها، وتعمل الشركة فى العديد من مجالات الصحة والطاقة والموانئ والمطارات والإعلام، وتنفيذ المشروع سيكون من خلال شركة “رأس الحكمة” وهى شركة ستكون شركة مساهمة مصرية تؤسسها شركة أبو ظبى التنموية، والمشروع يهدف إلى تحويل “رأس الحكمة” إلى مقصد سياحى وتجارى عالمى ليستقطب 8 ملايين سائح سنويًا.
عناصر المشروع
سيتضمن المشروع عدة عناصر منها ما يلى:
- أحياء سكنية لكل المستويات الاجتماعية.
- فنادق عالمية.
- منتجعات سياحية.
- مشروعات ترفيهية.
- خدمات.
- منطقة حرة خدمية خاصة:
- صناعات تكنولوجية وصناعات خفيفة.
- خدمات لوجستية.
- حى مركزى للمال والأعمال.
- مارينا دولية لليخوت والسفن السياحية:
- لاستقطاب السفن من البحر المتوسط إلى المدينة.
- مطار دولى جنوب المدينة:
- بتخصيص الأرض لوزارة الطيران والشراكة مع شركة أبو ظبى للتنفيذ، إلى جانب نسبة من الأرباح تعود للدولة المصرية.
الاتفاق المالى
على المدى القريب ينقسم الاتفاق المالى إلى جزئين، جزء على شكل مقدم بقيمة إجمالية 35 مليار دولار، الدفعة الأولى منه تأتى بعد أسبوع بقيمة 15 مليار دولار فى شكل تدفق مباشر و5 مليارات دولار فى شكل فك ودائع دولة الإمارات لدى البنك المركزى، وتحويلها لجنيه لاستخدامها فى تنفيذ المشروع، والدفعة الثانية تأتى بعد شهرين فى شكل 14 مليار دولار تدفق مالى مباشر و6 مليارات دولار فك الودائع لدولة الإمارات وتحويلها لجنيه، والجزء الثانى من الاتفاق المالى يتضمن حصول الدولة المصرية على 35% من أرباح المشروع، أما على المدى البعيد يستهدف المشروع استثمار 150 مليار دولار.
الاستفادة الاقتصادية
تتمثل الاستفادة الاقتصادية فى العديد من المحاور منها قصير المدى ومنها طويل المدى، فعلى المدى القريب تتحقق استفادة الدولة وستكون فى شكل انخفاض سعر الدولار فى السوق السوداء، وتراجع تأثيره على التضخم، زيادة الثقة فى الحكومة والقيادة السياسية والاقتصاد المصرى، تسهيل سداد الديون والمستحقات المقومة بالدولار على الحكومة، قابلية تعويم العملة بخسائر أقل على المدى القصير.
السوق السوداء للدولار والتضخم
زيادة المعروض من الدولار مقابل الجنيه خاصة من خلال فك ودائع دولة الإمارات وتحويلها لجنيه مصرى وتقدر بقيمة 11 مليار دولار، مما سيؤدي لخفض سعر الدولار فى السوق السوداء، إلى جانب توقعات المضاربين فى السوق بزيادة من الخفض بسبب الصفقات القادمة التى سيعلن عنها، مما سيدفعهم لبيع الدولار ويزيد المعروض من الدولار وانخفاض سعره أكثر.
وانخفاض سعر الدولار يعنى أن تكلفة استيراد المواد الخام والمنتجات النهائية ستنخفض بالجنيه المصرى، مما سيترجم بضغط تنازلى على مستوى التضخم ومن المتوقع انخفاض أسعار بعض السلع.
زيادة الثقة فى القيادة السياسية والاقتصاد المصرى
الحجم الكبير للصفقة وتوقيتها الذى يأتى مع الضعف الحالى للاقتصاد المصرى، يعزز من ثقة الكيانات الدولية، الدائنة منها أو الاستثمارية فى قدرة القيادة السياسية على تجاوز الأزمة الراهنة، وأن الاقتصاد المصرى الذى يمتلك إمكانيات كبيرة قادر على التعافى والإنتاج.
هذه الزيادة فى الثقة ستترجم فى شكل زيادة فى الاستثمار المباشر وسيسهل من ارتفاع درجة مصر الائتمانية، ومع كل إعلان عن صفقات جديدة ستزداد الثقة ومعها المزايا للاقتصاد المصرى.
تسهيل سداد الديون والمستحقات المقومة بالدولار على الحكومة
التدفق المباشر للدولار الذى يساوى 24 مليار دولار خلال الشهرين المقبلين سيساعد الحكومة على سداد ديونها التى تقدر بنحو 42 مليار دولار فى سنة 2024، ولكن من المتوقع أن يكون المبلغ 20 مليار دولار، إن جددت الدول الخليجية ودائعها عند البنك المركزى المصرى، وهناك أيضًا مستحقات لشركات بترول وأرباح شركات أجنبية تقدر بـ 13 مليار دولار.
قابلية تعويم العملة بخسائر أقل على المدى القصير
تعويم العملة بشكل كامل أو مدار له فوائد كثيرة للاقتصاد المصرى على المدى الطويل أحدهما هو تشجيع الاستثمارات الأجنبية المباشرة والآخر هو زيادة قدرة الاقتصاد على تحمل الصدمات الخارجية، مثل التى أدت للأزمة الحالية، مما سيؤدى إلى استقرار الاقتصاد وتدفق الاستثمارات الأجنبية، وتجنب الخسائر الناتجة عن احتياجنا لتخصيص جزء كبير من الدولار والعملات الأجنبية للدفاع عن سعر العملة، هذه الأموال ستنتج عائدًا فى حالة استثمارها فى الاقتصاد المصرى، حيث إنها حاليًا لا تستثمر وتخسر قيمتها مع الوقت بسبب التضخم.
وكانت التابعات السيئة على المدى القصير هى العائق الذى كان يمنع البنك المركزى من اتخاذ هذا القرار بسبب عدم وجود رصيد دولارى يكفى للحفاظ نسبيًا على قيمة العملة، إذًا فتدفق الدولار من هذا المشروع سيزيد من هذا الرصيد ويعزز من قابلية التعويم.
العلاقات الاقتصادية التاريخية بين مصر والإمارات العربية.. تصور لتطورها بعد الصفقة
على مرار السنوات الماضية زاد الترابط الاقتصادى التاريخى بين مصر والإمارات، وذلك لأهمية موقع البلدين على طريق الحرير منذ عام 130 إلى 1453 قبل التاريخ، و استمر الترابط الاقتصادى بين البلدين فى الزيادة مع زيادة التجارة العالمية حتى وصل إلى مستويات تاريخية، حيث وصل حجم التبادل التجارى بين البلدين إلى 4.9 مليار دولار فى عام 2023 والاستثمارات الإماراتية فى مصر وصلت إلى 5.7 مليار دولار خلال 2021/2022، هذا الترابط الاقتصادى يحركه ترابط ثقافى بين الشعبين إلى جانب الترابط الحكومى الذى يسهل عملية التجارة، بالإضافة إلى العديد من الاتفاقات التجارية التى تربط البلدين مثل اتفاقية التجارة الحرة لجامعة الدول العربية.
والصفقة الحالية ستشدد من هذا الترابط بشكل كبير من حيث إن حجم الاستثمار المبرم فى الصفقة يعتبر حوالى 6 أضعاف إجمالى الاستثمارات فى 2021/2022، وهذه الثقة التى أبدتها دولة الإمارات فى الاقتصاد المصرى ستشجع المستثمرين الإماراتيين والمستثمرين الأجانب فى الإمارات على الاستثمار فى مصر بضمانة الثقة الإماراتية فى مصر، والتبادل التجارى أيضًا من المتوقع زيادته من بعد الصفقة بسبب زيادة التعاون على المدى الطويل الذى تتطلبه هذه الصفقة.