بعد مرور عاميْن على اندلاعها ما آفاق الحرب الرُّوسية على أوكرانيا؟

إعداد: ريهام محمد 

مقدمة

دخلت الحرب “الروسية – الأوكرانية” عامها الثالث، دون أيِّ آفاقٍ واضحةٍ عن قُرْب نهايتها، يأتي هذا في ظلِّ تراجُع الدعم العسكري والمالي الغربي لأوكرانيا في الأشهر الأخيرة، ففي فجر يوم 24 فبراير عام 2022،  أعلنت روسيا عن عمليتها العسكرية على “كييف”، وكانت المقاومة الشَّرِسَة التي أبْدتها القوات المسلحة للبلاد والدعم الغربي الساحق لـ “كييف”؛ سببًا في رفْع الآمال في قدرة الجيش الأوكراني على صدِّ القوات  الروسية، وبعد مرور عاميْن، يبدو أن الآمال في تحقيق النصر الأوكراني تضاءل على نحْوٍ متزايدٍ، كما هو الحال مع التعهُّدات الغربية بدعم أوكرانيا ”طالما استغرق الأمر”.

وبالنظر إلى المعطيات الحالية، يبدو أن روسيا متحمسة مع دخول الحرب عامها الثالث، فبعد مرور عاميْن، يمكن إجمال النتائج الميدانية المباشرة في توسيع رُقْعة السيطرة العسكرية الروسية داخل أراضي أوكرانيا بنحْو 5 أضعاف، بالنظر إلى مساحة الأراضي التي يسيطر عليها حاليًا الجيش الرُّوسي، وفي مقابل سيطرة الانفصاليين الموالين لـ “موسكو” على أجزاء محدودة من إقليمَيْ “دونيتسك، ولوغانسك” عشيّة اندلاع الحرب، فقد غَدَتْ القوات الروسية بمساعدة الانفصاليين تبْسُطُ سيطرةً كاملةً ومُحكمةً على نحْو ثلثيْ أراضي “دونيتسك”، و95 % من أراضي “لوغانسك”، ونحو 75 % من منطقة “زابوريجيا”، وأكثر بقليل من نصف منطقة “خيرسون”، بالإضافة إلى ذلك، هناك جيوب للسيطرة الروسية في جنوب إقليم “خاركيف” شرقًا ومناطق عِدَّة في الوسط والغرب.

وفي مارس ٢٠٢٣، أعلنت وزارة الدفاع الروسية في بيانٍ، عن زيارة نادرة لوزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو ، للقوات الروسية المنتشرة في شرق أوكرانيا في إطار تفقُّدِهِ لمركز القيادة الأمامية لإحدى تشكيلات قوات “فوستوك” باتجاه جنوب “دونيتسك”، كما قام “شويغو” بتوزيع ميداليات على العسكريين الرُّوس؛ لتفانيهم وبطولاتهم، وتأتي الزيارة بعد نجاح القوات الرُّوسية في حصار “باخموت” في إقليم “دونيتسك” شرقيْ أوكرانيا.

ومؤخرًا، تحوَّل الانتباه عن أوكرانيا لدعم الولايات المتحدة الحرب على غزة، وأصبحت روسيا طليقةً في الحرب؛ إذ تعزَّزت ثقة “موسكو” بالتقدُّم الأخير الذي أحرزته قواتها العسكرية بالاستيلاء على “أفدييفكا” في “دونيتسك”، الأحد ١٨ فبراير الماضي، بعد أشْهُرٍ من القتال العنيف، والتطهير من المعارضين السياسيين في الداخل قُبَيْل الانتخابات الرئاسية في شهر مارس 2024، فيما وصفه “بوتين” بأنه ”نجاح مطلق”، مضيفًا أنه: ”يحتاج إلى البناء عليه”، ولم تؤكد روسيا أو تنفي أن ما يصل إلى 47 ألف جندي روسي – وفقًا للتقديرات الأوكرانية – ربما لقوْا حتْفَهم في المعركة الطويلة من أجل “أفدييفكا”، فيما يبلغ العدد الإجمالي للجنود الذين قُتلوا أو جُرحوا في الحرب من كلا الجانبيْن، حواليْ 500 ألف جندي.

المحور الأول: تقييم لنطاق تأثير الدعم الغربي لأوكرانيا في تحديد مسار الحرب

يلعب الدعم الغربي المادي أو العسكري لأوكرانيا دورًا مركزيًّا في حربها ضد روسيا، سواءً عبْر تعزيز قدراتها الهجومية المتطورة لمهاجمة الأهداف الروسية وتحرير المناطق التي سيطرت عليها، أو تمكينها من صدِّ هجمات “موسكو” بشكلٍ أكثر فعالية، وبالرغم من ذلك،  تتبين عدة مؤشرات في الفترة الأخيرة بشأن احتمالية تراجُع هذا الدعم الغربي؛ حيث تراجع الدعم العسكري الأوروبي لأوكرانيا إلى حواليْ الثلث فقط، بينما كان يُشكِّلُ  ٥٥٪؜ في البداية؛ إذ يأتي أبرز  تلك المؤشرات الوضع الراهن حِيالَ التصعيد الإسرائيلي على غزة، ومن ثمَّ إمكانية تحوُّل وجهة الدعم الغربي ناحية “تل أبيب”؛ ما قد يضع أوكرانيا أمام خيارات صعبة، وربما تغيير في مسارات الحرب الجارية؛ من هنا يمكن رصْد مؤشراتٍ لتراجع الدعم الغربي لأوكرانيا في حربها ضد روسيا، كالتالي:

أولًا: تجميد “الكونجرس” الأمريكي المساعدات لأوكرانيا

جدير بالذكر، أن الولايات المتحدة تتصدر قائمة الدول التي تُقدم مساعدات لأوكرانيا مع دعْم عسكري، تجاوزت قيمته 40 مليار دولار، إلَّا أن دْعم أوكرانيا بات موضع انقسامٍ سياسيٍّ داخليٍّ في الولايات المتحدة بين إدارة “بايدن” الديمقراطية والحزب الجمهوري، لا سيما مع بدْء تحضير البلاد لأجواء الانتخابات الرئاسية المقررة في 2024.

ففي مطلع أكتوبر الماضي، في محاولةٍ لتجنُّب الإغلاق الحكومي الأمريكي، تبنَّى مجلسا “النواب، والشيوخ” الأمريكيان إجراءً طارئًا، يتيح مواصلة تمويل الإدارة الفيدرالية الأمريكية مؤقتًا لمدة 45 يومًا، لكنه شَمِلَ تأجيل النظر في مشروع قانونٍ منفصلٍ يتعلق بإمداد  ٦٠ مليار دولار من المساعدات العسكرية والإنسانية لأوكرانيا، والتي أراد الرئيس جو بايدن إدراجها في الميزانية، أعقبه عزْل رئيس مجلس النواب، “كيفن مكارثي”، يوم 3 أكتوبر الماضي، في سابقةٍ هي الأولى من نوْعها في التاريخ الأمريكي؛ ما زاد من تعقيد موقف المساعدات الأمريكية لأوكرانيا؛ حيث يشهد مجلس النواب من بعدها حالةً من الشَّلَل، واللافت أن قرار تجميد المساعدات جاء في أعقاب زيارة الرئيس الأوكراني “زيلينسكي” للولايات المتحدة، في سبتمبر ٢٠٢٣م، وحثّه لأعضاء “الكونجرس” على مواصلة تقديم المساعدات لبلاده، لكن يبدو أن قرار تجميد المساعدات لأوكرانيا في الإنفاق الأمريكي بضغطٍ من الجناح اليميني المتطرف في الحزب الجمهوري، الذي يقودهم الرئيس السابق دونالد ترامب، أشدّ الداعمين لوقْف إرسال مزيدٍ من الأموال الأمريكية للخارج، قد أسهم بشكلٍ محوريٍّ في تجميد تلك المساعدات في الموازنة المؤقتة، وعلى الرغم من محاولة الرئيس جو بايدن طمْأنة “كييف” وحلفاء واشنطن، ودعوته الكونجرس لإقرار مساعدات إضافية لأوكرانيا؛ لم تُفْلِحْ هذه التحرُّكات – حتى الآن – في تبديد القلق والتوتر الذي أصاب أوكرانيا والحلفاء الأوروبيين.

ثانيًا: الخلافات بين أوكرانيا ودول شرق أوروبا

شهدت الفترة الأخيرة تصاعُد وتيرة النزاع بين أوكرانيا وعدد من بلدان شرق أوروبا حول صادرات الحبوب الأوكرانية؛ إذ أعلنت بولندا حظْر إمداد أوكرانيا بالأسلحة لصالح التركيز على تعزيز قوتها الدفاعية، فضلًا عمَّا كانت أعلنته حوْل حظْر استيراد الحبوب الأوكرانية، في إجراءٍ بدا وكأنه تأييدٌ لمواقف كُلٍّ من “المجر، وسلوفاكيا” على فرْضهم قيودًا على واردات هذه الحبوب في تحدٍّ لقرار المفوضية الأوروبية، بعدم تمديد حظْرها على الواردات إلى الدول الخمس المجاورة لأوكرانيا في الاتحاد الأوروبي، وردًّا على ذلك، أعلنت أوكرانيا لجوءها لمنظمة التجارة العالمية في شكوى جماعية ضمَّت إلى جانب بولندا كُلًّا من” المجر، وسلوفاكيا”؛ ما دفع بولندا إلى استدعاء السفير الأوكراني لدى “وارسو” إلى وزارة الخارجية البولندية، بينما أعلن الرئيس البولندي أندريه دودا، إلغاءه اللقاء الذى كان مقررًا مع الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة.

كشف النزاع بين أوكرانيا وعدد من بلدان شرق أوروبا حوْل صادرات الحبوب الأوكرانية عن حقيقة أسباب وقْف بولندا لإمدادات الأسلحة البولندية لأوكرانيا؛ إذ كان رئيس الحكومة البولندية ماتيوش موروفيتسكى، قد بيَّن أن عدم إرسال أسلحة إلى أوكرانيا بسبب إصراره على تجهيز القوات البولندية بأسلحةٍ حديثةٍ؛ لذا تعمل على تسليح وتحديث الجيش والتجهيز السريع بالأسلحة؛ لجعلها واحدةً من أقوى بلدان القارة الأوروبية، وقد أسهمت هذه التصريحات في إضعاف العلاقات بين البلديْن اللذيْن شهدا تقارُبًا منذ الأسابيع الأولى من الحرب الرُّوسية.

كما أن الأمر لم يتوقف على بولندا وحدها، فكانت المجر  – ولا تزال – تقف في صدارة البلدان التي اتخذت موقفًا منفردًا، انضمت إليه “سلوفاكيا، وبلغاريا، ورومانيا”، فيما يتعلق برفْض تقديم الأسلحة الى أوكرانيا، وكان فيكتور أوربان، رئيس الحكومة المجرية، أوَّل من اتخذ قراره بشأن رفْض تقديم السلاح إلى أوكرانيا، بل وعبوره عبْر أراضي بلاده إلى أوكرانيا، كما أن قضية اختفاء أسْرى الحرب الأوكرانيين، الذين احتجزتهم روسيا وسلَّمتهم إلى المجر لا تزال عالقة بين البلديْن، فضلًا عن تمسُّك المجر بموقفها من رفْض الانضمام إلى مقررات الاتحاد الأوروبي الخاصة بسياسة العقوبات ضد روسيا.

فثمَّة ما يشير إلى بوادر مللٍ بدأ يُصيب حلفاء أوكرانيا جرَّاء تجاوزات “زيلينسكي”، فضلًا عما هو أقرب إلى الَسَّخط المكتوم من تصرفاته ومفرداته، ومحاولة تصوير نفسه حاميًا للديمقراطية والمدافع عنها في المنطقة، وذلك ما يتضح من اللغة التي يستخدمها “زيلينسكي” خلال تصريحاته الموجهة لحلفائه الغربيين.

ثالثًا: فوز الحزب الشعبوي الموالي لروسيا في انتخابات سلوفاكيا

في ٣٠ سبتمبر ٢٠٢٣م، فاز الحزب الديمقراطي الاجتماعي السلوفاكي (SMER-SSD) – وهو حزب يساري شعبوي، بقيادة رئيس الوزراء السابق روبرت فيكو- بالانتخابات التشريعية في سلوفاكيا، وذلك بحصوله على 23.3% من إجمالي الأصوات (42 مقعدًا من أصل 150)، متغلِّبًا على حزب “سلوفاكيا التقدُّمية الوسطى” الذي حصل على 17% من الأصوات، لكنه سيظل يحتاج إلى شركاء آخرين لتشكيل الحكومة؛ ما شكَّلَ تحدِّيًا أمام السياسية الخارجية لسلوفاكيا، العضو في الناتو والاتحاد الأوروبي، لا سيما على صعيد الحرب “الروسية – الأوكرانية”، في ظلِّ المعطيات التي تشير إلى مواقف الحزب الموالية لـ “موسكو”، ومن شأن هذه النتائج أن تُمثِّلَ تحدِّيًا لوحدة حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي بشأن أوكرانيا؛ إذ إن سلوفاكيا كانت من بين الدول الأوروبية التي طالبت بفرْض عقوبات من الاتحاد الأوروبي على روسيا، وتبرَّعت بكميةٍ كبيرةٍ من المعدات العسكرية لأوكرانيا، إلا أن “فيكو” من الشخصيات التي تتعهَّد بوقْفٍ فوريٍّ للدعم العسكري السلوفاكي لأوكرانيا، كما بنَى حملته الانتخابية على تعهُّدات مناقضة للفكر الأوروبي الحالي، ومنها ألَّا ترسل سلوفاكيا “قطعة ذخيرة واحدة” إلى أوكرانيا، ودعا إلى تحسين العلاقات مع روسيا، كما صرَّح للصحفيين، بعد الفوز في الانتخابات، بأن لسلوفاكيا وشعبها مشكلات أكبر من العلاقات مع “كييف”، مُلْقِين باللوم على الأوكرانيين في استفزاز الرئيس الرُّوسي فلاديمير بوتين، ودفعه إلى شنِّ الهجوم، كما وعد بعرقلة طموحات أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي.

ومن المتوقع أن يُحْدِث “فيكو” تغييرات في السياسة الخارجية لسلوفاكيا للوفاء بتعهُّداته أمام ناخبيه، أو على الأقل سيُوظِّف هذا التوجُّه ضد “كييف” كورقة ضغطٍ على الاتحاد الأوروبي؛ للحصول على المزيد من المزايا الاقتصادية التي تساعده في مواجهة التحديات الداخلية، على غرار ما فعلته “جورجيا ميلوني” في إيطاليا، عندما تولَّت رئاسة الحكومة في ٢٠٢٢م.

هناك عدة أسباب ودوافع قد تقف خلف تراجع الدعم الغربي لأوكرانيا في الحرب ضد روسيا، منها ما يلي: 

توجيه الدول دعمها العسكري لصراعات أخرى:

كان لاندلاع الصراعات في مناطق مختلفة من العالم تأثيرات مباشرة في حجم المساعدات العسكرية والمالية المُقدَّمة لأوكرانيا في صراعها العسكري مع روسيا، ويُشار في هذا الصدد إلى التصعيد الراهن بين “إسرائيل، وحركة حماس الفلسطينية”؛ حيث عملت الولايات المتحدة بشكلٍ سريعٍ على توفير المعدات العسكرية والذخائر وغيرها لإسرائيل، وكان الرئيس الأمريكي “بايدن”، قد تعهَّد بتعزيز الدعم العسكري لإسرائيل في أعقاب الهجوم غير المسبوق، الذي شنَّته حركة “حماس” على “تل أبيب”؛ ما أثَّر على تباطؤ الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة لـ “كييف”، مع توجيه معظم قدراتها العسكرية والمالية لدعم إسرائيل في حرب غزة.

وربما تحتاج “إسرائيل، وأوكرانيا” إلى أسلحة مختلفة؛ حيث تريد إسرائيل ذخائر جوية دقيقة التوجيه وصواريخ اعتراضية للقُبَّة الحديدية، بينما تطلب “كييف” كميات هائلة من ذخيرة المدفعية، ولكن في حال قرَّرت إسرائيل القيام بعملية برية في قطاع غزة والشروع في حرب طويلة، فسيكون لِزَامًا على “كييف” أن تقلق بشأن المنافسة مع “تل أبيب” على صواريخ “باتريوت” الأمريكية، فضلًا عن قذائف المدفعية “عيار 155 ملم” وغيرها من الأسلحة التي تحتاج أوكرانيا بشِدَّة إلى المزيد منها، وفي هذا الإطار، بدأت روسيا في توظيف هجمات “حماس”؛ لدفع عملية إعلامية مُكثَّفة، عبْر نشْر معلومات تلُومُ الدول الغربية إلى حدٍّ كبيرٍ على إهمال الصراعات في الشرق الأوسط لصالح دعم أوكرانيا، بما يهدف إلى تقليص الاهتمام “الأمريكي، والغربي” بالحرب الأوكرانية، ومن جانبها، سعت إدارة الرئيس “بايدن” لطمْأَنة حلفاء واشنطن في “كييف، وتل أبيب” بشأن استمرار المساعدات العسكرية المُقدَّمة لهما على حدٍّ سواء.

معاناة الدول الداعمة من الضغوط الداخلية: 

بعد فشل الهجوم الأوكراني المضاد الذي انطلق مطلع الربيع الماضي، بدأت علامات “التَّعب” تلُوح على عددٍ من الدول الداعمة، لا سيما أن الغرب رَاهَنَ كثيرًا على نجاح الهجوم المضاد، وكان يُؤَمِّلُ أن يؤدي إلى إخراج القوات الروسية من معظم الأراضي في منطقة الـ “دونباس”، لا سيما انخفاض الحماس في بعض الدول الغربية لاستمرار دعْم أوكرانيا، وارتباط ذلك بتزايد الأعباء الاقتصادية في هذه الدول، إلى جانب مخاوفها من استنزاف الموارد العسكرية الخاصة بها، خاصَّةً مع طُول أَمَدِ الحرب الجارية دون وجود أُفُقٍ واضحٍ لانتهائها، وهذا ما عكسته تصريحات رؤساء الدول الداعمة، منها الرئيس البلغاري، رومين راديف، في مطلع أكتوبر الماضي، بأن “أوروبا لم تعُدْ قادرة على تحمُّل استمرار النزاع في أوكرانيا، وأن إرسال المزيد من الأسلحة إلى أوكرانيا لن يؤدي إلى تسوية النزاع”.

طول أَمَدِ الحرب وعدم القدرة على حسمها:

بالرغم من الدعم الكبير الذي حصلت عليه أوكرانيا في حربها، إلا أن الأمور بدأت تتعقَّد، والحرب طالت أكثر مما كان يتوقع، كما أن الكُلْفَةَ المالية بلغت مئات مليارات الدولارات تمَّ تقديمها لـ “كييف”، سواءً من الولايات المتحدة أو الغرب عمومًا، من دون أن تلُوحَ معالم النهاية حتى الآن، وثمَّةَ سبب آخر هنا يتعلق بمخاوف الدول الداعمة من انتشار الفساد داخل الحكومة الأوكرانية، والذي دفع “زيلينسكي” لشنِّ حملةٍ واسعةٍ لمكافحته، شَمِلَتْ إقالة عددٍ من المسؤولين، كان آخرهم وزير الدفاع، أوليكسي ريزنيكوف.

المحور الثاني: تقييم لأداء الاقتصاد الروسي في ظلِّ استمرار تطبيق العقوبات الغربية

واجه الاقتصاد الرُّوسي، خلال عام 2022، صعوبات عدة؛ نتيجة التداعيات السلبية للعقوبات الغربية الموقَّعة على روسيا منذ بداية الحرب في أوكرانيا، فضلًا عن امتصاص الحرب ذاتها جانًبا كبيرًا من إيرادات الدولة، وبحسب المؤسسات الدولية الكبرى، وبإجماعٍ من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فإن عام 2022، كان عامًا سيِّئًا بالنسبة إلى روسيا، إلَّا أن العام الماضي ٢٠٢٣، شهد تمكين روسيا من إنعاش الناتج المحلي الإجمالي بها، والخروج من انكماش 2022؛ إذ نما اقتصادها بنسبة 3.6%، فكان “بوتن”، قد أعلن خلال مؤتمر صحفي، في 14 ديسمبر الماضي، النتائج التي حقّقها اقتصاد بلاده هذا العام، وممّا قاله حينها: إن الاقتصاد الرُّوسي يمتلك احتياطيًّا كبيرًا يمكنه من النمو، وارتفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.5%، ونمت الصناعة بنسبة 6%، والاستثمار 10%؛ ما يعني قدرة “موسكو” على مواجهة العقوبات، بينما انخفض ديْن الدولة الخارجي من 46 مليار دولار  إلى 32 مليارًا، أمّا التضخُّم، فأشار إلى أنه وصل إلى 7.5%، وربما 8%، مؤكدًا أن البنك المركزي والحكومة يتّخذان التدابير اللازمة لمواجهة ذلك.

إذ تحوّلت العقوبات الغربية إلى حافزٍ كبيرٍ للاقتصاد الرُّوسي ليتحرّك في آفاقٍ أوسع؛ فنجح “الكرملين” في توسيع العلاقات التجارية مع “الصين، والهند”، ودول أُخرى في آسيا، وإيجاد أسواقٍ جديدةٍ لصادرات الغاز والنفط، وكسْر الأرقام السابقة للصادرات قبْل العقوبات، كما تمكَّن “الكرملين” من الحفاظ على ترسانةٍ مُخزَّنةٍ، ولجأ إلى الحصول على بعض أسلحته من “كوريا الشمالية، وإيران”، وجدير بالذكر، أنهما دولتان تخضعان أيضًا لعقوبات شديدة من الغرب، فضلًا عن نجاح روسيا في التغلُّب على جهود “الولايات المتحدة، وأوروبا”؛ لعزْله عن المسرح العالمي بزيارته لـ “السعودية، والإمارات” في ديسمبر الماضي؛ لتحمل دلالة مدى ثقة “بوتين” المتزايدة في قدرته على السفر خارج روسيا، بالرغم من الجهود الغربية لعزْله؛ إذ شكَّلت تلك الزيارة أهميةً خاصَّةً وحيويةً لبلاده، التي تعتبر من جهة “أبوظبي” شريكًا اقتصاديًّا رئيسيًّا في منطقة الخليج؛ اعتبارًا لكوْن حجم التبادل التجاري بين البلديْن يزيد عن نصف حجم إجمالي التبادل التجاري مع دول مجلس التعاون الخليجي، كما ترى روسيا أيضًا أن علاقتها مع السعودية علاقة خاصَّة، لأنها تُشكِّلُ ضمانةً لاستقرار منظمة “أوبك +” وأسواق النفط العالمية.

ولكن مع اقتراب الانتخابات الرُّوسية في مارس 2024، ومع فرْض العقوبات الغربية الجديدة بعد وفاة المعارض الروسي، ألكسي نافالني، تكْثُرُ الاحتمالات حوْل مستقبل الاقتصاد الرُّوسي، وما إذا كان سيواصل في صموده، أم سيواجه هذا العام “أوقاتًا حَرِجَةَ للغاية”؟ على الرغم من تحسُّن توقُّعات النمو.

وعليه، فقد أعلن البيت الأبيض، الجمعة  ٢٣ فبراير، عن أكبر حزْمة عقوبات على روسيا منذ بداية الحرب، من خلال فرْض “واشنطن” لأكثر من 500 عقوبة جديدة ضد روسيا؛ ردًّا على حربها المستمرة على أوكرانيا ووفاة المعارض الروسي، ألكسي نافالني، وكشف البيت الأبيض، أن العقوبات الجديدة ستطالُ أيَّ فرْدٍ شارك في تلك الجريمة، والقطاع المالي الرُّوسي وقاعدة الصناعات الدفاعية، في خطوةٍ تأتي بالتزامن مع إقرار المجلس الأوروبي لـ “الحزمة الـ13” من التدابير التقييدية على “موسكو”؛ إذ طالت “الحزمة الـ 13” من عقوبات المجلس، كذلك شركات من “الهند، وسريلانكا، والصين، وصربيا، وكازاخستان، وتايلاند، وتركيا”، كما طالت وزير الدفاع الكوري الشمالي، مؤكدًا مجلس الاتحاد الأوروبي، أن العقوبات الجديدة ضد روسيا تهدف إلى تقييد وصول روسيا إلى مُكوِّنات الطائرات بدون طيار، ويُضاف لذلك إعلان المملكة المتحدة، بدوْرها، فرْض أكثر من 50 عقوبةً جديدةً على روسيا؛ حيث تُطبِّقُ المملكة مجموعةً من التدابير التقييدية على واردات الحديد والصلب من روسيا، ومجموعة من تدابير مراقبة الواردات التي تعادل إلى حدٍّ كبيرٍ تدابير الاتحاد الأوروبي، وتستهدف العقوبات البريطانية الجديدة شركات مُصنّعة للذخائر وشركات الإلكترونيات وتجار ماس ونفط، وتهدف إلى “تقليص” ترسانة أسلحة الرئيس الرُّوسي فلاديمير بوتين، والقرار الأخير جاء بإعلان كندا انضمامها إلى “الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، والاتحاد الأوروبي” في فرْض عقوبات جديدة على روسيا، عشيّة الذكرى السنوية الثانية للحرب؛ إذ كشفت كندا عن عقوباتٍ إضافيةٍ ضد 153 كيانًا وعشرة أفراد، بما في ذلك مساعد الرئيس الرُّوسي فلاديمير بوتين، وكبار المسؤولين في الشركات الخاصة والمملوكة للدولة في “روسيا، وقبرص”، وأعلنت أيضًا حظْرًا على صادرات السلع إلى روسيا، التي يمكن استخدامها لصُنْع الأسلحة.

المحور الثالث: مستقبل الحرب “الروسية –الأوكرانية” في عام 2024

تفرض التطورات الراهنة ثلاثة مسارات محتملة للصراع “الرُّوسي – الأوكراني” خلال الفترة المقبلة:

السيناريو الأول: التراجع الفعلي للدعم الغربي لأوكرانيا  

وفي حالة تحقُّقِهِ سيُدرك “بوتين” حينها عجْز الغرب عن تقديم مزيدٍ من الإمدادات لأوكرانيا، في حالة تراجُع الدعم الأمريكي تحديدًا؛ لأن القوى الأوروبية لن تتمكن من تعويض هذا النقص، بما سيجعله يراهن على إطالة أَمَدِ الحرب لإرهاق الخصم وحلفائه، وتحقيق أكبر مكاسب ممكنة؛ حيث تفتقر روسيا إلى القدرة الحاسمة التي تُمكِّنُها من اجتياح أوكرانيا، وسوف تبْذُلُ كُلَّ ما في وُسْعها للاحتفاظ بما تحتلُّه حاليًا، مستغلةً الوقت لتعزيز دفاعاتها، ويظَلُّ أملُها أن يفقد الغرب الإرادة لمواصلة دعْم أوكرانيا، وهو السيناريو الأقرب حال صعود “ترامب” للحكم مرةً أُخرى، تزامنًا مع صعود التيارات الحزبية الموالية لروسيا – فوْز الحزب الشعبوي في سلوفاكيا- والذي سيُنهي بكل وضوحٍ وبساطةٍ أزمة أوكرانيا لصالح روسيا، وجعْل أوكرانيا عُرْضةً بشكلٍ أكبر لمزيدٍ من الخسائر في مواجهة الرُّوس، ومن ثمَّ احتمالية تغيير مسار الصراع في الفترة المقبلة.

السيناريو الثاني: استمرار الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا

من الممكن أن يستمر الدعم العسكري الأمريكي، ولكن ليس بالوتيرة نفسها، على خلفية دعمها الحالي لـ “تل أبيب”، مع قيامها بحثِّ الدول الكبرى في الاتحاد الأوروبي على زيادة دعمها العسكري؛ لتلبية جزءٍ من الاحتياجات الأوكرانية في الصراع الجاري، وتكْمُن إشكالية تحقيق هذا المسار في كونه دعمًا قصير الأجل، قد لا يستمر طويلًا مع زيادة الضغوط الداخلية على الدول الداعمة، دون نتائج ملحوظة لصالح أوكرانيا.

السيناريو الثالث: تسوية الأزمة بوساطة دولية

فمن الممكن انتهاء الحرب من خلال الجهود الدبلوماسية في تسوية النزاع، لا سيما وساطة بعض الدول الوازنة لمحاولة تقريب وجهات النظر بين الطرفين، خاصَّةً أن الرئيس الرُّوسي “بوتين” قد لوَّحَ في مواضع عدة باستعداداه للتفاوض مع شرط عدم تراجُع القوات الرُّوسية عن الأراضي التي استوْلت عليها منذ بداية الحرب.

ختامًا:

يمكن القول: إن المعطيات الراهنة للصراع، التي تؤكد أن مسار التفاوضية يبدو أقلَّ ترجيحًا، فإن التكاليف الباهظة التي تزداد مع استمرار الصراع، أو تحوّله إلى حربٍ شاملةٍ على أبعد تقدير، بما في ذلك التلويح باستخدام السلاح النووي، وانخراط الناتو في المواجهة المباشرة مع روسيا، تُرجح استمرار القوى الإقليمية والدولية في طرْح الأفكار ومبادرات التسوية؛ لتفادِي السيناريوهات الأكثر قتامة في هذا الصدد، ولعل احتمالية حدوث استجابةٍ حقيقيةٍ لكلا الطرفيْن لمبادرات التسوية المطروحة هو خيار مطروح في مخططها، لكنه متوقف بالضرورة على نظرة كُلٍّ من “موسكو، وكييف” إلى التوقيت الأنسب لكليْهما للقبول بالتفاوُض، والتي سيكون حينها تكاليف استمرار الصراع أكبر من المكاسب المنشودة منه.

ومن ثمَّ أيضًا، فإن أيًّا من مسارات الدعم الغربي لأوكرانيا سيتوقف بشكلٍ كبيرٍ على المدى الزمني للحرب الحالية في غزة، ومدى توسُّع وانخراط قوى دولية وإقليمية أُخرى، مثل “روسيا، وإيران” في الأزمة الراهنة وتوسُّع جبهات القتال.

المراجع:  

رائد جبر، “عامان على حرب أوكرانيا… 5 مكاسب لروسيا وإخفاقات إقليمية”، صحيفة الشرق الأوسط، ٢٤ فبراير ٢٠٢٤.

https://n9.cl/snfho 

علي حمادة، “التعب وغزة.. تهديد لأوكرانيا بهزيمة كبيرة”، سكاي نيوز عربية، ديسمبر ٢٠٢٣.

https://rb.gy/7k98x3

لماذا قررت بولندا وقف إمداد أوكرانيا بالسلاح؟، شبكة بي بي سي العربية، سبتمبر ٢٠٢٣.

https://n9.cl/7ujiv

اقتصاد روسيا أمام قصف العقوبات.. هكذا مرّ عليه عام 2023، سكاي نيوز عربية، ديسمبر ٢٠٢٣.

https://n9.cl/85u1p

موالٍ لروسيا يفوز بانتخابات سلوفاكيا العضو في الناتو، وكالة نورث بلس الإعلامية، أكتوبر ٢٠٢٣.

https://npasyria.com/168714/

كلمات مفتاحية