إعداد: رضوى الشريف
باحثٌ متخصصٌ في شؤونِ الشرقِ الأوسطُ
أعلنَ اللواءُ عمادُ الطرابلسي، وزيرُ الداخليةِ في الحكومةِ المنتهيةُ ولايتِها، خلالَ مؤتمرٍ صحفيٍ، الأربعاء 21 فبراير الجاريِ، التوصلَ إلى اتفاقٍ لإخلاءِ العاصمةِ طرابلسَ منَ المجموعاتِ المسلحةِ، وعودتِها إلى مقارِّها وثكَناتِها، وأضافَ بأنهُ لنْ يكونَ بالعاصمةِ سوىَ عناصرِ الشرطةُ والنجدةُ والبحثِ الجنائيِ، وهيَ أجهزةّ نظاميةٌ تابعةٌ لوزارةِ الداخليةِ.
يأتيِ إعلانَ الإخلاءِ مباشرةً بعدَ مذبحةِ أبو سليم، يومَ 18 فبراير الجاريِ، حيثُ استيقظَ الليبيونَ على جريمةٍ مروعةٍ، جرتْ وقائعُهَا في حيِّ أبو سَليم، الواقعِ جنوبِ العاصمةِ طرابلسْ، راحَ ضحيتُهَا 10 أشخاصٍ فيِ ظروفٍ غامضةٍ. وفيمَا قالَ وزيرُ الداخليةِ إنهُ “فتحَ تحقيقاً مباشراً في الجريمةِ”، وتعهدَ لأهاليِ الضحايَا بمحاسبةِ كلِّ منْ يثبتُ تورطهُ فيِهَا، كشفتْ المجزرةُ عنْ تصاعدِ الصراعِ بينَ الميليشياتِ المسلحةِ بالعاصمةِ على توسيعِ نفوذِها على الأرضِ.
وفيِ حينِ لقيَ إعلانُ وزيرِ الداخليةِ إخلاءَ العاصمةِ طرابلسْ منَ المجموعاتِ المسلحةِ استحسانَ الشعبِ الليبيِ الذيِ ضاقَ ذرعاً بوجودِ الميليشياتِ، إلاَّ أنَّ هذهِ الخطوةَ يجبُ أنْ تسبقَهَا إجراءاتٌ أخرىَ حتىَ تنجحَ وتحولَ دونَ عودةِ ليبيا لمربعُ العنفِ، حيثُ تشيرُ تقاريرُ دوليةٌ إلى أنَّ عددَ الميليشياتِ المسلحةِ في ليبيا يصلُ الى قرابةِ 300 ميليشاً، يتبعُ بعضُها أفراداً ومدناً معينةً على غرارُ مصراتةَ والزنتانِ والزاويةِ، وينتميُ بعضُها الآخرُ إلى تياراتٍ سياسيةٍ، ويمتلكُ عددّ منْ هذهِ الميليشياتِ سجوناً ومراكزَ احتجازٍ على غرارِ “قوةِ الردعِ” التيِ تديرُ سجنَ “معتيقة” الذيِ يعدُّ خارجَ سيطرةِ الدولةِ الليبيةِ، وفشلتْ جميعُ وزاراتِ العدلِ المتعاقبةِ على ليبيا وكلِّ البعثاتِ الأمميةِ فيِ دخولَه، فيمَا يتغذىَ عددٌ آخرُ منهَا على مهنِ تهريبِ الوقودِ والاتجارِ بالبشرِ والسيطرةِ على عمليةِ تأمينِ المؤسساتِ السياديةِ حتىَ يكونوُا قريبينَ منْ مراكزِ صنعِ القرارِ.
الميلشياتُ المقررُ إخراجُها وأدوارُها
تحدثَ الطرابلسيِ عنْ 7 ميليشياتٍ وصفَها بــــــــ”الأجهزةِ الأمنيةِ”، وقالَ إنهُ جرىَ الاتفاقُ على إخراجِها خلالَ الفترةِ الماضيةِ منْ طرابلسٍ. وهذهِ الأجهزةُ هيَ: (جهازُ قوةِ الردعِ، وجهازُ الأمنِ العامِ، والشرطةِ القضائيةِ، وجهازُ دعمِ الاستقرارِ، واللواءُ 444 قتالٍ، واللواءُ 111، بالإضافةِ إلى قوةِ دعمِ المديرياتِ).
ويترأسُ قوةُ الردعِ التيِ تحدثَ عنهَا الطرابلسيِ، “عبدُ الرؤوف كارة”، ذوُ التوجهِ السلفيِ، وتتخذُ قوةُ الردعِ منْ مجمعِ معيتيقةِ بطرابلسَ، الذيِ يضمُ المطارَ الدوليَ، مقراً لهَا، وتشرفُ على سجنِ يقبعُ فيهِ بقايَا رموزِ نظامِ الرئيسِ الراحلِ معمرِ القذافي، أشهرهُم عبدُ الله السنوسي مديرُ الاستخباراتِ السابقِ.
ويتمتعُ كارةُ بعلاقةٍ جيدةٍ معَ رئيسِ الحكومةِ عبدِ الحميد الدبيبةِ، وتمتلكُ قوتهُ عُدةَ وعتاداً كبيرينِ، وحلّتْ خلالَ السنواتِ التي تلتْ ثورةُ 17 فبراير محلَ الشرطةِ الرسميةِ، لكنْ لاحقتْها الانتقاداتُ.
وبجانبِ قوةِ الردعِ، تحدثَ الطرابلسيُ عنْ جهازِ دعمِ الاستقرارِ، الذيِ تأسسَ بموجبِ قرارٍ حكوميٍ في يناير 2021، ويقودُه “عبدُ الغني الككلي”، الشهيرُ بـ”غنيوة”، الذيِ يعدُّ أحدَ أكثرِ قادةِ الميليشياتِ نفوذاً في طرابلسَ.
وتعدُّ منظمةُ العفوِ الدوليةِ (أمنستي)، في تقريرٍ سابقٍ، أنَّ الككليَ تولىَ منصبَه على الرغمِ منْ تاريخٍ حافلٍ بجرائمَ مشمولةٍ في القانونِ الدوليِ، وغيرِها منَ الانتهاكاتِ الخطيرةِ لحقوقِ الإنسانِ، ارتكبَتْهَا الميليشياتُ تحتَ قيادتهِ، ووُثِّقتْ على نحوٍ وافٍ.
وقالتْ المنظمةُ إنهَا سبقَ أنْ أرسلتْ إلى السلطاتِ الليبيةِ البلاغاتِ التي تلقتْها ضدَّ الككليُ، ونائبهِ السابقِ لطفيِ الحراريِ في 19 أبريلَ 2022، مُطالبةً السلطاتِ بإقالتهِما من منصبَيْهِما.
شملَ قرارُ الإبعادِ عنْ طرابلسَ، الذيِ تحدثَ عنهُ وزيرُ الداخليةِ، اللواءُ 444 قتالٍ الذي تمَّ تأسيسهُ عامَ 2019، ويتبعُ منطقةَ طرابلسَ العسكريةِ، ويتمتعُ قائدهُ “محمود حمزة” بعلاقةٍ جيدةٍ بالدبيبةِ.
وسبقَ أن شهدتْ طرابلسُ اشتباكاتٍ داميةٍ في منتصفِ أغسطس 2023، بينَ قواتِ حمزةَ وقواتِ كارة، أسفرتْ عنْ وقوعِ العديدِ منَ القتلىَ بالعاصمةِ، على خلفيةِ احتجازِ حمزةَ منْ قبلِ جهازِ الردعِ، قبلَ أنْ يتدخلَ الدبيبةُ للإفراجِ عنهُ، وإبرامِ صلحٍ بينَ التشكيلينِ المسلحينِ.
وكانَ حمزةُ، الذيِ أمرَ الدبيبةُ بترقيتهِ منْ رتبةِ عقيدٍ إلى عميدٍ، ملازماً في جهازِ الشرطةِ، والتحقَ بـقوةِ الردعِ بوصفهِ متحدثاً رسمياً لهَا، وأعقبَ ذلكَ بتأسيسِ كتيبةٍ تحملُ اسمَ (20 – 20) في معيتيقةَ بقيادتهِ، بعدَ انفصالهِ عنْ قوةِ الردعِ ليترأسَ اللواءَ 444 قتالٍ..
كمَا تطرقَ الطرابلسيُ إلى اللواءِ 111، الذيِ يترأسُه “عبدُ السلام زوبي”، وهوَ أحدُ أركانِ الغرفةِ الأمنيةِ والعسكريةِ المشتركةِ التي شكلَهَا الدبيبةُ للدفاعِ عن المنطقةِ الغربيةِ والجنوبِ الغربيِ، وتضمُ 22 تشكيلاً مسلحاً، منْ بينهِم اللواءُ 444 قتالٍ، والكتيبةُ 166 للحمايةِ والحراسةِ، بالإضافةِ إلى اللواءِ 111.
وتنتشرُ قواتُ اللواءِ في أحياءِ منطقةِ الهضبةِ، وطريقِ المطارِ والسوانيِ ومحيطِ مطارِ طرابلسَ الدوليِ، وتتحدرُ عناصرُه منْ مدينةِ مصراتةَ، وكانَ يعرفُ في السابقِ باسمِ الكتيبةِ301 مشاةٍ، أو لواءِ الحلبوصِ.
أمَّا جهازُ الشرطةِ القضائيةِ، الذيِ تحدثَ عنهُ الطرابلسيُ، فيتبعُ وزارةَ العدلِ بحكومةِ الدبيبةِ، ويرأسهُ “أسامةُ انجيم”، وهوَ يختصُ بحراسةِ وتأمينِ بعضِ السجونِ، ورغمَ تبعيتهِ لوزارةِ العدلِ، فإنهُ متحالفٌ بقوةٍ معَ جهازِ الردعِ، وقاتلَ إلى جانبهِ ضدَ اللواءِ 444 خلالَ الاشتباكاتِ التي وقعتْ بطرابلسَ في أغسطسَ 2023.
يأتيِ جهازُ دعمِ المديرياتِ، الذيِ ينشطُ فيِ مكافحةِ الهجرةِ غيرِ المشروعةِ، وجهازِ الأمنِ العامِ والتمركزاتِ الأمنيةِ، وهذا الأخيرُ كانَ يترأسهُ الطرابلسيُ نفسهُ قبلَ تكليفهُ بوزارةِ الداخليةِ، من الفترةِ الممتدةِ ما بينَ 2018 وحتىَ نوفمبرَ 2022، وعندمَا كلّفهُ الدبيبةُ بوزارةِ الداخليةِ، خلفهُ شقيقهُ عبدُ الله الطرابلسيُ في قيادةِ الجهازِ.
وحولَ مدىَ تقبّلِ قرارِ إخلاءِ طرابلسَ منَ التشكيلاتِ السالفةِ الذكرِ، قالَ الوزيرُ إنَّ جميعَ قادةِ وأمراءِ هذهِ المجموعاتِ أبدَوُا تفهمَهُم ودعمهَم لخطةِ الإخلاءِ، وبعدَ الانتهاءِ منْ طرابلسَ سيتمُ إخلاءُ كافةِ المدنِ منَ المظاهرِ والتشكيلاتِ والبواباتِ المنتشرةِ لهذهِ المجموعاتِ. وفيمَا أكدَّ الوزيرُ أنَّ هذهِ الخطةَ ليستْ موجهةً ضدَ أحدٍ، استبعدَ مسؤولٌ أمنيٌ سابقٌ بغربِ البلادِ تنفيذَ هذا الاتفاقِ، وأرجعَ ذلكَ إلى قوةِ هذهِ المجموعاتِ المسلحةِ التيِ تنطلقُ من وجودِها في طرابلسَ.
تعقيداتُ الوضعِ
تعتبرُ تلكَ المجموعاتُ المسلحةُ رغمَ انخراطِها في دعمِ الأجهزةِ الأمنيةِ والعسكريةِ للسلطةِ التيِ تديرُ غربَ ليبيا، قنابلَ موقوتةً قابلةً للانفجارِ في كلِّ لحظةٍ وقدْ شكلتْ حوادثُ أمنيةّ دمويةٌ سابقةٌ في طرابلسَ ومحيطِها، شواهدَ على خطرِ انفلاتِ السلاحِ حتى لأتفهِ الأسبابِ.
ومنَ المستبعدِ مغادرةُ تلكَ الميليشياتِ منَ العاصمةِ طرابلسَ بعدَ شهرِ رمضانَ، وذلكَ بالاستنادِ على وجودِ بعضِ التعقيداتُ والتي منهَا الأتي:
- ترتبطُ تلكَ الميليشياتُ في غالبيِتها بحكومةِ الوحدةِ الوطنيةِ المنتهيةِ ولايتِها، كمَا تعدُ مندمجةً بقوةٍ داخلَ جهازِ الدولةِ والعديدِ منْ أعضاءِ الحكومةِ الذينَ لديهِم علاقاتٌ بتلكَ المجموعاتِ المسلحةِ.
- يتواجدَ أغلبُ تلكَ الميليشياتِ في العاصمةِ ورسختْ وجودَها في أجزاءٍ من المدينةِ وبالتاليِ يصعبُ إخراجُها أو تجاوبُها أصلاً معَ دعوتهِا للعودةِ لمقراتِها.
- استبدالُ تلكَ الميليشياتِ بقوةٍ شرطيةٍ بشكلٍ كاملٍ في العاصمةِ الليبيةِ يبدوُ أمراً صعباً بسببِ محدوديةِ الموظفينَ الأمنيينَ والمواردِ الحكوميةِ.
حلولٌ تلفيقيةٌ
إنَ إشكاليةَ وجودِ الميليشياتِ المسلحةِ هيَ إشكاليةٌ موجودةٌ في ليبيا منذُ انطلاقِ ثورةِ فبراير 2011، وقوبلتْ بالعديدِ من الحلولِ التلفيقيةِ كانَ جلُها غيرُ مبنيٍ على استراتيجيةِ إنهاءِ وجودِها وإنمَّا اعتمدَ على عمليةِ التقليلِ منهَا بدمجِ بعضِها ببعضِ.
وتعدُ تصريحاتُ الطرابلسيِ قريبةَ منْ تصريحاتِ وزيرِ الداخليةِ السابقِ فتحي باشاغَا عندمَا بدأَ بعمليةٍ أطلقَ عليَها اسمَ عمليةِ “رأسِ الأفعى”، التي أدىَ منْ خلالهِا إلى تخفيضِ عددٍ كبيرٍ منَ الميليشياتِ المسلحةِ غيرِ الشرعيةِ والغيِر منضويةٍ بشكلٍ رسميٍ في الدولةِ، ولكنْ عادتْ هذهِ الميليشياتُ بقوةٍ في عهدِ حكومةِ الدبيبةِ بعد انشطارُها منْ داخلِ ميليشياتٍ أخرىَ تأتمرُ بإمرةِ الدبيبةِ وتنفذُ تعليماتِه.
لذاَ فيبدوُ أنَّ الطرابلسيِ لا يقصدُ بإخراجِ الميليشياتِ المسلحةِ منَ العاصمةِ بإنهاءِ وجودِها، وإنمَّا هوَ إخلاءُ العاصمةِ من هذه الميليشيات التي بدأت تتمايز فيمَا بينهَا بالاستحواذِ الأكبرِ داخلَ العاصمةِ، ذلكَ بجانبِ أنهُ يصعبُ انهاءُ تواجدُها تماماً منَ المشهدِ السياسيِ والأمنيِ حتىَ وإنْ تمَّ إخراجهُم منَ العاصمةِ.
وهناكَ احتمالّ ايضاً بوجودِ اتفاقٍ على إبعادِ تلكَ الميليشياتِ عنْ أجزاءٌ منَ العاصمةِ لإظهارِ قدرةِ الحكومةِ على السيطرةِ على الوضعِ، لكنَها تبدوُ سيطرةً محدودةَ في ظلِّ انفلاتِ السلاحِ في أكثرَ من مناسبةٍ كانَ آخرُها اشتباكاتِ 18 فبرايرَ الجاريِ.
في المجملِ
يعكسُ إعلانُ عمادِ الطرابلسيِ حولَ جدولٍ زمنيٍ لإخراجِ الميليشياتِ المسلحةِ منَ العاصمةِ طرابلسَ بعدَ رمضانَ دونَ تفصيلاتٍ واضحةٍ عن آليةِ تنفيذِ القرارِ، إلى جانبٍ دعائيٍ سياسيٍ أكثرَ منهُ قدرةً على التنفيذُ الفعليِ، فالميليشياتُ التي تعدُ معظمُها موالٍ لحكومةِ عبدِالحميد الدبيبة ومنخرطٌ في أجهزتِها الأمنيةِ، تعتبرُ أكبرَ معضلةٍ خاصةَ في غربِ ليبيا استناداً إلى حوادثَ سابقةٍ اتسمتْ بانفلاتِ السلاحِ وصراعٍ دمويٍ على النفوذِ والمصالحِ.