قراءة في الأوضاع الأمنية في مدينة الزاوية الليبية

إعداد: رضوى الشريف

باحث متخصص في شؤون الشرق الأوسط

اندلعت اشتباكات بين مجموعات مسلحة، مساء أمس السبت، في مدينة الزاوية شمال غرب البلاد بعد مقتل شخصين تابعين لإحدى الميليشيات، لكن التوتر الأمني مرشح لمزيد من الاحتقان مع سقوط العديد بين قتيل وجريح، وذلك في ظل الصراع المستمر على النفوذ والسلطة.

واستخدمت أسلحة متوسطة وخفيفة في القتال الذي نشب بين فصيلين يتبعان للحكومة المنتهية ولايتها برئاسة عبد الحميد الدبيبة، على خلفية شجار بين مسلحيهما تصاعد بانضمام مسلحين من الطرفين، وفقا لمصدر أمني تابع لمديرية أمن الزاوية.

وذكرت صحيفة “الشمس الليبية”، صباح اليوم الأحد، أن محمد حسن البشت توفي متأثرًا بجراحه التي أصيب بها أثناء تعرضه ورفيقه أحمد محمود عاشور الذي قتل هو الآخر في هجوم المسلح في منطقة الحرشة بالزاوية. وتعرض الشابان لإطلاق نار على يد مسلحين، السبت، بالقرب من مصحة النوران بمنطقة الحرشة في مدينة الزاوية.

ووفق الصحيفة فإن القتيل هو أحد عناصر “مليشيا محمد بحرون” الملقب بـ”الفار”. فيما لم تعرف هوية المسلحين الذين هاجموا الشابين وأردوهما قتيلين، ونقلت الصحيفة عن مصادر مطلعة قولها، إنّ “بوابة الحرشة” أغلقت على خلفية الاقتتال المسلح، وتجمعت عدد من السيارات المسلحة وأشعلت النار في الإطارات بالمنطقة. وهذا ما قد يؤدي إلى اشتعال أعمال عنف واشتباكات بالمدينة. كما نقلت الصحيفة نقلا عن شهود عيان، مساء السبت عن سقوط قذيفة هاون على “مقر جهاز دعم الاستقرار” برئاسة غنيوة الككلي في الزاوية وإصابة 6 جرحى من عناصره بالقرب من كوبري المصفاة.

دومًا ما تشهد مدينة الزاوية التي تعتبر من أكثر مدن الغرب الليبي وجودا للميليشيات المسلحة اشتباكات متفاوتة بين مختلف التشكيلات المسلحة بالمدينة التي تتصارع على مناطق النفوذ وطرق التهريب بحسب مسئولين في الغرب، وكان اخر تلك الاشتباكات ما حدث في شهر فبراير الماضي، حيث اندلعت مواجهات مماثلة بين ميليشيات “أبوراس” وميليشيات “القصب”، وهما من أكبر الميليشيات المسيطرة على المدينة والمتمركزة داخلها. أما أهالي المدينة فتنتابهم حالة من الغضب بسبب ما يرونه التزام السلطات الحالية الصمت إزاء الاشتباكات المتكررة بين الميليشيات.

ردود الأفعال المحلية

لم يصدر أي تعليق من جانب المجلس البلدي لمدينة الزاوية ووزارة الداخلية بالحكومة المنتهية ولايتها التي تتبعها الفصائل المسلحة المسيطرة على الزاوية. ولكن في وقت سابق ناشد الهلال الأحمر فرع الزاوية الأطراف المتنازعة بمنطقة الحرشة بوقف إطلاق النار وفتح ممر آمن حتى يتسنى إخراج العائلات العالقة في مواقع الاشتباكات، كما أعلن جهاز الإسعاف والطوارئ تأمين خط سير لعودة المواطنين من الزاوية الغرب نحو طرابلس بالتعاون مع المجلس البلدي، مطالبا أيضا مرتادي الطريق الساحلي الزاوية بضرورة توخي الحيطة والحذر، بسبب التوتر الوضع الأمني بالمنطقة.

وأعلنت عدة كليات بجامعة الزاوية تأجيل الدراسة والامتحانات اليوم الأحد، وذلك في بيانات منفصلة عبر صفحاتها على فيسبوك، وهو ما أكدته الصفحة الرسمية للجامعة أيضًا من خلال إعادة منشور لكلية هندسة النفط والغاز بالخصوص.

فيما دعا ما يُعرف بـ«حراك تصحيح المسار بالزاوية الكبرى»، المنطقة العسكرية الساحل الغربي إلى التدخل كطرف محايد من أجل إنهاء التوتر الأمني في المدينة. ووصف الحراك، في منشور عبر صفحته على «فيسبوك»، ما يحدث بـ«المهزلة»، بعدما بدأت الأوضاع الأمنية تهدأ في المدينة، منتقدًا موقف الحكومة وشيوخ القبائل إزاء ما يحدث.

أما في المنطقة الشرقية، دعا رئيس الحكومة الليبية المكلفة من البرلمان أسامة حماد، اليوم الأحد، الجميع إلى الوقف الفوري لإطلاق النار واللجوء لأجهزة الدولة الرسمية، وأكد عبر منصة “إكس”، أنه يتابع بقلق ما يجري حاليا من اشتباكات مسلحة بمدينة الزاوية، والتي استعملت فيها الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، وخلفت عددا من القتلى والجرحى”. كما دعا حماد كل الجماعات المسلحة لوقف فوري لإطلاق النار واللجوء لأجهزة الدولة الرسمية.

أزمة أمنية متكررة

مدينة الزاوية الواقعة غرب العاصمة بنحو 30 كم تتواجد بها أكبر مصافي النفط غرب البلاد، وتنتشر فيها العشرات من المجموعات المسلحة التي تمتهن تهريب الوقود والمهاجرين.

وينقسم ولاء المجموعات المسلحة بمدينة الزاوية بين حكومة الوحدة الوطنية، وحكومة مجلس النواب إذ يتحدر من المدينة وزير الداخلية بحكومة مجلس النواب، عصام أبو زيبة.

وشهدت المدينة العديد من الاشتباكات بين فصائلها المتنافسة على مد نفوذها على مؤسسات الدولة، لا سيما المصفاة النفطية، طيلة السنوات الماضية. وفي الأسابيع القليلة الماضية شهدت ثلاثة حوادث اشتباكات لذات الأسباب.

وفي مايو 2023، أطلقت الحكومة المنتهية ولايتها عملية أمنية بمدينة الزاوية والساحل الغربي استهدفت خلالها بواسطة الطيران المسير عددا من مواقع تهريب الوقود والمهاجرين، ووصفت هذه المجموعات بـ”الإجرامية” و”الخارجة عن القانون”، فيما اتهمت حكومة مجلس النواب حكومة الوحدة بالسعي لتوسيع نفوذها واستهداف كل من يعارضها.

إجمالًا:

يقدّم هذا التوتر العسكري دليلا حيا على وجود علامات للتصعيد المسلح في أي وقت ممكن بين الفصائل المتنافسة، في ظل استمرار حالة الجمود السياسي وتعثر الوصول إلى حل ينهي أزمة وانقسام البلاد، كما تعكس غياب القدرة على السيطرة على مختلف الأجهزة الأمنية والمجموعات المسلّحة غرب البلاد.

ومن المتوقع احتواء التوتر العسكري الراهن في مدينة الزاوية، مع استبعاد توسعه ليشمل حرب أهلية. بل من المرجح ان تواجه حكومة الدبيبة موجة أخرى من الاحتجاجات، وحراك سياسي يُكثف موجة من المعارضة ضد سياسات الحكومة.

ومن شأن هذه الفوضى الأمنية الناتجة عن استمرار وجود الميلشيات المسلحة أن تقوّض أي جهود جارية لتهيئة بيئة أمنية مواتية لإجراء الانتخابات، كما تؤكدّ الحاجة الملحة لتركيز مؤسسات عسكرية وأمنية موحدة في البلاد.

إلى ذلك، لم يتوصل قادة ليبيا حتى الآن إلى تفاهمات تؤدي إلى إجراء الانتخابات وتركيز سلطة شرعية، بسبب خلافات حول خارطة الطريق المؤدية للحل، وأساس القواعد الدستورية التي تنظم العملية الانتخابية وشروط الترشح للرئاسة، وذلك بسبب الانقسام الحكومي والإداري والصراع المستمر على السلطة والثروة.

كلمات مفتاحية